شهادة - المطران جورج خضر

 ريمون رزق

النور- العدد الثاني 1995


أن أتكلّم عن "جورج خضر والنهضة" كما طُلب إليّ أمر لا أستطيعه ذلك أنّه ليس بإمكاني أن أفي الموضوع حقّه، ولأنّني بالحقيقة لستُ بأهلٍ أن أقوم بهذه المهمّة بالقدر الذي تتطلّبه الموضوعيّة المرتجاة، ولأنّ شهادتي، كما يُقال، مجروحة.

وتاليًا فأنا لا أعتقد أنّه حان الأوان لأن يُتكلّم عن موضوع كهذا. والنهضة التي كان لجورج خضر النصيب الأكبر لينبّه إليها ويدعو ويحدّد ملامحها، لا تزال بحاجة ماسّة إليه حضورًا وعطاءً وكشفًا لما أُعطيَ له أن يصغي إلى أنين الروح لكي نزيد ترسّخًا في أرض أنطاكية.

إنّ مسيرة النهضة متلاحمة ومسرى حياة هذا الرجل مع رفقاءٍ له في النضال بدءًا بغبطة البطريرك والسادة الأساقفة ومع الكهنة والرهبان والعلمانيّين، فنحن بفضل صلواتهم جميعًا وحبّهم ما زلنا نتنفّس.

لا بدّ لي أن أقول كلمة شكر لجورج خضر، للرجل والأب الذي ولدني بالروح، وكان لي، في مرحلة من حياتي، المثل الحيّ، مرحلةٍ كنت أكتشف فيها الأرثوذكسيّة بعد تشرّد نحو الغرب. وقد علّمني بكلامه وحياته أن المسيحيّة قبل كلّ شيء هي في اتِّباع خطى السيّد وأنّه لا قيامة ممكنة من دون حمل الصليب، وأشكر الله أيضًا الذي أعطاني وأنا متغرّب في هذه المدنيّة الطاغية التي تريد قتل الآباء – ومن خلالهم قتل الإله الآب – نعمة الاستمرار بالاعتراف بأبوّة جورج خضر لي والتعلّق بها رغم أخطائي الكثيرة وما بدا لي من هفوات فيه.

أودّ مساهمة متواضعة، لمناسبة هذا اليوبيل، أن أنقل إلى من يريد الاهتداء مقتطفات قصيرة من بضع رسائل تلقّيتها من الأب جورج خلال الفترة الأولى للحرب اللبنانيّة حيث انقطعنا عن بعضنا البعض وأصبح الحوار المباشر متعذّرًا بيننا. وقد تكشف هذه الرسائل بعض أنوار سقطت على هذا الرجل ومن خلاله على مسرى النهضة في أنطاكية. إذ لا نهضة من دون أناس يتبتّلون إلى الله فيصبحون إنجيليّي المنطق والروح، قياميّي المنهج، يجسّدون في الواقع المعاش أقوال السيّد شهادة وعملاً وانكسار حياة.

عن الرجل

"... أنا فيما يخصّني أرى كثيرًا وآخذ كثيرًا، وأعرف نفسي فقيرًا فقيرًا إلى كلٍّ منكم. آخذ ما تعطون، بالقدر الذي تعطون ولا يعرف العتاب إلى نفسي سبيلاً لأنّ الفقراء لا يشترطون. المسكين دائمًا دائمًا صفر اليدَين، شكور. المسكين يبكي لا لكونه محتاجًا ولكن لأنّه يستلم ما ليس له فيه حقّ. يعرف أنّ الناس كرماء وأنّهم يعطون من فيض قلوبهم" (27 – 1 – 1977).

"يأبى الناس ألّا يكون (الأسقف) عثمانيًّا... أن يكون بسيطًا وأسقفًا بآن" (18 – 12 – 1976).

"لا إمكان لقولبتي على غير ما أنا عليه من مزاج. ينبغي الإفادة من هذا المزاج لمجد الله وتقويمه في اتجاهه. لو كان لنا مقدار من الصبر والتأنّي لساعدنا كلّ قريب أن يخطو إلى الله من حيث مواقعه. إن حضور (الأخوة) يعزّيني... ويشدّني إلى الشجاعة ويجعلني أقرب إلى الانضباط والاستمراريّة" (18 – 12 – 1976).

"سنة 1970 عندما أُلقي النير على كتفي حسبت أنّ الحمل خفيف والنير ليِّن لأنّ الأخوة سوف يسندوني في الرعاية... كانت هذه أمنيات أو أضغاث أحلام... كنت أرجو أن يأتوني ببساطة المسيح وأنا متقبّل لنقد يصل حتّى القسوة، ولو افترضنا تكاسلي الشخصيّ وتوفّر الأسباب الموضوعيّة للعمل فتكاسلي أيضًا يُلام وضعفاتي أستطيع أن أسمع عنها وقد يزيدني هذا انكسارًا وزلفى إلى الله. ولكنّي أدعو الله أن يقوّي أصدقائي في الجرأة عليّ وأن يلهمهم نشاطًا عندي لئلا يقنطوا. يزيدني خلاصًا أن يحوّلوا عشقهم لي إلى محبّة. تريحني المحبّة كما يقوّيني الصدق. ينبغي أن نتجاوز الخفر إلى ما فيه إرضاؤه تعالى" (21 – 11 – 1976).

"أنا لستُ ألتمس براءة من أحد... ولستُ بموقف الاعتراف العموميّ الذي لا يفيد منه أحد. حسب المرء أن يمتحن قلبه في نجوى إلهه وأن يُعتبر ساعيًا إلى الغرض" (21 – 11 – 1976).

عن سبل النهضة

- نهضة الإنسان
"ألا وهبك ربّي ما أنت بحاجة إليه للقربى إليه وجعلك على عتباته مسترحمًا ورحمك لترحم" (27 – 1 – 1977).
"لا تهمل الدير لأنّ ثمّة حياة عميقة فيه" (27 – 1 – 1977).
"تزوّد ما استطعت من اتصالك بكبار الروحيّين" (18 – 12 – 1976).

- نهضة الكنيسة
"كنيستنا إن وُجدت وأذاعت روحيّتها تستقطب الآخرين وأبناءها" (21 – 11 – 1976).

الشهادة

"الحضور الأرثوذكسيّ في بلدنا هو الواجب الأوّل الآن. كيفيّة هذا الحضور، عمق هذا الحضور، الإسراع به هذا كلّ شيء" (18 – 12 – 1976).

هذا قليل ممّا أعطاني ربّي أن أشهد له.

المشاركات الشائعة