الحركة والثقافة والنشر

 ريمون رزق


منذ انطلاقتها أدرجت حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة الثقافة وضرورة نشرها بين أهدافها الرئيسة. يدعو مبدؤها الأوّل إلى نهضة ثقافيّة، علاوة على النهضة الدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة، جاعلًا من الثقافة إحدى ركائز عمل الحركة الأربع. ويدعو المبدأ الثاني إلى نشر التعاليم الدينيّة والأخلاقيّة. أمّا المبدأ الثالث فيدعو صراحة "لايجاد ثقافة تستوحي عناصرها من روح الكنيسة الأرثوذكسيّة". فتكون ثلاثة من مبادئ الحركة الستّة قد لحظت الثقافة وضرورة ابتكارها ونشرها.    

كان إصدار مجلّة خاصّة بالحركة أوّل تعبير على هذا الهمّ، أقلّ من سنتين بعد تأسيسها، أي في السنة 1944. نظرًا لإمكانيّتها الماليّة الأولى الضئيلة، صدرت مجلّة النور أوّلًا على "الستِنسيل" إلى أن انتقلت إلى الطباعة بعد سنة واحدة فقط. ولم تنقطع عن الصدور منذ ذلك الزمن، رغم الحرب اللبنانيّة والأحداث المختلفة التي أعاقت صدور بعض أعدادها. هي المجلّة الدينيّة الوحيدة في بلادنا التي استمرّت هذه المدّة بدون انقطاع. كان صاحب السيادة المتروبوليت جورج (خضر) الذي ترأس إدارة تحريرها لسنوات عدّة، الكاتب الأوّل الذي أغناها طيلة هذه الحقبة بمقالاته تحت أسماء مختلفة (جورج خضر، الراهب يوحنّا، الأب جورج، وائل الراوي وأخيرًا المطران جورج). وكان لمؤسّسين آخرين أو مؤيّدين للحركة قسط واسع أيضًا في تغزيّة المجلّة في خطواتها الأولى. نذكر منهم خاصّة المثلّث الرحمات البطريرك إلياس الرابع (معوّض)، والمثلّث الرحمات الشمّاس ثمّ الأرشمندريت، والأسقف والمتروبوليت، فالبطريرك أغناطيوس الرابع (هزيم)، والمرحوم مرسيل ثمّ الأب الياس (مرقس)، والمرحوم حليم ثمّ الأب تريفون نهرا، والأخوة الراقدين ألبير وإدوار لحام وإسبيرو جبّور وكوستي بندلي وأندريه جحا. انتقل مشعل الكتابة لاحقًا إلى الأب إيليا متري والأب ميخائيل دبس والأرشمندريت يوحنّا التلّي والأب الراحل جورج مسّوح، والأخوة شفيق حيدر، جورج نحاس، أسعد قطّان، ريمون رزق، وعدد من الشابات والشباب. وتضمّنت المجلّة ترجمات لأفضل ما كُتب في العالم المسيحي والأرثوذكسي خاصّة، قام بها بعض من هؤلاء.

تؤلّف المواضيع المنشورة في مجلّة النور نوعًا من الموسوعة الأرثوذكسيّة، الباحثة في العقائد واللاهوت والليتورجيا والكتاب المقدّس والحياة الأسراريّة، والحياة في المسيح، والحضور المجتمعي والتاريخ الكنسي والتواصل المسكوني. وأخذت المجلّة أيضًا مكانة المجلّات الأرثوذكسيّة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين (أمثال المنار والمحبّة وغيرها) في تدوين أخبار الكرسيّ الأنطاكي والأزمات التي عاشها والتجلّيات، بحيث أصبحت، إضافة لكونها مصدر معرفة مصدرًا لأخبار الكنيسة وطائفتها.

 صدرت مجلّة أخرى، في أواخر خمسينات القرن العشرين، اسمها "نداء النور" اختصّت خلال بضع سنوات ببحث أمور الشباب والطلّاب. كما أصدرت الحركة من وقت لآخر نشرات دوريّة من قبل أمانتها العامّة أو مراكزها. أمّا الآن فينشط الحركيّون في نقل الشهادة أيضًا من خلال الصفحات الإلِكترونيّة وأدوات التواصل الاجتماعي.

