الشموسيّة - خدمة المسيح وخدمة المسيحيّين

 ريمون رزق - آب 2012

توطئة

بتجسّد المسيح، الربّ (الكيريوس)  يصير خادم (دياكونوس) الجميع. "ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُم ويعطي ذاته فديةً للكثيرين" (مرقس 10: 45).

المسيحيّ هو مَن يشترك في الخدمة التي قام بها الله من أجل البشر، وتاليًا يبذل نفسه في خدمة الآخرين، بالمحبّة. يحصل المسيحيّ في المعموديّة على موهبة الخدمة.  فباشتراكه بخدمة الكنيسة وليتورجيّتها وشهادتها، يساهم بخدمة المسيح من أجل خلاص البشر. كونهم أعضاء في جسد المسيح يصير المسيحيّون خدّام بعضهم البعض بموجب المواهب المعطاة لهم لبناء الكنيسة والإخوة في الإيمان والمحبّة.

 يُعبّر عن هذه الخدمة المتبادلة بشتّى تعابير المحبّة الأخويّة، في خدمة المرضى في الجسد والروح، ومعاونة الفقراء والمحتاجين ومؤاساة السجناء (متّى 25)، ومساعدة الكنائس (رومية 15: 25، 1 تيموثاوس 5: 3-16)، ومعاونة الرسل (رومية 16، فيليبّي 4: 3) في عملهم البشاريّ.

خدمة الرسل ومعاونيهم

أقام يسوع الرسل ليكونوا رفقاء له، ويبشّروا ويُخرجوا الشياطين (مرقس 3: 14-15). فالخدمة هي ميزة عمل الرسل الأساسيّة. هم معاونو الله وخدّامه (متّى 22: 13، يوحنّا 12: 26، مرقس 9: 35، 10: 43 ، متّى 20: 26 و23: 11، 1 تسّالونيكي 3: 2، 1 كورنثوس 3: 9، 2 كورنثوس 6: 1)، وخدّام المسيح، والقائمين على أسرار الله (1 كورنثوس 4: 1 6). هم خدّام عهد جديد (2 كورنثوس 3: 6)، وخدّام الإنجيل (كولوسي 1: 23، أفسس 3: 6)، والكلمة (أعمال 6: 4)، والمسيح والله (2 كورنثوس 11: 23)، أو خدّام الكنيسة (كولوسّي 1: 25، 1 كورنثوس 3: 5). هم خدّام المؤمنين من أجل المسيح (2 كورنثوس 4: 5). هم مرسَلون باسم المسيح يبشّرون بالكلمة لخدمة المصالحة (2 كورنثوس 5: 18)، كما يسمّي بولس الخدمة الموكلة إليه من الله لخدمة الإنجيل (أعمال 20: 24). ويطلب من ثيموثاوس أن يهتمّ بخدمته (2 تيموثاوس 4: 5). وفي أفسس 4: 12 يقول إنّ المواهب الروحيّة تهيّىء القدّيسين للخدمة. ويقول في مكان آخر إنّ على المسيحيّين أن "يخدموا" الآخرين (1 تيموثاوس 3: 10، 13).

ونجد في رسائل بولس أيضًا أنّ له معاونين مباشرين في العمل الرسوليّ، أمثال سلوانوس وتيموثاوس وتيطس وأبّولّوس، وآخرون كثيرون يشاركونه أعماله في خدمة الكنائس المحلّيّة، أمثال أبفروديتُسس (فيليبّي 2: 25)، وأيبافراس (كولوسّي 4: 12) وأرخيبا (كولوسّي 4: 17)،  وفيبة (رومية 16: 1-2)، ويدعوهم خدّام (شمامسة) المسيح. وفي الرسالة إلى فيلبّي يسلّم بولس بصورة خاصّة على "المراقبين (إبيسكوبوس) والشمامسة (دياكونوس)" (1: 1).  ويذكر في الأولى إلى كورنثوس أنّ ستفاناس وفورتوناتوس وآخايكوس قد "وضعوا أنفسهم في خدمة القدّيسين" (16: 15).

والجدير بالذكر أنّ بولس يطلق على نفسه اسم الشمّاس كما يطلقه على معظم مَن ذكرنا من أسماء معاونيه. وبينهم امرأة واحدة (فيبة) ورجال اهتدوا من اليهوديّة أو من الأمم. يدعو نفسه شمّاس الإنجيل والكنيسة، وشمّاس العهد الجديد وشمّاس المسيح. أمّا تيموثاوس فيدعوه شمّاس الله، وإيبافراس شمّاس المسيح، واستاخيس الشمّاس الأمين ومعاونه في الخدمة. أمّا فيبة فيدعوها خادمة كنيسة كنخرية. لا شبه إطلاقًا بين خدمة هؤلاء في الكنيسة الرسوليّة بما عرفته الكنيسة فيما بعد (واليوم) عن خدمة الشمامسة. إنّها، أثناء العهد الرسوليّ، خدمة أساسيّة تتعلّق بالكرازة وإدارة الجماعات المسيحيّة، ولا تقتصر على خدمة الموائد أو على مهمّة طقسيّة. حاملو هذه الخدمة هم "معاونو" الله "الذي وحده ينمي" (1 كورنثوس 3: 5). وأكّد هذا المفهوم للشموسيّة القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ، في رسالته إلى الترالّيّين، حيث يقول: "ليسوا شمامسة من أجل الطعام والشراب، بل هم شمامسة كنيسة يسوع المسيح" (2 : 3).

نعلم أنّ التسميّات الثلاثة (مراقبون، شيوخ، شمامسة) التي كانت تُطلق على مسؤوليّ الكنيسة والناشطين في البشارة، في الحقبة الأولى من العهد الرسوليّ، لم تكن محدّدة بدقة. لكن، مع ذلك، وممّا لا شكّ فيه أنّ الشمامسة، الذين نحن هنا بصددهم، كانوا يقومون بمهام أساسيّة، مع الملاحظة أيضًا أنّ تسميتهم كانت تُطلق على حدّ سواء على الرجال والنساء. وقد جُرّدوا من معظم مهامهم فيما بعد، بعد موت الرسل، عندما صار التشديد على تنظيم المسؤوليّات في الكنائس المحليّة، كما يظهر في الرسائل الرعائيّة المتأخرة.

المعنى الكتابيّ لعبارة دياكونوس (شمّاس)

لا توجد عبارة "دياكونوس"، في العهد القديم، إلاّ نادرًا جدًّا. وتعني حيث توجد، في السبعينيّة، مرسَل أو خادم.

 أمّا عبارة "دياكونوس" اليونانيّة، فتعني "مَن يخدم" (نقول بالعربيّة "الشمّاس")، وتعني عبارة "دياكونيّا" "الخدمة".

ويشير فعل "دياكونين"، في العهد الجديد، إلى رسالة المسيح الخادم، وتشير مشتقّاته إلى الخدمة التي يقوم بها التلاميذ، والأعمال المختلفة التي تقوم في الكنيسة من أجل التبشير بالإنجيل، والأمور الأخرى المتعلّقة بالمواهب.

أمّا في متّى 8: 15، ولوقا 10: 40، ويوحنّا 2: 5 و9 ، وأعمال 6: 2، فيعني الفعل المشتق من عبارة "دياكونوس" "خدمة الموائد"، وهو المعنى القديم الأصلي للعبارة عند الإغريق. مثلاً "خدم" الملائكة يسوع بعد مكوثه أربعين يومًا في الصحراء (متّى 4: 11). ثمّ توسّع المعنى ليشمل نواحٍ أخرى من الخدمة: أتى يسوع "ليَخدم" (متّى 20: 28). اعتبر بولس سفره إلى أورشليم، لتسليم ما جُمع في أوروبّا من هبات، "خدمة" (رومية 15: 25). ويشجّع كاتب الرسالة إلى العبرانيّين عادة "خدمة" القدّيسين (عبرانيّين 6: 10).

