من أهم أهداف حياتنا المسيحية أن نعيش في حضرة الله الدائمة

 

 ريمون رزق - 1974


- هذا ينطلق من إيماننا بان الله هو الصخرة الوحيدة والمرجع الأول والأخير  في حياتنا ، هو مركز الثقة الثابت والمحبة الدائمة ، وإن كل شي ، خارجًا عنه ، صائرًا الى الزوال ، بما في ذلك الإنسان والعالم اللذان بكلمة منه يأتيان الى الوجود .

- وهذا ينطلق أيضًا من إيماننا بأننا ، في سعينا الى الله والى العيش الدائم فبحضرته تعالى ، إنما نعبر عن هدف البشارة المسيحية الأساسي الذي يكمن في دعوة الى الإمتثال بالمسيح ( MARTYRIA   ) والإتحاد به بواسطة الروح القدس ، هذا الإتحاد الذي أصبح ممكنًا بتجسد إبن الله الوحيد الذي صار إنسانًا لكي يجعل من البشر مشاركين بالألوهة كما يقول الأباء .

- كذلك نؤمن بأن هذا السعي هو الكفيل وحده بأن يجعلنا نتحسس بصدق وعمق ، بعيدًا عن كل يغض أو تكبر أو ضغينة ، الأمرين التاليين اللذين هما النتيجة العملية الحتمية لهدف حياتنا المسيحية .

‍1- إقرارنا بوضعنا الشخصي الخاطئ وحثنا على القداسة الشخصية في كل نواحي حياتنا الإنسانية الروحية والعقلية والنفسانية والجسدية . وهذا يطرح قضية المناقب وضرورة إكتساب فكر المسيح .

2- إكتشاف مسؤوليتنا كشهود للمسيح وبالتالي كإخوة لكل البشر ، وضرورة العمل الحثيث كي يتعرفوا على الله ويؤمنوا به ( لكشف الله لهم ) ، ومعاملتهم بالمحبة ، وجعلهم ينعمون بحياة أفضل بعيدًا عن كل فقر أو ظلم أو إضطهاد . وهذا يطرح قضيتنين : التبشير والعمل الرعائي من جهة والعمل الإجتماعي والسياسي من جهة أخرى.

وهذان الأمران هما العلامات  الخارجية التي تشهد لصدق محبتنا ومعرفتنا لله ، لأنه إذا لم يحب الإنسان أخاه الذي يرى فكيف يحب الله الذي لا يراه ، وكذلك " إذا آمنتم بي حفظتم وصاياي" و " حملتم صليبكم وتبعتموني"، وكذلك " كل ما فعلتمونه لإخوتي هؤلاء الصغار فبي تفعلونه" .

هذا المفهوم يختصر في كلام السيد حين قال : " أن الوصية الأولى والكبرى هي : أحبب قريبك كنفسك . فإن محبة الله وإبتغاء رضاه لا بد من أن يصلا بنا إذا إقترنا بسعي مستمر الى القداسة الشخصية الى محبة القريب والعمل من أجله . فالوصية الأولى هي الأساس إذ تشمل الثانية وتثبتها .

فما من حاجة إذا إلا الى أساس واحد ومحور واحد ومقياس مطلق واحد هو الله الذي لا ثاني له ، وبه وحده نجد المقاييس الأخرى النسبيبة والثانوية بما في ذلك الإنسان .

ولكن أين وكيف نعيش في حضرة الله الدائمة؟

- لنصغ الى صوت المسيح في الإنجيل وصوت الروح القدس في تقليد الكنيسة ونسمعهما يعلنان أن الوصول الى الله الآب يتم عن طريق الإبن بواسطة الروح القدس لذلك يقول القديس سيرافيم ساروفسكي أن غاية الحياة المسيحية هي إكتساب الروح القدس إذ بالروح نصل الى المسيح ونفسهم تعاليمه ووصاياه فيعطي القوة والموهبة للتقيد بها فيصبح المسيح الكل في الكل فينا فيدعونا بالتالي للتوجه الى إخوتنا البشر الذين مات هو من أجلهم لكي يوصلنا جميعًا الى الله الآب .

