شهادة طالب حركي

 ريمون رزق

النور - العدد الثامن 1956

 

أصدقائي الطلاب،

أقدم، هنا، بعض آراء عما يجب أن يعمله، في الوسط الذي يعيش، كل ارثوذكسي فتي، واعٍ كل الوعي مجد لقب "مسيحي" الذي يحمله.

نحن نأتي إلى هنا من سائر مؤسسات بيروت التعليمية، ولذا فنحن نعيش عادة في أجواء، ان اختلفت من حيث المظاهر الخارجية، فهي تتفق في عدة نقاط مشتركة.

كلنا شباب ونعيش جميعاً في جوّ الصبا المعهود، وقد تعرض لنا عدة قضايا، لا بد لكل شاب وشابة أن يواجهها بلا شك، وهكذا، نستطيع، بلا تردد، أن نعرض هنا، عدة أسئلة مشتركة بيننا، علنا نجد لها حلا، ان قضت الحاجة لذلك.

ونحن اذ نجلس على مقاعد الدراسة نجلس جنب طلاب من سائر الجنسيات والمذاهب، ونجاور شباناً ذوي جنسيات مختلفة فيما يختص بالقضايا الدينية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية.

هذا التنوع في المعتقدات والآراء سيقود حتماً إلى مناقشات شتى، وعندها تنتشر وتعم غالباً آراء خاطئة، آراء لا يقدر ولا يحق للعقل المسيحي ان يتقبلها، فمن الضروري اذن، ان يرى ويدقق جيداً كل واحد منا. وان يتخذ لنفسه "موقفاً" ويفهم الآخرين ان حياتنا هذه تختلف معانيها تماماً حسب تسليطنا الأضواء عليها من السماء ومن الارض وتتغير مفاهيمها بمقدار سيرنا في النور أو سلوكنا في الظلمات، لذلك قلت لكم: على كل واحد منا ان يتخذ لنفسه موقفاً.

الشباب يتقدم:

سبق وقلت أننا نعايش جميعاً، شباناً، والشبان، كما تعلمون، على ميل حسن للسير أبداً إلى الأمام، ومجابهة أعوص المشاكل، والتغلب على أصعب العراقيل. كيما يتوصلوا إلى هدف معين. وعليهم كي تأتي حميتهم بثمار طيبة، ان يسموا، قدر المستطاع بهذا الهدف وان يرفعوه عالياً. ومن الضروري وجود واحد بإمكانه أن يدير عقلية صفه نحو هدف مشرف، يصبو إليه كل مسيحي، وهو ان يقدم لله المكانة الأولى في حياته. ومن سيقوم، أيها المسيحيون، بهذه المهمة؟ سوى كل واحد منا.

الخميرة:

وهنا أكرر أيضاً أننا لم نزل شباباً ونهتم بالقضايا التي تعرض على الشباب وثمة موضوعات حيوية تهيمن على كل شاب ابتدأ يفكر ويتفهم قضايا الحياة وقد تحمى المناقشات أحياناً عندما نواجه موضوعاً أو آخر (كعلاقات الشبان بالشابات مثلاً) وعندها ستسمع الأذن المرهفة المهذبة تعليقات يخجل لسماعها أقل الناس خجلاً. يجب اذن أن تتبدل هذه الحالة، وان يسمو "المجتمع الطلابي" بأفكاره عن هذه الصغائر، لذلك، أيها الأحباء، نحن بحاجة لمتطوعين لتفهم الآخرين. فمن هي الخميرة الجديدة التي ستخمر العجين أيها الأرثوذكسيون الشباب؟ هي كل واحد منا بالذات.

إن القضايا التي تعرض في كل وسط مدرسي عديدة حقاً، وما تكلمت هنا، إلا عن القليل، وقد أكدت، في "عرضي" هذا أن من واجبنا نحن أن نلقح هذا الوسط ونسمو به نحو الله. ولم كل ذلك؟ علام نضحي بأنفسنا في سبيل الغير؟ الجواب عن ذلك يسير، نحن مسيحيون، ونريد أن نتشبه بمعلمنا، فإذا ارتضى السيد – له المجد – ان يتحمل وزر خطايانا الثقيل، أفما نستطيع نحن أن نتحمل ضعف قريبنا على الأقل؟ وإذا بشر هو وأرسل تلاميذه للإنسانية جمعاء، أفما يجب علينا نحن أن نبشر وننشر روح "البشارة الحسنة" في صفنا الضيق ومدرستنا المحدودة. وقد قال السيد "أنتم ملح الأرض، وإذا فسد الملح فبماذا يملّح؟" وقال على لسان بولس الرسول: أنتم الخميرة التي يجب أن تخمر العجين وتعطي خبزاً طيباً.

