مقابلة حول منشورات النور

 

مع ريمون رزق

النور - العدد الأوّل 1982


في هذا الباب نسعى، عبر تحقيق أو مقابلة، للتعريف بمختلف وجوه الخدمة والعمل النهضويّ في الكنيسة الأنطاكيّة: في الأبرشيّات والرعايا والمؤسّسات الأرثوذكسيّة على اختلاف أنواعها. ولن نقف عند حدود التعريف، بل سنحاول إثارة عدد من الأسئلة التي تحمل تحليلاً وتقييمًا أو تطلّعات، كما نرجو أن تكون هذه الصفحات من مجلّتنا منبرًا يناقش فيه، من سنتوجّه إليهم وغيرهم ممّن يعتبر نفسه معنيًّا أو مهتمًّا، القضايا الكنسيّة العمليّة.

ننشر في هذا العدد مقابلة مع الأخ ريمون رزق المسؤول عن "منشورات النور" في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة تتناول شؤون هذه المؤسّسة وأوضاع الكتاب الأرثوذكسيّ عمومًا.

هذه المقابلة تأتي بعد المعرض الأوّل للكتاب الأرثوذكسي الذي ساهم، بلا شكّ، في تعزيز الوعي بأهمّيّة الكتاب وتطويره وتعميمه.

-------

النّور: كيف تقيّمون، في منشورات النّور، معرض الكتاب الأرثوذكسيّ؟

في الحقيقة، المعرض، بمجمله، حدث ملفت. الكثيرون من الذين زاروه اشتروا كتبًا أو طلبوا كتبًا أخرى ومعظمهم أمضى وقتًا غير قصير متصفّحًا، متأمّلاً، وسائلاً عن هذا الكتاب أو ذاك. كتب "منشورات النّور" كانت تحتلّ موقعًا رئيسيًّا في المعرض وهي احتلّت موقعًا رئيسيًّا في البيع أيضًا. أرقام مبيعات الكتب تعطي انطباعًا أوّليًّا عن اتجاهات القرّاء، عن الحاجات والرغبات فيما يتعلّق بالكتاب الأرثوذكسيّ والمسيحيّ عمومًا. لكن هذا الانطباع الأوّلي لا يكفي إذا ما تكرّر المعرض وانتقل إلى أمكنة أخرى (كما هو مبرمج)، نجمع، عندها، إحصاءات أكثر مدلولاً. أسئلة زوّار المعرض، للقيّمين عليه، لا بدّ أنّها تُؤخَذ بدورها بعين الاعتبار: (سأل كثيرون عن سير القدّيسين، عن الآباء وعن كتب تاريخ أنطاكية).

إنّ المعرض، من جهة أخرى، ذكّرنا أنّ آبائنا كانوا جدّيّين كثيرًا. نلاحظ، من نوعيّة الكتب التي كانوا يقتنون: كانوا على صلة مع التراث الآبائيّ، كما كان الكتاب المقدّس نصًّا وشروحًا يحتلّ موقفًا أساسيًّا، هذا بالإضافة إلى الكتب الطقسيّة والكتب التاريخيّة.

المعرض كان مناسبة، إذ حاولنا أن نجمع فيه كلّ الموجود باللغة العربيّة، ذكّرتنا بما ينقصنا في مجال النشر، بالمسؤوليّة الكبيرة، بالمهامّ الصعبة التي هي أمامنا والتي، لسنا، على أيّ حال، قادرون بمفردنا على القيام بها. فإذا ما سجّل البعض ارتياحه إلى الجهود التي بُذلت في سبيل نشر الكتاب الأرثوذكسيّ، في السنين الأخيرة، لفت البعض الآخر النظر، ونحن منهم، إلى قلّة الموجود بالنسبة لكثرة المطلوب.

النور: قد لا يعرف كلّ القرّاء الكثير عن منشورات النّور، في نشأتها وتطوّرها كمؤسّسة أرثوذكسيّة، هلّا، استعرضت لنا، بإيجاز، تاريخها؟

منشورات النّور، أسّستها حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة وهي تشرف عليها. لقد باشرت العمل "كمؤسّسة" (متواضعة جدًّا، طبعًا) في سنة 1968. قبل ذلك نشرنا بعض الكتب. من أوّل الكتب التي وضعنا عليها إسم منشورات النّور، كتاب كوستي بندلي "مدخل إلى القدّاس الإلهيّ" (1964). في الفترة الممتدّة من 1968 حتّى 1975، مررنا في مرحلة تأسيس فعليّة وبدأنا ننشر الكتب بشكل مبرمج وبعدد أكبر وسعينا لأن نروّج كتبنا في الأوساط الأرثوذكسيّة والمسيحيّة عامّة، في بلادنا وخارجها أيضًا.

