مقارنة بين غزّة وأوشويتز[1]
ربمون رزق
النور - العدد الثاني 2025
لفتني
في إحدى الصحف الاجنبية هذا القول المنسوب إلى جندي إسرائيلي: "عندما ادخل
إلى غزّة، أشعر بأني داخل إلى أوشويتز لأقتل النازيّين".
فكّرت أنّ ما يصنعه الجيش الإسرائيلي في سكّان غزّة المدنيين من قتل وتشريد يوازي حقًا ما فعله النازيّون بكمّ من اليهود. وتأملت بقانون الثأر أو الانتقام loi du talion)) الواردة في قانون حامورابي والمؤكّدة في سِفر الخروج (21: 24) القائل: "عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَسِنًّا بِسِنٍّ، وَيَدًا بِيَدٍ، وَرِجْلًا بِرِجْل"، وفي سِفر اللاويّين (24: 17): "وَإِذَا أَمَاتَ أَحَدٌ إِنْسَانًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ"، وسِفر تثنة الإشتراع (19: 21): "لا تَتَرَأَّفْ بِهِ قُلُوبُكُمْ حَيَاةٌ بِحَيَاةٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ، وَيَدٌ بِيَدٍ، وَرِجْلٌ بِرِجْل"ٍ، وأخيرًا سِفر التكوين (9: 6): "سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ". ويُقال إنّ كلّ هذه الاقوال لا بدّ أن تكون طبعت أخلاق شعوب كثيرة، وبينها الشعب اليهودي.
فتساءلت
لماذا هذا القتل بدون شفقة، إذ لم يساهم الفلسطينيّون بقتل اليهود في مخيم
أوشويتز، فلِما هذا الانتقام؟ وإذا كان الامر يتعلّق بمجزرة 7 تشرين الأوّل 1923،
التي حصدت نحو الف يهودي بريء، وتقتضي تطبيق قانون الانتقام، فلماذا هذا الكم من
القتلى الغزّويّين العزل الذين يُعدّون بالآلاف؟
على
كلّ حال سقط قتلى أوشويتز بدون علم العالم، وعندما عرف ما حدث، ذانه وما يزال.
أمّا قتل الغزّاويّين فيحدث تحت انظار العالم ولا أحد يدين! لماذا هذا الصمت من
دول تتدّعي أنّها مسيحيّة وقد قلب يسوع الناصري قانون الانتقام واستبدله بقانون
الغفران والمحبّة؟ تُرى هل فقدت الحركة الصهيونيّة كلّ مقوماتها الاخلاقيّة؟ لا
أعتقد إذا نظرت إلى الآلاف الذين يتظاهرون كلّ يوم لوقف الحرب.
وكتبت
ميشال سيبوني[2]
في هذا المضمار:
"ارتكزت
الصهيونية على إرث الاستعمار والإبادة الجماعيّة اليهودية بشكل خاص، ومع ذلك فإنّ
هاتين الذكريتين كانتا في كثير من الأحيان متعارضتين ومتنافستين. لقد يتم استدعاء
ذكرى الإبادة اليهودية في العديد من المواقف كانت لها بمثابة نموذج أو مرجع.
واليوم، لا تزال إسرائيل متورطة وتعمل في الإبادة الجماعية المستمرة ضدّ الفلسطيّنيين،
في حين تعمل الحكومات على إخلاء إرثها الاستعماري بعناية.
"ولكن قد يكون من المفيد أن نفهم كيف تتفاعل ذاكرة الإبادة
اليهودية والاستعمار في هذا السياق، حيث تتحول إلى دوامة تتضمن الإسرائيليين
أحيانًا كضحايا، وأحيانًا أخرى كجناة، أو حتى الاثنين معًا. ومن هنا تأتي أهمية
الحركة المناهضة للاستعمار في استيعاب هذا التراث المزدوج، ودمج ذاكرة الإبادة
اليهودية في التاريخ العالمي للإبادة الجماعية الاستعمارية الأوروبية.
"إنّ
ما يحدث في غزة أمر غير مقبول، خاصة أنه يتم إنكاره، ونرى أحياناً في ردود الفعل
العامة، نوعاً من التكافؤ بين الإبادة الجماعية اليهودية والإبادة الجماعية
الفلسطينية، يتمحور حول الضحية/الجلاد اليهودي. إنّ هذا التكافؤ السطحي والفظّ من
شأنه أن يؤدي ضمناً إلى الاعتراف بأنّ اليهود لم يكونوا ضحايا من هذا النوع، ويخلق
نوعًا من المنافسة بين الضحايا التي عفا عليها الزمن. وهما مثالان لنفس الارتباك
العقلي.
"إذا كان أوشفيتز يشكل نموذجاً للإبادات الجماعية اللاحقة،
فإنّ ذلك يرجع إلى تسمية جريمة الإبادة الجماعية التي أعقبته. فكل ما حدث قبل أوشفيتز
لم يكن له اسم أو دلالات قانونية. إنّ إنكار الحكومات الإبادة الجماعية المستمرة
في غزة، وإقرارها بحكم الأمر الواقع، على الرغم من توصيات المحاكم الدولية، يحطم
قواعد القانون الدولي (التي أنشئت بعد الإبادة الجماعية). إنّ هذا التأكيدالذي
يتمثّل بالإنكار أو النفي، هو عودة إلى إمكانية الإبادة الجماعية دون قيد أو شرط.
