كلمة الأمين العام في افتتاح ورشة عمل

 ريمون رزق - 1992


نشكرُ الله على هذا الاجتماع وعلى المناسبة التي جعلته ممكنًا وعلى كلّ النِّعَم التي أغدقها الله على حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة خلال السنين الخمسين الماضية في خدمة الكنيسة.

ونحن نُقرّ أنّ كلّ خير أو نجاح صادفته الحركة في عملها إنّما يعود فضلُه إلى الله وإليه وحده وأنّ كلّ خطأ أو شطط إنّما يعود إلى ضعفنا نحن العبيدَ الخدَمةَ البطّالين.

ونشكر بمستهلّ اجتماعنا هذا صاحبَ الغبطة مولانا البطريرك أغناطيوس الرابع الذي رعاه وباركه واستضافه في معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ (وكلّف سيادة الأسقف جاورجيوس عميد المعهد بتمثيله بيننا).

ونفرح أيضًا لحضور كلّ وجوه الأحبّة الشابّة بالجسد أو بالروح أو بالاثنين معًا والتي طالما رجَونا واشتقنا أن نجتمع معًا. وبصورة خاصّة نغتبط بحضور السادة المطارنة الذين يرعوننا هنا وثمّة ويوجِّهون أعمالَ الحركة ونشكرهم على تلبية دعوة الأبناء والأخوة على رجاء أن تتحقّق فينا الآية الكريمة: "ما أجمل أن يجتمعَ الأخوة معًا". ونرى أيضًا في تحلّقنا حولهم اليوم تعبيرًا رائعًا على وحدة العائلة وعلى أنّ الراعي يعمل وسط شعب الله، ساهرًا على تنمية المواهب التي يمنّه الله على كلّ واحد من أعضاء هذا الشعب.

أيّها الأخوة،

إنّ الأمانة العامّة للحركة قرّرت أن تتحوّلَ المراكزَ الحركيّة بفروعها كافّة وفِرَقِها إلى ورشة دراسة وتأمّل بمناسبة هذه السنة، سنة الخمسين، وأن تتمحور تلك الدراسات حول أوضاع الكنيسة والتحدّيات التي تواجهها والمواقف النهضويّة المناسبة والأمينة التي يجب اتّخاذُها لكي يَحقَّ حقُّ الله وحدَه في كنيسته ويُمجَّدَ اسمَ ابنهِ في كلّ أقطار كرسينا الأنطاكيّ المقدّس. وذلك تمهيدًا للمؤتمر الصيفيّ الذي تقرّر أن يُعقَدَ في الصيف القادم. ورجاؤنا أن نخرج من هذا المؤتمر برؤية أكثر وضوحًا لمشروع أنطاكيّ للفترة المقبلة نرفعُه إلى المجمع المقدّس ونتجنّد لتحقيقه.

ونجتمعُ اليوم، إضافةً على الشكر والفرح للمساهمة في ورشة التفكير هذه، باستماع واحدنا إلى الآخر وإِصغائِنا المشترَك إلى ما يقوله الروح. من أجل ذلك سننطلق من تشخيص سريع لأوضاعنا الكنسيّة الحاليّة إلى تأمّل للواقع الحركيّ الراهن لكي نستجلي معالمَ دورنا في خدمة الكنيسة اليومَ وغدًا.

وقبل أن نستعرض أوضاعَنا على ضوء الرجاء في الربّ الناهض أبدًا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّنا نعرف في أبرشيّاتنا كلّها الكثيرَ من إطلالات الروح، نعرفها كُلّنا، ولن نطول الآن في وصفها. ويقابل هذه الإطلالات بعضٌ من الضعفات وإذ تقِف عندها نؤكّدُ أنّنا لسنا من دعاة الثرثرة والتلهّي بالمعاتبة نوجّهها بعضُنا لبعض ولكنّنا جميعًا نبتغي أن تكونَ كنيسةُ المسيح متلألئةً "لا عيب فيها ولا غضن"...

إن أهمّ الضعفات التي في بعض الأحيان تعيق شهادتَنا، أذكرها دون أيّ تراتُبيَّةٍ من حيثُ خطرها، هي:

أ‌- الانحراف في حياة الشركة والشورى والروح المجمعيّة الشركويّة التي يجب أن تعمّ حياة الكنيسة لأنّها أجلى تعبير عن حياة الثالوث القدّوس فيها، وذلك على الصعد كافّة، إن في المجالس والهيئات أو المؤسّسات وبنوع خاص في علاقات المؤمنين أعضاء شعب الله فيما بينهم بعيدًا عن كلّ تسلّط، فئويّة، أو ميوعة وتعبيرًا على أنّنا واحدٌ في تنوّع المواهب وأنّ مسؤوليّتنا عن شؤون الكنيسة لا يمكن إلّا أن تكون واحدة.

