العمل المسكونيّ

 ريمون رزق


مقوّمات العمل من أجل الوحدة

ينصّ المبدأ السادس من مبادئ الحركة الستّة أن "تتّصل الحركة بالتيّار الأرثوذكسي العالمي... كما تساهم في تطوّر (الكنيسة الأرثوذكسيّة) المسكوني ورسالتها الإنسانيّة". وأصدر المؤتمر الحركي الثالث عشر، السنة 1972، وثيقة حول "سياسة العمل المسكوني"، أوضح فيها أنّ الحركة "عملت منذ نشأتها على تنشيط العمل المسكوني في هذه الديار وفي العالم اقتناعًا منها بأنّ العمل من أجل الوحدة هو من صلب الرسالة المسيحيّة، لأنّ المسيح نفسه صلّى من أجل وحدة المؤمنين... (وطلب منّا) أن نكون واحدًا لكي يؤمن العالم". وأضاف أنّ المحبّة هي الوسيلة الحقيقيّة في كلّ عمل وحدوي، وأنّها "مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحقيقة، إذ لا محبّة بدون حقيقة، ولا حقيقة من دون محبّة. والحقيقة معطاة من الله، ليست ملكًا لنا. علينا أن ندافع عنها بالمحبّة".

هذا لا يعني أنّنا ندعو إلى نوع من التلفيقيّة أو إلى حركة مسكونيّة عاطفيّة متسرّعة. ولا يعني أبدًا الدعوة إلى التغاضي عن اختلافاتنا العقائديّة، حيث وجدت، أو تغليب المحبّة على الحقيقة. لكن علينا ألّا ننسى صلاة يسوع الملحّة أن يكون أحبّاؤه واحدًا. في عالم يرفض الله ويؤلّه الإنسان بدون الله، أيسعنا ألّا نسمع مع المسيحيّين الآخرين لمسات الروح القدس ونصلّي معًا (خارج الأسرار)، عائدين معًا إلى جذورنا المشتركة، وموحّدين الجهود من أجل خدمة البشر كافة.

تمحور عمل الحركة المسكوني حول صعد ثلاثة: صعيد تنمية الوحدة بين الكنائس الأرثوذكسيّة، صعيد إحقاق الوحدة مع الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة (الأقباط، السريان والأرمن)، وصعيد التقارب مع الكاثوليك والبروتستانت.

تنمية الوحدة الأرثوذكسيّة

قام أحد المؤسّسين (المرحوم إدوار لحام) خلال سني الحركة الأوّلى بالتواصل مع عدد كبير من حركات الشبيبة والمؤسّسات الأرثوذكسيّة في العالم لتبادل الأخبار وبحث سُبّل التقارب والعمل المشترك. كان هذا التواصل أحد الدوافع لتأسيس سندِسموس، المنظمّة العالميّة لحركات الشبيبة الأرثوذكسيّة. تبوّأ ألبير لحام وجورج نحاس وميشال نصير والآن جورج الحاج رئاستها، وكان كابي حبيب أحد أمنائها العامين الأكثر نشاطًا. واشترك عدد من الحركيّين في مؤتمراتها ونشاطاتها. وكان الأخ فادي أبو مراد ممثّلًا للحركة فيها وممثّلًا لها في الشرق الأوسط وقام بمساعٍ حثيثة لتقريب الشباب الأرثوكسي فيه. كما  كان طوني الصوري (مطران زحله الحالي) ممثّلًا الحركة في سِندسموس.

تواصلت الحركة مع الشباب الأرثوذكسي في الكرسيّين الاسكندري والأورشليمي، ودعتهم للاشتراك في مؤتمراتها، ونظّمت نشاطات مشتركة معهم، كان الأخوين كابي حبيب وفادي أبو مراد أفضل مطلقيها.

تُعدّد وثيقة حركيّة أخرى حول "الامتداد الحركي"، الصادرة عن المؤتمر الحركي الثالث عشر، السنة 1972، مجالات العمل الحركي في الاسكندرية وأورشليم بحث شبابهم إلى الالتحاق بسِندسموس، ودعوة قوّادهم للاشتراك في حلقاتنا التدريبيّة، وتأمين وصول منشوراتنا إليهم، إلخ....

وتحدّد هذه الوثيقة أيضًا ما يجب على الحركة أن تفعله مع الطلاب الأرثوذكسيّين الموجودين في الخارج، ومع الحركيّين المغتربين، وتحتوي على اقترحات لم تُحقّق كإصدار مجلّة النور بالإنكليزيّة.

ساهم وجود الأب ليف جيلّيه والأب أندريه سكريما في ربوعنا بانفتاح على العالم الأرثوكسي الآخر. وكان لمساهمة ألبير لحام ممثّلًا للكرسي الأنطاكي الأثر البليغ في المؤتمرات الأرثوذكسيّة العامة.

تشجيع الوحدة مع الأرثوذكسيّين الشرقيّين

بدأت العلاقة مع الاقباط باكرًا جدًّا. قام بها خاصّة جورج خضر وبولس اسعيد، وتابعها بزخم كابي حبيب، الذي أدخل ممثّلين عن حركات الشبيبة القبطيّة والسريانيّة والأرمنيّة كمراقبين في اجتماعات سندِسموس، ونظّم عددًا من اللقاءات معهم. وكان وراء تنظيم اجتماع البلمند السنة 1971 الذي ضمّ ممثّلين عن الكنيسة الأرثوذكسيّة والكنائس الشرقيّة والذي أصدر لأوّل مرّة اتّفاقهم الإيماني، وتصريحهم المشترك أنّ الخلاف الذي دام منذ المجمع الخلقيدوني في القرن الخامس ليس سوى خلافًا لفظيًّا. أمّا الحوار الرسمي بين هذه الكنائس فلم ينعقد إلّا بعد سنوات ولم يصدر بيانًا رسميًّا بالاتّفاق العقائدي قبل السنة 1990.

