حول مؤتمر نيودلهي

 ريمون رزق

النور - العدد الثاني والثالث 1962 


الأحد 19 تشرين الثاني 1961

صباح الأحد في التاسع عشر من تشرين الثاني انضم العديد من أبناء كنائس نيودلهي إلى الألف والمئتين مشترك في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي ليساهموا سوية في الخدمة المقدسة المعلنة افتتاح المؤتمر هذا بالإضافة إلى جمع من مراسلي الصحف ووكالات الأنباء والتلفزيون الذين أتوا من كل حدب وصوب ليشاهدوا هذا الحدث الضخم في تاريخ الكنيسة. وسط هذه الآلاف المجتمعة تحت خيمة واسعة نصبت خصيصاً لهذه الغاية أخذت الوفود الرسمية تشق طريقها مرتبة حسب حروف الأبجدية.

ترأس هذه الخدمة الرؤساء الخمسة للمجلس المسكوني يعاونهم رئيس المجلس العالمي للارساليات وقد حث أحد الخطباء الكنائس أن لا تظل أسيرة الأحداث التاريخية التي في جوها نمت وترعرعت وشدد على وجوب الاعتماد في المستقبل على المساهمة الآسيوية في الكنيسة التي تشبه المساهمة اليونانية الرومانية في عصور الكنيسة الأولى.

وكان جوقان باللباس الأبيض يحيطان بالمحتفلين بهذه الخدمة ينشدان الأناشيد الغربية والآسيوية.

- دمج المجلس العالمي للارساليات بمجلس الكنائس العالمي :

بعد ظهر اليوم نفسه عقدت أول جلسة عملية وقد تميزت هذه الجلسة بدمج المجلس العالمي للارساليات بمجلس الكنائس العالمي بعد خمس سنوات من النقاش والجدل. وقبل إقرار هذا الدمج لفظ الأسقف نيوبكن Newbigin كلمة أكد فيها أن ضم الارساليات إلى نشاطات مجلس الكنائس العالمي يساعد كثيراً على تفهم حاجات عصرنا الروحية وشدد على ضرورة نقل البشارة إلى آفاق غير مسيحية، خارج العالم المسيحي الحالي حيث لم يسمع بالإنجيل قط وحمل قسم الإرساليات في المجلس العالمي مهمة حثّ وتذكير كل كنيسة بواجب المساهمة في هذا العمل الضخم، هذا العمل الضروري. ثم ختم الأسقف المذكور بحاجة الإرساليات إلى رجال ونساء وشبان وشابات مستعدين للتضحية بحياتهم في الخدمة في أية بقعة من بقاع المعمور.

هكذا وافق في قرار تاريخي مندوبو مائة وخمسة وسبعين كنيسة أعضاء في مجلس الكنائس العالمي على دمج المجلسين اللذين انبثق أولهما وهو المجلس العالمي للارساليات عن مؤتمر ادنبورغ سنة 1910 والثاني وهو مجلس الكنائس العالمي تألف سنة 1948.

الإثنين 20 تشرين الثاني

أعضاء جدد:

قبل المؤتمرون ثلاثاً وعشرين كنيسة أعضاء في مجلس الكنائس العالمي نذكر منها عدداً كبيراً من الكنائس الجديدة المنبثقة عن الإرساليات الغربية وأربع كنائس أرثوذكسية من وراء الستار الحديدي وهي كنائس روسيا ورومانيا وبلغاريا وبولونيا ولهذا الانضمام أهمية كبرى بالنسبة لنا إذ تجتمع الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة كلها في قلب مجلس الكنائس العالمي وهكذا تستطيع أن تشهد بقوة. وقد عبر المندوبون الأرثوذكسيون عن فرحتهم بهذا الحدث التاريخي مهنئين المؤتمر على هذا القرار.