واستمرّت المنشورات، باستثناء توقّف خلال سنتَين 1978 و1979، في النموّ. فكان مجموع الكتب التي نشرناها حوالي الثمانين (80). لسنا "مؤسّسة" بالمعنى الفعليّ فنحن عدد من الحركيّين المتطوّعين وإمكاناتنا، كحركة، محدودة. لقد سعينا أن نزوّد القارئ الأرثوذكسيّ العربيّ ببعض النصوص الأساسيّة، أن نغرف من التراث، وجهدنا حتى يطّلع الناس على الفكر الأنطاكيّ النهضويّ، وقمنا بترجمة عدد من الكتب الأرثوذكسيّة المهمّة. حاولنا أيضًا أن "ننوّع"، أن نتوجّه إلى الفئات المختلفة، أن نروي بعضًا من عطش شبابنا إلى ماء الينابيع، وأن نبحث في بعض تساؤلاتهم المرتبطة بالمشكلات والقضايا الراهنة. ولولا إصرارنا على المحاولة ودعم القرّاء لنا، واستعداد عدد من الأخوة الكتّاب للتأليف، لكان ضعف إمكاناتنا، أمام كبر المهمّة، أوقف العمليّة...

النّور: باختصار، هلّا أعطيتنا فكرة عن "كيفيّة" إنتاج الكتب وتوزيعها وعن الأوضاع الماليّة؟

إنّنا نعتمد في إعداد الكتب على الجهد التطوّعي. فبعد أن يسلّمنا المؤلّف أو المترجم المخطوطة نشرف على الطباعة ونقوم نحن بالتصحيح والإخراج. إن الطبيعة التطوّعيّة لهذا العمل هي في أصل بعض الثغرات والأخطاء، ولكنّنا نسعى دائمًا للأفضل، وأعتقد أن "مستوى" كتبنا تحسّن كثيرًا وبات يضاهي الكتب التي تصدرها دور النشر "المحترفة". يلزمنا، طبعًا، متطوّعون أكثر. لا بدّ من وجود متفرّغين لهذا العمل إذا ما أردنا له أن يتّسع. التوزيع كان، إلى سنين خلت، يقوم أيضًا على أكتاف المتطوّعين من الحركيّين، أمّا الآن فللمنشورات موزّع لكنّها لم تدخل في حركة التوزيع التجاريّة وليس لنا نقاط بيع إلّا في عدد محصور من الأمكنة والمكتبات. لدينا مشاريع لتطوير التوزيع. نوزّع في الوقت الحاضر، أساسًا في لبنان، ولكنّنا في الماضي دخلنا بلادًا عربيّة أخرى وراجت في بعضها كتبنا (مصر على وجه الخصوص) بشكل ملحوظ. لا بدّ لنا من تطوير التوزيع "الخارجيّ" إذًا.

إنّ ماليّة المنشورات، بالرغم من الوفر الكبير الناتج عن عدم وجود أي موظّف متفرّغ، تسمح لنا بالاستمرار على قاعدة الاعتماد على الذات. مداخيلنا في مجملها من البيع (هناك تبرّعات تأتينا من حين لآخر ولكن حجمها صغير) وهي التي أمّنت لنا العمل بوتيرة معقولة. إنّنا لا نعتمد المقاييس التجاريّة المعروفة إلّا بقدر يؤمّن لنا دفع حقوق بعض المؤلّفين، ونسبة مئويّة للموزّع، وما يكفي للاستمرار دون خسارة تذكر. سنسعى، قدر الإمكان، لتعزيز مداخيلنا وذلك من خلال البيع بالدرجة الأولى، لكنّنا لن نستطيع تنفيذ كلّ مشاريعنا، وهي طموحة، إلّا إذا نلنا دعمًا ملحوظًا من الطاقات الأرثوذكسيّة وذلك، على الأقلّ، في مرحلة أولى.

