صلاة يسـوع

 ريمون رزق


العهد الجديد مليىء بذكر اسم يسوع. "وهب الله له الاسم الذي يفوق جميع الأسماء" (فيلبي 2: 10). كلّ شيء ممكن باسم الرب يسوع. فبه يشفي التلاميذ المرضى (أعمال رسل 3 :6؛ 9: 14) ويطردون الشياطين (مرقس 9: 38؛ 16: 17؛ أعمال 16: 18)، ويأتون بالمعجزات (متى 7: 22؛ أعمال 4: 30). اسمه هو "الذي يخلّص" (متى 1: 21-25)، ويهب الشفاء (أعمال 3: 16)، ويهب الخلاص (أعمال 4: 7-12). يفرح الرسل إذ أنه "يجب عليهم أن يعانوا من الألم في سبيل اسمه" (أعمال : 16). والمبشّرون "يخرجون من أجل الاسم الكريم" (3يوحنّا 7). ونقرأ في هرماس الراعي أنّ "اسم ابن الله عظيم، لا حدّ له ويضبط الكلّ... إنه يحمل كلّ الذين يحملون اسمه وهو أساس لهم، ويحملهم بعذوبة لأنهم لا يخجلون من حمل اسمه" (المثل التاسع، 14). ويروى في سيرة حياة القدّيس أغناطيوس الأنطاكي أنّه حين وصل إلى الشهادة، كان يبتهل باسم يسوع بلا انقطاع. وعندما سُئل عن سبب ذلك، قال: "هذا الاسم محفور في قلبي". تفيض كتابات الآباء بالحديث عن سلطان اسم يسوع. يقول يوحنّا السلمي: "اجلد أعداءك (أي الشيطان والأهواء) باسم يسوع، فما من سلاح أقوى في السماء وعلى الأرض". ويوصينا ذياذوخوس، أسقف فوتيكي "بأن نجعل من اسم الرب يسوع شغلنا الوحيد" (الفصول المئة حول الكمال الروحي 59). أمّا فيلوثيوس من سيناء، في القرن التاسع، فيدعونا إلى "استجماع أفكارنا بواسطة ذكر يسوع" (الفيلوكاليا).

منذ بدء التاريخ المسيحي، ارتبط هذا التركيز على اسم يسوع بتعليم الرسول بولس "بالصلاة بدون انقطاع" (رومية 1: 10؛ افسس 6: 18؛ 2تسالونيكي 1: 3؛ إلخ) أو "ليل نهار" (1تسالونيكي 3: 10؛ 1تيموثاوس 5: 5) من جهة، وبصلاة العشّار (لوقا 3: 12) وصياح الأعمى: "رحماك يا ابن داود" (لوقا 18: 37)، حتّى صار ما يعرف اليوم بـ"صلاة يسوع" أو "صلاة اسم يسوع".

إنّ هذه الصلاة التي تكرّر بلا كلل في صيغتها المطوّلة: "أيّها الربّ يسوع المسيح، ابن الله الحيّ، إرحمني أنا الخاطىء"، أو صيغتها المختصرة: "يا يسوع ارحمني"، أو حتّى "يا يسوع"، قد أصبحت صلاة الرهبان بامتياز، وصلاة العديد من العلمانيّين في العالم البيزنطي، كما يؤكّد نقولا كاباسيلاس. تسمّى "بالصلاة النقيّة" أو، بكلّ بساطة، "الصلاة". إنّ ممارسة هذه الصلاة في الهدوء والسكون، تربط بين اسم يسوع ونفس المصلّي. فيصبح الاسم وكأنّه نفَس المصلّي، ويتملّك به شيئاًا فشيئًا، و"يحلّ في القلب"، حيث يظلّ صداه يرنّ. فكما يقول القدّيس غريغوريوس النيصصي، عندئذ "الختن يقترب" (اليمامة والظلمات، سيرف، ص. 147) ويملأنا بحضوره. إنّ الروحانيّة التي تتضمّنها "صلاة يسوع" تُعرف باسم "الهدوئيّة" (من اليونانيّة hesychia التي تعني الهدوء والسكينة والتأمّل في السلام الداخلي).