الثلاثاء 21 تشرين الثاني

رسالة من كنيسة الحبشة:

بعد الخلاف الذي حصل في المجمع الخلقدوني سنة 451 أكملت الكنائس الشرقية، الأرمنية والقبطية والسريانية وكنيسة الحبشة طريقها منفرداً، وقد أظهرت هذه الكنائس كل ترحيب بالحركة المسكونية التي تجتاح العالم اليوم ورسالة كنيسة الأحباش التي وجهت إلى المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي عبر عن تحسس هذه الكنيسة للقضية المسكونية وتظهر وجهة نظرها وحاجاتها قالت الرسالة ما معناه:

فيما يتعلق بالشهادة، والتبشير فإن كنيسة الحبشة تعي وعياً تاماً أنها أهملت في مراحل تاريخها أن ترسل مبشرين يحملون الإنجيل إلى العالم الغير المسيحي ولا يمكنها في الوقت نفسه أن تثني على "من يسرقون النفوس" الذين يسهلون انتقال المؤمنين من كنيسة إلى أخرى وهي تأمل أن يكون لدمج المجلس العالمي للارساليات لمجلس الكنائس العالمي أثره الفعال في منع وإحباط استمالة الناس إلى مذهب غير مذهبهم. وفيما يتعلق بالخدمة فإن كنيسة الحبشة التي تحمل في وطنها مسؤوليات ثقافية واجتماعية كثيرة ترى أنها بوسائلها الخاصة لا تستطيع أن تخلع عنها وزر الماضي لذا عليها أن تتعاون مع الدولة وأن تسعى للحصول على معونة الكنائس الأخرى.

ثم تنتقل الرسالة إلى وصف الحالة في أفريقيا بالخطر لأن الأفريقيين يميلون إلى التخلي عن المسيحية مع التخلي عن الاستعمار فهم ينظرون إلى المسيحية كديانة البيض فقط لذا فإن كنيسة الحبشة التي نشأت في أفريقيا في القرن الأول تريد أن تلبي نداء الرب في هذه المنطقة وفي هذا الجو بالذات متوكلة على معونة الكنائس المسيحية الأخرى لها.

الخميس 23 تشرين الثاني :

أثناء جلسة عامة عقدت هذا اليوم قدم فريدريك نولد Frederiek Nolde  مدير بعثة الكنائس المكلفة بالقضايا الدولية، تقريره. ومهمة هذه البعثة هي تأمين اتصال دائم بهيئة الأمم المتحدة وبغيرها من الهيئات الدولية. هي تساهم وتساعد في تنمية وتطوير التشريعات المتعلقة بالقانون الدولي وبالمؤسسات الدولية. هي تسعى لتأمين احترام حقوق الإنسان والحريات العامة معيرة حرية المعتقد اهتماماً عظيماً هي تدعو إلى تعاون اقتصادي عالمي وإلى برنامج عالمي لنـزع التسلح وهي تدعم المؤسسات الدولية من اجتماعية وثقافية وتربوية وانسانية.

من تقرير مدير هذه البعثة نستطيع أن نأخذ التوصيات الموجهة إلى المسيحيين عامة وإلى من يعيشون القضية المسكونية خاصة:

تسهيل اتحاد كل شخص بالعائلة البشرية كلها.

المساهمة في إنماء أخلاق دولية.

تأدية شهادة بين الأمم هدفها الوحيد السلام والعدالة والحرية.

 المساهمة في بناء مجتمع منفتح وصريح في كل دولة.

المساعدة في تحديد ظروف الصراع كوسيلة للحياة في مجتمع منقسم. 

إعطاء العدالة الاجتماعية مركزاً مرموقاً في كل مكان ومن أجل كل الناس.  

إعطاء قيمة كبرى للرأي العام العالمي كوسيلة لمجابهة الجسارة واليأس ولتسهيل أي عمل دولي بناء.

