الوحدة الأنطاكيّة: تنمية الأوقاف والتعاضد الماليّ
ريمون رزق
ورقة عمل قُدّمت الى المؤتمر الأنطاكيّ العام 2014
تحديد ماهيّة الوقف
الوقف بحسب التحديد الوارد في الأنظمة الأنطاكيّة، هو "كلّ بناء أو أرض زراعيّة أو حرجيّة أو غير ذلك حبست على الأديرة والمؤسّسات الدينيّة والخيريّة لمنفعة وفائدة الجهة التي وقفت عليها" (قانون الأديرة والأوقاف الصادر سنة 1955). لكنّ الوقف في الكنيسة هو فعل قبل أن يكون عينًا، إذ هو فعل يقوم به إنسان مؤمن يتخلّى عن رزق يملكه أو مال منقول لديه يهبه للكنيسة لكي تقوم بدورها باستعمال موارده في عملها الرعائيّ ومساعدة المحتاجين. يرجع هذا التخلّي والمشاركة في الخيرات إلى عصور المسيحيّة الأولى إذ تشهد أعمال الرسل أنّ "كلّ مَن يملك الحقول أو البيوت يبيعها ويأتي بثمن البيع فيلقيه عند أقدام الرسل، فيُعطى كلّ منهم على قدر احتياجه" (أعمال 4: 34-35). يكمن أساس هذا التخلّي في دعوة الربّ لمَن يريد "أن يكون كاملاً أن يبيع ما يملكه ويتصدّق بثمنه على الفقراء" (متّى 19: 21-22). يربط العهد الجديد إذًا هذا التخلّي بالأمور الأساسيّة التالية: آ- التخلّي هو طريق إلى الكمال الإنجيليّ الذي يقضي "باقتسام كلّ شيء مع الأخ" (تعاليم الرسل الاثني عشر)، ب- ينمّي التخلّي الشعور بالانتماء إلى الجماعة الكنسيّة التي نتخلّى من أجلها، ج- يأتي التخلّي من القناعة بأنّ الإنسان وصيّ على ما يملك إذ أُعطي له من الله من أجل مساعدة أحبّاء الله، وبخاصّة الفقراء الذين ارتضى أن يسكن فيهم.
القوانين الكنسيّة المتعلّقة بالأوقاف
لحظت المجامع المحلّيّة والمسكونيّة واقع هذا التخلّي الحرّ، وشرّعت بشأن الأوقاف التي كانت تدعوها "أموال أو أملاك الكنيسة"، لا بل "أملاك الله". فقالت إنّه "يجب أن تُصان" هذه الأملاك (القانون 26 لمجمع قرطاجة سنة 419)، وأنّ "للأسقف السلطة في إدارة أموال الكنيسة" (القانون 25 لمجمع أنطاكية سنة 341)، كما أجازت بيعها "إذا لم يكن لها دخل... بعد مشاورة الأساقفة" (القانون 26 لمجمع قرطاجة) أو "موافقة المجمع" (القانون 33 من المجمع ذاته). وقد طوّر آباء القرن الرابع هذه المفاهيم لجهة كيفيّة استعمال ما ينتج من "أملاك الكنيسة". إضافة إلى الاهتمام بخدّام الكنيسة والفقراء، يلحظ الذهبيّ الفم أنّه يستعمل هذه الموارد في "سبيل تبشير القوط والروس وبعض الفينيقيّين في تلال لبنان، وفي إنشاء المؤسّسات الخيريّة". وكان باسيليوس الكبير رائدًا في تأسيس مثل هذه المؤسّسات الخيريّة المهتمّة بالاستشفاء واستقبال المشرّدين والغرباء وسدّ حاجات المعوزين. يبيّن كلّ ذلك أنّ "أملاك الله" يجب أن تُخصّص لغايات ثلاث لا رابع لها، ألا وهي: نشر التعليم، إعانة الإخوة والمحتاجين وإعاشة الرعاة.