وتُستعمل عبارة "دياكونيّا" لوصف خدمة الموائد التي سلّمها الرسل إلى السبعة (أعمال 6: 1، 2). لا نعرف الكثير عن هذه الخدمة سوى أنّ السبعة وُجدوا لأنّ الهيللينيّين المؤمنين (أيّ اليهود المتكلّمين اليونانيّة) تذمّروا من عدم تلقيهم العناية نفسها التي كانت لليهود المهتدين. لا يذكر لوقا عنهم سوى نشاط استفانوس وفيليبّوس الذي يبدو أنّه مارس المعموديّة، ويدعوه مبشّرًا بالإنجيل (أعمال 8). ونكاد لا نعرف شيئًا عن الخمسة الباقين.

تُستعمل إذًا عبارة دياكونوس بطرق مختلفة. تشير مثلاً إلى مَن يخدم الموائد، كما في عرس قانا الجليل (يوحنّا 2: 5). وقال يسوع لتلاميذه إنّه يجب عليهم أن يكونوا خدّامًا إن أرادوا أن يتعظّموا (مرقس 10: 43). تيخيكوس هو دياكونوس بولس، يخدم معه ويساعده (كولوسي 4: 7). تتّخذ العبارة عند بولس معنى مسيحيًّا واضحًا. كما سبق وأشرنا، بولس هو دياكونوس العهد الجديد والله والكنيسة. فالمعنى هنا أقرب إلى "عمل تبشيريّ" منه إلى خدمة.

وفي رسالة بولس الرسول إلى فيلبّي (1: 1) والرسالة الأولى إلى تيموثاوس (3: 8-13) استُعملت عبارة دياكونوس إشارةً إلى مَن هو بلا عيب. وكان الشمامسة يُعتبرون من قادة الكنيسة، وليس فقط أناسًا يفتحون أبواب الكنيسة ويغلقونها أو يقومون بتوزيع الهبات للفقراء.

من الجدير الإشارة أنّ الإغريق الذين يميّزون عادة بين أسماء الذكر والأنثى، لم يطبّقوا هذه القاعدة على عبارة دياكونوس، إذ تُستعمل العبارة نفسها، في الديانات الوثنيّة والدين المسيحيّ، للدلالة على خدمة الرجال والنساء على حدّ سواء. عندما تدخل أحرف الدلالة، يُقال "أو دياكونوس" (للرجل) و"إي دياكونوس" (للمرأة). وقد ابتكر لاحقًا مجمع نيقية المسكونيّ عبارة جديدة هي دياكونيسّا  (شمّاسة) كمقابل أنثويّ لعبارة دياكونوس.

وهناك عبارة يونانيّة أخرى تدلّ على الخدمة هي دولوس التي تعني "عبد" والتي تُترجم خطأ ب"خادم". على خلاف الدياكونوس، الدولوس لا سلطة له على نفسه. هو مرتبط كلّيًّا، شاء أم أبى، بمعلّمه. "فالخدّام"، في أمثال يسوع، هم عبيد وليس خدّام. يصف بولس في الإصحاح السادس من الرسالة إلى أهل رومية البشر كعبيد للخطيئة أو لله. ويدعو نفسه عبدًا ليسوع المسيح (رومية 1: 1)، مشيرًا إِلى تكريسه الكلّي لله.

خدمة النساء في العهد الجديد

نرى في العهد الجديد أنّ نساءً خدمت الكنيسة بطرق مختلفة. في الفترة الرسوليّة عاشت الجماعة المسيحيّة بموجب قول بولس إنّ "لا فرق الآن بين ... رجل وامرأة، لأنكم كلّكم للمسيح... ولكم الميراث حسب الموعد" (غلاطية 3: 27-28). وتاليًا كان همّ الجميع أن يوصل الرسالة السارّة لأكبر عدد ممكن، إذ "الويل لي إن لم أبشّر". وإن لم تذكر الأناجيل دعوات خاصّة من يسوع للنساء لاتّباعه، كما فعل مع الرسل، من الواضح أنّ نساءً كثيرات تبعنه وجلن معه في الجليل، وصعدن معه إلى أورشليم. تختلف أعدادهنّ بين الأناجيل، ولكنّ بعضهنّ تميّزت بخدمات مهمّة.

يمكن تصنيف عمل المسيحيّات الأوائل بين الفئات التالية:

- تحتلّ مريم العذراء، والدة الإله، مركزًا فريدًا بين النساء إذ "تحفظ كلّ شيء في قلبها" ممّا يتعلّق بيسوع (لوقا 2: 51)، كما تفعل عادة النساء، فتشعّ بسكوتها وسكونها وشعاعها الداخليّ.

- النسوة اللواتي تبعن يسوع وكان قد شفاهنّ من الأرواح الشريرة والأمراض"كمريم المجدليّة ويونة وسوسنة وغيرهنّ كثيرات ممّن كنّ يساهدنه بأموالهنّ" (لوقا 8: 2-3).

- البشيرات بالقيامة: نذكر أوّلاً النسوة الحاملات الطيب، وبخاصّة مريم المجدليّة، التي أعلنت القيامة للرسل.

- المبشّرات بالإنجيل ومعاونات الرسل: تذكر رسائل بولس وأعمال الرسل عددًا من النسوة اللواتي عاونّ الرسل في الكرازة. إنهنّ "نسوة أخوات" يرافقن الرسل في تجوالهم، كزوجة بطرس  (1 كورنثوس 9: 5)، كما فعلت آخريات مع يسوع. من بينهن، تحتلّ بريسكلة مع زوجها أكيلا، مرتبة "معاونة الرسول في المسيح يسوع" (رومية 16: 3-5). وقد أتت من روما فاستقبلت بولس في كورنثوس وساعدته، ثمّ تبعته إلى أفسس حيث نظّمت اجتماعات الكنيسة في بيتها. وقد فعلت الشيء نفسه عندما عادت إلى روما، وعلّمت و"شرحت مذهب الربّ شرحًا دقيقًا" لأبّولوس (أعمال 18: 24-26). ويقتضي منها تعليمها هذا لمَن كان ضليعًا بالكتاب كأبّولّوس، معرفة واسعة فيه وجدارة في التفسير.

ويذكر بولس، إضافة إلى بريسكلة، أسماء نساء أخريات، كتريفينية وتريفوسة "اللتين تتعبان في خدمة الربّ" ، وبريسيس "المحبوبة التي تعبت كثيرًا في خدمة الربّ"، وأندرونيكوس ويونياس "المشهورين بين الرسل، وقد اهتديا قبلي إلى المسيح" (رومية 16: 7)، ومريم "التي تعبت كثيرًا في خدمتنا" (رومية 16: 6)، وغيرهنّ. وكذلك، متزوّجات كزوجة بطرس، وبرسقلّة (رومية 16: 3).لا نعرف بدقّة ماهيّة عملهنّ. بل يبدو أنّهنّ اشتركنا في نقل البشارة تحت سلطة الرسول. ولا نجد في ذلك غرابة عند جماعة تربّت على تعليم مَن قال إنّ فيه لا يوجد فرق بين الرجال والنساء، وأنّ الجميع مدعوون إلى الشهادة له ولتعاليمه.

