مجمع كريت: كبير ومقدّس أو يؤجّج الخلافات؟

 ريمون رزق

مجلّة النور - العدد الخامس 2016

 

مع أنّي اعتبرت أنّ تعييني عضوًا في الوفد الأنطاكيّ، الذي كان ينوي الاشتراك في مجمع كريت، نعمة حقيقيّة، لا بدّ لي من أن أقول إنّه كان سبب قلق واضطراب. ليس فقط لأنّ كنيستي لم تشترك، بل لأنّي شعرت أوّلاً لدى متابعتي مرحلته التحضيريّة الأخيرة، بجرح أخذ يتنامى مع سماعي للمندوبين الأنطاكيّين إلى المؤتمرات التحضيريّة، واجتماعات رؤساء الكنائس التي جرت خلال السنتين الماضيتين، واتّباعي المحادثات مع البطريرك المسكونيّ بشأن تعدّي الكرسيّ الأورشليميّ على حدود البطريركيّة الأنطاكيّة القانونيّة في قطر. وكذلك لدى قراءة النصوص المعدّة للبحث في المجمع، وأخيرًا وليس آخرًا الطريقة التي انعقد فيها هذا المجمع. وكانت كلّ هذه الأمور (المؤتمرات التحضيريّة، قضيّة قطر، النصوص المعدّة وانعقاد المجمع) تُنذر بالمشاكل التي سوف يسبّبها المجمع للعالم الأرثوذكسيّ.

المؤتمرات التحضيريّة و»الأوّل بدون متساوين«

شدّد المندوبون الأنطاكيّون جميعًا على جوّ السلطويّة، لا بل التغطرس، الذي ساد الطريقة التي أُديرت فيها الجلسات التحضيريّة، والقيود التي وُضعت لحرّيّة الكلام والمناقشة. وأكّد ذلك ممثّلون عن كنائس أخرى. كلّ رأي يخالف رأي مترئّس هذه الجلسات، أي ممثّل البطريركيّة المسكونيّة، كان يُرفَض، وكذلك كلّ طلب لمزيد من الوقت لبحث الأمور الشائكة. كانت السرعة سيّدة الموقف، وكانت تقضي بتجنّب كلّ موضوع يثير الجدال. كانت نيّة المترئّس الوصول إلى الحدّ الأدنى من التوافق بين الكنائس، حتّى إن كان هذا الحدّ الأدنى على حساب التغاضي عن أمور أساسيّة. يبدو أنّ المهمّ كان انعقاد المجمع في الموعد المحدّد، مهما كلّف الأمر، بغية، كما كانوا يقولون، »إظهار الوحدة الأرثوذكسيّة«. لكن كيف يمكن الكلام على الوحدة، عندما تُخلى من كلّ حوار حقيقيّ واتّفاق حول كلمة حقّ وحياة؟ بالنسبة إلى ممثّلي الكرسيّ القسطنطينيّ، المهمّ الأهمّ كان إظهار الكنائس الأرثوذكسيّة مجتمعة حول »الأوّل بدون متساوين«، بموجب العبارة التي أعلنها عدد منهم(١)، خلافًا لعبارة »الأوّل بين متساوين« primus sine paribus التقليديّة. ظهرت هذه النزعة »الجديدة« في الطريقة التي وُضعت فيها أوّلاً مقاعد رؤساء الكنائس في قاعة اجتماعات المجمع، إذ خُصّص للبطريرك المسكونيّ المقعد الوسطيّ، وكان على الرؤساء الباقين أن يقعدوا في صفّين متوازيّين إلى يمينه ويساره. بعد أن أثار هذا الترتيب شتّى الاعتراضات، بعضها كان خطّيًّا قدّمه البطريرك البلغاريّ مثلاً، غُيّر لاتّباع النمط النصف الدائريّ التقليديّ الذي يتّبعه الرسل في أيقونة العنصرة، علمًا أنّ المقعد الوسطيّ في الأيقونة يبقى شاغرًا لجلوس المسيح الذي وحده يترأس في كلّ زمان ومكان. بينما في كريت خُصّص هذا المقعد للبطريرك المسكونيّ. يشعر المرء بالسذاجة لذكر مثل هذه الأمور، لكنّها تشير إلى نزعات خطيرة مستحدثة، بخاصّة عندما تقترن بتفسير أحاديّ الجانب لقانون المجمع الخلقيدونيّ الثامن والعشرين، الذي يعتبر أنّ »بلاد البربر« التي يشير إليها القانون ليست الآن سوى ما اتُفق على دعوته اليوم بلاد »الشتات«، أو بلاد الانتشار الأرثوذكسيّ. بموجب هذا التفسير، تخضع كلّ البلدان التي تقع خارج حدود الكنائس الأرثوذكسيّة التقليديّة إلى سلطة البطريرك القسطنطينيّ المباشرة، ما يجعل منه بطريركًا »عالميًّا« بدلاً من أن يكون البطريرك المسكونيّ التقليديّ!

