المطران كاليستوس وير

 

ريمون رزق


سيرته

وُلد تيموثي وير السنة 1934 ورقد السنة 2022. ترعرع في عائلة تنتمي إلى الكنيسة الأنكليكانيّة. وتخرّج من جامعة أوكسفورد حائزًا على شهادتي الدكتورا في اللغات الكلاسيكيّة واللاهوت. ودرس أيضًا في جامعة برينستون الأميريكيّة.

اكتشف الكنيسة الارثوذكسيّة، في السابعة عشرة من عمره، وانكبّ على دراستها والتعرّف على تراثها، وبعد سبع سنوات دخل في شركتها، السنة 1958. عندها، سافر إلى اليونان، وقضى وقتًا طويلًا في دير يوحنّا اللاهوتي في جزيرة باتموس، كما زار أورشليم وجبل آثوس، شارك طيلة ستّة أشهر حياة أحد أديرة كندا التابع للكنيسة الروسيّة خارج روسيا.

ترهّب متّخذًا إسم كاليستوس، وسيم كاهنًا السنة 1966، فخدم رعيّة أوكسفورد الأرثوذكسيّة. وعمل معلّمًا في جامعة أوكسفورد، واستمرّ في التعليم مدّة 35 سنة، حتّى تقاعده. سيم أسقفًا على ديوكلِيا، السنة 1982، وظلّ يخدم رعيّة أوكسفورد ويتابع محاضراته في الجامعة. وفي السنة 2007، رفعت كنيسة القسطنطينيّة أسقفيّة ديوكلِيا إلى رتبة المتروبوليّة.

نتاجه اللاهوتي

كتب كثيرًا وفي معظم جوانب الكنيسة الأرثوذكسيّة: التاريخ، والروحانيّة، والأسرار، وصلاة يسوع، والقدّيسين، واللاهوت، ووالدة الإله، والرهبنة، والآبائيّات، والكهنوت الملوكي، والحضور في العالم والشهادة، والمسكونيّات، والمشاكل التي تواجه الكنيسة الراهنة: سيامة النساء، تسلّط الأساقفة، التبشير، داء القوميّة، تمزّق الكنيسة الأرثوذكسيّة، الوجود الأرثوذكسي في بلاد الانتشار، القضيّة الجينيّة والجندريّة ومشاكل العالم المعاصر، ألخ.

ترجم إلى الإكليزيّة كتب التريودي والميناون.

ترجم الفيلوكاليا إلى الإنكليزيّة في أربعة أجزاء

صدر له كتبًا باللغتين الإنكليزيّة والفرنسيّة، وقرابة مئتين دراسة ومقالًا ومحاضرة نُشرت في أهم المجلّات المسيحيّة. وتُرجمت بعض كتبه ومقالته إلى لغات أخرى، بينها الإيطاليّة واليونانيّة والألمانيّة والعربيّة (الكنيسة الأرثوذكسيّة في الماضي والحاضر، الكنيسة الأرثوذكسيّة إيمان وعقيدة، الملكوت الداخلي).