المساعي الأنطاكيّة لتنظيم الأوقاف خلال السنوات المئة الأخيرة
سعت القوانين الأنطاكيّة إلى تنظيم أوضاع الأوقاف منذ أيّام المثلّث الرحمة البطريرك غريغوريوس الرابع (حدّاد). فصدر في أواخر عهده، في سنة 1921، "نظام صندوق الملّة"، لكنّه لم يوضع موضع التنفيذ. وجرت محاولات أخرى في عهد المثلّث الرحمة البطريرك ألكسندروس (طحّان). فصدر سنة 1955 "قانون الأديرة والأوقاف" وقانون جديد للصندوق الملّيّ الأرثوذكسيّ، وذلك بعيد انعقاد المؤتمر الأرثوذكسيّ العام في تشرين الثاني سنة 1955. وقد قسّمت هذه القوانين الأوقاف إلى ثلاث فئات: أوقاف الأديرة، والأوقاف العائدة للبطريركيّة والأبرشيّات، وأوقاف المؤسّسات الطائفيّة، ونظرت في إدارة كلٍّ منها. كما قرّرت أن تشارك كلّ أبرشيّة بنسبة عشرة بالمئة من صافي موارد أوقافها في الصندوق الملّيّ العام. لكن لم تنفّذ هذه القرارات أيضًا. أمّا قانون 1972، الذي صدر في عهد المثلّث الرحمة البطريرك إلياس الرابع (معوّض)، والذي عُدّل سنة 1993، فلم يلحظ نظامًا خاصًّا بالأوقاف، مكتفيًا بتكليف مجلس كلّ رعيّة "بتنمية موارد الرعيّة الماليّة"، ومجلس الأبرشيّة الملّيّ بتوفير معيشة الإكليريكيّين، ومصاريف الأبرشيّة الإداريّة، والتعليم الدينيّ، وأمور الرعاية الأخرى، والسهر على المؤسّسات الملّيّة. وكان قد ألّف البطريرك إلياس الرابع سنة 1971 "لجنة الأوقاف والماليّة" للاهتمام بأوقاف البطريركيّة. وكانت هذه اللجنة تجتمع برئاسة البطريرك وعضويّة مطرانين وأسقف وبعض العلمانيّين من ذوي الاختصاص. وكان لها مكاتب مختلفة أهمّها المكتب الزراعيّ الذي بدأ يعمل على جردة كاملة لأملاك البطريركيّة ووضع بعض الدراسات المتعلّقة بأوقاف أديرتها وأوقاف أديرة أبرشيّات أخرى. من بينها مشاريع زراعيّة خاصّة بأديرة سيّدة البلمند ومار جاورجيوس الحميراء ومار الياس الشويّا، ومار يعقوب ددّه وسيّدة النوريّة وسيّدة كفتون وسيّدة حماطورة ويوحنّا المعمدان في دوما وما جاورجيوس الحرف، كما قامت بدراسة شاملة لأوضاع التنمية الزراعيّة في الكرسيّ الأنطاكيّ.
يبدو أنّ أعمال هذه اللجنة توقّفت بعيد 1975، ربّما بعد اندلاع الأعمال الحربيّة في لبنان. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ همّ التنمية لم ينقطع لدى آباء المجمع المقدّس، إذ قرّروا سنة 1975 إنشاء "مجلس اقتصاديّ أعلى يشمل كلّ الكرسيّ الأنطاكيّ لدراسة الإمكانات الماديّة المتوفّرة لدى الطائفة الأرثوذكسيّة وتنميتها تنمية علميّة تعود بالخير على الكرسيّ". لكن لم يُنشأ هذا المجلس، فأعاد المجمع المقدّس التأكيد في أواخر سنة 1980، في بدء عهد المثلّث الرحمة البطريرك أغناطيوس، على ضرورة "تنفيذ القرار بإنشاء المجلس الاقتصاديّ والإنمائيّ"، كما قرّر أن تساهم الأبرشيّات في الصندوق الملّيّ العامّ بنسب متفاوتة.
نظام المجلس الاقتصاديّ والإنمائيّ
بعد ذلك، صدر في سنة 1981 "النظام الأساس للمجلس الاقتصاديّ والإنمائيّ لبطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق" الذي كان الإطلالة المنهجيّة الأولى لمقاربة مشكلة تنمية الأوقاف علميًّا لسدّ مصاريف الرعاية المتزايدة. فنقرأ في مقدّمته "أنّ الطاقات الحقيقيّة للكنيسة إنّما هي المؤمنون بالذات وليس فقط ما خلّفه المحسنون أمانة بين أيدينا من الأجيال السالفة". وأعاد التأكيد على ضرورة تعاضد أبناء الكنيسة ووعي المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم في استعمال مختلف طاقاتهم للمساهمة في "الدرس ورسم خطّة اقتصاديّة وإنمائيّة شاملة" لكي تُستثمر الأوقاف وسواها "بناء على الطرائق العلميّة والتخطيط السديد لزيادة الفائدة منها لخير الكنيسة". ولحظ هذا القانون أن يقوم هذا المجلس بالدراسات الرامية إلى تطوير المؤسّسات الكنسيّة القائمة وإنشاء مؤسّسات جديدة وتمويل البرامج التربويّة والرعائيّة والاجتماعيّة" (المادة 2)، كما أنّه "يكمّل الأعمال الاقتصاديّة والإنمائيّة الني تقوم بها مختلف الهيئات القائمة... ولا يتعارض معها" (المادة 3). ويلحظ القانون صلاحيّات المجلس على النحو التالي:
1. "مسح أوقاف الكرسيّ الأنطاكيّ وسائر إمكاناته"،
2. "وضع سياسة إنمائيّة شاملة للمؤسّسات الكنسيّة"،
3. "وضع مشاريع إنمائيّة مدروسة ومحدّدة"،
4. "الإشراف على تنفيذ المشاريع"،
5. "دراسة الطلبات الواردة إلى السيّد البطريرك" المتعلّقة بتغيّير وجهة استعمال أو بيع أو استبدال الأملاك الكنسيّة، "والتثبّت من موافقتها للتخطيط الإنمائيّ العامّ والسياسة الإنمائيّة السارية والسياسة الإنمائيّة السارية".