المحادثات مع القسطنطينيّة بشأن الكنيسة في قطر

سبّب تعدّي بطريركيّة أورشليم على حدود البطريركيّة الأنطاكيّة القانونيّة، السنة 2013، قطع الشركة بين الكنيستين، ورُفع الخلاف إلى البطريركيّة المسكونيّة. مع أنّ البطريرك المسكونيّ اعترف خطّيًّا بأحقّيّة الموقف الأنطاكيّ، لم يصدر عنه حتّى الآن، في هذا الصدد، سوى الكلمات الطيّبة. وكانت البطريركيّة الأنطاكيّة، رغبة منها في صون الوحدة الأرثوذكسيّة، قد قدّمت عددًا من المبادرات السلاميّة، وكتبت مرارًا إلى البطريرك المسكونيّ معلنة أنّه لا يمكنها الاشتراك في المجمع »الكبير المقدّس« إن لم تتمكّن من المشاركة في إقامة سرّ الشكر، أي قبل عودة الشركة مع القدس التي يتحتّم عليها إذًا أن تتمّ قبل موعد انعقاد المجمع. من أجل ذلك امتنعت أنطاكية عن التوقيع على قرارات اجتماعي رؤساء الكنائس في السنة 2014 والسنة 2016 اللذين حدّدا موعد انعقاد المجمع من دون ربطه بحلّ النزاع الأنطاكيّ الأورشليميّ. لكن، رغبة منها في أن ينعقد المجمع، وعلى رجاء أن تجد البطريركيّة المسكونيّة حلاًّ مناسبًا، تابعت البطريركيّة الأنطاكيّة مشاركتها في الاجتماعات التحضيريّة، وحتّى أبلغت لائحة بمندوبيها إلى سكريتاريا المجمع. لذلك صُدمت بقرار المجمع المقدّس القسطنطينيّ، الصادر بضعة أيّام قبل انعقاد المجمع، بتأجيل حلّ النزاع حول قطر إلى ما بعد انتهاء أعمال المجمع. لا أدري إن كان بالإمكان فهم هذا القرار، لمَن يعرف المحادثات بين أنطاكية والقسطنطينيّة في هذا الصدد، سوى دعوة إلى أنطاكية كيلا تشارك في المجمع!

كنت حاضرًا في اجتماع المجمع المقدّس الأنطاكيّ الذي طلب (لآخر مرّة) تأجيل موعد انعقاد المجمع في كريت. أحرج قرار المجمع المقدّس القسطنطينيّ كنيسة أنطاكية، ووضعها أمام خيارين اثنين، لا ثالث لهما: إمّا الذهاب إلى المجمع وعدم الاشتراك في الخدم الإلهيّة، ما يُفقد كلّ معنى لمشاركتها، أو الامتناع عن الذهاب. وهو جرج في كلتي الحالتين. لم يكن إذًا لكنيسة أنطاكية أيّ سبب »لمقاطعة« المجمع، كما زعمت بعض الأصوات الصحافيّة. كلّ ما طلبته هو تأجيل الموعد بغية حلّ النزاعات وتحسين النصوص المعدّة. بما أنّه لم يتغيّر موعد انعقاد المجمع تجاوبًا مع امتناع أنطاكية عن التوقيع على قرار دعوته، مخالفة صريحة لمبدأ »الإجماع المقدّس« لمجمل الكنائس الذي يُعتبر شرطًا إلزاميًّا لدعوة المجمع وانعقاده، قرّرت أنطاكية عدم المشاركة. خلافًا لادّعاءات متكرّرة لممثّلي القسطنطينيّة، فإنّ قرار دعوة المجمع لم يحظَ بموافقة جميع الكنائس. وخلافًا لادّعاءات بعض المعلّقين الصحافيّين الذي يدّعون »حسن الاطّلاع«، فإنّ عدم اشتراك أنطاكية لا علاقة له باتّخاذ موقف »مع الروس ضدّ اليونانيّين«. كما يظهر جليًّا ممّا سبق، فإنّ قرارها اتّخذ لأسباب محض كنسيّة، سبق أن أعلنتها للبطريركيّة المسكونيّة منذ عدد من السنين.