إهتداؤه إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة

قصّ مسيرة اهتدائه إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة. يقول إنّه أثناء تجوّله في لندن، في صيف 1952، وكان عمره يناهز السابعة عشرة، مرّ بكنيسة القدّيس فيليبوس للرعيّة الروسيّة، وكان لا يعرفها فدخلها. كانت غارقة في الظلام، فاعتبرها لأوّل وهلة فارغة من الناس، وأعطته "شعورًا بالغياب" . ثمّ أدرك أنّها لم تكن فارغة بالكلّيّة إذ رأى قلّة من المؤمنين معظمهم شيوخًا واقفين بالقرب من الجدران، وأيقونات معلّقة على الجدران وبعض الشمع أمام حائط الإيقونسطاس. وسمع ترتيل جوقة لم يستطع تمييز مكان وجودها. يقول: "إنّ شعوري الأوّل بالغياب تحوّل فجأة إلى شعور بوجود اجتاحني. فشعرت أنّ الكنيسة التي ظهرت فارغة،كانت ملئى بمؤمنين غير منظورين أحاطوا بي. ففهمت أنّنا، نحن شعب المؤمنين المنظورين، جزء من مجموعة أكثر اتّساعًا. وعندما نصلّي، نشارك بفعل أوسع من فعلنا، بتسبيح يشمل الكل، ويوحّد الزمان بالأبديّة، والوقائع الأرضيّة بالوقائع العلوية... فشعرت بقربى الليتورجيا السماويّة، وقربى الملائكة والقدّيسين، وجمال ملكوت الله غير المخلوق. وعند خروجي من الكنيسة قلت لنفسي: هذا المكان هو بيتي، لقد وصلت إليه... وشعرت بأعماق قلبي أن الكنيسة الأرثوذكسيّة تدعوني".

ثمّ يتابع قائلًا: "أشكر الربّ على أنّ أوّل اتّصالي بالكنيسة الأرثوذكسيّة لم يكن بقراءة الكتب، ولا باللقاء مع أرثوذكسيّين في مناسبة اجتماعيّة، بل المشاركة بخدمة تسبيحيّة. فالكنيسة كما يفهمها الأرثوذكسيّون هي أوّلًا جماعة ليتورجيّة تعبّر على هويّتها الحقيقيّة بالصلاة والتسبيح. تاتي الليتورجيا أوّلًا، ثمّ العقيدة والقوانين".

ويقول إنّ كثيرين من أصدقائه الأنغليكان نصحوه بالعدول عن قراره بالالتحاق بالكنيسة الارثوذكسيّة، وأيضًا بعض الأرثوذكسيّين الذين نبّهوه على تقصير الكنيسة الأرثوذكسيّة التاريخي وتخاذلها ومشاكلها في العالم الحاضر. وقالو له إنّ "الأرثوذكسيّة هي عمليًا بعيدة كلّ البعد عن السماء على الأرض". 

ويروي كيف تعرّف في أوكسفورد على بعض اللاهوتيّين الأوثزذكسيّين، أمثال نقولا زيرنوف وباسيل كريفوشايين المتخصّص بسمعان اللاهوتي الجديد. وانصب على قراءة فدوتوف، وخومياكوف، ودوستوييفسكي، وفلاديمير لوسكي، ونقولا أفاناسييف، وليف جيلله، والقدّيسين سرافيم ساروفسكي، كزينيا من سان بترسبورج، يوحنّا الكورونستادي ونكتاريوس الإيجيني. ويقول: "كلّ  ما توغلت بدراسة الأورثوذكسيّة ، كلّ ما فهمت أنّ ما شعرت به دائمًا في داخلي، ولم أكن قد سمعته قط، معبّرًا عنه فيها بشكل جيّد. ولم أكن أجد الأرثوذكسيّة غارقة في القِدم، ولا غريبة أو دخيلة. بالنسبة إليّ كانت تمثّل المسيحيّة الحقّة، بكلّ بساطة... وكنت أجد فيها تواصلًا حيًّا غير منقطع مع كنيسة الرسل والشهداء والآباء والمجامع المسكونيّة. وأدركت أنّ التقليد لا يعني نقل تحديدات عقائديّة، بل أيضًا نقل الروحانيّة والصلاة الهدوئيّة التي تضع جانبًا الصور والأفكار. وتعلّمت من قراءة "روايات سائح روسي" وكتب الأب ليف جيلله حول يسوع، كيف يمكن الوصول إلى الهدؤ الداخلي وسكوت القلب بترداد دائم لصلاة يسوع".