كان القديس إفاغريوس البنطي (+399) أوّل مَن جمع قوانين العقيدة الرهبانيّة في الصلاة. أمّا القدّيس مكاريوس الكبير فوضع أسس تصوّف القلب كمركز لوحدة الشخص. وقد ساهم القدّيس ذياذوخوس، أسقف فوتيكي بشكل كبير في نشر هذا المذهب "الهدوئي" وتعميمه. في القرن الثامن عشر، نشر القدّيس نيقوديموس الهاجيوريتي كتابًا يجمع نصوصًا عن الرهبنة الهدوئيّة. سُمّي هذا الكتاب "الفيلوكاليا" أي "محبة الجمال". وفي عام 1793، نشر الراهب "بايسي فيليكوفسكي" (1722-1794) ترجمة عنه باللغة السلافيّة-الروسيّة، كان لها الأثر الكبير في تجديد الحياة الروحيّة في الكنيسة الروسيّة في القرن التالي. كما نُشرت ترجمة متقنة رومانيّة، مع مجموعة كبيرة من الحواشي والشروحات العلميّة، في أوج العهد الشيوعي، وقد قام بها الأب ديميتري ستانيلواي. أمّا في زمننا هذا، فنجد ترجمات للفلوكاليا بجميع اللغات، ويبدو أنّ هذا الكتاب قد أصبح المرجع الرئيسي للعديد من الناس، قي الشرق والغرب.

أمّا القدّيس يوحنّا كرونشتادت (1829- 1908)، وهو كاهن عجائبي ربط العمل الاجتماعي والرعائي بأسس روحيّة عظيمة، فقد كان يوصي رعيّته بممارسة صلاة يسوع بقوله: "ليكن اسم الربّ بالنسبة إليكم كحضور الربّ نفسه" (في حياتي في المسيح). بالنسبة إلى الأسقف كاليستوس وير، "فصلاة يسوع ليست شكلًا من أشكال التأمّل التحليلي في حقبات من حياة يسوع... بل هي أن نكون في حضرة المخلّص، ونشعر بأنّه أمامنا وفينا وأنّه يسمع طلباتنا ويستجيب لها... تخلق هذه الصلاة نوعًا من الحميميّة والصداقة المباشرة والشخصيّة مع يسوع" (في الملكوت الداخلي).

في صيغتها المطوّلة، تعتبر هذه الصلاة "كاملة". فهي تتضمّن الاعتراف بالإيمان وتشهد على أنّ يسوع هو الربّ الإله ابن الله. وبما أنّ "ما من أحد يستطيع أن يقول "يسوع ربّ" إلّا بإلهام من الروح القدس" (1كورنثوس 12: 3)، فهذه الصلاة أيضًا اعتراف بالثالوث. وهي تشمل التوبة أيضًا، فيعترف المصلّي بخطاياه ويطلب المغفرة عنها. وهي أخيرًا تكرار غير منقطع لاسم يسوع، إنّها نداء وانتظار لحضوره.

في كتابه عن حياة يسوع (منشورات شيفوتونيه)، يوجز الأب ليف جيليه (1893- 1980) تعليم الآباء وخبرته الشخصيّة المتعلّقة بالصلاة على الشكل الآتي:

- "محاولة الدخول في حالة من السلام والخشوع قبل التفوّه باسم يسوع" بواسطة موقف معيّن يتّخذه الجسد والروح (يقترح بعض الآباء ربط تكرار اسم يسوع بعمليّة التنفّس)؛

- "التضرّع من أجل مساعدة الروح القدس"، ثم

- الارتماء في الصلاة كمّن يرتمي في الماء، فنلفظها "بعبادة محبّة، ونكرّرها ببطء وهدوء وسكون،

- "تركيز كياننا كلّه، شيئًا فشيئًا، حول اسم يسوع والسماح له بالدخول فينا وملء نفسنا بهدوء"

- "طرد كلّ لذّة ذهنيّة وكلّ محاولة للانفعال وكل توتّر وكلّ عجلة".


عندما نعتاد على اللجوء إلى اسم يسوع بهذه الطريقة، ينعم المسيح علينا بحضوره ويقودنا إلى الاتّحاد به. فنلبسه حقيقةً. وبما أنّ المسيح يحمل الكلّ في داخله، وكنيسته بشكل خاصّ، فإنّه يوحّدنا كلّنا. ونعتاد مع الوقت على إطلاق اسم يسوع على البشر والخليقة. هذا وجه من أوجه وظيفتنا التي تقضي بالمشاركة في تجلّي العالم. فالإلفة التي تقوم بيننا وبين المسيح تساعدنا على التعرّف إليه حيث يسكن، حيث يختبىء فنقول له عند رؤيته: "ربّي وإلهي". يختم الأب ليف جيليه بقوله: "إذا كنّا نرى يسوع في كلّ إنسان، وإذا كنّا ندعو كلّ إنسان يسوع، نسير بالعالم برؤية جديدة وبنعمة جديدة في قلوبنا".

المشاركات الشائعة