مساهمة الشباب في مؤتمر نيودلهي

ريمون رزق

النور - العددين الثاني والثالث 1962

 

أ – جناح الشباب في مجلس الكنائس العالمي

أهداف جناح الشباب هذا عديدة يمكننا حصرها بما يلي :

حث الكنائس لتتعهد بجدية مسؤولياتها نحو الشباب

حث الشباب لاحتلال مكانهم المعد لهم في كنائسهم وفي العمل المسكوني.

تأمين أخوة مسكونية بين الشباب المسيحي وتقوية عملهم في الكنائس أمام التقلب الذي يميز شبيبتنا الحاضرة.

ولتحقيق هذه الأهداف رأى جناح الشباب نفسه مضطراً لإقامة مؤتمرات ومشاورات في مناطق مختلفة في العالم. إنه ينظم من وقت لآخر مخيمات أشغال مسكونية ويسهل للشباب طرق اللقاء والعمل المشترك (حلقات تحضير قادة – تبادل زيارات بين الشباب المنتمين إلى قارات مختلفة – إقامة مراكز للشباب الخ ...). يسعى الجناح أيضاً لأن يضع تحت تصرف الشباب عدداً من المنشورات والحلقات الدراسية التي يمكن أن تسهل عملهم التبشيري في العالم.

علاوة على هذه الأهداف يعلق جناح الشباب أهمية كبرى على المؤتمرات العالمية حيث يستطيع الرؤساء والقادة أن يدخلوا في احتكاك حي مع ممثلي الشبيبة العالمية المسيحية ويستمعوا إلى الانتقادات والملاحظات التي تحدد سياسة الجناح في المستقبل.

من بين المؤتمرات التي عقدت خلال السنتين الأخيرتين يجب أن نذكر مؤتمر الشبيبة الأوروبية الذي عقد في لوزان من الثالث عشر حتى الرابع والعشرين من تموز سنة التسعمئة والستين بعد الألف، والذي فيه ظهرت بشكل قوي رغبة الشباب في خدمة العالم المتأرجح وفي المناولة المشتركة بين الكنائس المختلفة في مكان معين وفي الاجتماعات المسكونية.

ودائماً مدفوعين بهدف أخذ رأي الشباب وتحضيرهم لاشتراك فعال ومحسوس في المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي قرر جناح الشباب الدعوة إلى مؤتمر في نيودلهي يكون مؤتمر الشباب التحضيري.

ب – المساهمون في المؤتمر التحضيري

يطلب من بعض الشباب أن يشتركوا في مؤتمرات مجلس الكنائس العالمي (امستردام – افانستون – نيودلهي) ويحق لهؤلاء الشباب أن يساهموا فقط في قرارات لجان العمل فلا يستطيعون إذاً أن يشتركوا في التصويت. دعي هؤلاء الشباب كلهم إلى المؤتمر التحضيري الذي انعقد في نيودلهي قبل افتتاح المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي أي بين العاشر من تشرين الثاني والثامن عشر منه.

لم يأت كل الشباب المدعوين وهكذا لما يتجاوز عدد المشتركين المئة مقسمين على النحو التالي بالإضافة إلى الرسميين:

افريقيا          : 11

آسيا            : 34

أوروبا           : 26

أميركا اللاتينية  : 5

الشرق الأوسط   : 3

أميركا الشمالية  :21

من هذا التقسيم تظهر أغلبية آسيوية يفسرها مكان المؤتمر في قلب آسيا، في الهند، وأقلية من الشرق الأوسط رغم ملايين المسيحيين المقيمين فيه.

إن تقسيم المشتركين حسب الكنائس هو متفاوت للغاية. مثلاً نرى أن الاشتراك الأرثوذكسي أقل من رمزي إذ كان محصوراً بيوناني واحد من أميركا وآخر من لبنان وكان شخص ثالث وهو الأخ كابي حبيب مشتركاً ولكن بصفته الرسمية. وقد دعي آخرون ولكن لم يشتركوا إلا في المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي. هذا ما يبرر إلى حد ما عدم تعليق الأوساط الأرثوذكسية الأهمية على الشهادة الأرثوذكسية التي يمكن أن تقدم في وسط يغلب عليه الطابع البروتستنتي. فلا يبقى إذاً على قسم الشباب إلا أن يعمل لزيادة عدد أعضائه الأرثوذكس.

ج – برنامج المؤتمر التحضيري

كان يوم المؤتمرين يبدأ بالصلاة ومن بعدها مباشرة كانت تعقد دراسات كتابية تدور حول: "يسوع المسيح نور العالم" وكانت بقية النهار تصرف في أحاديث واجتماعات مختلفة.

أما الأحاديث فكانت تدور حول وضع الكنيسة ومشاكلها في آسيا للدكتور صموئيل ماتي Dr. Samuel Mathai، المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي للسيد فرنسيس هاوس Francis House وهو السكرتير العام المساعد لمجلس الكنائس العالمي، عمل قسم الشباب في مجلس الكنائس العالمي للسيد رودفرانتش Rod French وهو السكرتير العام للقسم. والحديث الرابع كان للدكتور فيسرت هوفت Wissert Hooft السكرتير العام لمجلس الكنائس العالمي الذي قدم عرضاً شيقاً عن العمل المسكوني مشدداً على واجب جيلنا نحو هذا النشاط.