ب‌- تبعثر في الخطّ النهضويّ وتجربة الانغلاق فقد تحوَّلَ الكثيرُ من مراكز النهضة أفرادًا لا علاقة لواحدِهم بالآخر، والفرديّة هنا ذهنيّةٌ وليست في العدد فقط. وكأنّ جدارًا يفصِل بين هذه الجماعة أو تلك، بين الأبرشيّات والأديار والرعايا والهيئات فكلُّ واحدٍ يحتكر الكنيسةَ ولا يرى لغيره دورًا فيها أو بالأصحّ لا يرى أنّه يَكمُل في جسد المسيح مع غيره. ولعلّ ثرثرة واحدُنا على الآخر أجلى مظهر لهذه الروحيّة المستشرية التي ظننّا أنّها ولّت إلى غير رجعة.

ت‌- ظهور تضارب بين مريم ومرتا، بين حياة الصلاة والتأمّل من جهة، والعمل من جهة ثانية وكأنّ الأولى لا تفرضُ ترجمتَها في عمل أو كأنّ الثاني بإمكانه أن يأتي بحسب قلبِ الله بدون الصلاة والتأمّل. إنّ هذا الانفصام قادنا، في أكثر الأحيان، إلى تصنيف بعضِنا بعضًا روحانيّين وغير روحانيّين وإلى التفاضل فيما بيننا. بينما نعلم حقّ العلم أنّ الواحدَ منّا يَكمِلُ بالآخر ويتقدّسُ به أيضًا. وكنيسة المسيح في أنطاكية بحاجة إلى تكريسٍ لله في مجالات العمل كلّها وفي أنماط الحياة المختلفة.

ث‌- تنوّع في السياسة الرعائيّة والأَداء الطقسيّ والمشاركة في الأسرار والخِدَم مع غير الأرثوذكس ممّا يُسبِّب عثرةً ويُضعضعُ الشعورَ بالانتماء الكنسيّ الواحد.

ج‌- إمكانيّة حُسن استعمال المال لتجسيد الإيمان وعدم وعي كافٍ للمسؤوليّة الجسيمة التي يفرضها النموّ المؤسّساتيّ في كرسينا الأنطاكيّ. هذا النموّ يذكّرنا بأهمّية العطاء ويفتح للكنيسة مجالاتٍ واسعة للخدمة والتعبير عن محبّتها للإنسان شرطَ أن يتعهّدَه شعب الله ويكفَلَ له المِلاكاتِ البشريّةَ المؤمِنَةَ التي تؤمِّنُ لتلك المؤسسات نكهتَها وكنيستَها.

ح‌- شبه غياب التفكير معًا، في المدى الأنطاكيّ كلّه، في استنباط الوسائلة الكفيلة بنشر الكلمة والتصدّي للبِدَع والزندقة والمجمتع الاستهلاكيّ والعصرنة والانفلاش الأخلاقي والتفكّك العائلي، وغيرِها من التحدّيات التي تفرضها خطايانا على الكنيسة، بلغة يفهمها الإنسان المعاصر وبالطرق العلميّة التي تتفاعل مع ذهنيّته وذلك بُغيةَ نقلِ الرسالة السارّة التي أُعطيت مرّةً واحدة للقدّيسين إلى الناس أجمعين حتّى يتوبوا ويذوقوا حلاوةَ اللهِ ومحبّتَهُ ويعيشوا في معيّته مع قدّيسيه.

وبإمكاننا أن نُعدِّدَ أيضًا كثيرًا من المسائل والمشاكل ولكن نكتفي بهذا القَدْر لنُسائلَ أين الحركة من هذا كلّه؟

من أجل ذلك نستمع إلى بعض الأخوة يصفون لنا الواقعَ الحركيّ اليوم وبعدها سيُصار إلى مناشقتنا كلّنا وتأتي الحصيلةُ في تسليط الضوءِ على اثنتَين أو ثلاثٍ من أهمّ القضايا التي سنتباحثُ بها بعد الغداء للمساهمة في تحديد معالم المُناخ الجديد التي علينا أن نتحرّك فيه.

المشاركات الشائعة