ويقول لنا االكتاب المقدس وتقليد الكنيسة الشريف أنه مع العلم أن الروح يهب حيثما يشاء وأنه حيثما يوجد الروح توجد الكنيسة . وضع السيد إطارًا أكيدًا لحضور االروح القدس لا ينفي الأطر الأخرى ولكنه محورها . وهذا الإطار هو كنيسة الله الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية . فالكنيسة هي جسد المسيح المتجسد في التاريخ وهي ذات مظهرين إلهي وإنساني متحدين غير مندمجين . فالطبيعة الإنسانية فيها تخطئ ولكنها تتقدس في نور الطبيعة الإلهية العاملة فيها بواسطة الروح القدس .

أما الكنيسة ، مستندة على الكتاب وإلهام الروح القدس فيها ، فتقول لنا أن الروح يعمل ويحضر ويلاقي المسيح في المجالات التالية:

- في الليتورجيا وصلاة الجماعة حول المسيح .
- في الأسرار
- في الكتاب المقدس أو كلمة الله المكتوبة .
- في الصلاة الفردية والصوم والحياة .
- في لقاء محب مع المعذبين والفقراء والمظلومين .
- في حياة الشركة .

لذلك تقول لنا الكنيسة أنه لا بد من السعي الى المسيح في جميع هذه المجالات في سعي واحد . والكتاب المقدس يؤكد ذلك كما ورد في نصوص عدة ، حيث يدعو الرسل المؤمنيين الى الصلاة والسلوك الحسن والمحبة الأخوية كطريق واحد للتأصل في كنيسة المسيح .

فعلى كل مسيحي أو جماعة مسيحية يريدون أن يعيشوا حسب إرادة الله أن يضعوا لذواتهم قانون حياة يشمل كل المجالات المذكورة آنفًا بغية الحصول على نعمة الروح القدس والوصول بالتالي الى التمثل بالمسيح لكي يبلغوا العيش في حضرة الله الدائمة .

ولا بد من جماعة كالحركة ، تضم أناسًا غايتهم الوحيدة أن يكونوا مسيحيين صميميين ، يضعون لذواتهم قانون حياة كهذا ملتزمين به ، فرديًا وجماعيًا ، محاسبيبن بعضهم بعضًا في المحبة لكي ينمو الجسد كله بنمو كل واحد من أعضائه ولكي تصبح شهادة الجسد كله حية في كنيسة الله وفي رسالتها في هذا العالم .

وكون الإنسان حيوانًا تقصف به الأهواء يفرض وضع إطار حازم يتعهد بالتقيد به ليضبط ضعفه البشري وذلك إقتناعًا منه أنه لا بد من التدرب على الفضائل ، الأمر الذي يقتضي جهدًا مستمرًا .

وقد وضعت الحركة في الماضي قانونًا للحياة كهذا نعرضه على الإخوة بغية مناقشته والإلتزام المشترك به ، وهو يشتمل على ما يلي :

 في الصلاة الفردية اليومية:

- يبتدئ نهارنا كل يوم بتذكير نفوسنا بأننا أبناء الله وشهود له وأنه موجود معنا وأننا نريد أن يعطي لنا خلال هذا النهار شعورًا مستمرًا بهذا الحضور . فنتلو صلاة النهوض من النوم والمزامير الستة لصلاة السحر مقترنة بتعهد شخصي أمام الله بأننا سنقدم له كل أعمالنا وتصرفاتنا خلال هذا النهار .

نوفر لذواتنا حوالي الساعة العاشرة قبل الظهر فترة وجيزة للصلاة ، نتلو خلالها الصلاة الربانية وصلاة القديس أفرام السرياني ونجدد تعهدنا الصباحي ونذكر ذواتنا أننا عائشون في حضرة الله وأنه علينا أن نتمثل به علاقتنا مع الناس .

عند الظهر نصلي قبل الطعام وبعده شاكرين الله من أجل هذا الطعام متذكرين الجائعين ومجددين تعهدنا الصباحي .