- المعادلات للرسل: لقد لقّبت الكنيسة عددًا من النساء ب"المعادلات للرسل". فيدعو هيبوليطوس الرومانيّ مريم المجدليّة "رسولة القيامة للإثني عشر" (تفسير سفر نشيد الأنشاد 5). ويشهد التراث الكنسيّ أنّ مريم ومرتا ولعازر حملوا البشارة إلى بلاد الغول، وأنّ مريانا "المعادلة للرسل" رافقت فيليبّوس في جولاته التبشيريّة، والقدّيسة تقلا "المعادلة للرسل" كانت رفيقة بولس في الكرازة (أعمال فيلبوس وأعمال بولس وتقلا المنحولة).

- النساء اللواتي جمعن الكنيسة في بيوتهنّ أو قمن بخدمات أخرى: إضافة إلى بريسكلة، اجتمعت الكنيسة عند مريم والدة يوحنّا مرقس (أعمال 12: 12)، وليديا (أعمال 16: 14)، في فيلبّي. أمّا طابيثة في يافا، "فتصرفت كلّ وقتها في الأعمال الصالحة وإعانة المحتاجين" (أعمال 9: 36).

- النبيّات: نجد في العهد الجديد ذكر نبيّات في أكثر من مكان. أوّلاً يأتي لوقا على ذكر "النبيّة ... حنّة ابنة فنوئيل ... (التي) لا تفارق الهيكل متعبّدة بالصوم والصلاة ليل نهر ... فحمدت الله وتحدّثت عن الطفل يسوع مع كلّ مَن كان ينتظر من الله أن يفدي أورشليم" (لوقا 2: 36-38). وكانت حنّة النموذج الذي اتّبعته الكنيسة الناشئة في رتبة الأرامل التي سنأتي لاحقًا على ذكرها.

وتذكر أعمال الرسل أنّ بنات "فيلبّوس المبشّر، وهو أحد السبعة، ... العذارى يتنبّأن" (أعمال 21: 8-9)، مشيرة بذلك إلى استمراريّة روح النبوّة، ليس فقط عند الرجال، كما كان شائعًا، بل عند النساء. ويؤكّد بولس الرسول هذا الواقع بقوله إنّ "كلّ امرأة ... تتنبّأ وهي مكشوفة الرأس تهين رأسها" (1 كورنثوس 11: 5) مؤكّدًا بقوله هذا وجود نبيّات في الجماعات التي زارها. فيتسأل إذًا المرء كيف يتلائم قول الرسول هذا الذي يقبل أن تتنبّأ النسوة في اجتماعات الإخوة، مع قوله في الرسالة نفسها: "فلتصمت النساء في جميع كنائس الإخوة القدّيسين، فلتصمت نساؤكم في كنائسكم، فلا يجوز لهنّ التكلّم" (1 كورنثوس 14: 33-34)؟!!

ولم يكن استشد بطرس في خطابه بعد العنصرة (أعمال 2: 14-36) بقول يوئيل النبيّ: "قال الله: في الأيّام الأخيرة أفيض من روحي على جميع البشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ... وعلى عبيدي، رجالاً ونساءً، أفيض من روحي" (3: 1-2)، لو لم يوجد آنذاك، ضمن الجماعة المسيحيّة، رجال ونساء يتنبّئون.

وتشهد كتابات يوستينوس الفيلسوف (الحوار مع اليهودي تريفون، 88: 1) وإيرناوس (ضدّ الهرطقات 3: 11، 9) أنّ واقع تنبؤ النساء استمرّ حتّى أيّامهما

- الأرامل: نجد في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس الشروط الموجبة كي تُعتبر المرأة في رتبة الأرامل: "لا تُكتب امرأة في سجلّ الأرامل إلاّ التي بلغت ستّين سنة، وما تزوّجت غير مرّة واحدة، وكان مشهودًا لها بالعمل الصالح، وربّت أولادها تربية حسنة، وأضافت الغرباء، وغسلت أقدام الإخوة القدّيسين، وساعدت المنكوبين، وقامت بكلّ عمل صالح" (5: 9-10). ينتج عن إدراج امرأة في سجلّ الأرامل أن تتلقّى إعانة من قبل الجماعة، مقابل وضعها "رجائها على الله، تصلّي وتتضرّع إليه ليلاً ونهارًا" (1 تيومثاوس 5: 5). وكانت بعض الأرامل الملتفّة حول طابيثا، يخصّصن وقتهنّ لأعمال الخير، كما تشهد الأعمال (9: 36-42).

- العجائز: تتكلّم الرسالة إلى تيطس على عجائز. ويقول إنّه يجب عليهن أن "يتصرّفن كما يليق بنساء يسلكن طريق القداسة، غير نميمات ولا مدمنات للخمر، هاديات للخير، يعلّمن الشابات محبّة أزواجهنّ واولادهنّ، متعلّقات، عفيفات، يحسنّ العناية ببيوتهن، صالحات، مطيعات لأزواجهنّ لئلا يستهين أحد بكلام الله" (2: 3-5). فيكون إذًا لهنّ صفة تعليميّة ضمن الجماعة، إضافة إلى المزايا الأخرى التي عليهن التمتّع بها.

- "الشمّاس" فيبة: يدعو بولس فيبة، في رسالته إلى رومية (16: 1-2)، "دياكونوس كنيسة كنخريّة". ولا نعرف عنها شيئًا سوى أنّها "أعانت" بولس وغيره، وأنّ بولس قد أوصى بها توصية حارّة. وكونها "معينة" (بروستاتيس) يشير إلى أنّها كانت صاحبة مركز وغنى. في القرن الأوّل كان "المعينون"، في محيط البحر الأبيض المتوسّط، يموّلون بناء التماثيل والأعياد والمواسم، ويدعمون الفنّانين والكتّاب. وكانوا يؤمّنون مكانًا للعبادة للجماعات اليهوديّة خارج البلاد. وكان الذين يحظون بمعونة هؤلاء الواهبين يبادلونهم إعاناتهم بعرفان الجميل والتقدير وإعطائهم أحيانًا ثمر أعمالهم الفنيّة.

توصيّة بولس إلى أهل رومية بفيبة يجعلنا نعتقد أنّها قد حملت إليهم رسالته. وبما أنّ كنخريّة هي المرفأ الشرقيّ لمدينة كورنثوس، يكون بولس قد تعرّف عليها عندما مكث في كورنثوس، حيث كتب الرسالة إلى رومية، كما يستشف من ذكره غايوس وإيراستوس الذين كانا من سكّان كورنثوس (رومية 16: 23، 1 كورنثوس 1: 14، 2 تيموثاوس 4: 20).

يعطي بولس فيبة مركز الدياكونوس، أيّ يماثلها به "الشمّاس"، ويعتبرها مسؤولة على كنيسة كنخريّة، رابطًا عبارة دياكونوس لأوّل مرّة في رسائله بكنيسة معيّنة، ممّا يعني أنّها تشير إلى أنّ مهمّاتها منوطة حصرًا بهذه الكنيسة. تختلف الترجمات في نقل العبارة اليونانيّة. فالبعض يترجمها بخادمة والبعض الآخر بشمّاس، والحقيقة أنّ الترجمة الأصحّ هي "شمّاس". ولا بد أنّ الرسول اعتبر أنّ المهمّة المنوطة بفيبة هي على قدر فائق من الأهميّة، إذ أطلق عليها هذه التسمية في إطار نص يطلق فيه على المسيح. نفسه التسمية ذاتها، قائلاً: "إنّ المسيح صار دياكونوس اليهود ليظهر أنّ الله صادق" (رومية 15: 8).

فإذًا تسميتها دياكونوس تجعلها تتمتّع بالصفات والمسؤوليّات التي يربطها الرسول في رسائله بهذا اللقب، أي الكرازة والتبشير وإدارة الكنائس، والقيام بخدمات جمّة ومختلفة لأبناء الإيمان.

