هلمّ نؤكّد أن وحدة كنيسة أنطاكية الأرثوذكسيّة لن تتزعزع

 

 ريمون رزق -  18 كانون الثاني 2019

 

إرفعوا الصوت عاليًا، أيّها الأرثوذكسيّون، فإنّ الصمت مقيت إذا لم يتحوّل ابتهالاً وصلاة. إرفعوا الصوت، واحتجّوا على ما آلت إليه أوضاع كنيستكم من تدخّل سياسيّ وتخاذل رعائيّ وصمت مدوّي. إرفعوا الصوت أيّها الرعاة والمؤمنون وقولوا إنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة لا ترضَ أن تصبح كرة في ملعب كبار هذه الدنيا وصغار سياسيّي بلادنا. كنيسة أنطاكية هي تاريخيًّا الكنيسة الأولى بعد كنيسة الرسل في أورشليم. فيها دُعي التلاميذ مسيحيّين أوّلاً. فيها بشّر هامتا الرسل بطرس وبولس، وأسّساها قبل باقي كنائس المسكونة. روت دماء شهداء كُثر أرضها في طليعتهم أغناطيوس المتوشّح بالله. وظهر في ربوعها كبار معلّمي الكنيسة بأسرها. وعظ فيها الذهبيّ الفم الذي ما زلنا نحيا من كلامه. جعل كلّ هؤلاء باسيليوس الكبير يعلّي وحدتها فوق كلّ الاعتبارات. خرج منها مكسيموس المعترف الذي وقف وحده مدافعًا عن الإيمان في وجه كثيرين جحدوا. نما يوحنّا الدمشقيّ في ربوع الشام ملخّصًا إيمان الآباء جميعًا وناقله. ترأسها بطاركة عظام وعلّم فيها أساقفة كبار أمثال بطرس الثالث الذي وقف في منتصف القرن الحادي عشر أمام بطريرك "مسكونيّ" متهوّر، داعيًا إيّاه إلى التسامح والمحبّة والشورى.

يطول بنا الكلام إن أردنا ذكر كلّ مشاهير أنطاكية وقدّيسيها الذين ثبّتوا شعبها عبر المصاعب ولا يزالون يدعونا إلى الصمود أمام تخاذل الكثيرين وسكوتهم وابتعادهم عن أخلاق الأخوّة والرأفة والوحدة التي بشّر بها مخلّصهم.

أيننا اليوم من هؤلاء جميعًا؟ أنستحقّ أن نكون أبناءهم وننقل رسالتهم؟ ربّي، ليس يهوذا وحده من خانك. اغفر لنا خياناتنا اليوميّة واعطنا القوّة لنقف صارخين الحقّ وداحضين أباطيل سياسات هذا العالم، متذكّرين أنّه في مناسبات عدّة من تاريخ كنيستنا الأرثوذكسيّة وقف الشعب وحده مدافعًا عن الإيمان القويم الذي جحده رؤساؤه. ومن هذه المناسبات الشهيرة ما حدث في أوكرانيا بالذات – التي هي اليوم مصدر العثرة – عندما انضمّ كلّ الأساقفة إلى كنيسة روما تحت ضغط الحكّام، فقام الشعب، رهبان وكهنة وعلمانيّون، وحافظوا على الأمانة سالمة. فنطلب بإلحاح من غبطة بطريركنا وأصحاب السيادة مطارنتنا أن يخرجوا من الصمت ويُعلنوا للملأ تعلّقهم بوحدة شعب الكرسيّ الأنطاكيّ المقدّس أينما وضعه الله في هذا الكون، محذّرين المتلاعبين بمصيرنا، مهما علا شأنهم، أن يكفّوا عن ذلك. ولن يفعلوا إذا لم نُظهر لهم، ليس بالكلام فقط بل بالأفعال، أنّنا موحَّدون في المسيح وأخوة لا يفصل بيننا شياطين هذا العالم.

إرفعوا الصوت عاليًا لئلّا تسلمونا إلى يأس مميت وتجعلوا منّا أُلعوبة في أيدي ذوي المصالح! أسرعوا فإنّ الأوقات شرّيرة، والناس تتعثّر ولا مَن يجيب ويداوي. علّمونا مجدّدًا المحبّة التي أوصانا يسوع أن نأخذها شعارًا لحياتنا لكي يؤمن به العالم. وأن نعي أنّ كلّ خصام بيننا وتقهقر التعاون والشورى يغذّي اللاعبين بالنار. اتّقونا من شرّ هذه النار ودعونا نصبح بجدّية حياتنا في المسيح عوسجة مشتعلة لا تحترق.


 

 

المشاركات الشائعة