عند الغروب نوفر لذواتنا فترة وجيزة للصلاة : مثلًا " إرحمنا يا إبن الله الوحيد . " و" أيها النور البهي " ، ونجدد تعهدنا الصباحي .

في المساء نتلو صلاة النوم الصغرى (أو نشترك أيام الصوم الأربعيني المقدس في صلاة النوم الكبرى) ونفحص قلبنا مراجعين أحداث اليوم ومحاسبيبن ذواتنا على تصرفاتنا شاكرين الله وطالبين منه المغفرة والمساعدة لكي يكون نهارنا التالي أثمر إخلاصًا له ومحبة للآخرين .

كذلك نتعهد أن نصلي صلاة يسوع " أيها الرب يسوع المسيح إبن الله الحي - إرحمني أنا الخاطئ " ، في أي وقت فراغ كان بين أوقات الصلاة المذكورة أعلاه وخاصة في أوقات التنقلات ( بين البيت والمدرسة ومقر العمل). 

في الصلاة الليتورجية والإنخراط في حياة الكنيسة الطقسية والمناولة:

في إدائها لليتورجيًا تقوم الكنيسة بخدمتها الأساسية للعالم إذ أنها تشارك الملائكة في تسبيح الله الدائم وبالتالي تجسد الملكوت الآتي وتكون في سر الشكر صورة لعالم محب ومتحد يتجاوز الخلافات والمتناقضات لكي يتدرب على الوحدة والمحبة في إلتماس لحضرة الله وشركة في أسراره المقدسة . كذلك في إحيائها للأحداث التدبير الخلاصي ، خلال السنة الطقسية ، تدعو الكنيسة العالم ( والأفراد ) للتمثل بحياة السيد لإحياء ، في ذواتهم ، كل أحداث الخلاص هذه ، مجددين إلتزامهم ، وتعهدهم ، فتطلب منهم أن يولدوا مجددًا مع المسيح في الميلاد ويموتوا معه على الصليب لكي يقوموا وإياه في الفصح فيحصلوا عندئذ على موهبة الروح في العنصرة .

في إشتراكنا في حياة الكنيسة الليتورجية وخاصة القداس الإلهي وسر الإفخارستيا نحقق ونؤكد عضويتنا في الكنيسة. ومن الجدير بالذكر ان قوانين الكنيسة تفصل عن عضويتها كل مسيحي يمتنع مرارا متتالية من الاشتراك في الخدم الالهية ويبتعد عن المناولة ، وذلك طبيعي اذ يتوقف الانسان عن النمو في الحياة الروحية ان رفض ان ينمو في حضرة المسيح السرية المعطاة له ونتيجة لغفران خطاياه ، الحياة الابدية.

يحقق عمليا اشتراكنا في حياة الكنيسة الليتورجية الامور الاساسية الثلاثة :

- تعيدنا الى طبيعتنا الأولى التي هي مسبحة الله (اذا كان مفروضا على كل نسمة ان تسبح الله فماذا نقول عن الانسان المخلوق على صورة الله  ومثاله).

- تدعونا الى التمثل بحياة المسيح وتجسيدها في حياتنا وتصرفاتنا اليومية.

- في القداس الالهي والمناولة نؤكد بنوتنا لله ويسكن المسيح فعليا فينا.

لذلك علينا أن نلتزم الأمور التالية :

- الاشتراك الفعلي باستمرار في القداس الالهي أيام الآحاد والأعياد.

- المناولة المتواصلة.

- تذكير ذواتنا دائما بضرورة مطابقة حياتنا لحياة السيد خلال السنة الطقسية وذلك بالاشتراك في الخدم الالهية وخاصة صلاة السحر والغروب بمناسبة الأعياد السيدية الرئيسية التي هي وحدها تكشف لنا معنى السيد وأبعاده.