وقد فهم الكتّاب المسيحيّون الأوائل هذه العبارة على هذا المنوال. يقول أوريجانس (185-254): "يدلّ هذا المقطع أنّه كان يوجد في الكنيسة نساء مرسومات لخدمة الكنيسة لأنّهن كنّ يقمن بخدمات مختلفة". ويقول الذهبيّ الفم (347-407)، متكلّمًا على فيبة وغيرها في الإصحاح السادس عشر للرسالة إلى رومية: "ترون أنّ جنس هذه النسوة النبيلات لم يعيقهنّ في درب الفضيلة. وهذا لا بدّ من انتظاره بالنسبة إلى الحياة بالمسيح حيث لا ذكر ولا أنثى". ويشير ثيودوريطس (393-460) أنّ "الجماعة الكنسيّة في كنخريّة كانت على اتّساع يفرض أن يكون لها امرأة نبيلة ومتقدّمة تعمل فيها كشمّاس. ولقد تحلّت بأعمالها الصالحة حتّى استحقّت مديح بولس".

- النساء الأخرى (التي ذكرنا سابقًا) كنّ غالبًا أيضًا "كذلك"، أيّ شمّاسات. يحدّد بولس في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس (3: 8-10) صفات الشمامسة (الدياكونوس) الذكور الروحيّة. وتأتي الآية 11  التي تتكلّم على النساء كنوع من الإستطراد، فيقول: "وعلى النساء كذلك أن يكنّ من أهل الوقار، غير نمّامات، يقظات، أمينات في كلّ شيء".

مَن هنّ النساء التي يشير إليهنّ الرسول؟ وما هي ترجمة العبارة اليونانيّة الحقيقيّة؟ تختلف الترجمات. يوجد مَن يترجم العبارة اليونانيّة بـ"زوجات"، ويعتبرهنّ زوجات الشمامسة. أمّا أغلبيّة المترجمين فقد ترجموها بـ"نساء" أو "نساء شمامسة"، أو "شمّاسات".

لكن، من الصعوبة بمكان أن يشير النصّ إلى زوجات بعض الرجال لأنهّ لا يوجد في اللغة اليونانيّة ما يدلّ على الملكيّة. إذًا لا يمكن إرجاع العبارة إلى الشمامسة الذي يذكرهم النصّ سابقًّا. أمّا إذا درسنا النصّ بانتباه، نجد أنّ تلك النساء، هن نساء تخدمن الكنيسة، كما يفعل مقابلهنّ الرجال. كانت هذة النسوة غالبًا شمّاسات، كما كانت فيبة. ففي أواخر القرن الثاني، اعتبر اقليمنضس الإسكندريّ (155-220) أنّ النصّ يشير صراحة إِلى وجود نسوة شمّاسات. وقال الذهبيّ الفم، في هذا الصدد: "يقول البعض إنّ هذا المقطع يتكلّم بكلّ بساطة على النساء عامّة. هذا غير صحيح... إذ يتكلّم المقطع على اللواتي يتحمّلن مسؤوليّة الشمّاسات". وكذلك فعل تيودوريطس.

وكما هي الحال بالنسبة لترجمة "فيبة الشمّاس"، في رومية 16: 1-2، يوجد التباس في ترجمة الرسالة الأولى إلى تيموثاوس (3: 8-10). في قراءتنا للكتاب نقع دومًا في تجربة تطبيق حاضرنا على الماضي. وبما أنّه لا يوجد اليوم شمّاسات في كنيستنا، نفترض أنّ حال مَن سبقنا هكذا كان. أو إذا كان لنا اليوم شمّاسات، نميل إلى الافتراض أنّهنّ كنّ موجودات منذ القرن الأوّل. وأخيرًا، إذا لم يصلح أيّ من هذين الاعتبارين، نلجأ إلى القول إنّ العبارة تشير إلى زوجات القادة الكنسيّين، وإنّ عليهنّ أن تكنّ مسيحيّات عاديّات "من أهل الوقار، غير نمّامات، يقظات، أمينات في كلّ شيء"ٍ.


الشموسيّة في الكنيسة الأولى

نجد في القرون الأولى كلامًا كثيرًا على الشمامسة الذكور، وعلى المرأة الشمّاس (دياكونوس)، والشمّاسات (دياكونيسّا)، وكلّهم من قادة الكنيسة، لكنّ دورهم أخذ يختلف تدريجيًّا عمّا كان عليه في العهد الرسوليّ.

الشمامسة الرجال

* يذكر القدّيس اقليمنضس الرومانيّ في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (42: 1-5) وجود مراقبين وشمامسة في الكنيسة، ويؤكّد أنّهم يقومون بدور روحيّ في الجماعة الكنسيّة: "وكان الرسل يبشّرون في القرى والمدن ويُقيمون فيها معاونين وشمامسة (إبيسكوبوس كي دياكونوس)، بعد أن يكونوا قد اختبروهم، من أجل المؤمنين الجدد. ولم يكن في ذلك أيّ شيء جديد، إذ يتكلّم الكتاب منذ زمن على مراقبين وشمامسة، كما هو مكتوب: "سأُقيم مراقبيهم في البرّ وشمامستهم في الإيمان" (أشعيا 60: 17)، علمًا أنّ نصّ أشعياء لا يذكر الشمامسة في هذه الآية، فيكون اقليمنضس قد أضافها ليؤكّد الواقع الكنسيّ المُعاش في أيّامه.

* ويذكر القدّيس بوليكربوس أسقف إزمير أنّ الشمامسة يضعون أنفسهم في خدمة المسيح ويسيرون في هدى حقّ الربّ الذي جعل نفسه خادمًا للجميع (رسالته إلى فيلبّي 5: 2).

* ونجد في الديداكيا (قبل 130): "انتخبوا لكم مراقبين (إبيسكوبوس) وشمامسة، رجالاً مُختبرين بالربّ، ودعاء، سالكين في نزاهةٍ واستقامة، لأنّهم يقدّمون لكم خدمة الأنبياء والمعلّمين" (15: 1).

وكان الشمامسة في تلك الأيّام يسهرون على أعمال الرحمة للأرامل واليتامى، كما كانوا يفعلون في جماعة أورشليم الأولى. ويمكن أن تكون أعمالهم مرتبطة أيضًا بالتعليم والخدمة الليتورجيّة، لكنّ المعلومات في هذا الشأن قليلة جدًّا لا تسمح لنا بالاستنتاج الأكيد.

* تُظهر رسائل القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ مرحلة جديدة إذ تؤكّد وجود نظام كنسيّ يتمحور حول الأسقف والشيوخ والشمامسة: "على الجميع أن يكرّموا الشمامسة كما يُكرّم يسوع المسيح، كذلك الأسفف الذي هو صورة الآب، والشيوخ الذين يشكّلون مجلس الله واجتماع الرسل. بدون هؤلاء لا يمكن الكلام على الكنيسة" (الرسالة إلى الترالّيّين 3: 1). ونقرأ أيضًا: "اتّبعوا الأسقف كما يتّبع يسوع المسيح الآب، والشيوخ كالرسل. أمّا الشمامسة فاحترموهم كشريعة الله" (الرسالة إلى أهل إزمير 8: 1).

* ونجد عند القدّيس يوستينوس الفيلسوف الشهيد (المتوفّى في 165) بعض المعلومات على دور الشمّاس الليتورجيّ.  فيقول، في كلامه على الخدمة الإفخارستيّة: "عندما ينتهي المترأس من صلاة الشكر ويستجيب له جميع الشعب، يعطي مَن نسمّيهم شمامسة لكلّ واحد من الحضور قسطه من الخبز والخمر الممزوج بالماء الذين تُليت عليهما صلاة الشكر، ويأخذونها أيضًا لمَن تغيّب" (الخطاب الدفاعي 1: 65، 3-5).

