هل من تضادّ بين الصلاة والشهادة في العالم والتزام شؤون الأرض؟

 ريمون رزق

مجلة النور - العدد السابع 2016


الإيمان بدون أعمال باطل. يخرجنا إتمام الوصايا الإلهيّة من التقوقع على ذواتنا ويدفعنا إلى خدمة الآخرين. تبيد مساعدة الفقراء مثلًا فينا شهوة البخل والجشع والكبرياء.

تتبع الحرب للتخلّص من الأهواء حرب لاكتساب الفضائل (العفّة واتّضاع الفكر والصبر والمحبّة وعدم إدانة الغير ومعرفة الذات، كما هو وارد في صلاة التوبة لأفرام السريانيّ).

يؤكّد مرقس الناسك أنّ "السيّد مختبىء في وصاياه، ونحن نجده بقدر ما نسعى إليها... لا تقل قد جاهدت ولم أجد السيّد"[1]. يجب معرفة الوصايا معرفةً حقيقيّة وأخذها على محمل الجدّ وتجسيدها في حياتنا الشخصيّة وفي خدمة الناس.

إن كنّا نريد أن نكون مسيحيّين، لا بدّ لنا من الشهادة في المجتمع الذي وضعنا الله فيه. يدعونا يسوع إلى الجهاد، ليس فقط ما يُسمّى بالجهاد الروحيّ، بل إلى المساهمة في أنسنة مجتمع البشر ومحاربة كلّ ظلم وقهر، لكن بواسطة أساليب لا ينكرها الإنجيل.

يذكّرنا نقولا كابازيلاس "أن نعلن أنّ المسيح الذي يدعونا إلى وليمته يجاهد إلى جانبنا. غير أنّ رفيق الجهاد لا يمدّ يد المساعدة للكسالى والمتباطئين بل للمقدامين الذين يجاهدون بكرامة وشجاعة وقوّة ضدّ العدوّ... عندما يمنحنا المسيح نعمه... يزوّدنا بكلّ ما من شأنه تعزيز شجاعتنا وترسيخ مواظبتنا على الجهاد والظفر. لا يعني جهاده إلى جانبنا أنّه يقوم بالعمل كلّه وحده"[2].

بالنسبة إلى الأنبا موسى، أحد آباء الصحراء، الهدف من عملنا في العالم هو "نقاوة القلب أي المحبّة"[3]. المحبّة تجاه الخليقة جمعاء بكلّ مَن فيها، الإنسان والحيوان وسائر الخلائق. تتجسّد المحبّة برحمة لامتناهية. يذهب إسحق السريانيّ إلى حدّ القول بأنّ القلب المحبّ والرحيم هو "الذي يلتهب بمحبّة تستيقظ في قلب الذين يتشبّهون بالله"[4]. ويضيف نيلوس البارّ: "لا يدين الخاطىء ولا أبناء عصره... لا يرغب سوى في أن يحبّ كلّ إنسان ويجلّه، بدون أيّ تمييز... إنّه يحترم الإنسان من بعد الله، وكأنّه الله نفسه"[5]. ويشدّد غريغوريوس بالاماس على أنّ "صحّة النفس وكمالها لا يتحقّقان إلّا بالمحبّة وحفظ الوصايا"[6] اللذين هما ركائز كلّ عمل في العالم.

المحبّة هي إذًا مفتاح كلّ شيء. تأتي المحبّة قبل المعرفة. فمحبّة الإخوة ومحبّة الأعداء هي الطريقة لمعرفة الله، وليست مجرّد مبدأ أخلاقيّ. ينهي نقولا كابازيلاس كتابه "الحياة في المسيح" بنشيد المحبّة التالي: "هذه هي الحياة في المسيح الظاهرة بنور الأعمال الصالحة، أي بالمحبّة... الحياة في المسيح تفرضها المحبّة... فمحبّة المسيح اتّحاد به وهذا الاتّحاد يشكّل الحياة الحقيقيّة... المحبّة هي القوّة الوحيدة التي يجب أن تحرّك المسيحيّ الحقيقيّ... كلّ الأشياء ستبطل في الحياة الأخرى، أمّا المحبّة فستبقى لأنّها ضروريّة لغبطة الحياة".

وكرّر سلوان الآثوسيّ في القرن العشرين أنّ "أخانا هو حياتنا الحقيقيّة"، وأنّ "مَن لا يحبّ أعداءه لا يمكنه معرفة الله ولا نِعَم الروح القدس"[7].

فمَن يفصل الصلاة عن الأعمال والشهادة والخدمة في العالم ليس من سلالة هؤلاء الآباء الكبار.

 



[1]القانون الروحي، 191.

[2] الحياة في المسيح.

[3] أقوال الآباء الشيوخ.

[4] المقالات النسكيّة.

[5] الخطاب 81.

[6] الثلاثيّات.

[7] الستاريتس سلوان، راهب من جبل آثوس، الأرشمندريت صفروني.

المشاركات الشائعة