في التوبة ومحاربة الأهواء واكتساب الفضائل

التوبة - بالمعنى القوى لانكسار القلب والتغيير الجذري لكل الكيان والموت عن حياة الخطيئة فينا من أجل احياء الانسان الجديد في المسيح الذي فيه وحده تكمن كل جدة حقيقية - هي في أساس الكرازة الانجيلية.المسيح دعا باستمرار الى التوبة والى اليقظة الروحية "لان العريس يأتي في نصف الليل" و "لان ملكوت الله قد أتى".

بالتوبة يتأصل الايمان فينا ويكتمل. وتستوجب التوبة بعض الأمور الأساسية التالية :

- معرفة الذات وشهواتها.

- مقارنة وضعنا وحياتنا الشخصية بمتطلبات وحياة المسيح وبالتالي الشعور بالانكسار أمامه والاقرار بكوننا "أكبر الخطأة".

- السعي المستمر للتغلب على شهواتنا ولاكتساب الفضائل.

- استرحام الله لكي لا يدخلنا في التجارب ولكي ينجينا من الشرير.

ويتدرب المرء على حياة التوبة هذه بتمرسه المستمر على محاسبة النفس ومعايشة كلام الله والندامة وقمع الشهوات والاعتراف بالخطايا واستدرار مغفرة الله.

وذلك يكون عمليا بالأمور التالية :

- فحص القلب كل مساء قبل النوم، ومراجعة الأعمال اليومية، ومقارنتها مع متطلبات  المسيح ، وطلب الغفران عن كل التجاوزات وقطع تعهدات بأن يكون اليوم التالي أكثر صدقا وامتثالا لكل المتطلبات.

- قراءة ما كتبه الآباء عن الأهواء وكيفية محاربتها وتطبيق ذلك في حياتنا اليومية فرديا وجماعيا في كل فرقة.

- تبني حياة متقشفة يعطى للصوم فيها مكان لأنه بالصلاة والصوم فقط يغلب هذا الجنس.

- الرجوع الى أب روحي للارشاد والموعظة.

- الاقتراب المتتالي من سرّ التوبة أو الاعتراف.

اذا فعلنا ذلك نعي أنه لا يمكن الوصول الى المحبة الحقيقية الاّ بقدر ما يتحرّر الانسان من أهوائه  بتسلق سلّم الفضائل كما يقول بطرس الرسول في رسالته الثانية ( ‌‌2 بط 1 : 5 - 7 ) : "اجتهدوا بكل نشاط أن تزيدوا على ايمانكم الفضيلة وعلى الفضيلة المعرفة وعلى المعرفة التعفّف وعلى التعفّف الصبر وعلى الصبر التقوى وعلى التقوى الحب الأخوي وعلى الحب الاخوي المحبة".

في اكتساب فكر المسيح :

يقول بولس الرسول : "أمّا نحن فلنا فكر المسيح". فكيف يمكن أن نكتشف ونكتسب بالتالي فكر المسيح هذا ؟

فبالطبع يكون ذلك بمعرفة كلامه ، وتعرف انه قد تكلم أساسا في الانجيل والكتاب المقدّس ومن ثمّ بواسطة آباء الكنيسة الملهمين من قبل الروح. فلا بدّ لنا اذا من أن نكون متضلعين من الفكرين الانجيلي والآبائي الاصيلين لكي نتحرّر من "أفكار" هذ ا العالم ونظرياته وفلسفاته.  اللاهوتـي الحقيقي، يقول الآباء ، هو الذي يصلّي أو بعبارة أخرى الذي يدع المسيح يتكلّم من خلال كلماته البشرية الضعيفة. ليس اللاهوتي، بالمفهوم الارثوذكسي الصحيح ، الذي يفلسف الأمور ويسعى لبناء هرم منطقي لتفسير الله والدين. الله والدين لا يفسّران بالمنطق البشري ، والايمان لا يبرهن عليه بالعقل ولا بالطرق أو المناهج العلمية. انه يتعدّى العقل والعلم والمنطق البشري ولا يكشف الا للأطفال ولجهلة هذا العالم. والجهلة هم الذين يعرفون أن الله هو المنطلق والحنطة والمقياس الأخير ، ويؤمنون انه يجب على حبة الخردل أن تموت لكي تأتي بثمر ،هولاء يقولون  انه لا قيمة للعقل أو للمعرفة البشرية ، وان الخبرة العلمية ليست مقياسا مطلقا ، وان المعرفة البشرية لا تشمل كل معرفة ، وان الخبرة العلمية ليست الخبرة  الوحيدة والأساسية  بما يختصّ بالله تعالى ومعرفته. المسيحي يعطي العقل مقاما مهما يرتكز عليه لتقصّي الحقائق البشرية ولكي ينزع عن الدين الخرافات المتراكمة عبر الدهور ، ولكنه لا يعتبره المقياس أو الأداة الأساسية في سعيه الى الله ، لأنه يعرف أن حكمة الله هي جهالة بالنسبة للعالم وأن جهالة العالم هي حكمة بالنسبة الى الله.