* ويذكر اقليمنضس الإسكندريّ أنّه يوجد في الكنيسة نوعان من الخدمات، واحدة تختصّ بالكهنة الذين يهتمّون بالروح، وأخرى بالشمامسة الذين يخدمون الآخرين ويهتمّون بالجسد (الستروماتا 7: 1: 3).

* أمّا المعلّم أوريجانّس فلا يخلو من انتقاداتٍ للشمامسة إذ يعتبر أنّهم "يستفيدون من الأموال المخصّصة للفقراء" (تفسيره لمتّى 16: 22).

* ونجد في الديداسكاليا (القرن الثالث) أنّ الشمامسة هم أرفع درجة من الكهنة، إذ يشبّه النصّ الشمامسة بالمسيح والكهنة بالرسل. لكن يقول أيضًا إنّ الكهنة يقفون حول الهيكل والعرش الأسقفيّ. أمّا الشمامسة فيدعوهم "الذين يحلّون في الدرجة الثالثة". وتطلب من العلمانيّين أن يثقوا بهم، وأن ينقلوا بواسطتهم ما يودّون قوله للأسقف. ويزاد في الديداسكاليا إلى دور الشمامسة الاجتماعيّ (توزيع الهبات على المحتاجين) والليتورجيّ، دور الوسيط مع الأسقف، وخدمات طقسيّة مختلفة، كالاهتمام بالنظام أثناء الخدم، واستقبال الأجانب والحجّاج، والانتباه إلى حشمة الملبس والحفاظ على الهدوء.

* يبيّن التقليد الرسولي لإيبّوليطس الرومانيّ (المتوفّى في 235) لأوّل مرّة، مكانة الشمّاس، ويعتبره من الذين وُضعت عليهم الأيدي من قبل الاسقف: "وقد أُمرنا بأن يضع الأسقف وحده يديه على رأس الشمّاس لأنّ هذا لا يُرفَع إلى درجة الكهنوت ولكنّه يبقى تابعًا للأسقف وقائمًا على خدمته ومهتمًّا بأموره. إنّه لا يشترك في مجلس مشورة الإكليروس. ويحصر عمله في تصريف الأمور العاديّة وإحاطة الأسقف بما نشأ من قضايا ضروريّة. وإنّه لا يتلقّى الروح الذي يهيمن على مجمع الكهنة في شركتهم بالروح، بل يقوم بما يُعهد إليه تحت سلطة الأسقف" (الفصل التاسع). 

ويذكر التقليد الرسولي صلاة رسامة الشمّاس، قائلاً: "... امنح، يا ربّ، روح النعمة والغيرة والهمّة لخادمك الحاضر ههنا، فهو الذي اخترته لخدمة كنيستك... هبه أن يخدمك بلا لوم وبطهارة حتّى يصبح مقبولاً لديك ومستحقًّا أن يرقى إلى رتبة أسمى" (الفصل التاسع).

أمّا في ما يختصّ بالأمور الأخرى المتعلّقة بخدمة الأسرار، فمهمّة الشمّاس أن "يحمل زيت الشكر... وزيت طرد الشرّير" أثناء المعموديّة، وأن "ينزل في الماء مع طالب العماد" (الفصل 21). ومن مهامه أيضًا التعليم: "لا يتهاون الشمامسة عن الاجتماع كلّ يوم ما لم يُقعدهم المرض. وعند حضورهم جميعًا فليعلّموا مَن كانوا مجتمعين في الكنيسة" (الفصل 33).

* ويقول القدّيس قبريانوس القرطاجيّ (منتصف القرن الثالث): "على الشمامسة ألاّ ينسوا أنّ الربّ هو الذي اختار الرسل، أيّ الأساقفة ورؤساء الكنائس، بينما اختار الرسل الشمامسة، بعد صعود الربّ ليكونوا خدّام الأساقفة والكنيسة" (الرسالة 3: 3). ويبدو من رسالته الـ52 أنّ مهمّة الشمامسة تعدّت خدمة الفقراء لتمتدّ إلى إدارة كلّ أمور الجماعة الماليّة (1).

* وتعود القوانين الرسوليّة التي دوّنت في القرن الرابع، واستعادت الأمور المتعلّقة بالشمامسة الموجودة في الديداكيا والديداسكاليّا، مضيفة إليها ما يُناسب العصر الذي كُتبت فيه. فاستعملت العهد القديم لإثبات أقوالها: "لكم هارون وهو الشمّاس، وموسى وهو الأسقف. فإذا دُعي موسى من قِبل الربّ إلهًا، فليكرّم الأسقف عندكم كإله، والشمّاس كنبيّه. وكما أنّ المسيح لم يعمل شيئًا بدون الآب، كذلك فلا يفعل الشمّاس شيئًا بدون الأسقف... وكما أنّ الابن هو رسول الآب ونبيّه، كذلك الشمّاس هو رسول الأسقف ونبيّه... وإن علمت أيّها الشمّاس أنّ أحدًا بحاجة فأخبر الأسقف" (الكتاب الثاني 30-32). وأيضًا: "ليُطلع الشمّاسُ الأسقف على ما يعمل، مثل المسيح مع الآب. وليدبّر ما يستطيع تدبيره... أمّا الأسقف فمن شأنه التصرّف في الأمور الهامّة. فليكن الشمّاس للأسقف أُذنًا وعينًا وفمًا وقلبًا ونفَسًا لكي لا يهتمّ الأسقف بأمور كثيرة، بل فقط بالتي تخصّ الربّ" (الكتاب الثاني 44).

وتذكر القوانين، في كتابها الثامن، صلاة سيامة الشمامسة (17-18)، فتقول: "أهّله، يا ربّ، أن يقوم دائمًا بالخدمة الموكولة إليه بأمانة وبدون لوم حتّى يصبح أهلاً لدرجةٍ أسمى". كذلك، تذكر صلاة سيامة الشماسات (19-20) التي سنعود إليها لاحقًا. ولكن يبدو أنّ تزايد مسؤوليّات الشمامسة الذي أدّى في كثير من الأحيان أن يصبحوا الخلف الطبيعيّ للأسقف، جعل بعضهم يتطاولون على الكهنة ويتقدّمون عليهم. من هنا نجد في قوانين المجامع المسكونيّة والمكانيّة تحذيرات موجّهة للشمامسة ألاّ يفعلوا ذلك: "انتبهوا أيّها الشمامسة أنّ مرتبتكم تأتي بعد الكهنة والأساقفة، فلا تأخذوا أمكنتهم، ولا تجلسوا عندما يكون الكهنة واقفين".

* ونجد في أواخر القرن الرابع في إفخولوجيا سيرابيون صلاة سيامة الشمامسة تشبه التي وردت في القوانين الرسوليّة. لكن في نسختها القبطيّة، تشير الصلاة إلى القوانين الكنسيّة، وإلى درجات الهيراخيّة الثلاثة، وإلى الشمامسة السبعة: "يا أبا الابن الوحيد، لقد أرسلت ابنك ... وأعطيت قوانين ونظمًا لكنيستك،... واخترت أساقفة وكهنة وشمامسة لخدمة الكنيسة الجامعة، وانتخبت بابنك الوحيد سبعة شمامسة، وأعطيتهم الروح القدس، أقِم خادمك شمّاسًا لكنيستك الجامعة، وأعطه روح المعرفة والتميّيز حتّى يتسنّى له بكلّ طهارة وبدون لوم أن يزاول خدمته وسط شعبك المقدّس" (26).