يفترض البعض أنّ غياب أنطاكية »المقصود« و»المحرّض عليه« عن المجمع يسهّل التمديد للهيئات الأسقفيّة في بلاد الانتشار، المراد من القسطنطينيّة، بدون تقويم مسبَق لحسن سيرها، كما هو ملحوظ في نظامها الأساس »قبل موعد انعقاد المجمع الكبير المقدّس«. ويفترض البعض الآخر أنّ مماطلة القسطنطينيّة في حلّ مشكلة قطر ليس سوى عذر لاعتبار بلدان الخليج العربيّ، بما فيها قطر، من ضمن بلاد »البربر«، يجب أن تتبع للكرسيّ القسطنطينيّ! وقد مهّد فعلاً رئيس أساقفة قبرص لهذا الافتراض بقوله إنّ هذه البلاد، لكونها أضحت إسلاميّة، يجب اعتبارها من ضمن بلاد »البربر«، متجاهلاً أنّ عددًا من الأسقفيّات التابعة للكرسيّ الأنطاكيّ ما زالت موجودة في المنطقة، سنوات طويلة بعد بروز الإسلام، وأنّ إسحق السريانيّ وُلد في قطر عينها.

هذا الوضع مؤسف للغاية إذ يشير إلى نزعات سلطويّة غريبة عن الأخوّة والوحدة اللتين علينا أن نعيش عليهما »لكي يؤمن العالم«. طبعًا لم يخلُ تاريخ الكنيسة والمجامع من مثل هذه المآسي. فلنتذكّر أنّ القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ هرب من القسطنطينيّة بعد المجمع المسكونيّ الثاني، اشمئزازًا من النزاعات بين الأساقفة التي جرت فيه. لكنّ الروح القدس فعل رغم ضعفهم وألهم مَن استحقّ منهم أن يُعتبر أبًا للكنيسة فعلاً، لمحاربة الهرطقات لتحديد العقائد التي ما زلنا نعيش عليها. فكانت وحدة هؤلاء في نضالهم المشترك وكلمتهم الملهمة، وظهرت في ملئها في الخدمة الإفخارستيّة المشتركة. أين مجمع كريت من كلّ ذلك؟ أيمكن اعتباره مجمعًا رغم كلّ الاختلافات التي رافقت دعوته وانعقاده، وعدم احترامه أنظمته الذاتيّة؟ ما هو هذا المجمع الذي يتغاضى بتعالٍ جارح وتكبّر عن طلبات التأجيل الصادرة عن أربع كنائس أرثوذكسيّة؟ كيف يدلّ هذا التصرّف على »الإجماع المقدّس« المحبَّب كثيرًا للبطريرك أثيناغوراس، والذي دافع عنه ببسالة ممثّله في المؤتمرات التمهيديّة، المتروبوليت ميليتون خلقيدونيا؟ رجاؤنا وصلاتنا أن »يقلب (الروح) موائد الصيارفة« ويجعل من اجتماع كريت، رغم كلّ شيء، حدثًا لمجده لن يساهم في تفتيت وحدة الكنائس الأرثوذكسيّة.

نصوص مجمع كريت

لن يتطرّق هذا النصّ، الذي يردّد القول التقليديّ الأرثوذكسيّ الصارم حول الصوم، إلى نواحيه الحياتيّة وممارساته التي تختلف جذريًّا بين الكنائس، تاركًا لكلّ أسقف أن يستعمل التدبير ليجد الحلول المناسبة لواقع شعبه. قد تبنّى المجمع النصّ كما قُدِّم. من الغريب أنّه لا يأتي على ذكـر أهــمّيّة قـضـيّــة الاعـتـدال وزهــد الصيــام فــي مجتمعاتنا الاستهلاكيّة التي يستدعي قول أشياء جديدة ونبويّة، كالتي وجدت في النصّ الذي قدّمته الكنيسة الأنطاكيّة في إحدى الاجتماعات التحضيريّة حول الصوم والذي لم يُنظَر فيه.