اكتساب فكر المسيح اذا يعني بالأساس معاشرة الكتاب المقدس بقراءة مستمرة يسعى خلالها الانسان بالتكلم مر الرب المتكلم ، أن يسلط نور الله وفكره على ظلمات وأفكار هذا العالم الذي لا بدّ له من معرفتها معرفة يقين.

كذلك معرفة فكر الآباء وخاصة الشرقيين منهم ، يرسخ الانسان في حياة الكنيسة عبر العصور ، هذه الحياة الموجهة من قبل الروح القدس بالرغم من ضعفات البشر (من كهنة وأساقفة وعلمانيين) ومشاكل التاريخ وخيانات الجماعات المسيحية العديدة لرسالة الربّ اذ وجد في كل عصر ، مهما كان انحطاطه، جماعات مسيحية حافظة على أصالة الفكر الانجيلي وانطلقت به للتكلم الى العالم . والكثير من كلامها يبقى ذا قيمة بالنسبة لنا اذ يستغرب المرء مدى التقارب في المشاكل بين عهد الآباء وعهدنا الحاضر. ولربما كان هذا الاستغراب في غير محله لأنه من البديهي أن العالم يتغيّر وتتغيّر مشاكله ولكن مشكلة الانسان الحقيقية النهائية لا تتغيّر ، لأن الانسان بقي كائنا يتوق الى المحبة والعدالة والجمال واللامتناهي، فالتاريخ على الأقل في ناحية من نواحيه يشبه تمثيلية  يتغيّر فيها الديكور باستمرار ولكن المأساة التي تمثل تبقى هي هي.

لذا لا توجد قراءة عصريّة للانجيل ولفكره بل يوجد تعبير مطابق لمفاهيم العصر عن الفكر الانجيلي الواحد الذي لا يتغيّر. هذا يعني أنه علينا أن لا ننسى في حياتنا اليومية الأمور التالية :

1 - قراءة يومية للعهد الجديد ، وبعض أسفار العهد القديم خاصة منها المزامير والأنبياء. على هذه القراءة أن تقترن بتفكير وتأمل وأن تقوم في جو صلاة. عليها أن تحثّنا على مقارنة حياتنا وتفكيرنا البشري بحياة وفكر وتصرفات االسيد وعلى التمثّل بها.

2 - كذلك علينا أن نتعرف على فكر الآباء وخاصّة المراحل التالية من تاريخ الكنيسة :

الآباء الرسوليون (اغناطيوس الانطاكي وايريناوس ، آباء الصحراء ، الآباء الكبادوكيون (باسيليوس ، غريغوريوس اللاهوتي وغريغوريوس النيصصي والذهبي الفمّ) ، آباء القرن السابع (مكسيموس المعترف) والعاشر (سمعان اللاهوتي) ، آباء القرن الرابع عشر (غريغوريوس بالاماس وكابازيلاس) ، الفيلوكاليا.

3 - علينا أن نتعرف أيضا على سيرة القدّيسين القدماء منهم والمعاصرين.

4 - كذلك علينا انطلاقا من برامجنا أن نتعمق في دراسة وفهم العقائد المسيحية مع علمنا ان تلك العقائد لا تعطي الاّ مفهوما ناقصا لسرّ الله الذي يتعدّى العقل والفهم ، وذلك لكي يصبح ايمان الكنيسة ايماننا ودستورها دستورنا الشخصي.