ويروي كيف مُسح بالميرون المقدّس في يوم الجمعة من أسبوع التجديدات بعد عيد الفصح لسنة 1958. وينهي قائلًا: "لم تكن حياتي داخل الكنيسة الأرثوذكسيّة دومًا "السماء على الأرض". أُحبطت مرارًا للغاية. ولكن ألم يقل المسيح أنّ التلمذة تعني حمل الصليب؟ وبعد نحو خمسين سنة من قبولي في الكنيسة الأرثوذكسيّة، يمكنني التأكيد من كلّ فلبي أنّ رؤية الأرثوذكسيّة التي شعرت بها أثناء الصلاة التي اشتركت بها في الكنيسة الروسيّة، السنة 1952، كانت أكيدة وصحيحة. ولم أندم قطّ بانتمائي إليها"[1].

اهتدى وغيره كثيرون على الرغم من ضعفات الكنيسة الأرثوذكسيّة والشهادة العكسية التي تظهرها أحيانًا للعالم. لكن الروح القدس يفعل من خلال ضعفاتنا. وكما قال الأب ليف: "أيّتها الكنيسة الأرثوكسيّة الغريبة، الغارقة في الفقر والضعف، والتي تُبقيها بمعجزة في وسط التقلّبات والصراعات. كنيسة المضادات، تحترم التقاليد وحرّة في الوقت ذاته. إنّها تجنح إلى القِدم مع أنّها حيّة. وهي معًا متعلّقة جدًّا بالطقوس وتشجّع حريّة الإنسان في مسارها الصوفي. وهي الكنيسة حيث تُحفظ لؤلؤة الإنجيل الكثيرة الثمن أحيانًا تحت طبقة من الغبار. وهي كنيسة لم تعرف غالبًا الانتقال إلى الفعل، لكنّها تعرف التعبير على فرح القيامة كما لا تعرف أيّة كنيسة أخرى".

معالم شخصيّته

عُرف بسعة علمه وسلاسة لغته ومهارته الإداريّة، وخاصّة بنشاطه الرعائي كاهنًا ومعرّفًا. وعُرف

كراعٍ بأمانة خدمته، غالبًا مقيمًا الخدم ككاهن، ووعظه واستفقاده الدؤوب لأعضاء رعيّته.

كمعلّم بعمق فكره اللاهوتي ووضوح تعليمه. وقد أثّر إيجابيًا على أجيال من تلاميذ أوكسفورد كأستاذ الآبائيّات، وأقنعهم أنّ اللاهوت الأرثوذكسي هو شريك حواري فقده الغرب منذ أجيال ويتوق لا شعوريًا إلى إيجاده.

كأب روحي برحابة صدره ومحبّته وحنانه، ومعرفته الموسوعيّة للآباء المسّارين، وقبل كلّ شيء حرارة صلاته مع ومن أجل المعترف.

كعامل في مجال المسكونيّات، بانفتاحه وقدرته الفائقة على إظهار الكنيسة الأرثوذكسيّة "كطريق" وليس كمجوعة عقائد وممارسات وتقاليد كما يفعل الكثيرون عادة. وقد ساهم في حوار الكنيسة الأرثوذكسيّة مع كنيسة رومة والكنيسة الأنغليكانيّة.

كشاهد في هذا العالم بحواره المحبّ والمنفتح على العلوم والثقافات.

كإداري بترأسه مجلس إدارة معهد كمبريدج للدراسات المسيحيّة الأرثوكسيّة، وبترأسه أصدقاء الأرثوذكسيّة في جزيرة إيونا في سكوتلاندا، وأصدقاء جبل آثوس في بريطانيا. 

بعض مواقفه

كان حرًا في مواقفه، يعبّر على قناعته بدون استعمال اللغة الخشبيّة التي يلجأ إليها الأساقفة عادة.