"في
كتابه الذاكرة المتعددة الاتجاهات، يشير مايكل روثبرج[3] إلى الإنكار الأوروبي للمذابح الاستعمارية.
إنّ المفهوم الفرويدي للإنكار يربط بين الصدمة والذاكرة والمعرفة، وبالتالي يسمح
بتحليل العلاقة بين العنف الاستعماري والقاري من ناحية، والإنكار الذي يربطه سيزير[4]
بوحشية أوروبا من ناحية أخرى.
"وما
كتبته هانا أرندت[5]
في 1964 في كتابها "المسؤولية الشخصية والحكم الدكتاتوري": "كل فعل
أخلاقي كان غير قانوني [...] وكل فعل قانوني كان يشكل جريمة"، يأخذ معناه
الكامل اليوم: الإبادة الجماعية في غزة قانونية في نظر المجتمع الدولي، على الرغم
من أنها غير أخلاقية، وأولئك الذين يعارضونها مجرمون (ولكن أخلاقيّون)"[6].
لماذا
غزّة؟
كان
يريد إسحق رابين أن تغرق غزّة في البحر. إنّ ثلاثة أرباع سكّانها هم لاجئون من
أيّام النكبة. تريد إسرائيل أرضهم، لكن بدونهم. من هنا الدمار الممنهج والكامل.
إسرائيل
مكوّنة من شعب يعيش في الخوف أنّ أوشيوتز سوف تتكرّر، ويعتبرون كلّ مَن يقاومهم
هتلر آخر يريد محيهم من الوجود. وكان يربط ثيودور هرتزل (1860-1904)، أحد مطلقي
الحركة الصهيونيّة، تحوّل اليهود إلى مستعميرن في الشرق لكي يعتبرهم من الغرب،
رابطًا الصهيونيّة بالإستعمار. وكما كلّ المستعمرين الأوروبيّين، يعتبرى اليهود
أنفسهم أكثر فهمًا من السكّان المحليّين ويحتقرونهم.
تقول
سيبوني: "منذ 1960، يعتبر المجتمع الإسرائيلي ككل أنّه الوريث المركزي
للمحرقة، ما يزال يؤثر عليه ويُشغله ويدفعه إلى الإبادة الجماعيّة الحاصلة الآن.
إنّ زمن الإبادة الجماعية هو زمن لا يمر، يعيش هذا المجتمع محاصرًا في زمن
المحرقة: الأمس واليوم ليس لهما معنى تحت التهديد الدائم بالإبادة.
واليوم تتأرجح الأحداث بين محرقة 39-45 ومحرقة 7 تشرين الأوّل، والتي ينبغي أن نعتبرها نسخة طبق الأصل من الصدمة الأصليّة وليس استمرارية لها".
لذلك
ليس مستغربًا ان تكون مجزرة 7 تشرين الأوّل قد عاشها الشعب الإسرائيلي كمجرقو
النازيّين الثانية. وإذذاك انقلب بعض أعضائه من ضحايا إلى جلّادين يريدون إبادة
أهل غزّة الجماعيّة. يريدون بدون وعي الانتقام من الفلسطينيّين عما فعله النازيّون
بهم. ويقول بعض المسؤولين أنّ أهل غزّة هم "حيوانات بشريّة يجب القضاء
عليهم"، ما يذكر بكلام النازيّون في أعدائهم أنّهم "حيواتات
بشريّة"[7].
يحدّد إيميه سيزير في كلامه على الإستعمار "إنّ المستعمر من أجل تصفية ضميره،
يتعود أن يرى في المستعمَر حيوانًا، ويتدرّب على معاملته كحيوان، وبدون أن يعي أن
ذلك يحوّله إلى حيوان".
نحن
أمام هذا المشهد اليوم: بشر يتحوّلون إلى حيوانات بتصرفاتهم تجاه مَن يعتبرونهم
حيوانات. علينا أن نصلي بحرارة لهؤلاء جميعهم ليعوا أنّهم مخلوقون على صورة الله
ومدعوون أن يصبحوا آلهة بتبني أخلاقيّات الغفران والمحبّة التي بشّر بها الربّ
يسوع.
[1] احد
مخيمات الموت في بولونيا أثناء الحرب العالميّة الثانية.
[3] Michael Rothberg
dans Mémoire multidirectionnelle, 2018, Repenser l'Holocauste à
l'aune de la décolonisation [2009], traduit de l'anglais] par Luba Jurgenson,
Paris, Éditions Petra., 3
[4] Aimé Césaire
(1913-2008)هو كاتب وسياسي فرنسي
[5] Hannah Arendt (1906-1975). هي فيلسوفة وسياسيّة وصحافيّة أمريكيّة،
التي بعد أن كانت مقتنعة بالحركة الصهيونيّة، انتقجتها، فاتّهم الصهاينة .
[6] Analyses, opinions et débats
thématiques, colloque 8à ans Auschwitz ; Avril 2025.
[7] خطاب
هيملير في بوزين السنة 1943.