"ألا نندب على إثم"

 

ريمون رزق - نشرة رعيّتي


يطلب منّا القدّيس الذهبي الفم في عظته الفصحيّة ألّا "نندب على إثم" ولا "ننوح على فقر"، نتعالى على كلّ ارتياب وخوف، لندخل إلى "فرح ربّنا". الكلام جميل، لكن يختلف هذه السنة وقعه علينا، إذ تسيطر على أوضاعنا الكآبة وفقدان الأمل والقلق على المصير والخوف من الجائحة اللعينة التي تفرض الابتعاد عن الأحبّة وعدم التواصل مع الإخوة.

تذكّرنا هذه الأوضاع بالحالة التي عاشها التلاميذ عندما قُبض على يسوع. عرفوا مثلنا الكآبة والريبة واليأس والشكّ لمشهد آلام المعلّم وموته، كما عرفوا ضيعانًا كياني تمثّل بنكران بطرس وانتحار يهوذا.

تغيّرت أوضاعهم بعد القيامة، واختفت كآبتهم لأنّهم "رأوا وآمنوا". لكنّهم شكّوا حتّى اللحظة الأخيرة بعد أن شاهدوا القبر فارغًا. فكانت النسوة "محتارات وخائفات ومنكّسات وجوههنّ إلى الأرض" (لوقا 24: 4-5). واعتبرالرسل "كلامهن كالهذيان ولم يصدّقوهنّ" (لوقا 24: 11). وقال تلميذا عمّاوس أنّ قلوبهم لم تكن "ملتهبة" (لوقا 24: 32). لم يصدّق إذًا الرسل حتّى بعد أن رأوا. ولم تلتهب قلوبهم إلّا عندما أخذ يسوع يظهر لهم. عندها آمنوا، فعمّهم فرح اللقاء مع سيّدهم القائم من بين الأموات.

كيف لنا أن نخرج بدورنا من كآبتنا؟ نعلم أنّ الربّ قال لتوما: "طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يوحنّا 20: 29). تدفعنا أوضاعنا الراهنة إلى الشكّ لأنّنا لم نرى "الحجر مدحرجًا". نغفل غالبًا أنّ ليتورجيا الكنيسة تجعل منّا شهودًا، إذ تدعونا إلى معاصرة أحداث الخلاص. إذا أردنا عيشها في العمق، تنقلنا عبر الزمان والمكان، إلى أورشليم، فجر يوم الفصح، فنرى القبر فارغًا ونكتسب صفة الشهود العيان.

وكيف تلتهب قلوبنا؟ قيل أنّ المسيحيّين فقدوا الفرح. لذلك فقد العالم معنى الحياة وتاه. لم تعد تلتهب القلوب لفقداننا الرجاء بأنّ المسيح وحده هو الصخرة، ولأنّنا لم نعد نؤمن بمساواة عامل الساعة الأولى بعامل الساعة الحادية عشرة. ونسينا دعوتنا لقلب موازين هذا العالم ومعاييره بالمحبّة الأخويّة، ولرؤية يسوع في كلّ إنسان لأنّه يسكن فيه. ستعود قلوبنا إلى الإلتهاب إذا قرّرنا التفتيش عن يسوع في كلّ مواضع سكناه.

سوف نلاقي الربّ حتمًا إذا فتّشنا عليه بحميّة، لأنّه يبحث عنّا. علينا ملاقاته كما نحن، مع مشاكلنا وشكّنا وارتيابنا، قائلين له: "أؤمن يا ربّ. لكن أعِن ضعف إيماني" (مرقس 9: 24). إذذاك نعي أنّ يسوع حاضر معنا على الدوام لأنّه عمّانوئيل، ونمتلئ بالقناعة أنّه قام وحقًا قام.

تدعونا الكنيسة أيضًا أن نصير قياميّين بتسليم حياتنا ليسوع ووعي حضوره، واقتناعنا بتعزيته وبضرورة تعزية إخوتنا. ولنصبح نور العالم برؤيتنا النور الذي لا يعروه مساء. وتعطينا أناجيل آحاد الفترة القادمة حتّى العنصرة، نماذج عن أُناس قياميّين للاهتداء بهم. فتوما آمن بعد شكّ، وحاملات الطيب فرحنَ بعد ارتياب، والمخلّع تغلّب على إعاقته، والأعمى رأى، وآباء المجمع الأوّل ثبتوا في الإيمان بالإله-الإنسان الذي أرسل روحه يوم العنصرة. علينا التمثّل بهم واكتساب اليقين أنّ الربّ قادر أن يزيل كلّ شكّ وكآبة وقلق إذا آمنّا. سوف يقيمنا من كبوتنا، إذا صمّمنا أن نرى كلّ شيء من منظاره، وأن نفعّل عضويتنا في الكنيسة، أخويّة المحبّة والخدمة، جماعة الشهود العيان المقتنعين بأنّ يسوع يقيمهم معه ويمسح كلّ دمعة من عيونهم.

القضيّة هي قضيّة إيمان ورجاء ومحبّة بأنّ المسيح سينقذنا مهما صعبت أوضاعنا إن تركنا له زمام الأمور. فعلينا الدخول يوم العيد بدون تردّد في "فرح ربّنا" والابتهال نحو روحه القدّوس قائلين: "هلمّ واسكن فينا وطهّرنا من كل دنس وخلّص أيّها الصالح نفوسنا"، ولنا ملء الثقة أنّنا سنُستجاب.

 


المشاركات الشائعة