هل من حاجة بعد إلى الكتب؟

 

ريمون رزق


يمكن طرح السؤال إن كان لا يزال مجال في أيّامنا هذه لنشر الكتب، بحيث يمكننا الحصول على معلومات عن أيّ موضوع بواسطة الشبكة الإلكترونيّة. ويزعم كثيرون أنّه لم تعد هناك حاجة إلى الكتاب الذي لا يمكن احتوائه المعلومات الجديدة والمتغيّرة في عالم تعوّد على تغيّر مستمرّ. نجد في هذا الواقع بالذات، إضافة إلى ضرورة ابتكار أساليب لنشر الكلمة بواسطة كافة أدوات التواصل الإلكترونيّة، حاجة متزايدة لإيجاد الكتب، إذ أنّ الكتاب هو شاهد للعصر الذي يُكتَب فيه، ولفكر معيّن ولمدنيّة خاصّة. لذلك على مَن يقوم بالتخطيط له أو كتابته أن يكون شديد الانتباه إلى ما يُكتَب لأنّه لا مجال له أن يغيّر فيه شيئًا بعد طبعاته التالية، أي غالبًا بعد سنوات. يدعو الكتاب مَن يقرأه للخروج من واقعه الحاضر ويكون مستعدًّا لتقبّل فكر آخر ورؤية أخرى وواقع غير واقعه. لو لم يكتب الأقدمون لما كان باستطاعتنا اليوم أن نقارن أقوالهم بواقعنا ونغتني بما أُعطي لهم اكتشافه. وذلك ينطبق بصورة خاصّة بالنسبة للمسيحيّين الذين إن كتبوا يكتبون عن حقيقة لا تتغيّر وعن تأثير الله في حياتهم، ممّا يجعل من بعض نصوص العهدَين القديم والجديد، ومن كتابات الآباء، نصوصًا تستوقف الإنسان في الصميم وتدعوه إلى أن يتغيّر


إنتاج الكتب في الكرسيّ الأنطاكيّ خلال الخمسين سنة الماضية

إذا نظرنا إلى مجموع ما نُشر من قبل الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة بجميع مؤسّساتها وهيئاتها خلال السنوات الخمسين الماضية، نجد كمًّا واسعًا من النصوص المتعلّقة بالحياة الروحيّة واللّيتورجيا والعقائد وسِيَر القدّيسين، وقلّة عزيزة متعلّقة بالكتاب المقدّس. ولا نجد إلّا نادرًا كتبًا تتعاطى مع التاريخ الأنطاكيّ ووجوهه البارزة، أو تبحث في الفكر الأنطاكيّ اللاهوتيّ والفنيّ والتعليميّ وتضعه في قوالب تتفاعل مع هموم العصر، أو تعيد النظر بلغة النصوص الليتورجيّة، أو غيرها من المواضيع التي تتعاطى التوثيق وإبراز التراث الأنطاكيّ بشتّى جوانبه. هذا من جهة النشر المكتوب. أمّا بالنسبة للنشر الإلكترونيّ، فلا شيء يُذكَر.

إنعدام استعمال الأساليب الحديثة للنشر

ونجد أيضًا أنّ كلّ ما نُشر، ما عدا استثناءات قليلة، وضع بأسلوب النصوص المنطقيّة والفكريّة والعقائديّة، مستعملاً العبارات اللاهوتيّة التقليديّة، بدون اللّجوء إلى أساليب أدبيّة أخرى، كالقصّة أو الرواية أو المثل، التي تستوقف أكثر القارئ الحديث. يقول أحدهم أنّه يوجد ثلاثة أساليب لكسب انتباه الناس: يكمن الأول في استعمال الكلمات المكتوبة وهو الأقلّ نفعًا، والثاني وهو أفضل في وضع الأمور بشكل تمثيليّة، والثالث والأفضل في جعل الناس يتفاعلون مع الأمر.