شكّل فعلاً البطريرك أغناطيوس الرابع هذا المجلس، بعضويّة مطرانين وثمانية علمانيّين من ذوي الخبرة، وعيّن له مديرًا تنفيذيًّا. لم أستطع الاطّلاع على أعمال هذا المجلس لتقييم ما قام به. يقول جورج غندور (أنطاكية والقانون، ص. 228، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع، 2009) إنّه "عمل لمدّة لم تزد عن الأربع سنوات وقام بدراسة بعض المشاريع التي لم يُنفّذ معظمها". لكن يبدو أنّ الاهتمام خفّ به في ما بعد إذ انصبّت معظم جهود البطريرك على إنشاء جامعة البلمند الأرثوذكسيّة وتطويرها. مع ذلك، عيّن البطريرك اغناطيوس سنة 1995 "لجنة استثمار العقارات البطريركيّة"، مؤلّفة من رجال أعمال وأخصائيّين لمعاونته في دراسة الطلبات الواردة من الأبرشيّات بشأن بيع بعض الأوقاف أو استبدالها أو تأجيرها.
التعاطي مع القوانين في الكرسيّ الأنطاكيّ
على الرغم من قيام البطريركيّة وبعض الأبرشيّات، في الحقبة التي نحن بصددها، بمشاريع مهمّة (جامعة، مدارس، مستشفيّات، أبنية مختلفة، مراكز صحّيّة اجتماعيّة، كنائس، إلخ.)، بقي الشعور العام السائد لدى الأرثوذكسيّين أنّه، مع كون الكرسيّ الأنطاكيّ غنيًّا جدًّا بالأوقاف، لم تعتمد الإدارة الكنسيّة منهجيّة واضحة وثابتة في التعاطي معها، ولم تعلم أبناءها بما فيه الكفاية عن مساعيها في هذا الصدد. لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تعاطيها مع القوانين التي وضعتها خلال الستّين سنة الماضية، من وضع وتعديل وعدم تنفيذ متكرّر، لم يشجّع على بناء الثقة المرجوّة. إضافة إلى ذلك هناك شعور شبه عامّ أنّ أغلبيّة الأوقاف لا تحقّق الغاية التي وضعت من أجلها، والتي هي أساسًا "أعمال البرّ والتقوى". يُرجع غالبًا المنتقدون هذا الواقع إلى كون الكثير من القيّمين على الأوقاف بعيدًا عن الهمّ الرعائيّ، ولا يعتبرون نشر الكلمة من أولويّاتهم. ويعتقد كثيرون أيضًا، غالبًا عن حقّ، أنّ إدارة الأوقاف تفتقد بعامّة إلى مقاربة علميّة، ولا ترتكز دائمًا على دراسات وتخطيط.
المبادئ التي يجب أن ترتكز عليها سياسة إنماء الأوقاف
أمّا الآن فماذا؟ هل نحن بحاجة لكتابة مزيد من الأنظمة والقوانين، علمًا أنّ قانون "المجلس الاقتصاديّ والإنمائيّ"، الذي جئنا على ذكر أهم بنوده، يفي بالحاجة، إذا أُعيد تأليفه وكان له فروع في سائر الابرشيّات ومكاتب تنفيذيّة. أمّا المبادىء الأساسيّة التي يجب أن يرتكز عمله عليها فهي التالية:
1. التأكيد على أنّ المؤمنين هم الأوقاف الحقيقيّة في الكنيسة، لأنّ الكنيسة هي كنيسة أحياء وليست كنيسة أموات. وأنّه يجب التعاطي معهم بشفافيّة وجعلهم يعون مسؤوليّاتهم إلى جانب أساقفتهم وكهنتهم في الاهتمام بشؤون بيتهم الواحد الذي هو كنيسة المسيح. دعوة المؤمنين إلى الاشتراك في ورشة الكنيسة هو عمل رعائيّ بامتياز، إذ يفتح لهم المجال لممارسة وصيّة الخروج من الذات الإنجيليّة والمساهمة في هذه الورشة بما أعطاهم الله من إمكانيّات، ماديّة أو علميّة. يؤكّد نجاح خبرة إنشاء جامعة البلمند ضرورة دعوة المؤمنين للمساهمة، شرط أن تكون مقرونة برؤية واضحة للهدف المرجو، وبتصميم أكيد على تحقيقه، وتفانٍ من قبل القيّيمين عليه. تولّد هذه الأمور ثقة المؤمنين، وتعيد إليهم الفخر بالانتماء إلى كنيسة تعرف ما تريد وتخطّط للوصول إليه. تؤكّد أيضًا خبرة أبرشيّات الانتشار، بخاصّة في القارّة الأميرجكيّة، حيث لم تكن توجد أوقاف إلاّ نادرًا، أنّ الكنيسة يمكنها أن تعيش وتشهد بواسطة الاشتراك الذي يدفعه المؤمنون بانتظام، والشفافيّة التي تسود استعمال الموارد، إلى ما هنالك من أساليب أخرى (أخويّات وجمعيّات، ومشاريع مختلفة تقوم بها الكنيسة). إنّ المساهمة الماليّة تشجع على ارتباط المؤمنين بكنيستهم وبعضهم البعض وبضرورة تعاضدهم. علينا ألاّ نخجل من أن نجعل من المال وجهًا من وجوه التعبير عن الوحدة بين الإخوة.