الجمعة 24 تشرين الثاني

في هذا اليوم وقف رئيس أساقفة كنتربري السيد ميخائيل رمزي وعرض وجهة نظر كنيسته ي الوحدة المسيحية. يعتقد سيادته أن البحث عن الوحدة لا يفهم إلا إذا كان مضموناً بالبحث عن القداسة والحق في المسيح يسوع ثم يتابع ويقول، ينتقد العالم تفككنا وعلينا أن نقبل انتقاداته، دون أن نأخذ بنظرته إلى الوحدة. هو لا يهتم بالقداسة والحق الحاصلين بيسوع المسيح.

فهمنا للوحدة هكذا يفرض علينا تعمقاً في معرفة الحقيقة وتكريساً داخلياً صحيحاً وبحثاً عن شركة عملية بين الكنائس. حاجة الوحدة تظهر بصورة ملحاحة حيث يوجد عدد من الطوائف المسيحية ولكن يجب أن يرافق هذا الإلحاح الإلهي صبر إلهي. علينا أن نتحمل ونحترم بعضنا بعضاً.

بعد رئيس أساقفة كنتربري وقف السيد نيسيوتيس الارثوذكسي وهو المدير الثاني لمؤسسة بوسي المسكونية وعرض ما تقدمه الأرثوذكسية كمساهمة في الشهادة للوحدة قال ما اختصاره:

الوحدة بالنسبة للأرثوذكسية حقيقة مطلقة تأتي من الله وبالتالي لا تنتج عن أي اتفاق بشري. من هذا الفهم تعتقد الأرثوذكسية أنها تستطيع أن تقدم مساهمة فريدة في النقاش حول الوحدة. عليها أن تكون محور الحركة المسكونية وستلعب هذا الدور إذا حافظت على رسالتها الجامعة الرسولية وعلى طريقتها الخاصة في التفكير كاعتقادها مثلاً بأن تحديد سر الله بعبارات واضحة مطلقة يشكل خرقاً للإيمان.

بما يتعلق بالكنيسة الرومانية اعترفت الأرثوذكسية دائماً بأولية شرفية لأسقف روما هذه الأولية التي تفي بحاجة من حاجات الكنائس ونأمل أن يعطي مجمع الفاتيكان الثاني تفسيراً جديداً لأولية كرسي روما وأن يعيد لنظام الأبرشيات بعض الاعتبار. أما بالنسبة للكنائس المنبثقة عن حركة الإصلاح فيجب القول أن ليس هناك كنائس منشقة بل كنائس تاريخية في حالة انشقاق وسط الكنيسة الواحدة غير المنقسمة وأننا ندعو هذه الكنائس إلى اكتشاف سمو الكنيسة في المسيح يسوع.

الوحدة التي نريد ولها نعمل ليست مرادفاً للتسوية ولا ترتكز على نظام مفروض من سلطة مركزية بل هي مؤسسة ومحفوظة بالنعم المنسكبة على شعب الله بالروح القدس.

وفي الختام ذكر القس بوتر Potter كواقع لا ينكر الزخم القوي الذي يعطيه الشباب والطلاب والحركات التبشيرية الروحية للحركة المسكونية وأنهى حديثه بأن طلب من الكنائس أن تقبل بأسلوب المناولة المشتركة التي بدونها لا يستطيع شعب الله أن يقدم شهادة واحدة في العالم.

الإثنين 27 تشرين الثاني:

تميز هذا اليوم بتصريح لسيادة المطران يعقوب Jakovos وهو رئيس أساقفة اليونان الأرثوذكس في أميركا ننقل منه ما يلي:

"لا يمكن أن نفهم الوحدة بحد ذاتها كمزيج أو تجمع لكنائس قائمة في كنيسة واحدة بل هي اهتمام والتزام شخصي لكل مسيحي في العالم لقضية اسم الرب. طريق الوحدة طريق طويل ومفروش بالمصاعب والعثرات ولكننا نستطيع أن نمضي فيه إلى النهاية إذا خدمنا معاً وأعلنا إيماننا المشترك في التواضع والحق".