قسم المشتركون في المؤتمر التحضيري بحسب انتمائهم إلى منطقة معينة من العالم إلى جماعات تتجمع كل بمفردها لتدرس وتتشاور في المشاكل القائمة في منطقتها وتضع لها الحلول الواضحة والعملية. وهكذا كانت ست جماعات منتمية على التوالي إلى كل من أميركا الشمالية – أميركا اللاتينية – أوروبا – آسيا – افريقيا والشرق الأوسط – ومن التقارير المقدمة من كل جماعة تظهر إرادة الشباب في الالتزام في المنطقة التي يعيشون فيها وشعورهم بمشاكل مناطقهم التي تختلف من بقعة لأخرى. كان نقاش جميل ومفيد بين الافريقيين والآسيويين من حهة والأوروبيين والأميركيين من جهة ثانية حول الاستعمار وتحرير الشعوب.

كان جو هذه المناقشات أخوياً للغاية ومفعماً بالمحبة المسيحية مما سمح لكثيرين أن لا يحكموا ولا يتوصلوا إلى نتيجة تتعلق بشخص آخر إلا بعد أن يفهموا هذا الشخص الآخر ويضعوا نفسهم مكانه. 

د – اجتماع الشُعب

قسم المشتركون أيضاً إلى ثلاث شُعب مهمة كل منها دراسة موضوع في المواضيع الثلاثة التي ستكون محور الأبحاث الثانونية للمؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي وهي الشهادة والخدمة والوحدة. أما الموضوع الرئيسي فهو يسوع المسيح نور العالم.

نتيجة لاجتماعات هذه الشعب وضع تصميم لتسهيل المناقشات وتوجيهها وحصر البحث في ثلاث نقاط:

1 – تحديد الوحدة المرجوة

2 – تقدير طريق الوحدة

3 – إعطاء رأي صريح حول مشكلة المناولة المشتركة. 

في الاجتماع الأول كان المراقب يشعر أن هناك تيارين يتجاذبان الحضور. التيار الأول وهو الذي ينظر إلى الوحدة نظرة عقيدية صرفة والتيار الثاني كان ينظر إلى الوحدة كحاجة عملية لاجتماع المسيحيين متناسياً الوحدة العقيدية غالباً. هذا الاختلاف بين وجهات النظر أدى إلى بلبلة الجلسة مما حمل المسؤولين على قسم المؤتمرين إلى قسمين هذا التقسيم الذي جعل تبادل الأفكار بين المشتركين مثمراً. قدم هذان القسمان تقريرين متناقضين عن أبحاثهما في نهاية المؤتمر التحضيري:

التقرير الأول كان يدعو الكنائس إلى تسهيل المناولة المشتركة واعتناقها مستنداً إلى أن المعمودية الواحدة تؤدي إلى المائدة الواحدة وقائلاً أن المناولة هي التعبير الأكمل عن الوحدة متحيراً من أن بعض الكنائس تلصق تهمة عدم الطاعة بالشباب الذين يعتنقون فكرة المناولة المشتركة.

أما التقرير الثاني فقد ترك جانباً مشكلة المناولة المشتركة حاسباً إياها تعبيراً عن  الوحدة الحاصلة في ملء الحقيقة رافضاً أن يأخذ المناولة كوسيلة للوصول إلى هذه الوحدة. وقد شدد التقرير على ملاحظتين أوحاهما جو المناقشة وهما:

1. المناقشة كانت في أغلب الأحيان حواراً بين صم لأن الشبان المسيحيين كانوا يجهلون مواقف بعضهم بعضاً.

2. كان عدد كبير من هؤلاء الشبان يعلمون علماً سطحياً وجهة نظر كنيستهم فكانوا هكذا ينسلخون عن كنيستهم ليعطوا آراء شخصية لا تخرج عن أنها ناتجة عن تفكير إنسان خاطئ.

 

وقد أعلن التقرير أن حياة التقارب المسكونية يمكن أن تتم في مراحل عديدة: أولاً أن يعمل المسيحيون معاً حتى يتعارفوا بعضهم إلى بعض ومن هذا التعارف تنتج المحبة التي هي الطريق الوحيدة إلى الوحدة.

وانتهى التقرير بأن قدم لقسم الشباب عدة اقتراحات هدفها تسهيل عملية التعارف المتبادل.

بناء على اقتراح رود فرانتش وافق المؤتمر على التقرير الأول لأنه يعبر عن تفكير أكثرية المؤتمرين إذ أن الشبيبة البروتستنتينية تؤمن بالمناولة المشتركة وقد نقل التقرير كما هو إلى المؤتمر الثالث لمجلس الكنائس العالمي.

هنا يجدر بنا أن نبين باختصار المستندات التي يرتكز عليها الأرثوذكس لرفض المناولة المشتركة:

1. قضية الأسقفية الرسولية Episcopat Apostolique هي من طبيعة الكنيسة وكل اشتراك في المناولة في كنيسة لا تملك هذه الأسقفية الرسولية هو غير مقبول لأن عملاً كهذا في كنيسة تختلف عقادئي مع عقائدها هو خيانة لكنيستي وعدم أمانة لها.

2. لا يمكن أن نفرق بين الاتحاد في سر الشكر والاتحاد في بقية الأسرار أي في حياة الكنيسة كلها.

3. سر الشكر ليس بالعمل الفردي بل على العكس هو عمل جماعي يتم في الكنيسة التي حوله نجتمع لذلك لا يمكن أن يؤخذ كعمل مشترك بين كنائس مختلفة ومتفرقة.

هذه الموانع لا تنفي إمكانية التشجيع والتعاون في كل عمل يؤدي غلى خدمة الشهادة. فالمسيحيون يجب أن يعملوا متكاتفين في العالم ليساعدوا المعذبين والبائسين. عليهم أن يتعذبوا معاً وأن يصلّوا معاً كي تتحقق صلاة يسوع ويستطيع هذا العالم، الذي يجهل المسيح وينساه أو يرذله أن يسمع رسالته.

المشاركات الشائعة