الزواج

بحث المجمع النصّ حول الزواج، مع أنّه رُفض من قبل كنيستي أنطاكية وجاورجيا لأسباب مختلفة، كان يقضي الامتناع عن بحثه احترامًا لمبدأ الإجماع. يبحث بموانع الزواج، مردّدًا بعض القوانين الكنسيّة، ويكتفي بذكر المشاكل الرعويّة التي تطرحها على جماعاتنا الزيجات المختلطة وأشكال »الزيجات« التي تسمح بها القوانين المدنيّة، بدون إعطاء أيّ إرشاد سوى القول إنّه يجب في كلّ حال »المحافظة على قدسيّة الزواج«. وقد أُضعف النصّ خلال مناقشته في المجمع بإقصاء من مبدأ التدبير الكنسيّ بالنسبة إلى زواج الأرثوذكسيّ مع مسيحيّ آخر، تماشيًا مع رغبة كانت قد قدّمتها كنيسة جاورجيا، متناسيًا أنّ مثل هذه الزيجات هي خبز بعض الكنائس اليوميّ! في الوقت الذي أصدر البابا فرنسيس منشوره حول الزواج، تحت عنوان »فرح المحبّة«، الذي يتناول بروح إنجيليّة مشاكل المسيحيّين الحقيقيّة، يتّسم النصّ »الأرثوذكسيّ« بالعموميّات، مردّدًا حقائق لاهوتيّة عاد معاصرونا لا يفهمونها، بخاصّة عندما تُفرض عليهم فرضًا.

في دراسة هذين النصّين، اعتبرت الكنيسة الأنطاكيّة أنّهما يتطلّبان تعديلات جذريّة، وقامت بإعداد نصّين مرادفين.

العمل المسكونيّ

بعد مناقشة نصّ »علاقات الكنيسة الأرثوذكسيّة بمجمل العالم المسيحيّ« في المجمع، اتّسم ببصمة المتحفّظين بين الأرثوذكسيّين الذين نزعوا منه صفة الكنائس عن باقي الجماعات المسيحيّة، مكتفين باعتبار بتعالٍ أنّها تسمّيها هكذا لمجرد إطلاق هذه التسمية عليها عبر التاريخ! ينسى بعض الأرثوذكسيّين، بموقفهم المصرّ على أنّه لا يوجد سوى »العودة إلى الكنيسة« (أي الكنيسة الأرثوذكسيّة) كخيار وحيد للحوار بين المسيحيّين، ما سبّب لهم مثل هذا الخيار من مآسٍ عندما طُبّق عليهم في التاريخ، وأنّهم يعيقون جدّيًّا التقارب مع المسيحيّين الآخرين، جاعلين منه مجرّد »تنمية تعايشًا سلميًّا وتعاونًا حول المشاكل السياسيّة الاجتماعيّة المهمّة«، كما يقول النصّ النهائيّ. مع أنّه كان وصفيًّا ومليئًا بالعموميّات، كان هذا النصّ، بصيغته الأولى، الأفضل بين النصوص المعدّة للمجمع، لكن أفقدته التعديلات التي أُدخلت عليه بعضًا من جودته.

