الأرثوذكسية ونقل اتّحاد اللاهوت والناسوت إلى عالم اليوم

 ريمون رزق


أذكر في ما يلي قولًا لأوليفييه كليمان يصف فيه ملامح مسيرتنا في العالم الحديث. يقول: "يمكن تلخيص مسيرتنا الروحيّة بضرورة تجاوز الحداثة من الداخل، في حركة توازي تحرّكها. ومقت كلّ تشنّج في تجاهلنا الشامل والعاجز لتحدّيات العصر، جاعلين من الأرثوذكسيّة "شيعة ليتورجيّة"، متحجّرة خارج الثقافة والتاريخ. إذا استطعنا أن نتجاوز هذه العوائق، تصبح مساهمتنا ثمينة جدًّا. وعليها أن تتمحّور بخاصّة حول رؤية المسيحيّة الفصحيّة، ورؤية الإنسان الثالوثيّة وقوّة الإنسانيّة المتألّهة التوحيديّة... اتّحاد اللاهوت والناسوت هو نواة الخليقة الأصليّة. كأنّ كلّ المصير الكونيّ وتاريخ البشر ليس سوى صيرورة تجسّديّة هائلة، راجعها مجيء المسيح الأوّل سرّيًّا، وتنجذب إلى مجيئه الثاني المجيد... يبدو فيها أنّ الله والكون، والله والإنسانيّة يتقابلان، لا بل يتداخلان "تداخلًا" كونيًّا في الكلمة اللوغوس... و"تداخلًا" في الشريعة (التوراة)... وأخيرًا "تداخلًا" كلّيًّا في المسيح الذي بيده مفتاح الكون والتاريخ". يمكن لكلّ اختبارات الشرق الإلهيّة وكلّ اختبارات الغرب الإنسانيّة، إن انفتحت على بعضها البعض وابتعدت عن التناحر، أن تجد مكانًا لها في اتّحاد اللاهوت والناسوت وكذلك سيعطي هذا المفهوم المجال لتحويل إدانة الشرّ المتسرّعة إلى إمكانيّة تجلّيه في صلاح فوق الصلاح لا ينفصل عن الجمال. وإذا نظرنا إلى اختبارات الإلهيّات، نجد أنّ الهدوئيّة الأرثوذكسيّة تعرف منهجيّة تشابه منهجيّات الشرق الأقصى للتخلّص من الأصنام العقليّة، وإخلاء الذهن من "الأفكار"، وتوحيد الذهن بالقلب، وترافق نبضات الجسد للصلاة... فيكتشف الناسك الهدوئيّ، على نقيض البوذيّ، أنّ "النور غير الهيوليّ" الذي يغمره، ينبع من مصدر شخصيّ، تزيد عدم معرفته كلّما عرفه. وهكذا ينطلق من "بدايات إلى بدايات ببدايات لا نهاية لها". فيكتشف في وحدة المطارح الثالوثيّة أنّ الآخر موجود وهو آخر.

المشاركات الشائعة