خواطر حول عمل الشباب في الكنيسة

 ريمون رزق

النور - العدد الثالث 2015


1- أن ينفض الغبار المتراكم ويقتحم العالم

لا يتعلّم الشباب سوى من الشباب، هكذا علّمتنا خبرتنا الحركيّة وهكذا انطلقت الحركة وعاشت أفضل أيّامها. أعني بالشباب الذين لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر. أعرف أنّ الروح يلتهب في بعضهم. ألّا نكفّ عن الخوف ونفتح المجالات واسعة أمامهم. الشباب يقتحم العالم. لا تستحي بشبابك، قال الرسول لتيموثاوس، بل كُن مثالاً في التضحية والعمل. الشباب يمكنهم اقتحام الجبال، وجعلها تتحرّك. يستوقفني دومًا إصرار الأوساط الكنسيّة على عدم الاعتراف بأهليّة الطاقات الفتيّة التي يمنّها الروح علينا. فلنطلق لها العنان. على الكهول أن يتواضعوا ويميّزوا مواهب الشباب ويساعدوهم على إنمائها. لا بدّ من أنّهم سيُخطئون (إنّما ربّما أقلّ من الكهول)، لكنّ أخطاءهم سوف تعلّمهم. على شبابنا أن يقتنعوا بضرورة البشارة (الويل لي إن لم أبشّر) وأن يسعوا لمعرفة ما يريد منهم الله في هذا الوقت، وليس أن يقلّدوا ما فعله الكبار، إذ تتغيّر الظروف وحاجات الكنيسة. عليهم ابتكار النشاطات والأساليب وليس الاكتفاء بكلّ ما فعل مَن سبقهم في الخدمة والشهادة. إنّ عددًا لا يُستهان به من الشباب الأرثوذكسيّ يمارس اليوم وينشط لدى طوائف مسيحيّة أخرى. فهل يتساءل شباب الكنيسة لماذا، وكيف يمكن الاتّصال بهم وإقناعهم بأنّ كنيستهم الأمّ بحاجة إلى طاقاتهم؟ ويُقال القول ذاته بالنسبة إلى المهنيّين وأساتذة الجامعات وغيرهم من أبناء الكنيسة الذين لا علاقة لهم بها. على شبابنا اقتحام كلّ هذه المجالات، وتلبية دعوة الله اليوم، التي ليست بالضرورة دعوة البارحة، كما سعى الأوّلون في الحركة تلبية دعوة الله في أيّامهم.

2- رياضات روحيّة، سرّ المصالحة، الصلاة الشخصيّة

يستوقفني عندما ألتقي شباب الكنيسة تشديد بعضهم على السهرانيّات والأبوّة الروحيّة وما يسمّونه الحياة الروحيّة. وكلّ ذلك جيّد إن لم يقع المرء في الصنميّة ويرهن الحرّيّة التي أعطاها الله. كما يستوقفني عند آخرين قلّة ممارسة سرّ المصالحة (الاعتراف) والقيام برياضات روحيّة يتعلّمون فيها عظمة الصمت والسكون إلى الله. كما يستوقفني شبه انعدام الصلاة الشخصيّة غير المكتوبة إلى جانب الصلوات الطقسيّة التي لا بدّ منها إذ تحمل إلينا كنوزًا وضعها كبار قامات الكنيسة الروحيّة، وتنقل إلينا "خبرة" الكنيسة الأصيلة. أذكر، في ما أذكر من أيّام شبابي في الحركة، الطوابير الطويلة التي كانت تنتظر دورها للاعتراف. وأذكر أيضًا الرياضات الروحيّة التي لم تكن تتمحور حول نقاشات ومواضيع عامّة، بل حول الإرشاد والصمت والصلاة والتأمّل الشخصيّ في أحد الأديرة. وأذكر أيضًا أنّنا كنّا نشجّع في اجتماعات فرقنا على أن يُقدّم كلّ واحد منّا مداورة صلاة شخصيّة يكتبها هو ويضع فيها أمام الله المشاكل التي يعيشها وأعضاء فرقته. لا أدري إن سقطت هذه الممارسات. وإن سقطت، يكون سقوطنا عظيمًا. وعلينا استعادتها لكي نتدرّب على علاقة واعية مسؤولة مع الربّ، نحاسب فيها ضميرنا ونسعى باضطراد إلى القداسة.

3- الحركة والكنيسة

على الحركيّ أن يحمل همّ الكنيسة. يعتبر نفسه خادمًا لها، لا حقّ له فيها سوى التسبيح وغسل أرجل الإخوة. عليه أن يقتنع بأنّ لا حياة له إلّا في كنيسة المسيح التي، رغم الصعاب التي تعترض طريقها في هذا العالم، ستتغلّب على أبواب الجحيم. لذلك كلّ كلام يُسمع أحيانًا عن إزائيّة بين التيّار النهضويّ والكنيسة، أو أنّ هذا التيّار هو كنيسة ضمن الكنيسة، كلام فارغ لا جدوى منه ولا أساس له. بما أنّ هويّة الحركة هي الحياة في المسيح، ونظامها الأوحد الإنجيل مترجمًا حياة، وقانونها المحبّة والأخوّة وهمّ التبشير، فإنّها تيّار مواهبيّ يحرّكه الروح القدس في كنيسة المسيح. وكنيسة المسيح هي وطنها الأوّل والأخير. هذا يفرض عليها أن تكون في شركة تامّة مع شعب الله، وفي طليعته مع الأسقف "الأوّل بين إخوة متساويين". من هنا ضرورة نبذ استعمال ألفاظ زاد استعمالها، أي "هم" و"نحن". لا وجود لنا بدونهم، ولا وجود لأحد بدون شعب الله. عيوب الآخرين هي عيوبنا. لا يسوغ إفصاحها أو الثرثرة بشأنها، بل العمل على إصلاحها. على قدر ما تكون الحركة متأصّلة في المسيح يؤصّلها المسيح في جسده، الكنيسة. من النافل القول إنّ قطيع الحركة موجود لكي تحيا الرعيّة، كلّ رعيّة، ويصل أبناؤها إلى ملء قامة المسيح. مسعاه في كلّ حال أن يكون دومًا منفتحًا على حركة الروح في كنيسة الفادي، لأنّه يؤمن بأنّ الروح هو محرّك المواهب. فيرفض هذا القطيع إذًا كلّ بُعد أو اكتفاء بالمشاهدة وكلّ تمأسس في كنيسة المسيح، ويسعى إلى أن ينزع عنها كلّ رداء لا يتماشى مع طبيعتها، ويغشّي رسالتها. لا خيار للحركيّين سوى الاقتناع بأنّهم خميرة في العجنة، وليس العجنة كلّها. هم خدّام بطّالون، همّهم الإقرار بخطاياهم وأن يبقوا على التوبة، ساعين إلى أن يكونوا سفراء ليسوع وكنيسته في العالم.

المشاركات الشائعة