قضيّة إنشاء كنيسة أرثوذكسيّة في أوكرانيا تنافس الكنيسة الشرعيّة

مع أنّه يتبع للبطريركيّة المسكونيّة، كان وحده، مع أنستاسيوس (يانولاتوس) رئيس أساقفة ألبانيا، الذي عبّر على عدم موافقته لما قام به البطريرك برثلماوس، قائلًا: "يبدو لي واضحًا أنّ أوكرانيا تبعت الكنيسة الروسيّة منذ أكثر من ثلاثمائة سنة. فنُقلت متروبوليّة كييف، باتّفاق السنة 1686، من أموفوريون البطريركيّة المسكونيّة إلى أموفوريون بطريركيّة موسكو. إنّه حدث تاريخي ثابت. ولا يمكن تغيير أيّ شيء في الماضي. يمثّل منح الاستقلال لفيلاريت ومكاري، زعماء "بطريركيّة كييف" و"كنيسة أوكرانية الأرثوذكسيّة المستقلّة" وأساقفتها المنشقّين، غلطة كبيرة. لذلك لا أعتبر أبدًا أنّ تدخّل بطريرك القسطنطينيّة في شؤون متعلّقة بأرض ضمن الكنيسة الروسيّة مبرّرًا. وفي الوقت نفسه، تقلقني أفعال كيريل بطريرك موسكو والكنيسة الروسيّة، بأنّهم قطعوا الشركة مع القسطنطينيّة. أعتقد أنّ مناقشة قضيّة أوكرانيا يجب أن تكون في روح المحبّة الأخويّة، بدون قطع للشركة... كنيستنا الأرثوكسيّة هي كنيسة المصالحة، كنيسة مجمعيّة، والمجمعيّة تفترض الاحترام المتبادل والوصول إلى التفاهم. لذلك علينا أن نخاطب بعضنا بعضًا بانفتاح وصدق وبمحبّة المسيح". (وقد تناول من يد تلميذه الأسقف الروسي هيلاريون عندما كان على فراش الموت).

اضطهاد كنيسة أوكرانيا الشرعيّة من قبل السلطات الأوكرانيّة المدعومة من الكنيسة المستحدثة

قال: "برأي، يمكن أن يؤدي الطرد العنيف لرهبان دير الكهوف في كييف ودير بوتشاييف، إلى كارثة أو إلى فضيحة معثّرة. أرجو وأصلّي ألّا يحدث لك". وقد حدث، ويا للأسف!

أصدقاؤه

تتلمذ على الشيخ القدّيس أمفيلوخيوس من دير باتموس (1889-1970). يروي أنّه قال له مرّة: "أتعرف أنّ الله أعطانا وصيّة لم تُلحظ في الكتاب المقدّس؟ إنّها وصيّة محبّة الأشجار. مَن لا يحبّ الأشجار لا يحبّ الله. وأضاف: عندما تزرع شجرة تزرع الأمل والسلام والمحبّة، وسيباركك الله".

كان الآباء أقرب الأصدقاء إليه، خاصّة إيريناوس، والآباء الكبادوكيّين، ومكسيموس المعترف، وسمعان اللاهوتي الجديد وغريغوريوس بالاماس. قال: كان كلّهم مصدر استنارة لي، لكن الأقرب منّي هو غريغوريوس النيصصي".

تصادق مع كبار اللاهوتيّين الأرثوذكسيّين المعاصرين، وكان في طليعتهم الأب ليف جيلله، والقدّيس الأب صفروني (سخاروف)، والأسقف باسيل كريفوشايين، وفلاديمير لوسكي، ونقولا زيرنوف، والأب جورج فلوروفسكي، والأب ألِكسندر شميمّان، والأب جان مايندورف، وأوليفيه كليمان، وكان له أصدقاء في كلّ الكنائس المسيحيّة.
تأثير بعض كتبه على الحركة.

