الشمّاسات
ريمون رزق - 7 تشرين الأول 2025
في 3 تشرين الأوّل 2025 عيّنت الكنيسة الأنجليكانيّة السيّدة سارة ملّالي التي كانت أسقف لندن لمنصب رئاسة أساقفة كنتربري. قالت في خطاب تنصيبها: "اليوم، وأنا أُلبّي نداء المسيح في هذه الخدمة الجديدة، أُحافظ على رسوخي في دعوتي الأولى: اتّباع المسيح، ومعرفته، ونشره في العالم. لقد شكّل غسل الأرجل دعوتي المسيحيّة كممرضة، ثم كاهنة، ثم أسقف. في خضمّ الفوضى الظاهرة من حولنا، وفي خضمّ هذا الغموض العالمي العميق، تكمن إمكانية الشفاء في أعمال اللطف والمحبة... بينما نعيش حياتنا في خدمة الآخرين، علينا أيضًا مواجهة ديناميكيات السلطة، إذ غالبًا ما أغفلنا إدراك إساءة استخدام السلطة أو أخذها على محمل الجد. سيتساءل البعض عما يعنيه أن تقود امرأة كنيسة إنجلترا، أنوي أن أكون راعية تُمكّن الجميع من الازدهار في خدمتهم ودعوتهم، أُقدّم نفسي بتواضع لخدمة عالم الله وكنيسته. لن أنجح دائمًا. لكنني مُشجّعة بقول المرنّم: "وإن تعثرتَ فلن تسقط، لأنّ الرب يمسك بيدك".
إثارة هذا الموضوع هنا اليوم لا يرمي إلى طرح قضيّة كهنوت المرأة التي اتّخذت الكنيسة الأرثوذكسيّة منها موقفًا متحفّظًا، بل للتذكير بحدث ثان يمكننا التأثّر به.
تقع في شهر أيّار 2025 الذكرى السنويّة الأولى لسيامة أول شماسة أرثوذكسيّة من قبل مطران زيمبابوي التابع لبطريركيّة الإسكندرية وسائر إفريقيا. اهتدت إلى الإيمان الأرثوذكسي مع عائلتها في الحادية عشر من عمرها، ومنذ ذلك الوقت التزمت الخدمة في الرعيّة، وكانت تمارس التعليم الديني، وتقوم ببعض المشاريع الاجتماعيّة. تبعت خدمة رسامتها النص الموجود في كتاب الصلوات التي أصدرته أبرشيّة نيو يورك الأنطاكيّة في 1983. خلال القدّاس الإلهي، قامت الشماسة بتلاوة الطلبات، وقرأت الإنجيل وناولت الشعب. لا بدّ من الملاحظة أنّه لم تصدر انتقادات من أيّة كنيسة أرثوذكسيّة على استرجاع رتبة الشماسات في زمبابزي، ما يشير إلى الموافقة أنّ الأمر هو ضمن صلاحيات الأسقف الغسكندري لأنّ رتبة الشمّاسات معترف بها من قبل ثلاثة مجامع مسكونيّة، ولم تُلغَ أبدًا من قبل الكنيسة الأرثوذكسيّة. فلا يوجد عائق قانونيّ إذًا يحول دون قرار إعادتها.
يشهد العهد الجديد على وجود شماسات في الجماعة الرسوليّة. يدعو بولس "فيبية" في رسالته إلى رومية، "دياكونوس كنيسة كنخريّة". فتسميتها دياكونوس تجعلها تتمتّع بالصفات والمسؤوليّات التي يربطها الرسول في رسائله بهذا اللقب، أي الكرازة والتبشير وإدارة الكنائس، والقيام بخدمات جمّة ومختلفة لأبناء الإيمان. واستمر وجود الشماسات في الألفيّة الأولى.
قد شعر كثيرون في العالم الأرثوذكسي، في العقود الأخيرة، بحاجة إحياء رتبة الشمّامسات. وكانت قد دعت اللجان التحضيريّة لمجمع موسكو العام الذي انعقد قبيل الثورة البلشيفيّة السنة 1917، إلى إمكانيّة هذا الإحياء.
بعد أن أعلن الربّ مساواة الرجل والمرأة، مطلقًا ثورته ضدّ كلّ المفاهيم المجتمعيّة المتعلّقة بالجنس والعرق، رجعت الكنيسة إلى مفاهيم العهد القديم، وأدخلت تفريقات ضمن شعب الله الواحد وإقصاء بعض أعضائه من الخدمة المكرّسة.
إذا نظرنا إلى واقعنا الرعائي، نجد أنّ عدد الصبايا الملتزمات يفوق عدد الشبّان، وهنّ يتحملن المسؤوليّة مثلهم، لا بل أفضل منهم، وإنّ بعضهن يرغبن بأن يصبحن شماسات ليخدمن الكنيسة أكثر وبطريقة أجدى. فهل يكون مثل مطران زيمبابوي وبطريركية الإسكندريّة حافزًا لنا؟