كلمة الأمين العام في مؤتمر جبل لبنان

 ريمون رزق

النور - العدد الثاني 2000


"يسوع محور حياتنا"

يصعب الكلام بعد سماع حديث أو كلمة لأبينا وسيّدنا المطران جورج، لأنّه يسبقك دائمًا بولوج الأمور الأساسيّة. نحن الذين اهتدينا على يديه، تعلّمنا أنّ يسوع هو محور حياتنا، وأنّ لا أحد غيره "محرز" أن ينظر إليه. وإنّ كلّ شيء سوف يعطى ويزاد لمن يسعى للالتصاق بيسوع.

بطريقة غير منتظرة، على الأقلّ منّي، أعادني الأخوة إلى هذه المسؤوليّة، مسؤوليّة الأمانة العامّة، بعد 30 سنة من المرّة الأولى التي استلمتها. أريد أن أتشارك معكم ببعض الأشياء التي عشتها خلال هذا الشهر والنصف المنصرم.

كان هذا الانتخاب بالنسبة إليّ هزّة روحيّة، دعوة إلى التوبة، إلى توبة أرجو أن تكون كبرى. لأنّ كلّ واحد منّا – وأيضًا الحركة في كلّ مراكزها وفروعها – يعتاد على العيش بطريقة ما يعتقد أنّ هذه الطريقة التي فيها قليل من الصلاة، وشيء من الخدمة، وكثير من الكلام، وبعض من الصوم، تكفي وأنّه ما زال على "الخطّ".

حقيقة الصدمة، وأرجوها إيجابيّة، التي تلقّيت عندما أُلقيت عليّ هذه المسؤوليّة هي أن أكتشف أنّ هذا لا يكفي وأنّ هناك أوقاتًا تصبح فيها الكنيسة مؤسّسة والحركة مؤسّسة وأنّ الإنسان أيضًا يتمأسس ويعيش على هامش الأمور. وأنّ المطلوب أن يسأل نفسه كلّ يوم السؤال ذاته: "هل إنّ قلبي حقيقة مع يسوع، هل أنا صحيح مستعدّ لأن يسكن هو فيّ".

كنت مع زوجتي في الصين منذ سنتين، ورأينا في أحد المتاحف حجرة تذكاريّة (Stéle) يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلاديّ، تذكر أنّه كان يوجد، آنذاك في هذه المدينة الصينيّة، من نسمّيهم النساطرة أي مسيحيّين من بلادنا، كان لديهم همّ إيصال كلمة الربّ إلى هذه الأقطار. فعندما انتخبت، فكّرت بهذه الصخرة وبهؤلاء وقلت أين نحن من هذا الهمّ، همّ البشارة. إذا هؤلاء وصلوا إلى أقاصي الأقطار، كيف نحن نقبل أنّ 80٪ من شعبنا الأرثوذكسيّ في هذه الديار يمرّ في الطائفة، يمرّ في جوار الكنيسة، ولا يتعرّف بالعمق إلى سيّدها. إنّ هذا السؤال دينونة كبرى لنا في الحركة، ودعوة لفحص الضمير في العمق والتساؤل ترى لماذا، ما هو الخطأ الذي نرتكبه. وما هو الناقص في حياتنا. أين نحن من محبّتنا الأولى؟ في عدد من المراكز الحركيّة وهذا لا ينطبق ربّما على مركزك، في هذه الأبرشيّة ونشكر الله وملاك هذه الأبرشيّة على هذا، هناك تنافس بين الكهنة والحركة حول الاهتمام بمن يأتي إلى الكنيسة. يا إخوة لا مجال للمنافسة. دعوا الكهنة يعملون مع من يأتي إلى الرعايا، وإذا كانوا لا يريدون أن يستخدموا طاقاتنا فيها فلنسعَ بأسلوب جديد لإيصال الكلمة إلى 80٪ من الشعب الذي لا يأتي إلى الرعايا. هذا، بالنسبة إليّ، من المسلّمات. ولكن من الغريب أنّ عددًا من الحركيّين لا يوافق. امتيازات اكتسبناها هنا وهناك ولا نستطيع أن نتنازل عنها وكأنّ غيرنا لا يعرف أن يقوم بها وإلى ما هنالك من ادّعاءات وإذا بحثنا أكثر، نلاحظ أنّ التعلّق بالأمور التي اعتدنا القيام بها وعدم رضانا على مُساءلة أنفسنا وتأقلمنا مع أوضاع جديدة واقتحام مجالات جديدة فيها أناس لا يعرفون شيئًا عن الربّ ولا نعرف أن نصل إليهم، والكهنة لا وقت لديهم ليصلوا إليهم بما فيه الكفاية، هذا لا سبب له إلّا عقم روحيّ فينا، وهذا يتعلّق بكلّ واحد منّا في فرقته، بحياته الشخصيّة والعائليّة وفي فرعه وفي مركزه علينا أن نتجرّأ ونسأل أنفسنا هل نستطيع أن نقول للناس "يا جماعة تعالوا وانظروا"، كما قيل في الماضي: "تعال وانظر". هل هناك شيء نريهم إيّاه؟ هل هناك غير الأموال وغالبًا ما نظهر شطارة في الكلام. اليوم الكلام سهل جدًّا. إذا سألنا أحد عن إيماننا نقول إنّ هناك كتابًا للمطران جورج (خضر) جيّد جدًّا وهذا الكتاب اقرأه، وهناك دراسة قام بها زيد أو عمر وهناك أيضًا... ولكن هل نتجرّأ ونقول له تعال إلى فرقتنا الحركيّة وهناك بدون كلام ربّما ترى شيئًا مغايرًا يكون هو علامة الربّ الذي يمسحنا بها بمحبّتنا الأخويّة وشركتنا مع بعضنا البعض وبخدمتنا لبعضنا البعض، وفي خدمتنا للجميع. فيّ هذا الهمّ الدؤوب. كيف أنام وجاري لا يعرف حلاوة الربّ. أرجو أن يعطينا الله أن نعيش كلّنا هذا الهمّ في الحركة. سألني في هذا الشهر الأخير عدد من المراكز والحركيّون والناس: ما هي الرؤية الحركيّة وقيل إنّ على الأمانة العامّة أن تكتب عن الرؤية الحركيّة؟ وهذا السؤال يخيف، وهذا أتى من أشخاص مسؤولين وليس من أشخاص لهم عدد من الشهور في الحركة بل لهم سنوات في الحركة.