كان لدينا في البدء فقط كتاب "الكنيسة الأرثوذكسيّة" للأب سيرج بولغاكوف الكثيف والصعب، في ترجمته الفرنسيّة التي قام بها  الأب ليف جيلله، لتنويرنا على كنيستنا. وإذ صدر السنة 1963، كتاب "تيموثي" وير "الكنيسة الأرثوذكسيّة، كنيسة المجامع السبعة" بأسلوبه الواضح وبمتناول الجميع، انكببنا عليه، لمعرفة تاريخ الكنيسة وتعاليمها (الإيمان، الحياة الأسراريّة، الأعياد، الليتورجيا، الأيقونة، اللاهوت والروحانيّة، الحضور في العالم والانفتاح على الكنائس الأخرى). وقمنا لاحقًا بترجمته وصدر في كتابين "الماضي والحاضر" و"إيمان وعقيدة" في سلسلة "تعرّف إلى كنيستك" التابعة لمنشورات النور.

وتمّ ترجمة لاحقًا كتاب "الملكوت الداخلي" وإصداره في تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة، وأيضًا "تحديّات اللاهوت الأرثوذكسي في القرن الحادي والعشرين". 

مقتطفات من أقواله (معظمها من "الطريق الأرثوذكسي" (The Orthodox Way))

الله والمسيح

"الثالوث حاضر في فكرنا، وكلامنا وتنفّسنا".

"ليس الإله المسيحي مجرّد وحدة بل هو اتّحاد، وليس مجرّد اتّحاد بل هو شركة".

"علينا ألّا نترك العالم ونعتزل عن باقي البشر، ونغرق في نوع من فراغ مسّاري لإيجاد الله. بل على العكس من ذلك، ينظر المسيح إلينا من خلال أعين كلّ الذين نلتقيهم. عندما نُدرك وجوده هذا الكوني، تُصبح كلّ أعمالنا في خدمة الآخرين صلوات".

"البشر، المخلوقون على صورة الإله الثالوث، مدعوون أن ينسخوا على الأرض سرّ المحبّة المتبادلة الذي يعيشه الثالوث في السماء".

"لم يقل المسيح إنّي التقليد، بل قال إنّي الحياة".

"تكمن معرفة الله الحقيقيّة باللامعرفة وبالإدراك أنّه لا يمكننا معرفته".

"فتح التجسّد الإلهي الطريق لـتأليه الإنسان. أن نتألّه يعني أن "نتمسحن" بعبارة أكثر تحديدًا. إنّ الشبه الإلهي الذي نحن مدعوون لاكتسابه هو التشبّه بالمسيح. من خلال يسوع، الإله الإنسان، نصبح نحن البشر "إلهيّين"، و"نصير شركاء الطبيعة الإلهيّة" (2 بطرس 1: 4)".

"لم تبقى دائرة الحبّ الإلهي مغلقة".

"لم يدين يسوع سوى المنافقين".

الإيمان

"ليس الإيمان بالله البتّة من نوع اليقين المنطقي الذي نصل إليه في الهندسة الإقليديّة. ليس الله نتيجة عمليّة تفكير، أو حلًّا لمسئلة رياضيّة. ليس الإيمان بالله قبول إمكانيّة وجوده لأنّه "بُرهن" لنا من جرّاء حجّة نظريّة، لكن يكمن في وضع ثقتنا بأحد نعرفه ونحبّه. ليس الإيمان افتراض أنّ شيئًا ما قد يكون حقيقيًا ولكنّ تأكيدًا لوجود شخص".

المسيحيّة

"ليس من واجبات المسيحيّة أن تعطي أجوبة على كلّ سؤال، بل أن تجعلنا ندرك سرًا بطريقة تدريجيًة. الله ليس موضوع معرفتنا بل سبب إعجابنا".

"لا نطلق في الإطار المسيحي عبارة "السرّ" فقط على ما هو محيّر وغامض، أو على لغز أو مشكلة غير قابلة للحلّ. بل على العكس من ذلك، يكمن السرّ في شيء تمّ كشفه لنا ولكن لا نفهمه بشكل كامل لأنّه يؤدّي إلى عمق الله أو ظلامه. العينان مغلقتان وفي نفس الوقت هما مفتوحتان".