2. التأكيد على ضرورة أن تكون إدارة أوقافنا ومؤسّساتنا أقرب ما يمكن إلى متطلّبات الإنجيل، كي يشعر الناس الذين يتعاطون معها باستقامة القيّمين عليها وانفتاحهم المحبّ على الجميع. هذا لا يعني بتاتًا ألاّ تتّبع هذه الإدارة الأساليب والتقنيّات الأكثر مهنيّة وحداثة.
3. التأكيد على أنّ الكنيسة وجدت لخدمة شعب الله والبشر، ليس فقط روحيًّا، بل في سدّ الحاجات المعيشيّة إضافة إلى النواحي الطبيّة، والتعليميّة، والتوظيفيّة، والسكنيّة، والاجتماعيّة بعامّة. وتاليًا أنّ قسطًا كبيرًا من إمكانات الكنيسة يجب أن يُسخّر لهذه الغاية. لذلك لا مفرّ من بحث جدّيّ منفتح لتحديد موضوعيّ لحاجات الناس والاستماع إليهم في طور التخطيط لتلبيتها.
4. التذكير بأنّ "كلّ شيء بيننا مشترك"، والسعي إلى كسر مبدأ "مال الرعيّة للرعيّة"، السائد في كثير من الأمكنة، حيث لا تساهم الرعيّة الغنيّة في ميزانيّة الرعيّة الفقيرة، ولا تعطي، كما الأديرة الموجودة في الأبرشيّة، إلاّ نادرًا نسبة من مدخولها إلى مقرّ الأبرشيّة المنتمية إليها. إذا كان الوضع هكذا في معظم الأبرشيّات، فماذا يمكن قوله عن مساهمة الأبرشيّة الأغنى في ميزانيّة الأبرشيّة الأفقر والدار البطريركيّة؟ من الضرورة تاليّا إحياء الصندوق الأنطاكيّ المشترك الواضح المعالم ليشجعّ على التعاضد بين الأبرشيّات. بخاصّة وقد أدّت الأوضاع السائدة إلى تداخل متزايد بين أبناء الأبرشيّات، إذ يتنقلون باستمرار بينها: يولدون في إحداها، يعملون في أخرى، وفي أحيانٍ كثيرة يسكنون فعليًّا في ثالثة. يفرض هذا التداخل الواضح بين المؤمنين بعض التداخل على صعيد موارد الابرشيّات وخدماتها. يحتّم علينا مفهوم الوحدة الكيانيّة بين الأبرشيّات وكون كلّ واحدة منها وجميعها كنيسة الله التي في أنطاكية وفي العالم، أن يُترجَم تكاملاً بين الرعايا والأبرشيّات لخدمة شعب الله، ونشر الكلمة.
5. إعادة التأكيد على أولويّة خدمة المستضعفين من أبناء الرعيّة وكلّ الذين يعيشون في محيطها. هم أولى باهتمام الكنيسة وبمواردها. وبصورة خاصّة، ألاّ يجب الاهتمام بالمعوقين وذوي الحاجات الخاصّة، الذين تتزايد أعدادهم في هذه الأيّام الشرّيرة التي نعيش؟
6. البحث الجدّيّ في كيفيّة مساعدة المهجّرين من بيوتهم والكثيرين الذين وصلوا إلى القناعة بأنّ الهجرة خارج أوطانهم هي الحلّ الوحيد لحالة عدم الاستقرار التي يعيشون وخوفهم على مستقبل أولادهم. إلى المساعدات الآنيّة، والمشاريع السكنيّة التي لا بدّ من إطلاقها، ألا يجب أن نخلق حلقة "ذهبيّة" بين أبرشيّات الوطن وأبرشيّات الانتشار لتسهيل استقبال وتأقلم الذين مع ذلك يهاجرون؟
7. السهر على إبراز تراثنا الأرثوذكسيّ والحفاظ عليه، في أماكننا الأثريّة والأيقونات والمخطوطات وغيرها من معالم تاريخنا.
8. خلق رابطة اتّصال مع الهيئات العالميّة المموّلة وحثّ أثريائنا، في الوطن وبلاد الانتشار، على الاستثمار في مشاريعنا.