لم تكتفي الحركة بالمجلّات والنشرات لتلبية دعوتها إلى نشر التعاليم الدينيّة والثقافة، والشهادة ليسوع المسيح بواسطة الفكر المكتوب، إذ خاضت باكرًا في مسيرتها قضيّة نشر الكتب. أسّست الحركة "منشورات النور الأرثوذكسيّة"، نحو أوائل خمسينات القرن العشرين. أوّل ما نُشر  فيها كتابي للتعليم الديني مترجمين عن اللغة الروسيّة. تبعتهما في أواخر الخمسينات وأوائل الستّيسنات كتب الدكتور أسد رستم الثلاثة في "تاريخ كنيسة مدينة الله أنطاكية العُظمى" وكتابه حول الآباء الرسوليّين والمناضلين. ومن أوّل الكتب أيضًا "تفسير القدّاس الإلهي" الذي وضعه الأخ كوستي بندلي استنادًا إلى شرح الأب جورج خضر.

أصدرت المنشورات، من زمن تأسيسها إلى 2000، نحو أربعمائة كتاب حول قضايا دينيّـة وعقائديّة وفكريّة ومجتمعيّة تعالج الإيمان المسيحي وعلاقته بالفكر المعاصر وتحدّياته، وتبحث في حياة الكنيسة والمؤمنين، مع إعطاء أهمّية كُبرى للتراث الآبائية. لذا أضحت المنشورات ب من بشهادةكثيرين بين أهمّ وأكبر الناشرين المسيحيّين باللغة العربيّة. بغية تطوير النشر أكثر وتوسيع آفاقه والسعي الى تعاضد جميع الطاقات والمواهب الكنسيّة في خدمة هدفه، بادرت الحركة الى تأسيس تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع ، في أواخر السنة 2000، والتي نشرت نحو المئتين كتاب حتّى الآن.

أهم ّالسلاسل التي تحتوي كتب المنشورات والتعاونيّة النصوص الآبائيّة، التفاسير الكتابيّة، كتب المطران جورج خضر (نحو 20)، تعرّف إلى كنيستك (نحو 40 كتابًا وكتيّب)، الإنجيل على دروب العصر (نحو 25 مجلّدًا)، تأمل وصلِّ (31 مجلّدًا)، مع تساؤلات الشباب، وجوه أرثوذكسيّة معاصرة، أصوات من جبل آثوس (نحو 15 كتيّب)، أوراق لاهوتيّة، الفيلوكاليا (مجلّدين)، شذرات من نور، الإيمان والإنسان، شؤؤن رعائيّة، خبز وملح، الروحانيّات والليتورجيا (نحو20)، الأدبيّات، القدّيسون (نحو 15 كتيّب)، التعليم الديني المصوّر، إضافة إلى مجموعة الماتِريكون، ومجموعات من الكتب أعدّها كلّ من الأب إيليا متري، والأخت إيمّا خوري والأخ شفيق حيدر وآخرون وأقراصًا حول الأديرة الأرثوذكسيّة أعدّتها الأخت لولو صيبعة.

وقد أطلقت التعاونيّة نادي الكتاب الذي يضمّ نحو 700 مشترك تصلهم كتبها مباشرة إلى بيوتهم عند صدورها بأسعار مخفّضة مقابل اشتراك سنوي.

لا بدّ من الإشارة أنّ المنشورات والتعاونيّة قامتا بالمهمّة، خاصّة بواسطة عمل بعض الأعضاء الحركيّين التطوّعي، تعبيرًا منهم على التزامهم الحركي تجاه المسيح وكنيسته، ومساهمة لنشر الكلمة الإلهيّة. نرجو أن يستمرّ هذا النشاط الغاية في الأهمّية، رغم الأزمة التي يمرّ فيها النشر الورقي والقراءة.

 

المشاركات الشائعة