المسيحي

"يعتبر القدّيس غريغوريوس الطريق الذي يسلكه المسيحي ليس مشيًا من الظلمة إلى النور، بل على عكس من ذلك، إنّه طريق من النور إلى الظلام، سير نحو السرّ وفيه".

"أن أكون مسيحيًا ولاهوتيًا يعني ألّا أستريح أبدًا بإنجازاتي، والتقدّم باستمرار، واتّباع السيّد. أمّا جوهر الكمال فيكمن في أنّنا لا نصل إليه أبدًا، ولن نصبح أبدًا كاملين. نتقدّم نحو ما ينتظرنا، وننتقل من مجد إلى مجد. يقول إيريناوس: "حتى في الدهر الآتي، سيستمر السيّد بالإعلان لنا شيئًا جديدًا يخصّه، وعلينا أن نتعلّمه"... ما نعلمه ليس سوى جزء بسيط من ما يُمكن ويجب قوله، إذ لا يمكننا أبدًا فهمه بالكامل... باتّباعنا المسيح، علينا أن نمشي دائمًا وراءه، ونرى ظهره فقط. لن نستطيع أن نلحق به تمامًا. إنّنا نبقى ورائه".

"نحن دائمًا في سفر عبر فضاء القلب الداخلي، سفر لا يُقاس بالساعات أو بالأيّام، لأنّه سفر خارج الزمن نحو الأبديّة".

"نُصبح شخصًا حقيقيًا بمحبّتنا الله وباقي البشر... المحبّة بمعناها العميق هي حياة الخالق وقدرته فينا".

"علينا، نحن المسيحيّون، أن نؤكّد القيمة السامية للمشاركة المباشرة، وللّقاء المباشر، ليس من آله  إلى آلة، بل من شخص لآخر ووجه بوجه".

الخليقة

"كلّ المخلوقات مدموغة بختم الثالوث".

"الكون كلّه هو عليّقة مشتعله كبيرة، تتغلغلها نار القدرة والمجد الإلهيّين".

"لا يجب أن نختصر وجود الله في العالم بمجموعة محدودة من أشياء التقوى ومقاماتها، ونعتبر أيّ شيء آخر "دنيويًا. بل علينا أن ننظر إلى كلّ الأشياء كهبة من الله ووسيلة للشركة معه. هذا لا يعني أنّ علينا قبول العالم الساقط بحسب مفاهيمه. كلّ الأشياء مقدّسة في كيانها الحقيقي، وبموجب جوهرها العميق، لكنّ علاقتنا مع خليقة الله انحرفت بالخطيئة، الأصليّة والشخصيّة، ولن نعود نكتشف قدسيّتها الجوهريّة طالما لم يتنقّى قلبنا. لا يسعنا بدون نكران الذات، والجهاد النسكي، تأكيد جمال العالم الحقيقي. لذلك لا مشاهدة حقيقيّة بدون توبة".

"إذا لم أشعر بالفرح أمام خليقة الله، وأذا نسيت أن أقدّم العالم لله بالشكران، أكون قد تقدّمت قليلًا جدًّا في الطريق المؤدّي إلى الله، ولم أتعلّم بعد أن أكون إنسانًا بالحقيقة. لأنّي بالشكران فقط أحقّق ذاتي".