يا إخوة علينا معرفة أنّه إذا أردنا اليوم أن نكون أوفياء للخطّ الحركيّ إذا كنّا حقيقة نريد أن تبقى الحركة نبويّة والنبوّة ليست وراثيّة، إذا أردنا كلّ هذا علينا أن نسأل أنفسنا كلّ يوم ونعيد كلّ يوم السؤال وأن نكون على استعداد لانتقاد كامل لذواتنا، لفرقتنا، ولفرعنا ومركزنا ونرفض المؤسّسة فيه في كلّ لحظة ونرفض كلّ شيء يضعف روح المحبّة والخدمة في ما بيننا. كما علينا أن نحسّ بأنّنا مسؤولون عن الكنيسة جمعاء. كما قال سيّدنا، شئنا أم أبينا، شاؤوا أم أبوا. وإنّنا، إذا كنّا حقيقة مسؤولين عن الكنيسة، لا نستطيع أن نسكت. الويل لي إن لم أبشّر، الويل لي إن لم أتكلّم اليوم في أنطاكية شرط أن يكون كلامي مطابقًا لكلام الربّ وأن أكون، إن اقتضى الأمر، عنيفًا بالطريقة التي كان هو فيها عنيفًا.

رؤيتنا اليوم، كهنة وعلمانيّين مجتمعين بمحبّة ورؤية واحدة حول المطران، هي الرؤية التي كنّا دومًا نبتغي مشاهدتها، وأنّه من التعزية بمكان أن يحصل هذا، ولو جزئيًّا، ولو بطريقة غير كاملة، في مكان ما من كنيسة أنطاكية، لأنّ هذا غير ممكن في مراكز أخرى. يا أخوة عندي أمنية خاصّة ورجاء من الأخوة الحركيّين في جبل لبنان، عند دخولي الحركة، من أولى المسؤوليّات التي تسلّمتها كانت مسؤوليّة في أحد فروع جبل لبنان وكان عمل مركز بيروت آنذاك يشمل أبرشيّة جبل لبنان أيضًا. يا أخوة بما أنّ الحركة في مركز بيروت اليوم على شيء من الضعف من جرّاء تقاعسنا، رجائي أن تحسّوا أنّكم مسؤولون عن المدّ الحركيّ في بيروت مثلما كان الأخوة في بيروت في ماضٍ ليس بعيدًا يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن المدّ الحركيّ في الجبل. والمدّ الحركيّ هو بالنسبة إلينا مدّ الهمّ النهضويّ الذي تكلّم عليه سيّدنا. ولا حركة بدون هذا الهمّ، أنّ نحسّ بأنّنا أنفسنا كلّ واحد منّا رئيس المركز ورؤساء الفروع والأخوة مسؤولين عن إيجاد الحركة من جديد حيث هي غير موجودة أو حيث عملها يتعثّر بما في ذلك بيروت. وأرجو أن تولوا هذا الموضوع ما يستحقّ في هذا المؤتمر، حتّى ولو كان هذا غير مبرمج، لأنّ بهذا يتمجّد اسم الربّ. وإذا نظرتم إلى هذا الوضع أو هذه الأمنية التي لديّ، لا تنظروا إليها من الناحية الإداريّة. كفانا حدود في هذه الكنيسة، كفانا جدران ترتفع بين الناس في هذه الكنيسة حتّى لا نرفع، نحن في الحركة، الجدران. رجائي الثاني بهذا المؤتمر أن يفتح المجال لكلّ أخ من الأخوة أن يعبّر عن رأيه خارج الإطار الإداريّ، الرسميّ والتقارير، نحن بحاجة في الحركة إلى أن نسمع بعضنا البعض، أن نسمع الصغير فينا والكبير بالقدر ذاته، لأن لا أحد يحتكر الروح القدس وفي كثير من الأوقات يتكلّم هذا الروح بصوت خافت من خلال ما يبدو ضعيفًا أو فتيًّا. وكثيرًا من الأحيان لا نسمح لمن يتكلّم بهم الروح القدس أن يتكلّموا بجرأة في أوساطنا، فأرجو أن نصغي ونعطي الوقت، أن لا نقول أنّ لدينا الآن إداريّات ونريد أن نحلّ مشاكل، لا شيء أهمّ من أن نسمع بعضنا البعض، أن نسمع الله يتكلّم بواسطة الأخوة الصغار في ما بيننا، بواسطة الشباب في ما بيننا، الذين لديهم موهبة نحن الكبار لم تعد موجودة عندنا. ربّما البعض بيننا – نحن الكبار – لديهم مواهب أخرى، ولكن الحركة لا تعيش بدون الموهبة المعطاة للشباب، وشكرًا.

المشاركات الشائعة