5 - علينا أيضا أن نترجم هذا الفكر الى لغة اليوم وأن نطبّقه على مشاكل عصرنا وبلادنا

في حياة الشركة

"حيث يجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أنا أكون فيما بينهم" هكذا يقول السيد : اذ لا بدّ من اجتماع الأخوة في محبة أخوية لكي يتجلّى حضور المسيح فيهم وغايته.

هذا يعني أنه لا بدّ من حياة جماعية للمسيحي. المسيحي هو في الأساس عضو في جماعة مسيحية. هذا لا يعني أن نكون ضمن الجماعة المنغلقة على ذاتها المكتفية بمعطياتها المعتبرة لنفسها انها وحدها تملك المعرفة والحقيقة ، بل نعي رسالتها الحقيقية الكامنة في اجتماعها حول المسيح  لكي تنقل المسيح الى الآخرين خارجها عارفة في الوقت ذاته انها فقط اداة لهذا النقل الذي إختاره الله والذي يمكن لله أن لا يستعمله دائمًا ، لأن الروح يهب حيث يشاء وأن المسيح يعمل خارج الجماعة المسيحية  بطرق سرية لا يمكن للجماعة المسيحية أن تحددها.

ويبدو أن هذه الطريقة هي التي إختارها الله عبر العصور لإيصال خلاصه الى البشر ، الله إختار شعب إسرائيل لكي يأتي بواسطة المسيح الى العالم ، لأن هذا الشعب أفضل من غيره بل لكي يؤدبه ويحضره لإستقبال المسيح ثم يزول من بعده .

كذلك إختار الله الأنبياء ولأرسلهم ليذكروا الشعب اليهودي بمسؤوليات هذا الإختيار الإلهي له ، ليس لأن الأنبياء أقدس وأفضل من غيرهم لبل لأنهم قبلوا أن ينلقوا رسالة الله .

كذلك إختار المسيح الرسل الإثني عشر ليس لأنهم كانوا أفضل من سواهم بل لكي يدربهم يوكل إليهم نشؤ رسالة الإنجيل ,... كذلك أسس الروح القدس الكنيسة لتشهد لحقيقة المسيح التي ليست لها لكن للمسيح ... وعلى تعدد الأمثلة وكلها ترمي الى التأكيد :

 - أن الله يعمل بواسطة البشر فيختار البعض منهم فيقبل هؤلاء هذا الإختيار محملين أنفسهم بذلك القبول بمسؤولية القيام بالرسالة التي وكلهم الله بها ، مقتنعين دوماُ يأن الله هو الأساس وأن الرسالة له وأنهم عبيد بطالون ليس إلا ، أؤتمنوا على حقيقة ليست لهم بل لله . وأنهم لن يكونوا أوفياء لهذا الإختيار إلا بقدر ما يجعلون من كلام يوحنا المعمدان محور حياتهم " يجب أن ينمو هو وأن أنقص أنا"

لذلك لا بد من جماعة مسيحية واحدة تجتمع حول ربها تتذكر دومًا الرسالة التي وكلها بها وتخطط لكي توصلها الى العالم الذي تعيش فيه . ففي إجتماعها الأخوي هذا تتروض على الحوار والخاصة وفي تعاملهم مع البشر ، بتواضع وصير ووداعة ، بأن المسيح قد أتى وخلص العالم وأنه لا بد من التوبة والعمل المحب لكي يتحرر الإنسان من عبودية الخطيئة والظلم البشري .

فعلى الحركة ، إذا أرادت أن تكشف لأعضائها وجه المسيح ، أن تؤمن في فرقها وإجتماعاتها ومؤتمراتها هذا الجو وهذا المكان اللذين يمكنان المنتمين إليها من التأهل للحياة الروحية وللتدرب على الحب الأخوي لكي يصلوا االى ملء قامة محبة الله نحو البشر جميعًا والخليقة كافة .

