المسيحيّ والسياسة

ريمون رزق


يقول اللاهوتيّ الروسيّ الأصل فلاديمير لوسكي إنّ دور السلطة السياسيّة ليس تحويل المجتمع إلى فردوس، بل منعه من أن يصير جحيمًا. يبدأ العمل السياسيّ عندما يتوقّف العنف، فيرتكز على قوّة العدالة والحرّيّة. ويقول أوليفييه كليمان في هذا الخصوص إنّ على المسيحيّين أن "يضعوا حدودًا للسلطة وأن يلهموها في آن. أمّا حدود السلطة "الخارجيّة"، فتكمن في ضرورة إيجاد مجتمع مدنيّ قويّ وحرّ، تكثر ضمنه الجماعات والرابطات المستقلّة. يكون محترمًا العائلة ومحافظًا عليها. أمّا حدودها "الداخليّة"، فتكمن في وجود مواقف مناقبيّة تطلقها نخبة من البشر، تكتسب"سلطة" من قوّتها الروحيّة والأخلاقيّة بدون ضغوط مادّيّة... يكمن دور المسيحيّ الرياديّ في  كونه يسهر ويظهر بسلطان إيمانه النبويّ ملهمًا المجتمع. الكنيسة مدعوّة إلى أن تصبح، بتواضع وصلابة جأش، ضمير المجتمع. سيعرّضها هذا الموقف لمخاطر. وعليها أن تكون الضمير الذي يقترح ولا يفرض، مع ما يحمل هذا الموقف من شعور بالهامشيّة، ويفتح إمكانيّة الاضطهاد العلنيّ أو الخفيّ. وحده الضمير المسيحيّ يمكنه أن يُلهم ويخلق باستمرار توتّرًا إيجابيًّا بين أثقال المادّة الاجتماعيّة والرؤية الإنجيليّة الخادمة للجميع. "على الفخّاريّ أن تمتلىء يداه طينًا. عليه أن يعرف القواعد والأصول التي تمكّنه من جبل الطين. لكنّه لن يفعل شيئًا كلّيّ الجودة بدون إلهام داخليّ متسامٍ. لذلك، يقتضي بقوّه إيماننا والشهادة له السعي وراء مناقبيّة قادرة على وضع حدود للعمل السياسيّ وعلى تحويله،... فكيف يمكننا أن نزعزع أسس العبثيّة والسخرية المتربّعة على مجتمعاتنا؟ وحدها النعمة... تسمح بالانفتاح الحرّ والمجّانيّ على الآخر، على كلّ مَن يخالفني الرأي. وحدها تجعلنا نستشفّ سرّ الأشياء التي تتحوّل عندها إلى حضور. لا بدّ من وحي روحيّ يقنع كلّ واحد منّا بأن يدخل في سبل التجلّي والشركة. لا تأمر النعمة ولا تنظّم، بل توحي. لا تدعو إلى تقنيّة مناهضة للعنف مثلًا، إذ يمكن لمثل هذه التقنيّة أن تكون هي أيضًا فرّيسيّة وعدوانيّة. بل تدعو إلى قوّة فاعلة، لا تجد مصدرها فينا، لكن ندعها تفعل. لم يكن الصوم، عند غاندي مثلًا، أسلوب ضغط، كما هو الحال أحيانًا الآن. كان موقفًا صلاتيًّا، وقتًا لسكون النفس والجسد، للسماح لله بأن يفعل في التاريخ"[1].

ويقول في مكان آخر: "يجب على الكنيسة ألّا تحاول السيطرة على الدولة، بل عليها أن تعمل على إزالة الهالة التي تحيط بالدولة. فتجبرها على التقيّد بمتطلّبات وظيفتها وألّا تتخطّى حدودها، التي يرسمها المجتمع المدنيّ لها للسهر على الأمن وتخفيف كلّ مظهر من مظاهر العنف، وضمان حرّيّة الاجتماع. وعلى الدولة أن تحترم أيضًا الحدود التي ترسمها لها المرجعيّات الأخلاقيّة والروحيّة بشأن حرّيّة المعتقد... على المسيحيّين أن يعملوا جدّيًّا، في هذا المضمار، لإنشاء علمنة حقّيقيّة، أي تعدّديّة حقّ"[2].

 



[1] المرجع عينه.

[2] المرجع عينه.

المشاركات الشائعة