في ذكرى كابي حبيب

 

ريمون رزق


اكتسبت حركتنا اليوم شفيعًا في السمموات. بفراقه عنّا، أصبح كابي حبيب في حضن مَن أحب طيلة حياته وخدم في أحبّائه.

كان لنا مثالًا في الجهاد والالتزام، مبتكرًا على الدوام أساليب جديدة للخدمة. كان يرى يسوع مصلوبًا في كلّ إنسان، وكان على استعداد دائم لضمّه إلى صدره. برؤيته هذه وجهوزيّته لغسل أرجل الإخوة، علّمنا ملاقاة الربّ، ليس فقط في الكتاب والليتورجيا، بل أيضًا في كلّ عباده. وسّع آفاق الذين كانوا يعتقدون أنّ مسؤوليّتهم تمتدّ إلى حدود رعيتهم أو طائفتهم، فعلّمنا كابي أنّ حدود الكنيسة تصل إلى أقاصي الأرض وأعماق كلّ إنسان.

كان سبّاقًا في معظم ما أُعطي له أن يقوم به، ولا يمكن الإحاطة به لكثرته وتشعّبه. أعاد إطلاق الحركة بين الطلاب وكان وراء المؤتمرات الطلابيّة الأولى. كان أوّل مسؤول عن اتحاد الطلبة المسيحيّين في الشرق الأوسط، بعد أن مثّل شباب الشرق الأوسط في مجلس الشباب التابع لمجلس الكنائس العالمي. أطلق فكرة المؤتمر العالمي للمسيحيّين من أجل فلسطين وساهم مساهمة أساسيّة في انعقاده ونجاحه. عمل على إطلاق مجلس كنائس الشرق الأوسط وكان أمينًا عامًا له لسنوات طوال مثمرة. نشّط سيندسموس، الرابطة العالميّة لحركات الشباب الأرثوذكسيّة، وفتح عضويتها، أثناء أمانته العامّة لها، لمعاهد اللاهوت في غياب حركات الشباب في البلدان الشيوعيّة آنذاك، كما دعى شباب الكنائس الأرثوذكسيّة القديمة، السريان والأقباط والأرمن، إلى مشاركة نشاطاتها لتنمية أواصر التواصل والمعرفة المتبادلة بينهم والأرثوذكسيّين. أكتفي بهذا الكم، بدون الكلام على المؤتمرات العديدة التي اشترك فيها بغية توحيد المسيحيّين أو إحلال السلام في العالم أو معاضدة المحتاجين والمضطهدين. وكان فيها الصوت الأرثوذكسي الصلب والمنفتح في آن.

لكن لا بدّ لي من الذكر، ختامًا، عمله الدؤوب في أمانة الحركة العامة، مساعدًا لأمينها العام الأب جورج خضر، في آخر سنوات ولاياته. كما كان يده اليمنى في علاقاته المسكونيّة وكثيرًا من نشاطاته. كما كان أيضًا اليد اليمنى لكثير من علاقات المثلث الرحمات الأسقف ثمّ البطريرك أغناطيوس الرابع.

كان كابي حبيب كلّ ذلك وأكثر منه. جسّد التطلّعات النهضويّة التي أطلقتها حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة بكلّيتها. أعطى حياته كلّها لتكون كنيسة أنطاكية "بلا عيب أو وهن"، ولتسترجع رسالة الانفتاح والمصالحة التي طالما كانت تتميّز بها، والتي كانت، ولا تزال، في طريق فقدانها.

نفتقد بغيابه مثالًا حيًّا نقتضي به. لن ننساه. سينتصب أمامنا كلّما زادت الضيقات، ويدعونا إلى الرجاء. كان عملاقًا متواضعًا وهذا النوع من العمالقة لا يموت، بل يبقى حيًا في حضرة المسيح الذي عشقوه وكرّسوا له كلّ طاقاتهم.

وداعًا يا كابي، يا أخي وأقرب صديق لي. تركتنا قبل أيّام من ذكرى فراق عملاق آخر، الأخ ألبير لحام، الذي جاهدت معه في الحركة وسيندسموس والعمل المسكوني. فليكن ذكركما مؤبّدًا.

المسيح قام ويمسح دموعنا.

المشاركات الشائعة