9. ضرورة اعتماد رؤية تنمويّة حديثة لاستثمار أوقاف وموارد الكنيسة من أجل خدمة رعائيّة أفضل. من أجل ذلك، لا بدّ من اللجوء إلى أساليب الإدارة الحديثة وأدواتها للسهر على الأوقاف وتنميتها. تستدعي الإدارة الحسنة وجود أناس يكرّسون كلّ وقتهم للعمل، وهيئات استشاريّة تكلّف بالدراسات اللازمة، إلى جانب المجالس التوجيهيّة التخطيطيّة التي تضم متطوّعين مؤهّلين يعطون بعضًا من وقتهم وخبراتهم في الموافقة على الخطة والمشاريع المقترحة والإشراف على تنفيذها. بيّنت خبرة الماضي القريب أنّ المشاريع التي نُفّذت بنجاح كان دائمًا لها طاقم تنفيذيّ مؤهّل ودائم. أمّا التي قُرّر تنفيذها، بعد بحث وتخطيط من قبل الهيئات المشرفة، فظلّت حبرًا على ورق لافتقادها مثل هذا الطاقم الإداريّ. كتب البطريرك أغناطيوس في الإدارة كلمات يسوغ لنا التأمّل بها:
"الإدارة ككلّ أمر كنسيّ رفيع تتطلّب مواهب خاصّة لا تأتي بطريقة سحريّة، بل بالتدرّب والتعليم والإخلاص. ومن هذه المواهب، إلى جانب حسن المعاملة، معرفة الأمور معرفة علميّة حسابيّة تخلو تمام الخلو من العاطفة اللعوب والمشاعر المتقلّبة والاعتبارات الاعتباطيّة. المسؤول إداريًّا شخص متقشّف مستعدّ كلّ الاستعداد لإنكار ذاته كي يرتفع العمل ويعلو... فعمله يَغنى وهو يَفقر. بدون هذا الإنكار ينقلب المخدوم خادمًا، والمفيد مستفيدًا، والمثمر مستثمرًا. وهناك موهبة ثانية عند المدير الحقيقيّ، هي الشجاعة التي هي ابنة المحبّة من جهة وإنكار الذات من جهة أخرى... المحبّة لا تعرف الخوف. المدير الذي يخاف على نفسه ليس شجاعًا، وليس تاليًا محبًّا لعمله... الشجاعة محكّ الإخلاص في الأعمال الإداريّة. وهي الحزم... عندما تقضي المصلحة "بتسويد وجهه"... أمّا الصفة الإداريّة الثالثة فهي وضوح في المعرفة والمقدرة على التنفيذ... ليس من إدارة بالمعنى الصحيح إلاّ حيث التصميم أو الخطّ المرسوم أو السياسة المقرّرة". وينتهي البطريرك في هذه الكلمة التي كتبها عندما كان أرشمندريتًا، سنة 1960، إلى طرح بعض التساؤلات التي لم تزل جديرة باهتمامنا اليوم، ألا وهي: "هل يعكس واقعنا بالإجمال العناصر الإداريّة المذكورة؟ أين تدريبنا للطاقات؟ ما هي الخطوط المرسومة وما هي الوسائل الفعّالة المستخدمة في الواقع لإيصالنا إلى حيث يريد الله؟ ما خير السبل إلى التعبير عن تنظيمنا؟ هل المناخ عندنا مناخ فعل وعمل؟ هل يسجّل تاريخنا منذ سنوات تقدّمًا وتوسّعًا يجعلاننا نركن إلى مجمل عناصر إدارتنا؟". لم يُعطِ غبطته أجوبة على أسئلته هذه، وهي الآن في عهدتنا، بل نبّهنا إلى أنّ "الإنسان لا يشفى من مرضه إذا لم يعرف أنّه مريض ويسعَ إلى الدواء، هذا إذا كان بالفعل ينوي الشفاء" (مجلّة النور، العددان 1 و2، 1960). تُرى، هل نريد فعلاً الشفاء؟
الأعمال الطارئة لاطّلاع المجلس الاقتصاديّ والانمائيّ العتيد
على المجلس الاقتصاديّ والإنمائيّ أن يهتم مباشرة بعد تعيينه بالأمور التالية:
1. تعيين جهاز إداريّ له ولجان فرعيّة في سائر الأبرشيّات.
2. جمع كلّ الدراسات التي وضعتها اللجان التي اهتمّت بالأوقاف سابقًا، وعصرنتها، وإعادة تقيّيم المشاريع غير المنفّذة منها، إن كانت لا تزال مناسبة.
3. القيام بجردة عامّة لممتلكات الكرسيّ الأنطاكيّ، المنقولة وغير المنقولة، بما في ذلك الأيقونات، والمخطوطات (إن بقي منها لم يُحصَ بعد)، والكتب والأدوات الكنسيّة الأثريّة، وغيرها. والاستعانة من أجل ذلك بما قامت به في هذا الصدد اللجان المختلفة السابقة، والذي يُفترض أن يكون موجودًا في الأبرشيّات المختلفة، بغية إصدار دليل شامل لموجودات الكرسيّ الأنطاكيّ.
4. إجراء قراءة صحيحة لتحدّيات المرحلة التاريخيّة التي تعيشها مناطقنا، ووضع رؤية شاملة لما يجب أن تفعله الكنيسة على صعيد وجودها الفعليّ ومؤسّساتها وأوقافها لدرء المخاطر الآتيّة، وإذا أمكن التخفيف من وطأتها على شعبنا. لا بدّ مثلاً أن يُصار، أمام الأحداث الكوارث التي نعيش، إلى تقوية مكاتب الإغاثة الموجودة وتأمين مداخيل ثابته لها، وجعلها تنظر إلى أهداف تتعدّى الحاجات الآنيّة للتفكير بما سوف يصير إليه المهاجرون الكثر من أبنائنا، والتخطيط لإعانتهم، مع ما يتطلّب ذلك من ضرورة العمل على زيادة مدخولنا لتأمين المصاريف الصائرة إلى الازدياد في المدى المنظور. على المشاريع الاستثماريّة الداعمة لمؤسّساتنا، أو التي سوف توجد لهذه الغاية، أن تلحظ ضرورة استقبال أولادنا غير القادرين على دفع مستحقّاتهم التعليميّة أو الاستشفائيّة، أو أن تخفَض هذه الاستحقاقات، بخاصّة في هذه الأيّام العصيبة حيث تتراجع خدمات الدولة في سورية ويتقهقر بعضها في لبنان. كلّ ذلك يتطلّب اقتناعًا وتخطيطًا ورسم سياسة إغاثيّة طارئة تأخذ بالاعتبار هذه المستجدّات.