* كتاب "عهد الربّ" هو من الأدب المنحول ويجمع الباحثون أنّه وُضع في صيغته الأخيرة في سوريّا أو آسيا الصغرى في القسم الثاني من القرن الخامس، مع أنّ بعض أقسامه تعود إلى قبل هذا التاريخ. وقد يُنسب خطأ إلى إقليمنضس الرومانيّ. يتوسّع واضعه في تحديد نوعيّة الشمامسة ومهامهم، فيقول: "مَن كان حسن السيرة، نقيًّا، مختارًا لأجل نقاوته، بعيدًا عن الشهوات، غير متزوّج إلاّ من امرأة واحدة، مشهودًا له من كلّ المؤمنين، غير مكبّل بمكاسب العالم، غير عارف بالصناعة، لا غنى له ولا بنين. أمّا إن كانت له امرأة وكان له بنون، فليتعلّم بنوه أن يعملوا بحسن التقوى، ويكونوا أنقياء، مثل الذين يحسنون إلى البيعة. ولتهتمّ البيعة بأمورهم، بحسب قانون الخدمة، لكي يواظبوا على الشريعة والقيام بالخدمة... ولتكن خدمته كما يلي: أوّلاً، ليعمل بما يأمره الأسقف وحسب، كالتبشير مثلاً. ليكن مرشدًا لجميع الإكليروس ورمزًا للبيعة، يخدم المرضى والغرباء. ويسعف الأرامل. ليكن أبًا للأيتام، يطوف كلّ بيوت المحتاجين، لئلاّ يوجد أحد في ضيق أو مرض أو شقاء. وليَطُف بيوت الموعوظين، ليثبّت المتردّدين ويُعلّم الجهلة. ليُلبس الرجال الذين أنهوا حياتهم: فيدفن الغرباء ويهدي إلى الأبديّة الذين يعبرون نازحين من غربتهم. فليُعلّم البيعة من أجل مساعدة المحتاجين. لا يُضايقنّ الأسقف، بل فليذكر له كلّ شيء نهار الأحد فقط، ليكون له علم بذلك. ليكن يقظًا ساعة الاجتماع، فيطوف في البيعة ويرى إن كان ثمّة أحد متكبّرًا أو مازحًا، جاسوسًا أو ناطقًا بالأباطيل. فليؤنّبه على مرأى ومسمع الجميع، وليطرد خارجًا مَن يستحق العقاب، لكي يهاب الآخرون. وإن طلب إليه هذا أن يسمح له بالشركة، فلُيعزّه. أمّا إذا استمرّ على ذلّته، أو بقي بلا انتظام، فليَرفع أمره إلى الأسقف، فيُفصَل سبعة أيّام، بعدها يُدعى لئلاّ يهلك. أمّا إذا عاد وتصلّب واستمرّ في إثمه، فليُقطع حتّى يتوب حقًّا، ويعود إلى نفسه طالبًا السماح. إن كان الشمّاس في مدينة بحريّة، ليَطُف سريعًا الأماكن القريبة من البحر، لعلّه يجد أحدًا قد مات في البحر، فيُلبسه ويدفنه. كذلك، فليبحث في بيت الوليمة، لعلّه يجد في مكانٍ ما أحدًا مريضًا أو محتاجًا أو ميتًا. وليُعلّم البيعة لتهتمّ بكلّ واحد، كما يجب. ليغسل المخلّعين والضعفاء، كما يجب، لتكون لهم راحة في أمراضهم. وليُعطِ كلّ واحد ما هو ضروريّ، بواسطة البيعة... ليكن، في كلّ شيء، عين البيعة، معلنًا بحسن التقوى كيف يكون نظام الشعب" (الكتاب الأوّل، في الشمامسة، 33-34). 

والجدير بالذكر أنّ من بين الطلبات التي يتلوها الشمّاس أثناء الخدمة، يذكر "الأنبياء القدّيسين حتّى يحصينا الربّ معهم"، و"الشمامسة لكي يهبهم الربّ أن يسعوا السعي الكامل نحو القداسة، وليَذكر عملهم ومحبّتهم"، و"القسّيسات لكي يستجيب الربّ إلى تضرعاتهنّ ويحفظ قلوبهنّ كاملة بنعمة الروح، ويؤيّد عملهنّ"، و يذكر أيضًا "الشدايقة والقارئين والشمّاسات لكي يهبهم الربّ لأن ينالوا الأجر بالصبر" (35). لا نعرف حقيقة ما يُعنى "بالقسّيسات". كانت غالبًا الأرامل المتقدّمات المكرّسات. ويعتقد البعض أنهنّ كنّ من الشمّاسات المسامة، غير الشمّاسات العادياتز على كلّ حال نرى أنّ الشمّاسات (العاديّات) مذكورة بعدهنّ وعلى حدة.

ويزيد البند 36 أنّ على الشمّاس أن "يظهر بتقوى وعفّة وحشمة، من أجل نشاط الروح. ولتكن سيرته كاملة. فليتفحّص ويتبيّن الداخلين إلى بيت المقدس، ويتقصّ مَن هم، ليعلَم إن كانوا خرافًا أو ذئابًا. وبعد السؤال، فليُدخل مَن يستحق، لئلاّ يدخل جاسوس، فتُؤسَر حريّة البيعة وتكون خطيئة على رأسه". وبعد أن يؤكّد النصّ أنّ مَن يتأخر على الخدمة يبقى خارجًا حتّى انتهاء الطلبات يقول إنّ على السمّاس أن يُعلن عنهم ويتضرّع من "أجل الأخ الذي تأخّر ... ويُعلن عن الإخت والشمّاسة اللتين تأخّرتا وظلّتا خارجًا، ليتضرّع الشعب كلّه من أجلهما. فإذا ما ذكرهما الشمّاس وأعلن عنهما، زاد الاجتهاد وتوثّق رباط المحبّة وتأدّب المُهمِل والكسول" (36).

ويتابع النصّ، فيقول في فقرة لاحقة: "إن اغتصب رجل امرأة، فليتفحّص الشمّاس مدقّقًا إذا كانت مؤمنة وقد اغتُصبت حقًّا، أو كان مغتصبها حبيبها. فإن كانت حقًّا هكذا، وهي حزينة من جرّاء ذاك الاغتصاب، فليُرفَع الأمر إلى مسمع الأسقف لكي تُعرَف أنّها ما زالت ابنة وفي شركة البيعة. إن كان مغتصبها مؤمنًا، فلا يُدخله الشمّاس إلى البيعة للشركة حتّى ولو تاب. إن كان موعوظًا وتاب، فليعتمد ويُقبل في الشركة. فليعظ الشمّاس التائبين ويُقدّمهم إلى الكهنة أو إلى الأسقف لكي يتثقّفوا ويتعلّموا التعليم" (37).

أمّا صلاة سيامة الشمّاس على يد الأسقف، فتقول: "أرسِل روح النعمة والنشاط على عبدك هذا، لكي ينال الاجتهاد والوداعة والشجاعة والقوّة على إرضائك. هبه، يا ربّ، أن يكون عاملاً بشريعتك بدون خجل، وأن يكون عذبًا، محبًّا لليتامى، محبًّا للأتقياء، محبًّا للأرامل، حارًّا بالروح، محبًّا للصالحات. أنِر، يا ربّ، مَن أحببت واخترت إلى خدمة بيعتك، أن يُقدّم بقداسة إلى قدسك ما يُقرّبه لك ميراثك، رأس أحبارك، فيخدم بلا لوم، بنقاوة وطهارة وبنيّة صافية. أهّله لهذه الدرجة العظمى السامية بمشيئتك" (38).

* بعد أواخر القرن الرابع، يمكن اعتبار أنّ دور الشمامسة قد تمّ تحديده نهائيًّا، ولم يُدخل إليه فيما بعد في الكنيسة الشرقيّة سوى تعديلات طفيفة، حتّى أخذ يتقلّص في مرحلة لاحقة.