ففي حال قرّرت الدوائر البطريركيّة أن تدخل مجال النشر، فلا بدّ من ملاحظة الأمور التالية:

1- الإهتمام بشكل خاصّ بالنشر السمعي البصريّ والإلكترونيّ وسدّ النواقص في النشر الورقيّ، إذ لا فائدة أن تحلّ مكان دور النشر الموجودة.

2- مجال العمل في النشر السمعيّ البصريّ والإلكترونيّ واسع جدًّا، ويجب أن يشمل:

· دراسة أُسس هذا النشر وأساليبه ووضع رؤية واضحة لأهداف كلّ من ناحيتَيه، والجمهور المُراد الوصول إليه بواسطتهما: من جهة، الأساليب السمعيّة البصريّة (راديو، تلفزة، أقراص مدمّجة، تسجيلات، أفلام)، ومن جهة أخرى، الإنترنت والخليويّ وأساليب التواصل والتفاعل الإجتماعيّة الأخرى.

· إعداد دراسة تفصيليّة لما يجب أن تتضمنّه كلّ واحدة من هاتَين الناحيتَين، والعمل على تجهيزه بموجب المتطلّبات المعرفيّة السليمة والتكنولوجيّة الحديثة الفاعلة:

الأساليب السمعيّة البصريّة

أ‌- بالنسبة للأقراص المدمّجة: تفاسير مختصرة وهادفة للطقوس وأهمّ عقائد الكنيسة الأرثوذكسيّة وقوانينها وأُسس الحياة الروحيّة فيها، ومواقفها تجاه تحدّيات العالم المعاصر، والقضايا الشائكة (عنف، حروب، خوف على المصير، تهجير، هجرة، إلخ.) التي يعاني منها شعبنا.

ب‌- بالنسبة للأفلام: عرض للأديرة والكنائس الأنطاكيّة ذات أهميّة تاريخيّة أو فنيّة أو روحيّة، أفلام وثائقيّة عن أهمّ معالم الكنيسة الأرثوذكسيّة في العالم، إلخ.

ج- بالنسبة للتسجيلات: يمكن استعمال المواد الواردة تحت البند (أ) أعلاه. دراسة الموجود والذي هو كثير جدًّا من الإصدارات المختلفة من قبل المطرانيّات والمؤسّسات الأرثوذكسيّة بغية اختيار الأفضل منها والسهر على إيجاد تسجيلات عن كلّ الخِدَم الأرثوذكسيّة، إن وُجدَت لديها، وفي حال عدم وجود أيّ منها، العمل على تأمينها.

د- بالنسبة للراديو والتلفزة: حتمًا إذاعة القداديس والاحتفالات، ولكن عدم اختصار العمل عليها، إذ لا بدّ من إيجاد برامج تعليميّة وترفيهيّة، ونقاشات حول مواضيع مختلفة تهمّ الناس، ومقابلات مع شخصيّات وفعاليّات إكليريكيّة وعلمانيّة، إلخ.، من أجل استقطاب اهتمام السامع أو المتابع. لا بدّ أنّ بعض المواد المعَدّة تحت البنود (أ) إلى (ج) أعلاه ستشكّل موادًا يمكن استعمالها في هذا المجال، ولكن لا يجب الاكتفاء بها، وإلّا يملّ المتابع.

ه- تأهيل وتدريب العاملين في كلّ هذه المجالات

النشر الإلكترونيّ

يمكن أن يتضمّن هذا النوع من النشر الأمور التالية:

أ‌-تطوير وتفعيل صفحة البطريركيّة الإلكترونيّة لتشمل، إضافة إلى الأخبار الآنيّة لتنقّلات البطريرك وعظاته وأقواله، أهمّ ما يحدث في سائر الأبرشيّات الأنطاكيّة وفي العالم الأرثوذكسيّ والمسيحيّ العام.

ب‌- في حال لم يُستحسَن توسيع صفحة البطريركيّة الإلكترونيّة، كما ورد أعلاه، درس إمكانيّة إيجاد نشرة إخباريّة إلكترونيّة أسبوعيّة تنقل هذه الأخبار.