5. التدقيق بالمنهجيّة المتّبعة في إدارة الأوقاف على الصعيد البطريركيّ والأبرشيّ، والعمل على وضع نظام جديد يحدّد أفضل الطرائق الاقتصاديّة والماليّة والإداريّة الحديثة للقيام بهذا العمل.
6. التدقيق بأوضاع المؤسّسات الأنطاكيّة الكبيرة القائمة، من أجل التأكّد من حسن إدارتها، وكيفيّة قيامها بشهادة كنسيّة أصيلة، وصحّة ماليّتها، وإمكانيّات تطوير عملها لاستفادة أكبر من وجودها.
7. إجراء مسح شامل للوجود الأرثوذكسيّ الذي تغيّر في لبنان من جرّاء الحرب، ويتغيّر في سورية بسبب الأحداث الحاليّة، من أجل تأمين الكنائس والهيئات الرعائيّة لهم. وكذلك إيجاد مسح علميّ للأرثوذكسيّين في بلاد الانتشار، والتواصل معهم، وعدم تجاهل الذين تركوا الكنيسة للممارسة في كنائس أخرى أكثر انتشارًا في البلاد التي يقطنونها.
8. العمل على إصدار قانون ماليّ جديد متشابه ما أمكن بين الأبرشيّات يلحظ إنشاء صندوق (أو صناديق) أنطاكيّة جامعة، ومبدأ التعاضد بين الأبرشيّات على الصعيد الماليّ.
9. وضع قانون خاصّ ينظّم العلاقات بين الأبرشيّات والصندوق الأنطاكيّ العام، إن أقرّه المجمع المقدّس.
10. إيجاد آليّة لرصد الحاجات الحقيقيّة للشعب الأرثوذكسيّ في مستويات التعليم الدينيّ، والإعانة، والسكن، والتوظيف، والاستشفاء، والتربية، والدراسة، والعناية الاجتماعيّة، واستفقاد العجزة والأيتام وذوي الحاجات الخاصّة، وغيرها من المجالات التي تجعل المؤمن الأرثوذكسيّ يشعر برعاية كنيسته له في أموره المعيشيّة. لذلك ضرورة إنشاء مركز دراسة تابع للمجلس الإنمائيّ أو التعاقد مع هيئات استشاريّة مهنيّة لبلورة المشاريع الضروريّة لتلبية هذه الحاجات، والقيام بالدراسات الاقتصاديّة والتحقّقيّة لها، والبحث في كيفيّة تطوير نوعيّة وجودنا المجتمعيّ في ظروف بلادنا المختلفة، وتحديث عملنا التربويّ والرعائيّ والإعلاميّ، آخذين في الاعتبار جدليّة وجودنا ككنيسة وكطائفة والمستلزمات التي تفرضها كلّ منهما على شهادتنا.
11. العمل على إنشاء رابطة أرثوذكسيّة أنطاكيّة عالميّة تشجّع على التبادل والتعاضد بين أبرشيّات الوطن وبلاد الانتشار.
مجالات الخطّة الإنمائيّة
إنّ العمل واسع وملحّ، يمكن أن تُهبط ضخامته العزائم. لكن تستدعي الأيّام الشرّيرة الانتقال السريع من حالة التذمّر والانتقاد إلى حيّز التخطيط والعمل الجدّيّ والمثابر. بعد قيامه بالأمور الملحّة الورادة أعلاه، على المجلس أن يضع خطة تنمويّة شاملة، وتحديد مشاريع على المدى القصير والمتوسّط والطويل. وبعد موافقة المجمع المقدّس عليها، عليه المباشرة الفعليّة في تنفيذ الملحّ منها. على أعضاء المجلس الاقتناع، إضافة إلى ضرورة التخطيط السليم والبرمجة ووضع الميزانيّات والسهر على تأمين مواردها، على أهمّيتها، بأنّ الإيمان أيضًا ينقل الجبال، وأنّ المال ينوجد دومًا عندما يقتنع الناس بالنيّات السليمة وبأهميّة المشاريع الخدماتيّة، مع ما يتطلّب ذلك من شفافيّة في الإعلام، ودعوة الجميع للمساهمة، "بفلس الأرملة"، أو ما يزيد عليه. عندما يرى شعبنا هذه النيّات ويقتنع بها، لن يبخل. وعندها يأتي المال، كما تشهد كثير من الخبرات الفذّة في الماضي القريب. أمّا خطة التنمية فيجب أن تنظر إلى المجالات التالية:
1. الكنائس: حصلت في السنوات الخمسين الماضية تغيّرات ديموغرافيّة من جرّاء انتقال السكّان من مكان إلى آخر هربًا من الأعمال الحربيّة أو الاقتصاديّة، وخلقت حاجة للكنيسة أن توجد كنائس في أماكن وجود أبنائها الجديدة. من هنا ضرورة درس هذا الواقع والتخطيط لإيجاد كنائس جديدة لأنّ كثيرًا من أبنائنا أخذوا يمارسون في كنائس أخرى لافتقادهم إلى كنائس أرثوذكسيّة في جوارهم الجديد.