الواجب على الجميع

وهناك من يفسر هذه الأقوال ويدّعي أنها موجّهة للكهنة والرهبان فقط، الذين عندهم رسالة مقدسة ليعلموا وينشروا عقيدة المسيح السامية. فنظرتهم هذه على خطأ خطير، لأن كل مؤمن علمانياً كان أو اكليريكياً، لن يكف، متى أدرك جمال مسيحيته الرائع، عن تمجيد السيد بصوت عال. وما التبشير الرسولي إلا نتيجة طبيعية لحياة مسيحية حية. وقد أدركت الشعوب المعاصرة تماماً أن عملية التبشير التي يقوم بها العلمانيون هي شهادة، صامتة وعملية، على الإيمان العميق والمحبة الخالصة.

وكم يكون تأثيرنا قوياً في الإنسان إذا أدركناه وهو لا يزال على مقاعد الدراسة. وكم يكون التعليم سهلا عندما يعطي رفيق الدراسة لرفيقه، بكل رضى، مباشرة وبالمثل الحي لحياة مسيحية حقة: هنا تكمن رسالتنا. وتبشيرنا هذا يفرض شرطين "أخذنا المسيح وإعطاؤهم إياه" ويجب علينا إذاً قبل أن نندفع في رسالة التبشير هذه أن نهيء أنفسنا بحكمة وبطريقة مسيحية خالصة، منكبين على درس الإنجيل والتأمل فيه، متمثّلين تعاليم الكنيسة المقدسة وعقائدها، تابعين بكل قوانا راية الفادي الظافرة.

إقرأوا لوحدكم

هذا ما نقوم به جميعاً في اجتماعاتنا الأسبوعية، طالبين من المسؤول عن توجيهنا، شرحاً أو حلاً لقضية تشغلنا، ولكن ذلك لا يكفي. أجل إن ساعة أو ساعتين في الأسبوع لا تكفي لبتّ ما بشر به معلمنا مدة ثلاث سنوات من حياته العامة، لذا وجب على كل واحد منا أن يقرأ لوحده، مدة ساعات عديدة، لُمعاً من الثقافة الروحية، التي تعالج إما حياة القديسين البناءة، أو عقيدة الكنيسة أو واجبات المسيحيين الخ... ولكن لنجعلن، قبل كل شيء، من الإنجيل كتابنا المفضل، ولنقرأ فيه كل مساء بعض آيات ولندرسها ونتأملها ملياً، وعندها فقط نصبح مشبعين من مسيحيتنا، لأن كل شيء يعود في النهاية للعهد الجديد.

علينا بالصلاة

ومن جهة أخرى لنتمكن من تقديم أنفسنا للمسيح علينا بالصلاة خاصة، وقد قيل عنها أنها قوة الإنسان وضعف الله. لنصل إذاً، لنصل بلا انقطاع، ولنكن على يقين أن صلاتنا ستسمع وأدعيتنا ستلاقي قبولاً أمام عرش الخالق، لأن الرب لن يصم أذنيه عن نداء أبنائه، ولا ننسى أن الله الذي هو محبة، هو قبل كل شيء أبونا.

إن عظمة الإنسان تتجلى في سجوده على ركبتيه، وهل ثمة مناجاة أروع من التي تجري بين الخالق والمخلوق، وأي شيء أسرع خلاصاً وأشد قوة للنفس من الصلاة؟ لنصل إذاً يا أحبائي، والله يهبنا، عندئذ، القوة لنتمم واجباتنا الدينية الأخرى.

القداس الإلهي

وهنا أسمح لنفسي، - في عرض للواجبات – أن ألاحظ مع الأسف الشديد، أن كثيرين من الشبان الأرثوذكسيين – ولا أتكلم عن الشيوخ منهم – لا يشتركون في قداس يوم الأحد. وبعضهم موجود بيننا الآن.

أود أن أتوقف عند هذه النقطة لأقول أن الاشتراك في قداس أرثوذكسي هو درس ديني سام، وبالفعل فالعقيدة كلها تكمن باختصار في الخدمة الإلهية، ومن يريد هناك أن يرى ويفهم يستطيع ذلك بكل وضوح.