الخميس 30 تشرين الثاني:

في هذا اليوم انتخب المؤتمرون ستة رؤساء لمجلس الكنائس العالمي نذكر منهم سيادة المطران يعقوب والدكتور رمزي رئيس أساقفة كنتربري. ومن ثم انتقلت إلى انتخاب اللجنة المركزية التي تتألف من مئة شخص يؤلفون الهيئة التنفيذية في مجلس الكنائس العالمي حتى انعقاد المؤتمر الرابع. وقد تمثل الأرثوذكس بهذه اللجنة بسبعة عشر عضواً منهم سيادة الأسقف اغناطيوس هزيم الذي انتخب أيضاً عضواً في لجنة الإيمان والنظام المؤلفة من كبار اللاهوتيين.

في اليوم نفسه وفي اجتماع عام مخصص لضرورة الشهادة المسيحية تكلم ستة أشخاص عارضين طرق البشارة وإمكاناتها في بلاد مختلفة بين هؤلاء الستة كان الأسقف اغناطيوس هزيم الذي قال: "إن سر بقاء المسيحية في الشرق العربي هو المثال الأخلاقي الذي يقدمه المسيحيون والطقوس الكنائسية المعروفة التي تؤثر كثيراً في حياة المؤمن". وأعلن في النهاية "نحن نؤمن بالتجسد لذا فالحياة المسيحية يجب أن تدخل حياة العالم. إذا نسينا إحدى طبيعتَيّ المسيح نقع إما بالمثالية الفكرية أو بالمادية الغليظة".

السبت 2 كانون الأول:

اتخذ المؤتمر في هذا اليوم قراراً بشأن العلاقات بين البشر من أجناس مختلفة بناء على اقتراح قدمته لجنة "الكنيسة والمجتمع" دعت فيه الكنائس إلى الحذر من القساوة العنصرية التي ترافق غالباً التحول السريع في الحياة الاجتماعية. وقد لاحظ القرار أن الكنائس تستعمل لجمع المسيحيين وحفظهم فوق الانقسامات العنصرية وأنه في جو يسوده التسامح واللاعنف يناضل بعض الناس بشجاعة من أجل حقوق البشر.

وقد وافقت الجمعية العمومية على إيجاد سكرتيرية في مجلس الكنائس العالمي تهتم بالعلاقات بين الشعوب وبين الأجناس وتحث الكنائس على العمل في هذا الحقل بحمية أقوى من السابق.

ثم اعتمد المجلس قاعدة جديدة لتعريفه وهي:

مجلس الكنائس العالمي هو جمعية أخوية للكنائس التي تؤمن بيسوع المسيح إلهاً مخلصاً حسب الكتب وتعمل جاهدة متكاتفة في سبيل دعوتها المشتركة لمجد الإله الواحد الآب والإبن والروح القدس.     

الكنائس والقضايا الدولية

في هذا الحقل قدمت بعثة الكنائس المكلفة بالقضايا الدولية تقريراً تطلب فيه دراسة المشاريع المقدمة من الدول لنـزع السلاح والسعي لبحثها وكشف النقاط المتفقة. هكذا تستطيع الكنيسة أن تظهر دائماً ما هو العائق الحقيقي للسلام. ويرى تقرير اللجنة أن يصار إلى عقد اجتماع يضم مسيحيين من الدول المتنازعة وخاصة من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة لكشف تفكير كل بلد وتبيان مبررات هذا التفكير وفيما يتعلق بالتجارب النووية يشجب التقرير تجارب فرنسا وعودة روسيا إلى متابعة سلسلتها. ويرى أن واجب الكنائس هو التعبير عن الفكر المسيحي في هذا الحقل والتأثير على الدول.