الكنيسة والعالم

مهّد لكلّ من أقسام هذه الوثيقة بحث لاهوتيّ يُفرط في استعمال بعض النصوص الآبائيّة كبراهين تغني عن البحث الحقيقيّ، وهي مسكوبة بلغة لا يفهمها إلاّ العارفون. تتبع غالبًا هذا التمهيد لائحة »بشرور« مجتمعاتنا، تتّصف باعتبارات وإرشادات عموميّة، من دون تقديم معالم حلول متجسّدة في الواقع. أمّا »الشرور«، فتولّف جردة إجماليّة لمشاكل مجتمعاتنا، مشدّدة على نواحيها السلبيّة و»الشيطانيّة« بدون التعرّض إلى ضرورة مواجهتها بانتباه محبّ واحترام، والبحث عن النعم الإلهيّة التي ترافقها، رغم الأشكال الغريبة غير المألوفة التي تتّخذ. مع أنّ النصّ يتطرّق إلى معظم هذه المشاكل، إلاّ أنّه يبقى على مستوى تجميع أكاديميّ، حبّذا لو انتقل من »النيّات الحسنة« إلى مستوى الخدمة في الواقع المعاش. لكان من المستحسن لو اقترح إنشاء هيئات أرثوذكسيّة مشتركة للإعانة والتفكير في تحدّيات الحداثة. رغم بعض الإيجابيّات يعطي هذا النصّ الشعور أنّ الكنيسة لا تزال تخاف العالم الحديث، ولم تنقطع عن مخاطبته بشيء من الفوقيّة. فيكتفي مثلاً الحديث عن رعاية الشباب بضرورة »تعليمهم« من دون الحديث عن ضرورة الاستماع إليهم. ويذكر النصّ ضرورة إيجاد »اقتصاد ترتبط فعاليّته بالعدالة والتعاضد الاجتماعيّ«، ويتأسّّس »على مبادىء أخلاقيّة«، من دون الإشارة إلى ضرورة تحرير الكنيسة وأعضائها من كلّ تحالف مع سلطات العالم، وعيشهم حياة تطبعها الكفاية والبساطة، كي تبقى حرّة لانتقادها وتذكيرها على الدوام بمتطلّبات العدالة والكرامة الإنسانيّة والخير العامّ. يدين النصّ »الحروب الناجمة عن النزعة القوميّة« بدون أن يذكر تعاظم هذه النزعات في الأوساط الكنسيّة. مع ذلك، فقد استقت الرسالة المجمعيّة التي صدرت في آخر أعماله العديد من النقاط المثارة في هذه الوثيقة، مزيّنة إيّاها بلغة أكثر قربى من الناس.

بلاد الانتشار

كان في نيّة الكنيسة الأنطاكيّة أن تشير إلى واقع تعيشه أميركا اللاتينيّة حيث امتنع أساقفة الجماعات الأرثوذكسيّة الأكثر انتشارًا من المشاركة في الهيئات الأسقفيّة، وذلك منذ عدد من السنين، ما يستوجب ضرورة البحث في طبيعة هذه الهيئات وممارستها لتصحيح مسارها، وعدم الاكتفاء، كما فعل المجمع، بالقول إنّها كانت مفيدة ويجب تمديد رسالتها، »لأنّ جماعاتنا ليست بعد مهيّئة لتطبيق القانون الأرثوذكسيّ« الذي يقضي بإيجاد أسقف واحد على أرض واحدة. يحقّ لنا التساؤل عن جدّيّة هذا الافتراض، وإن كانت الكنائس لا تزال غير مستعدّة، فتُرى متى ستكون؟ ألا يجب بعض الجرأة لفرض واقع جديد كي يزول مشهد تعدّد الأسقفيّات الأرثوذكسيّة الأليم في كلٍّ من بلدان الانتشار؟

مجمع كريت

قرّر المجمع المقدّس الأنطاكيّ، في جلسة عقدها بتاريخ 27 حزيران 2016 أن يعتبر اجتماع كريت اجتماعًا تحضيريًّا للمجمع الكبير المقدّس، الذي لا بدّ من دعوته إلى الانعقاد بعد مزيد من التحضير، وحلحلة المشاكل العالقة بين الكنائس التي تحول دون مشاركة إحداها فيه. ولكي يكون حقًّا »كبيرًا ومقدّسًًا« من الأفضل أن يلتئم بحضور كلّ الجسم الأسقفيّ الأرثوذكسيّ، وأن تكون مشاركة الكهنة والرهبان والعلمانيّين مؤمّنة بطريقة حقيقيّة، لكي يجمع »ملء« الكنيسة.

علينا العمل والصلاة كي يؤخذ هذا القرار على محمل الجدّ لتفادي استعادة الخبرة المريرة التي حصلت في مطلع القرن الماضي، عبر انعقاد مجمع في القسطنطينيّة السنة 1923، وآخر في موسكو السنة 1948، في جوّ من المخاصمة بين الكنائس. والجدير بالذكر أنّ كنيسة أنطاكية كانت من بين الكنائس الأرثوذكسيّة القليلة التي شاركت في المجمعين، مؤكّدة بذلك دورها التقليديّ التوافقيّ، الذي نرجو أن تتمكّن من القيام به خلال الأزمة الطالعة علينا.

المشاركات الشائعة