الموقف من العلم ونظريّة التطوّر

"يمكن أن يكون الله عَمَل من خلال نظريّة التطوّر. ولا شيء كان يضطره إلى خلق كلّ الأشياء في البدء كما هي اليوم. ويمكنه أن يكون استعمل عمليّة التطوّر. لكنّا بقولنا هذا، نبتعد عن مجال العلم... أمّا في مجال الدين، فنؤكّد أنّ الإنسان يحتلّ مركزًا فريدًا في الكون، لأنّه خُلق على صورة الله ومثاله. فهو ليس سعدانًا متفوّقًا. لكن بقولنا إنّه "خُلق على صورة الله ومثاله" نعلن شيئًا حول الإنسانيّة لا يمكن للعلم أن يؤكده أو ينفيه. ونبتعد عن المجال العلمي. فأعتقد إذًا أنّ المفهوم الصحيح للعلم وكيف يفعل، يمكن أن يساعد المفكّرين الدينيّين، إذا حافظوا على التمييز بين مجال العلم ومجال الدين. إذا حافظنا على هذا التمييز، لا أعتقد أنّ العلم يشكل خطرًا علينا".

التقليد

"ليس التقليد مبدأ حماية ومحافظة فقط. إنّه أساسًا مبدأ نموّ وتجديد... هو ثبات الروح الدائم، وليس تذكنر كلمات فقط "

التوبة

"إذا فُهمت صحيحًا، ليست التوبة سلبيّة بل إيجابيّة. إنّها لا تعني الشفقة على النفس أو الندم، بل الإهتداء، وإعادة محورة حياتنا كلّها على الثالوث. تكمن في النظر، ليس إلى الوراء بأسى، بل النظر بأمل إلى الأمام، وليس إلى عيوبنا في أسفل، لكن إلى العلو، إلى محبّة الله. إنّها في النظر ليس إلى ما فشلنا في أن نكونه، ولكن بما يمكننا أن نصبحه الآن بالنعمة الإلهيّة... تكمن التوبة في أن نفتح العينين إلى النور. بهذا المعنى، ليست التوبة مجرّد فعل واحد، وخطوة أوليّة، لكنّها حالة مستمرّة، وموقف من القلب والإرادة يجب تجديده باستمرار وحتّى نهاية الحياة".

الآخر

"معرفة شخص ما هو أكثر بكثير من مجرّد معرفة حقائق عنه. معرفة شخص ما هو في الأساس أن تحبّة أو تحبّها. لا يمكن أن يكون هناك وعي حقيقي لأشخاص آخرين بدون محبّة متبادلة. ليس لدينا أيّة معرفة حقيقيّة بمَن نكرههم".

"ليس الفرد المنعزل شخصًا حقيقيًا. الشخص الحقيقي يعيش مع الآخرين ومن أجلهم. وكلّما زادت العلاقات الشخصيّة التي نقيمها مع الآخرين، كلّما أدركنا أنفسنا حقًا كأشخاص. وقد قيل إنّه لا يمكن أن يكون هناك شخص حقيقي ما لم يوجد إثنان في أتّصال بينهما".

مطالعة الكتاب المقدّس

"عندما نقرأ الكتاب المقدّس، نسعى دائمًا لتجميع المعلومات، ونصارع مع معنى الجمل الصعبة، مقارنين ومحلّلين. لكن ذلك ثانوي. فالغرض الحقيقي من دراسة الكتاب المقدّس أكثر من ذلك بكثير، إذ هو تغزية محبّتنا للمسيح، وتأجيج قلبنا بالصلاة وتزويدنا بإرشاد لحياتنا الشخصيّة".

ثقافة الغرب

"ترتكز ثقافة الغرب المعاصر ونظامه التربوي بشكل حصري تقريبًا على تدريب العقل المنطقي، وبدرجة أقل على المشاعر الجماليّة. نسي معظمنا أنّنا لسنا فقط عقل وإرادة، حواس ومشاعر، وأنّنا أيضًا روح. فقد الإنسان المعاصر غالبًا الاتّصال مع أحقّ وأعلى جانب من كيانه. ونتج قلقه بوضوح شديد عن هذا الاغتراب الداخلي، وافتقاره إلى الهويّة وفقدانه للأمل".



[1] مقتطفات من "الاقتراب من الله في السبيل الأرثوذكسي"، منشورات سيرف، ملح الأرض، 2004.

المشاركات الشائعة