شجب التقرير أيضاً الاستعمار ووصفه بأنه ظلم يرفضه الضمير المسيحي كما أنه شدد على وجوب حفظ حق الأقليات في الدول التي تحوز على استقلالها. وفي الختام طالب التقرير بالسعي لإيجاد ضمانات دولية تتعلق بتأمين حقوق الإنسان وخاصة حرية المعتقد التي يجب أن يعلن احترامها في كل دولة.

الإثنين 4 كانون الأول

قبل أن ينهي المؤتمر أعماله وجه نداء إلى الدول والشعوب وذلك تنفيذاً للقرار المتخذ في الاجتماع الثالث لمجلس الكنائس العالمي المنعقد في نيودلهي في شهر تشرين الثاني سنة 1961 هذا نصه:

1.  إن المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي الذي ضم عدداً من المسيحيين الذين قدموا إليه من شتى أقطار الدنيا، يوجه النداء التالي إلى جميع أمم العالم، حكومات وشعوباً على السواء.

2.  لقد أضحت الحرب في أيامنا هذه عدواً مشتركاً لجميع الأمم. بل هي وصمة وطعنة للطبيعة الإنسانية. فبسببها أصبح مستقبل الأجيال القادمة، وتراث العصور الماضية متأرجحين معلقين في كفة ميزان، معرضين للضياع والفناء بيسر وسهولة طالما أن أقل خطأ في التصرف أو في التقدير والحساب، تقع فيه قلة من الناس أو العلماء، قد يجر الدنيا بكاملها إلى خراب شامل ودمار هائل. أما الحفاظ على مستقبل الأجيال وتراث الماضي فأمر صعب يتطلب تكاتفاً وجهداً من الجميع. لذلك كله ينبغي لنا أن نتسلح بضبط النفس ونكران الذات في معالجة شؤون الحرب وأن نتحلى بالصبر والدأب في حل القضايا التي ينشأ عنها التفرق والانقسام كما يجب ان نتذرع بالشجاعة والإقدام للتمسك بكل ما يعمل لصالح السلام.

3.  وإذا أريد للبشرية أن تهجر طرق الحرب وتسلك دروب السلام، فلا بد لها من أن تتخلى عن كل تهديد بالحرب، وبذلك تتوصل إلى القضاء على حرب الأعصاب وتضع حداً للضغط على الشعوب الصغيرة وتفجير القنابل المختلفة، فمن المستحيل تماماً على أمة من الأمم أن تتبع، في وقت واحد سياستين متناقضتين: التهديد بالحرب من جهة ونزع السلاح من جهة ثانية.

4.  إن إيقاف سباق التسلح أمر ضروري ومحتم. وإذا كان الهدف الذي تنشده البشرية كلها هو نزع السلاح الكامل الشامل، فلا بد في سبيل التوصل إليه من اتخاذ خطوات عملية ضرورية. وأولى هذه الخطوات وأهمها هي التوقف عن إجراء التجارب الذرية تحت مراقبة وإشراف فعالين، رغم ما يعترض ذلك من عقبات وصعوبات.

5. وإن إحلال العقل محل القوة، وتدعيم رغبة الشعوب في السلام يتطلبان قبل كل شيء، وبصورة رئيسية، وجود منظمات للسلام تتكفل بالترتيبات اللازمة لإحداث التطورات المنشودة ولحسم المنازعات والخلافات. لذلك كان لزاماً علينا جميعاً أن ندعم منظمة الأمم المتحدة ضمن نطاق ميثاقها روحاً ونصاً. وليس هذا الواجب مفروضاً على أمة دون أخرى بل هو مفروض على الجميع على السواء وعلى الدول غير المنحازة لإحدى الكتلتين الجبارتين تستطيع أن تسهم في أدائه، وأن تحرز مع سواها ورغم حيادها، بطولة الدفاع عن مبادئ الميثاق.