وأريد أيضاً، بمناسبة القداس، أن أتقدم بعرض، راجياً من صميم الفؤاد، أن يحظى بحسن القبول لديكم، وهو علام لا نضاعف مساهمتنا في مائدة الرب وتقبل أسراره المقدسة؟ وهل باستطاعة المسيحي أن يصمد للعاصفة، وهو لا يتناول إلا مرة أو مرتين في العام؟ وهل بإمكانه أن يجاهد ببأس ما دام لا يستطيع أن يغرف، من قرارة نفسه، قوة جديدة، مصدرها وجود من هو "الطريق والحق والحياة؟"

ان جسدنا بحاجة للغذاء، وما يصح على الجسد يصح على النفس أيضاً. لمَ نُشبع الأول ونترك الأخرى جائعة؟ هل تحسبون أن النفس لا تجوع ولا تعطش؟ وهل تعتقدون أنها لا تحتاج فعلاً لأن تتقوى وتنمو بفضل "خبر الحياة" الذي يتكلم عنه الإنجيل. لنتقدم إذن، بلا خوف، من المائدة المقدسة ساعة المناولة، ولنأخذ من يدي الكاهن – ممثل الله – هذا الخبز وهذا الخمر اللذين ليسا خبزاً ولا خمراً بل جسد ودم ربنا يسوع المسيح.

ولا نخاف من تناول جسد ربنا ودمه ليس في الفصح ولا في الأعياد، وكل خدمة إلهية خدمة فصحية، ومن الأفضل، على ما أعتقد، أن نذهب جماعة لتناول الأسرار المقدسة، وذلك لنجتذب الحضور، عنيت الذين يأتون للاشتراك بالقداس معنا، ولنعط الحضور في الكنيسة، القدوة الحسنة. وقد ثبت لي، في كنيسة ما، حيث يتناول غالباً، فريق من الشباب، أن شيوخاً ابتدأوا يتناولون الآن بدورهم. وما هذا سوى تشجيع يجب أن يدفعنا إلى الأمام.

علينا اليقين من أن القدرة تأتينا من العلي وحده، ولذا فلنذهب نحن إليه، لنهيء له قلوبنا ليجعل منها مسكناً له، لنفتح له أبوب نفوسنا على مصراعيها كي يأتي ويقيم فيها.

لنعلن عن المسيح

ولننال المسيح، علينا أن ندرس وندرس، أن نحضر الاجتماعات بانتظام، وأن نتمعن في أقوال الإنجيل المقدس، وأن نصلي في حرارة الشباب، أن نشترك في القداس، وأن نتفهم الذبيحة التي تقام فيه، وأن نتقبل بشوق من بدونه لا نستطيع شيئاً، وأعتقد أنه بذلك ومع إيمان بناء نصل إلى الغاية التي تصبو إليها نفوسنا، وهي أن ننال المسيح، والمشكلة تصبح إذن في الإعلان عنه للذين لا يعرفونه، للذين تناسوه، للذين لا يريدونه.

المثل الحي

ثم كيف نستطيع نحن أن ننقل للآخرين رسالة المسيح؟ كيف نتوصل نحن الشبان المسيحيين العلمانيين، لتنصير الوسط الذي نعيش فيه؟ قد تكلمت سابقاً عن المثل الصالح الحي الذي بوسعنا أن نعطيه للآخرين، والآن أعرج عليه مجدداً لأنه هو الغاية القصوى وأحد الأسلحة الأشد فتكاً بالشرير، وكثيرون هم الذين ردوا رفاقاً وأقاموهم دون أن يتنبهوا لذلك، والذين أنقذوا قالوا فيما بعد... "انا فهمنا وارتدعنا بفضل الحياة، بل بالعكس، إنه يريدها في صميم الحياة نفسها كالخمير في العجين لذلك كان يريد أن تكون الكنيسة، ليس فقط للصلاة، ولكن أيضاً مكاناً لاجتماعات مرحة بين الأخوة، مما دفعه أن يقاوم بكل قوة وأن يدافع بحزم عن ناديه حيث كانت الحياة تزدهر حول المقدس.

وبدلاً من ان ينتظر مجيء الناس إليه تراه يذهب إليهم، كما يفعل الرسوم الحقيقي، "صائراً كل للكل" حتى يخلصهم، فيمضي مثلاً إلى شباب ضال فاسد محاولاً أن يكلمهم بما يستطيعون أن يفهموه ويتذوقوه... وهنا لا يسعني إلا أن أستعيد الكلمات الجميلة التي تفوهت بها كاترينا وهي تخاطب بانفعال كلّي وتفهم عميق مدهش مستمعيها الأول مظهرة في علو الحركة النسائية كما يسميه العالم النفساني "ادلر" "Adlr"  الإفراط في الاستعاضة عن مركب النقص Surcompensation du sentiment d’infériorité

مبينة كيف أن المسيحية بتمجيدها للمرأة في شخص العذراء مريم خاصة لم تبق أي مبرر لهذا الشعور بالنقص.

هذا هو الفيلم ذو العنوان البسيط والحوادث القليلة. ان من يشهد عرضه يخرج منه وهو يحس بانفعال عميق وإذا تجرأت أقول أنه يحس بأنه مغمور بهبّة الروح القوية.

 

المشاركات الشائعة