ج- العمل على إيجاد تطبيقات تسمح للهواتف أن تنقل معظم ما هو ملحوظ في البنود (أ) و(ج) و(د) من الفقرة السابقة، والبندَين (أ) و(ب) من الفقرة الحاليّة.

د- تأهيل وتدريب العاملين في كلّ هذه المجالات.

النشر الورقيّ

آخذين بالاعتبار ما ورد أعلاه بالنسبة إلى هذا النوع من النشر، يجب اختصار دور الدوائر البطريركيّة بشأنه إلى الأمور التالية:

أ‌- وضع برنامج عام لما يجب أن يُنشر، وبعد مقارنته بالموجود، تحديد النواقص التي لا تهمّ دور النشر الحاليّة.

ب‌- العمل على سدّ هذه النواقص، خاصّة في المواضيع التالية:

- إعادة النظر بلغة النصوص الليتورجيّة العربيّة والعمل على نشر النصوص المنقّحة تباعًا.

- إيجاد برامج موحّدة للتنشئة المسيحيّة، بعد مراجعة النصوص الموجودة والإبقاء على الصالح بينها. إيجاد مجلّة خاصّة بالناشئة.

- العمل على نشر الوثائق التاريخيّة التي يمكنها أن تلقي الضوء على تاريخ الكرسي الأنطاكيّ القديم والحديث.

- العمل على تحقيق المخطوطات الموضوعة من قبل أنطاكيّين من بداية القرون الوسطى وحتّى أيّامنا، ونشرها.

- نشر سيَر وجوه أنطاكيّة بارزة من الماضي والحاضر، وخاصّة الذين عاشوا حياة قداسة يمكنها أن تهدي المؤمنين.

- نشر المواقف الأنطاكيّة الرسميّة البارزة، إن وُجِدت، في مجالات العمل الأرثوذكسيّ العام، والمسكونيّ مع الكنائس الأرثوذكسيّة القديمة ومع كنيسة روما ومع الإنجيليّين، ومع البيانات غير المسيحيّة والأمور المناقبيّة المتعلّقة ببعض تحدّيات العالم المعاصر (علوم الجينات، الإجهاض، الموت الهنيء، إلخ.).

- ترجمة أفضل ما وُجِد من الأدب أو اللاهوت الذي برز في العالم الأرثوذكسيّ، والذي لم يُترجَم إلى العربيّة.

ج- المجلّات والدوريّات

- توحيد الجهود مع جامعة البلمند، إن أمكن، لتوسيع نطاق مجلّة خرونوس كي تصدر أربعة مرّات سنويًّا وتشمل دراسات لاهوتيّة يهمّ البطريركيّة تعميمها، وإلّا إصدار مجلّة خاصّة بالبطريركيّة تسدّ هذه الحاجة.

د- التنسيق بين دور النشر الأرثوذكسيّة

- العمل على التنسيق بين دور النشر الأرثوذكسيّة الموجودة حاليًّا من أجل السعي إلى تجنّب التكرار الواضح بين منشوراتها، وإذا أمكن، تحديد مواضيع النشر الخاصّة بكلّ منها، ضمن إطار برنامج النشر العام المزمَع وضعه.

أمور إداريّة مختلفة

أ‌- إيجاد لجنة النشر وتحديد صلاحيّاتها بالنسبة لوضع برامج النشر، وإيجاد الكتب، ومراجعة الكتب والنصوص وإعدادها للنشر.

ب‌- لجنة مراقبة الطباعة والسهر على الجودة والنوعيّة.

ج- درس قضيّة التوزيع: ربّما الأفضل التعاقد مع أحد الموزّعين.

د- وضع مسوّدة العقود مع المؤلّفين والباحثين والموزّعين.

ه- وضع الميزانيّة السنويّة والسهر على احترامها.



المشاركات الشائعة