وتعدّد وثيقة "الامتداد الحركي" أيضًا كيف يجب تنمية العلاقة مع شباب الكرسيّين الاسكندري والأورشليمي العرب.

العلاقات المسكونيّة

اشترك بعض المؤسّسين (الشمّاس أغناطيوس هزيم، جورج خضر، ألبير لحام، ميشال خوري)  منذ السنة 1950، بإنشاء ما سُمّي "مجموعة القدّيس إيريناوس" ضمّتهم إلى الكاثوليك والبروتستنات، بغية التعرّف على معتقدات كلّ طرف وبحث سبل التقارب والصلاة من أجل الوحدة. كانت تجتمع هذه المجموعة دوريًّا، وكانت تمثّل أوّل مبادرة "مسكونيّة" في لبنان، لا بل في الشرق.

كان لأغناطيوس هزيم وجورج خضر وألبير لحام القسط الأكبر في تمثيل الكرسي الأنطاكي في الهيأت والاجتماعات المسكونيّة، في اتّحاد العالمي للطلبة المسيحيّين ومجلس الكنائس العالمي. وكان أغناطيوس هزيم نائب رئيس الاتّحاد وتبعه ريمون رزق. ثمّ ساهم كابي حبيب في تأسيس مكتب الاتّحاد للشرق الأوسط في بيروت، السنة 1962، واستلم أمانته العامّة لعدد من السنوات. أطلق كابي خلالها مجلّة إخبارية مسكونيّة، "المنتدى"، السنة 1967، ونظّم حلقات مختلفة للتوعية المسكونيّة. فكانت الدراسات اللاهوتيّة للعلمانيّين بإدارة الأب جان كوربون بين 1966 و1969، ومؤتمرات  التهيئة المسكونيّة بين 1969 و1974، وتنظيم المؤتمر العالمي للمسيحيّين من أجل فلسطين في بيروت السنة 1974، كما عمل لإنشاء مجموعة "سودِباكس" من أجل تشجيع ثقافة السلام السنة 1968، وساهم في إصدار بيان اللاهوتيّين الشرق أوسطيّين حول الإيمان المسيحي والصهيونيّة السنة 1967، ونشاطات كثيرة أخرى. تبعه في مهمّة الأمانة العامّة طارق متري ثمّ زاهي عازار وإلسي وكيل.

كما اشترك الحركيّون في جمعيات مجلس الكنائس العالمي العموميّة، في نيو دِلهي في الهند، السنة 1961 (أغناطيوس هزيم، جورج خضر، البير لحام، كابي حبيب، ريمون رزق). كما اشترك هؤلاء في الجمعية العموميّة اللاحقة في أوبسلا السنة 1968. واستلم لاحقًا بعض الحركيّين (طارق متري، ميشال نصير) بعض المسؤوليّات في مقرّ المجلس العالمي في جنيف.

واستلم أيضًا كابي حبيب أمانة سرّ مكتب الشباب التابع لدائرة الشباب في مجلس الكنائس العالمي الذي أدّى في النهاية إلى إنشاء مجلس كنائس الشرق الأوسط (MECC) السنة 1974 الذي استلم كابي أمانته العامة وسهر على انطلاقته الأولى. وقد ساهم عدد من الحركيّين في لجان ونشاطات هذا المجلس (جورج صايغ، شفيق حيدر، ريمون رزق، إلياس حلبي وغيرهم كثيرين).

أمّا على الصعيد الأنطاكي فأصدرت الحركة السنة 1972 وثيقة "سياسة العمل المسكوني" في موتمرها الثالث عشر. وساهم بعض الحركيّين (خاصّة مود نحاس)  في إيجاد كتب التعليم المسيحي المسكونيّة. كما ساهم الحركيّون في نشاطات مسكونيّة مختلفة في أسبوع الصلاة من أجل الوحدة وغيره من المناسبات.

واشترك حركيّون مع طلاب مسيحيّين آخرين في إطلاق "الرسالة إلى الكنائس" في ستّينات القرن العشريم يلّحّون فيها على ضرورة النهضة والاهتمام الحقيقي بشؤون الناس.

عالج بعض الحركيّين قضيّة "المشاركة في القدسات" التي كانت تُمارَس على نطاق واسع في بلادنا (ولا تزال)، بسبب الزيجات المختلطة، والقربى العائليّة، وتقلّص الإنتماء الكنسيّ عند الكثيرين، والشعور المتزايد بالأخوّة المسيحيّة أمام التحدّيات والخوف على المصير، وطالبوا الرعاة أن يتوقّفوا عند هذه الظاهرة، ويُصدروا إرشادًا رعائيًّا واضحًا بشأنها. وقد أدّى هذا السعي مبدئيّا إلى توقيف مناولة الأرثوذكسيّين في المدارس الكاثوليكيّة في لبنان.

الانفتاح على الأديان غير المسيحيّة

يقول المطران جورج (خضر) إنّ "المسيح مخفيّ في طيّات" هذه الديانات. في انفتاحنا على الديانات غير المسيحيّة، الإسلام واليهوديّة بشكل خاصّ، علينا أوّلًا أن نعرف أنّ مهمّتنا الأساس إقتفاء أثر المسيح المخفي فيها، لنقوم بتسبيحه. وعلينا ثانية أن نشهد للمسيح تجاه غير المسيحيّين.

 


المشاركات الشائعة