2. المشاريع الزراعيّة: تملك الكنيسة بواسطة أديرتها ورعاياها مساحات واسعة تبلغ في سورية ولبنان ملايين الأمتار المربّعة. بعضها أراض حرجيّة وزراعيّة لا تُستغلّ كما يجب، وبعضها أراض تصلح لإقامة مشاريع عمرانيّة. قامت أكثر من هيئة استشاريّة في السبعينات من القرن الماضي بوضع دراسات وافية في كيفيّة استصلاح العديد من الأراضي الزراعيّة، واقترحت مشاريع محدّدة مع دراسات تحقيقيّة وميزانيّات. وقد جرى فعلاً استصلاح بعض هذه الأراضي، كما وضعت بعض المشاريع الزراعيّة قيد التنفيذ، بخاصّة في الأراضي التابعة لأديرة جبل لبنان، ولا يزال بعض هذه المشاريع منتجًا حتّى الآن، كما تستمرّ بعض الأديرة بإنتاج صناعات غذائيّة بيتيّة اقترحتها هذه الدراسات يساهم بيعها في تغطية مصاريفها. لكنّ عددًا لا يُستهان به من المشاريع توقّف مع الحرب اللبنانيّة، كما توقّف عمل المكتب الزراعيّ التابع للجنة الأوقاف والماليّة المجمعيّة. لا بدّ من إعادة النظر بالخطط الزراعيّة المختلفة التي وضعتها مؤسّسة الاستشارات الاقتصاديّة للشرق الأوسط والمهندس والخبير الزراعيّ جورج حنّا جحا وغيرهم، وتقييمها وإعادة إطلاق المشاريع التي لا تزال ممكنة، كما يجب تأمين حلقات لبيع منتجات الأديرة بواسطة إنشاء تعاونيّات استهلاكيّة تسوّق هذه المنتجات بطريقة تجاريّة مدروسة.
3. المشاريع السكنيّة والتجاريّة: تملك بعض الأبرشيّات، إضافة إلى أراضٍ شاسعة تصلح لمشاريع سكنيّة وتجاريّة، عقارات في المدن مشيّد عليها أبنية قديمة ذات دخل تأجيريّ زهيد. إنّ سعر هذه الأراضي (في لبنان وسورية) قد ارتفع جدًّا في السنوات الأخيرة، ويقدّر بعشرات ملايين الدولارات. لا بدّ من تحديد هذه الأراضي، وإجراء دراسات تحقيقيّة لتحرير ما يجب تحريره منها، وإقامة مشاريع عليها، أو استبدال بعضها غير المنتج بمشاريع منتجة. يمكن أن تكون بعض المشاريع السكنيّة موجّهة لأصحاب الدخل المحدود من أبنائنا لتشجيعهم على عدم ترك البلاد. ويصلح البعض الآخر لإنشاء مبانٍ لخدمة الكنيسة (كنائس، مكاتب، مراكز اجتماعيّة، إلخ.) أو لإقامة مشاريع تجاريّة تدرّ مدخولًا ثابتًا للكنيسة. لا بدّ من دراسة كيفيّة القيام بمثل هذه المشاريع: بيع قسم من الأراضي (أو الحصول على قروض ماليّة) لإنشاء المباني السكنيّة على الأقسام الأخرى، أو الاتّفاق مع مستثمرين يقومون بتنفيذ المشاريع ويعطون الوقف عددّا من الأبنية أو الشقق تستعملها أو تؤجّرها، أو إنشاء المشاريع من قبل الغير واستثمارها لمدّة زمنيّة معيّنة يدفع خلالها ريعًا سنويًّا للكنيسة، ثم ترجع الأبنية المشادة إلى ملكيّة الكنيسة، أو بواسطة ترتيبات أخرى.
4. المدارس: إنّ غالبيّة أولادنا يتعلّمون في مدارس تابعة لكنائس أخرى أو للدولة، وتاليًا لا يتلقّون التربيّة الأرثوذكسيّة، لا بل إنّ بعضهم يتركون الكنيسة الأم ويلتحقون، ممارسة والتزامًا ونشاطًا، بالكنائس التي يتعلّمون في مدارسها. لا بدّ من إحصاء دقيق لهذا الواقع والحاجات الناتجة منه، والتخطيط لإنشاء مدارس ذات مستوى عالٍ لاستيعاب أكثر عدد ممكن من أولادنا، علمًا أن أكثريّة الأولاد في بعض مدارسنا هم من غير أبنائنا نتيجة للتغيّر الديموغرافيّ، لأنّ هذه المدارس، المؤسّسة قديمًا، لم تعد في الأحياء المناسبة لوجودنا السكّانيّ الحالي.