* ويبدو أنّ دور الشمّاس والشمّاسة في الكنيسة الأولى كان في البدء منوطًا أساسًا بخدمة الفقراء، الرجال من قبل الشمامسة والنساء من قبل الشمّاسات، قبل أن يتوسّع دور الشمامسة ويتقلّص دور الشماسات. ففي القرن الثالث كانت تهتمّ كنيسة روما مثلاً ب1500 محتاج، غالبيّتهم من الأرامل. وكانت المدينة مقسّمة إلى سبعة مناطق، يرأس كلّ منها شمّاس. ويبدو أنّ مؤسّسة الشمامسة كما عرفتها لاحقًا الكنيسة ابتدأت في سوريّا ثمّ امتدّت إلى العالم البيزنطيّ. فالأسقف السريانيّ رابّولاس، أسقف الرها في منتصف القرن الخامس، افتتح مصحًّا للنساء وأوكله إلى شمّاسات. وقد لعب القدّيس باسيليوس الكبير دورًا بارزًا في تطوير المؤسّسات الاجتماعيّة في الكنيسة، بعد أن أسّس "الباسيليادا" التي كانت تحتوي على مستشفى، وملاجىء للبرص والغرباء. وكان يهتمّ بهم شمامسة وشمّاسات، ورهبانًا وراهبات. وبعد تنصير الإمبراطوريّة، أخذت الدولة على عاتقها بعض نشاطات الكنيسة الاجتماعيّة. وبعد القرن العاشر كان للأديرة اليد الطولى في الاهتمام بهذه النشاطات الاجتماعيّة، ممّا جعل من الضروريّ تغيّير مهام الشمامسة، ففقدوا مداها الاجتماعيّ في خدمة الموائد النابع من الخدمة الإفخارستيّة، إلى أداء اختصر، في آخر المطاف، على المساهمة في الطقوس والليتورجيا وخدمة الأسقف أو الكاهن. أمّا في الغرب، فقد اختفى دور الشمامسة كرتبة قائمة بحدّ ذاتها انطلاقًا من أواخر الألفيّة الأولى.


خدمة النساء في تاريخ الكنيسة

* قضت الرسائل الرعائيّة، في أواخر القرن الأوّل، على الثورة التي أطلقها يسوع وسعى الرسل إلى تطبيقها في اشتراك كلّ أعضاء شعب الله، رجالاً ونساءً على حدّ سواء في نقل البشارة وتوطيد الكنائس. ولم تبقِِ دورًا للنساء سوى من خلال "الأرامل". ولكن يبدو أنّ رتبة الشمّاسات استمرّت بعض الوقت، بالمدى الذي عرفها فيه العهد الرسوليّ، على الأقل حتّى أواخر القرن الأوّل. ثمّ تغيّر دورها شيئًا فشيئًا، حتّى أنّها اختلطت أحيانًا مع رتبة الأرامل "المكرّسات"، وأحيانًا أخرى مع "العذارى".

* أمّا الرجال، فأخذوا، انطلاقًا من أواخر القرن الأوّل، يكتبون التاريخ الكنسيّ ويقرّرون وحدهم النظام والخدمات الكنسيّة. استمرّت النساء في كتابة هذا التاريخ بواسطة سير الشهيدات العظيمات وأعمال كثير من السيّدات المرموقات اجتماعيًّا، في روما مثلاً وغيرها من المدن، التي طاقت إلى حياة الزهد والتبتّل، إضافة إلى الشمّاسات اللواتي اتّسع دورهن في الشرق (خارج مصر) مع تعديل مضمون خدمتهنّ، والأرامل "المكرّسات" والأرامل العاديّات، كما تشهد مراجع عدّة والنصوص القانونيّة الصادرة بين أوائل القرن الثالث والقرن الخامس.

* وُجد نقش على شاهد قبر، بالقرب من جبل الزيتون، عليه عبارة: "صوفيّا الدياكونوس". أمّا النصّ الكامل الذي يرجع إلى القسم الثاني من القرن الأوّل فهو: "هنا تجثو عبدة المسيح وعروسه، صوفيّا الشمّاس، فيبة الثانية". إذا دعيت "عروس المسيح" لا بدّ أنّها كانت عزباء.

* يشهد على وجود نسوة خادماتّ بلينوس الصغير، حاكم بيثينية، بين العامين 111 و113، في كتابه إلى الإمبراطور تراجان، سائلاً كيف عليه أن يتعامل مع المسيحيّين، فيقول، في رسالته (10: 96-97)، إنّه استجوب امرأتين، دعاهما "مينيستري"، وهي العبارة اللاتينيّة الموازية لدياكونوس.

* وانطلاقًا من 172 جدّدّت "النهضة" المونتانيّة التي حاربتها الكنيسة، النبوّة النسائيّة ووقفت ضدّ ما اعتبرته تسلّطًا للرجال على التنظيم الكنسيّ، وشجّعت نوعًا من أوّليّة للنساء في الكنيسة، زاعمة أنّه بإمكان النساء أن يقمن بمهامّ الكهنة أو الأساقفة. وكذلك، أعطت الشيع الغنوصيّة المختلفة مكانة سامية للنساء في التعليم والليتورجيا والتبشير. لكن، بالمقابل، أدّت محاربة هذه البدع والشيع من قبل الكنيسة إلى تقليل شأن النساء في الكنيسة الأرثوذكسيّة ومنعها من التعليم والتنبّؤ. فنجد في حوار كُتب في الإسكندريّة بين أورثوذكسيّ ومونتانيّ: "نعلم جيّدًا أنّه يمكن أن يوجد أنبياء بعد المسيح ... لكن لا نسمح للنساء أن تتكلّم في الكنائس، ولا أن تسودَ على الرجال أو تؤلّف كتبًا تحمل إمضاءها"، كما كان يحصل عند المونتانيّين. ويوسّع أوريجانّس الحجج ضدّ نبوءة النساء عند المونتانيّين، فيقول: "أوّلا، بما أنّكم تزعمون أنّ "نساءنا تتنبّأ"، بيّنوا لنا معالم هذه النبوءة. ثانيًا، إذا كانت بنات فيلبّوس تتنبّأ فلم تكن تتكلّم في الاجتماعات، لأنّنا لا نجد شيئًا من ذلك في أعمال الرسل، ولا في العهد القديم. يُشهد على ديبّوره أنّها كانت نبيّة، وأن مريم أخت موسى كانت تقود تسبيح النساء، ولكن لا نجد أنّ ديبّوره توجّهت إلى الشعب كما فعل إرميا وأشعيا. ولا نجد أنّ هولدة التي كانت نبيّة كلّمت الشعب، بل كلّمت فقط الرجل الذي أتى إليها. ويذكر الإنجيل حنةّ ابنة فنوئيل، لكنّها لم تتكلّم ضمن الجماعة المجتمعة. وحتّى لو أُعطيت النساء موهبة النبوّة، لا يُسمح لهنّ أن تتكلّمن في الجماعة. عندما تكلّمت مريم النبيّة كانت على رأس مجموعة من النساء، لا رجال بينهنّ. كما قال الرسول: "عيب على المرأة أن تتكلّم في الكنيسة" (1 كورنثوس 14: 35)، و"لا أجيز للمرأة أن تعلّم، ولا أن تتسلّط على الرجل" (1 تيموثاوس 2: 12)".