6. وان إقامة صرح السلام والعدالة تحول دونها عوارض وموانع من عدم الثقة. فلا بد من مهاجمة هذه العوارض وإزالتها، لأن الثقة المتبادلة هي، في هذه الأيام، أعظم الثروات شأناً، وأندرها وجوداً في العالم، فلا يجوز إذاً أن ينقص منها ولو جزء يسير بل يجب إذاً أن يزاد عليها، ويضاف إليها. وإن الأسس الكبرى التي يقوم عليها بنيان المجتمع المتحرر هي حرية إقامة اتصالات طليقة بين الفرد والفرد وبين الأمة والأمة، وكل ما يحول دون هذه الحرية يجب أن يزال ويقضى عليه قضاء مبرماً، وبصورة خاصة ما كان باعثاً على الانقسام والتفرقة، بين الشعوب أو بين الكنائس أو بين العائلات والأسر وإن حرية الاتصالات البشرية وحرية الأنباء والإعلام، وحرية التبادلات الثقافية هي كلها عناصر جوهرية واساسية في إقامة صرح السلام.

7.  وفي سبيل تدعيم وتشجيع الثقة المتبادلة بين الشعوب، ينبغي لهذه أن تضحي وأن تغامر وتخاطر في سبيل السلام... ولكن إلى حد معقول. ومن أمثلة ذلك أن الأمة التي تقبل أساساً ما لنـزع السلاح، إنما تخاطر ضمناً من ناحيتين فالخطر الأول يتأتى من عدم إمكان إقامة تفتيش فعال على نزع السلاح. والخطر الثاني هو أن يتجاوز هذا التفتيش حدوده ويخرج عن صلاحيته، ومع ذلك فإن الدولة التي تريد أن تلعب دور القيادة وأن تخرج هي وتخرج الدنيا من هذه الحلقة المفرغة، لا بد لها من أن ترضى بهذه المخاطرة المزدوجة.

8.  وفي أيامنا هذه تسنح فرص كبيرة للعمل البناء في مجال الصراع لأجل تطوير العالم. وقد أصبح من الأهداف النبيلة الممكن بلوغها، أن تتقاسم الإنسانية جمعاء خيرات الحضارة البشرية وفوائدها. وأن التشدد في النضال ضد الفقر والجهل والمرض والاستغلال يتطلب منا تضحيات كثيرة واستخداماً متزايداً لمصادر الثروة العلمية والتربوية ويجب أن تقوم الشعوب بإعداد برنامج إيجابي للسلام، وبأن نوجد بديلاً خلقياً عن الحرب.

9. وإن كل صراع بناء من أجل السلام والعدالة يقتضي اعتراف الانسانية كلها بأهدافها الأصلية، أهداف الشعوب كلها مهما كان نظامها أو عرقها أو جنسها أو معتقدها. وإذا شاءت الحكومات ألا تستعمل قوى الإنسان الجديدة في سبيل تحطيم حريته، فعلى هذه الحكومات أن تتذكر أنها خادمة للمواطنين وأن تحترم قيمة كل فرد إنساني، وأن أسمى غايات الحكومات إنما هو زيادة كرامة الإنسان، وتحريره من كل قيد حتى ينطلق إلى استعمال قواه العليا استعمالاً خلاّقاً بناء.

10. ونحن، إذ نوجه هذا الدعاء إلى الحكومات والشعوب كافة، إنما نعمل بدافع من ولائنا العظيم وطاعتنا التامة لرب التاريخ، هذا الرب الذي يتطلب من الجميع استقامة ورحمة والذي هو نور وضاء يدخل الشعوب والأمم إلى قلوب الناس جميعاً، ومن أجل الوصول إلى إقامة صرح السلام والعدالة سنبذل جهوداً متواصلة لا تني أبداً ونرسل نداءنا هذا إلى جميع الكنائس لتقوم بشد أزرنا ودعم قوانا، سواء بالعمل أم بالصلاة.

المشاركات الشائعة