5. مراكز المؤتمرات: يلجأ مئات من شبابنا إلى أديرة أو مراكز مؤتمرات تابعة لكنائس أخرى لعقد مؤتمراتهم أو اجتماعاتهم العامّة التي تضمّ أحيانًا بضع مئات من الشباب والشبَّان. من هنا ضرورة درس إمكانيّة إنشاء مراكز للمؤتمرات مجهّزة بالتقنيّات الحديثة، أوّلاً في الأديرة التي لا تسكنها أخويّات رهبانيّة ناشطة (مثلاً دير النوريّة في لبنان ودير مار جاورجيوس الحميراء في سورية، أو غيرهما)، أو العمل على إنشاء مثل هذه المراكز بالقرب من الأديرة حيث تعيش أخويّات رهبانيّة للاستفادة من رعاية الرهبان الروحيّة، أو في أماكن مناسبة أخرى.
6. صيانة الأبنية الكنسيّة والأديرة والمواقع الأثريّة: لا بدّ من إيجاد هيئة دائمة لتنبيه المراجع المختصّة وإرشادها إلى أساليب الترميم الفنيّ السليم، ولإبراز المعالم الفنيّة (العمارة، الجداريّات، الأيقونات، إلخ.) لتراثنا.
7. المستشفيّات والمراكز الطبيّة الاجتماعيّة: يوجد الآن مستشفى جامعيّ أرثوذكسيّ في لبنان، ومشفى تابع للبطريركيّة في سورية. وهناك مشروع لإقامة مستشفى آخر في البلمند. علينا القيام بدراسة لمعرفة إن كانت هذه الشبكة تكفي لمتطلّبات شعبنا الاستشفائيّة، ونؤمّن لها قبل إنشاء الجديد منها ضمانات الاستثمار والتشغيل السليم مهنيًّا وماليًّا. إضافة إلى ذلك لا بدّ من التدقيق في شبكة المراكز الطبيّة الاجتماعيّة التابعة للكنيسة أو لمؤسّسات وجمعيّات أرثوذكسيّة لتنسيق أعمالها، وإيجاد مراكز جديدة حيث تدعو الحاجة، مع تشجيع المبادرات القائمة هنا وهناك للاهتمام بالمعوقين وذوي الحاجة الخاصّة (صم، بكم، إلخ.) وتطويرها. ولا بدّ أيضًا من تنسيق واجب بين أعمال الجمعيّات الأرثوذكسيّة التي لا تتبع مباشرة للإدارة الكنسيّة لأجل جعلها تنخرط في سياسة الكنيسة العامّة.
8. المياتم وبيوت العجزة: الشيء عينه يُقال بالنسبة إلى المياتم وبيوت العجزة، وغيرها من المؤسّسات الاجتماعيّة.
9. مكاتب توظيف: أمام تزايد البطالة، يجب إيجاد إطار لمساعدة العاطلين من العمل من أبنائنا على إيجاد فرص للعمل، إن أمكن بالتعاون مع أرباب عمل أرثوذكسيّين الذين يجب إقناعهم بضرورة مدّ يد الإعانة إلى أبناء عائلتهم الكبيرة.
10. نظام الاشتراك: مراجعة إيجابيّات (وسلبيّات، إن وجدت) نظام مساهمة المؤمنين الماليّة السنويّة ونظام الأخويّات الداعمة الكنيسة ماليًّا، القائمة في بعض أبرشيّات الانتشار، بغية درس إمكانيّة تطبيقه في أبرشيّات الوطن.
11. ضمان الخدّام: درس مشروع تعميم الضمانات الصحيّة على جميع الكهنة وعائلاتهم، وتأمين المنح الدراسيّة لأولادهم، في الأماكن الذي لا يوجد فيها.
12. دراسة تقنيّة وماليّة لتحسين أداء الكنيسة الإعلاميّ (تلفزة، برامج إذاعيّة، مكتب صحافيّ فاعل، إلخ.).
13. على المجلس الاقتصاديّ أن يبحت بالتعاون مع لجان الأبرشيّات الحاجة الخاصّة بكلّ منها، آخذًا في الاعتبار ما تحقّق فيها من مشاريع وما هو قيد التحقيق. والله هو الموفّق إن أقرّينا بعزم وثبات بأنّنا جميعًا إخوة، وبأنّ مهمّتنا المشتركة الأساسيّة هي أن نكون قبل كلّ شيء كنيسة واحدة تدعو أبناءها إلى المواظبة على "تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات"، وأن يكون "كلّ شيء بينهم مشتركًا"، على غرار المسيحيّين الأوائل الذين كانوا "قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة، ولم يكن أحد يقول إنّ شيئًا من أمواله له بل كان عندهم كلّ شيء مشترك" (أعمال 4: 22). و"كانوا يبيعون الأملاك والمقتنيات ويقسّمونها بين الجميع كما يكون لكلّ واحد احتياج" (أعمال 2: 43-45). هكذا فقط نبرز وجه يسوع، ووجهه وحده دون سواه، لكي يخلص العالم.