"النّور": يبدو أنّ للمنشورات، على قاعدة وضعها الماليّ الحاليّ، مشاريع كثيرة، حتّى على المدى القصير، هلّا حدّثتنا عنها؟

هناك سبعة عشر كتابًا جديدًا قيد الطبع (راجع اللائحة). وخمسة كتب تجري إعادة طبعها.

من جهة ثانية، باشرنا في نشر سلاسل من الكتب الصغيرة (راجع اللائحة) مثل "نحن وأولادنا" للأخ كوستي بندلي.

"النور": هل تندرج خطّة المدى القصير في سياق خطّة أكبر؟ هل من أفكار محدّدة من أجل بلورة خطّة عامّة تتضافر، من أجل تحقيقها، الجهود المختلفة في كنيسة أنطاكية؟

الخطّة العامّة تنطلق من فكرة بسيطة: علينا أن ننشر "ثقافة أرثوذكسيّة" في كافّة المجالات. لا يمكن أن نبقى نكتوفي الأيدي أمام جهل العديد من الأرثوذكس لتراثهم، لفِكرهم ولآبائهم وللنهج الأرثوذكسيّ في معالجة القضايا الراهنة من منطلقَيّ الإيمان والتراث. علينا أن نتفاعل مع واقعنا، مع محيطنا، انطلاقًا من فكر مسيحيّ أصيل ومنفتح. كما لا يمكن أن نصمّ آذاننا عن تساؤلات شبابنا.

لنا، طبعًا، في سياق الخطّة العامّة، أولويّات وتحديدها مرتبط بإمكاناتنا المتواضعة، ولكنّنا ندعو، داخل الكنيسة الأنطاكيّة، إلى تنسيق الجهود وتعبئة الطاقات. سنقوم بمبادرة قريبة راجين أن تؤدّي إلى:

- وضع برنامج شامل للنشر الأرثوذكسيّ مع تحديد الأولويّات والاستفادة ممّا نُشر أو ما هو مُعَدّ للنشر خارج كنيستنا.

- إيجاد إطار للتنسيق بين الهيئات والمؤسّسات الأرثوذكسيّة التي تتعاطى النشر ومحاولة إيجاد نوع من "توزيع العمل" أو التكامل بينها.

- البحث في أمر التنسيق أو التعاون مع هيئات مسيحيّة غير أرثوذكسيّة.

- توحيد التوزيع وتطويره.

لقد وضعنا مسودّة لبرنامج نشر واسع متكامل يقع في اثني عشر باب وقد أرسلناها للمسؤولين والمهتمّين طالبين دراستها والتعليق عليها والإضافة والتنقيح وذلك بغية المساهمة في الوصول إلى برنامج شامل يعبّر عن اهتمامات كلّ الفعاليّات الأرثوذكسيّة وقادر على حشد طاقاتها. بعد أن تصل الإجابات على هذه المسودّة سنسعى لعقد حلقة دراسيّة موسّعة هدفها وضع البرنامج.

بالطبع، كلّ ما سنصل إليه سنرفعه إلى غبطة البطريرك والسادة أعضاء المجمع الأنطاكيّ المقدّس طلبًا لتوجيهاتهم راجين أن يكون لنا برنامج نشر أنطاكيّ عامّ.

"النّور": هل من كلمة أخيرة؟

هذه المساعي تندرج في إطار محاولة لترجمة الرؤية النهضويّة إلى واقع. لا بدّد من تعبئة كلّ الطاقات، على قاعدة هذه الرؤية، وفي إطار أولويّات الظرف الحاضر.

مسؤوليّتنا، جميعًا، كبيرة لأنّ الشعب الأرثوذكسيّ ينتظر منّا الكثير في ظرف يحاول الكثيرون من أبنائه عودة إلى الجذور. إنّ الوضع الراهن "يستجوبنا" حتى نعطي للهويّة الأرثوذكسيّة مضامينها الحقيقيّة، فنتعمّق في فهم تراثنا ونبلور مساهمتنا الروحيّة والفكريّة والاجتماعيّة. إنّ النشر ليس إلّا أداة، لكنّها أداة مهمّة ومهمّة جدًّا في بناء وإيصال توجّه أرثوذكسيّ، ومقاربة أرثوذكسيّة للقضايا الراهنة.

كلّنا، مسؤولون كنسيّون ومثقّفون ومؤسّسات مدعوّون للعمل معًا وبانسجام. هكذا تقتضي الأمانة وخدمة الجماعة.

المشاركات الشائعة