وهذا يقتضي من أعضاء الحركة :

- أن يقبلوا بعضهم بعض بإحترام .
- أن يلتزموا جماعيًا بقانون حياة .
- أن يحاسبوا بالمحبة بعضهم بعضًا .
- أن يسعوا بشتى الطرق لتوحيد صفوفهم .
- أن يعيدوا الى جماعة الكنيسة فكرة الرعية الصحيحة بإنخراطهم في رعايا الكنيسة وتغيرها من الداخل لإعادتها الى هدفها الأول إلخ ...

في تجسيد هذه الرؤية وهذا السعي أو في محبة القريب:

هذا العيش في حضرة الله الذي نسعى إليه مدى حياتنا بواسطة مجاري النعمة التي أرادها المسيح للكنيسة والتي وصفناها آنفًا ، يحررنا من عبودية الـ " أنا " وعبودية الجماعة المنغلقة على ذاتها ، ويدفعنا لتكريس ذواتنا كليًا لله في الكهنوت ، في الرهبنة أو في الحياة العلمانية لإلتزام مشاكل الإنسان .

فمحاكاة المسيح في الكتاب المقدس والصلاة الفردية تجرنا الى الإلتصاق به في الصلاة الليتورجية وسر الشكر . وتناولنا المسيح في سر الشكر هذا يدفعنا لكي نتناوله أيضًا ونلتقي به في خدمة البشر ، الجياع والمظلومين والحزانى الذين إرتاى أن يسكن فيهم .

فسر الشكر لا يكتمل فيّ إلا إذا أوصلني الى سر القريب كمل يقول القديس يوحنا الذهبي الفم . وخدمة الإنسان هذه تكون على صعد مختلفة ، حسب ما عاطي لكل واحد من مواهب ، ولكن في ورحية واحدة وإقتناع كلي أن تالخلاص أتى من الله وأن في المسيح وحده يكمن تحرير الإنسان الحقيقي النهائي .

فالرؤية المسيحية واضحة واحدة . المنطلق هو واحد وهو محبة الله في يسوع المسيح بواسطة الرو القدس . والمصب هو واحد إلا وهو محبة الإنسان المخلوق على صورة الله ، المخلص بالمسيح يسوع والمحيي بواسطة مواهب الروح القدس .

إن الوصية الأولى والأعظم هي أن تحب الله من كل قلبك ومن كل قوتك . أما الثانية فهي مثلها ( نابعة منها : أن تحب قريبك كنفسك .

----------------------

مراجع

  1. في الصلاة الفردية :  الصلاة لأفداغريوس البنطي  دير الحرف
  2. أصول الحياة الروحية  دير الحرف
  3. أبانا ( بالفرنسية )  الأب ليف جيلله
  4. في الصلاة الجماعية : من أجل فهم الليتورجيا وعيشها  دير الحرف
  5. مدخل الى القداس الإلهي  كوستي بندلي
  6. ذبيحة التسبيبح  فريدا حداد
  7. مائدة الرب  أثناسييف
  8. في التوبة : أصول الحياة الروحية  دير الحرف
  9. المناقب في الحركة  المطران جورج خضر
  10. مع تساؤلات الشباب  كوستي بندلي
  11.   في إكتساب فكر المسيح: الأناجيل الأربعة
  12. الرسائل
  13. أعمال الرسل
  14. المزامير
  15. الأنبياء
  16. مدخل الى الكتاب المقدس
  17. الآباء الرسوليون
  18. الحياة في المسيح  كاباسيلاس
  19. سير القديسين والآباء
  20. مدخل الى العقيدة المسيحية  كوستي بندلي
  21. السبل الى الله كوستي بندلي
  22. إله الإلحاد المعاصر  كوستي بندلي
  23. في حياة الشركة :  الفرقة في الحركة  كوستي بندلي
  24. في محبة القريب :  مقالات عديدة للمطران جورج خضر
  25. وثيقة إلتزام شؤون الأرض
  26. كتاب الكنيسة في العالم

---------

وثيقة أقرّها المؤتمر الرابع عشر للحركة: 24 - 28 آب 1974 برمّانا

 

 

المشاركات الشائعة