* ويؤكّد ترتلّيانوس أنهّ "لا يجوز أن تتكلّم المرأة في الكنيسة، ولا أن تعمّد، ولا أن تقدّم القرابين، ولا أن تدّعي القيام بأي دور يقوم به الرجال، وخاصّة الخدمة الكهنوتيّة" (في البتوليّة 9: 1). فبين الزمن الذي يتكلّم فيه ترتلّيانوس والزمن الذي كتب فيه أوريجانّس ضدّ المونتانيّين، أي بين 180 و260، حصل تحوّل كبير ضمن الجماعات المسيحيّة. أوّلا باتّساع ملحوظ لعدد أعضائها. فلم يعد المسيحيّون أقلّية ضئيلة (حيث كانت تمثّل فيها النساء الأكثريّة). وتطلّب تزايد الأعداد تقوية النظام والمؤسّسات. فتمحورت الجماعات حول ثلاثيّة الأسقف والشيوخ والشمامسة، مع تقليلٍ من شأن النساء.

* يقول اقليمنضس الإسكندريّ في خدمة النساء: "أمّا الرسل فتكرّسوا لرسالتهم التبشيريّة، وأخذوا معهم زوجاتهم كأخوات مسيحيّات وليس كزوجات، لكي تكون دياكونوس مرافقات لهم. بواسطتهنّ دخل تعليم الربّ إلى بيوت النساء بدون أيّ عثرة". ويتابع: "ونعلم أيضًا ما هي الصفات التي يضعها بولس في النسوة الشمّاسات في رسالته إلى تيموثاوس" (ستروماتا 3: 6).

* ويقول أوريجانّس، في تفسيره الرسالة إلى أهل رومية (16: 1-2) إنّه كان يوجد أيّام الرسل وتحت سلطتهم نسوة شمامسة مكرّسات لخدمة الكنيسة.

* ويشهد التقليد الرسوليّ (نحو 220) الذي كان من أوّل النصوص الساعية إلى توضيح النظام الكنسيّ، على وجود الأرامل والعذارى في البيئة التي يصف، لكن لا يذكر الشمّاسات. فيقول: "إنّ الشرطونيّة تختصر على أعضاء الإكليروس بغية الخدمة الليتورجيّة... أمّا الأرملة فتعيّن من أجل الصلاة التي هي نصيب الجميع المشترك... وعندما تُكرّس الأرملة، لا داعي لرسامتها، بل تُدعى أرملة مؤسّسة أو مكرّسة. وإذا كانت قد ترمّلت منذ زمن بعيد تُكرّس وتثبّت في تكريسها. ولكن إذا كانت قد فقدت زوجها من وقت قريب، فلا يُعهد إليها بهذه المهمّة. أمّا المتقدّمة في السنّ، فيجب اختبارها بعض الوقت لأنّه كثيرًا ما يفسح رجل آخر في نفسه مجالاً لاستهوائها. فلتثبت الأرملة بالقول فقط، ولتُحصَ مع الأرامل الأخرى. لكن لن توضع عليها الأيدي لأنّها لن تقدّم الذبيحة وليس لها خدمة ليتورجيّة... فالأرملة تُكرّس للصلاة التي هي للجميع" (10 و11).

أمّا بالنسبة إلى العذارى، فيقول التقليد الرسوليّ: "لا تُرسم البتول لأنّ اختيارها لخدمة الله هو وحده يجعل منها عذراء" (13).

* تصف الديداسكاليا (نحو 240) الجماعة المسيحيّة كهيئة يرأسها الأسقف ويعاونه الشمامسة والشمّاسات (2: 33-35). ويمثّل هذا المرجع الكنسيّ القانونيّ ربّما أقدم نصّ يعود فيذكر  الشمّاسات. وتيمّنًا بأغناطيوس الأنطاكيّ، يقول إنّ الأسقف يقوم مكان الله الآب، والشمّاس مكان المسيح، والشمّاسة مكان الروح القدس (الذي يذكر بالمؤنّث في اللغات الساميّة)، بينما الشيوخ يمثّلون الرسل، والأرامل المذبح (2: 26 ، 4-7). ويشدّد النصّ على دور الشمّاس والشمّاسة في ما نسمّيه اليوم العمل الاجتماعيّ، ويشدّد على أن تظهر خدمتهما "كنفس واحدة في جسدين"، وتكون على مثال خدمة المسيح الذي غسل أرجل تلاميذه (3: 13، 1-7). ويقول إنّ الشمّاس يختاره الأسقف "للاهتمام بأمور كثيرة ضروريّة"، ويختار الشمّاسات "لخدمة النساء" (3: 12، 1). وكما يجب أن يمرّ المؤمنون الذكور بالشمامسة للوصول إلى الأسقف، على النساء أن تأتي أوّلاً إلى الشمّاسة (3: 12، 1-4). وكذلك يذكر النصّ أنّ الشمّاسة تقوم بدهن جسد النساء بالزيت أثناء معموديتهنّ، وتعلّم النساء الموعوظات، كما تزور النساء المؤمنات في بيوتهنّ وخاصّة المرضى بينهنّ. لكن لا يحق للشمّاسة أن تعمّد أو أن تلعب دورًا في التقدمة الإفخارستيّة (3: 12، 1-4). فنلاحظ إذًا أن دور الشمّاسة، على تنوّع مهامه، قد تقلّص جذريًّا عمّا يُعتقد أنه كان في أيّام فيبة.

ويضع كتاب الديداسكاليا عمل الشمّاسات هذا في مقام يفوق مقام الأرامل اللواتي لا يُسمح لهنّ   بالتعليم ولا المساهمة في معموديّة النساء، بل تحظى بإعانة الكنيسة ويختصر دورها على الصلاة (3: 5، 1-3، 6 ). وكونها تُساعَد من قبل الجماعة، كانت تُعتبر كالهيكل (2: 26، 8) لأنّها تستفيد، كما اليتامى، من قسم من هبات المؤمنين. فيقول النصّ: "فلتعلم الأرملة أنّها هيكل الله. فلتبقى دومًا في البيت، ولتمتنع عن الخروج منه والتنقّل بين بيوت المؤمنين للتسوّل، لأنّ هيكل الله لا يتنقّل، بل يبقى ثابتًا في مكانه" (3: 6، 3).

إضافة إلى الشمّاسات والأرامل "العاديّات"، تتكلّم الديداسكاليا على الأرامل "المؤسّاسات" (يدعوها البعض "القسّسيسات") التي تشكّل فئة خاصّة (هل هي من الشمّاسات؟) تشترط عضويتها أن تكون الأرملة بلغت الخمسين. وعلاوة على الصلاة والصوم، يُطلب منها أن تزور المرضى وأن تصلّي عليهم. ولا يُسمح لها أن تصنع شيئًا بدون إذن الأسقف أو الشمّاس.

* خلال القرون الثلاثة الأولى، زيدت الأرامل في بعض المناطق إلى ثلاثيّة "الأسقف، الشيوخ، الشمامسة". فتذكر مواعظ اقليمنضتس المنحولة أنّ بطرس، أثناء زيارته إلى طرابلس في فينيقيا "ترك أسقفًا عليها، وعيّن إثني عشرة كاهنًا وبعض الأرامل". وفي مقطع من اعترافات اقليمنضس المنحولة من القرن الثالث أيضًا، نجد أنّه "كرّس أسقفًا وإثني عشرة كاهنًا وشمامسة... وأسّس رتبة للأرامل. وهكذا أمّن كلّ خدّام الكنيسة". فيبدو أنّ رتبة الأرامل أُضيفت إلى رتب الإكليروس، وتُعتبر من الخدم الكنسيّة. وكانت في تلك البرهة تُطلق عبارة "أرملة" على رتبة النساء عامّة، وكان بينهنّ أيضًا عذارى، كما يذكر أغناطيوس الأنطاكيّ في رسالته إلى أهل إزمير حيث يقول إنّه يوجد "عذارى تُسمّى أرامل" (13: 1).

* يذكر القانون 19 لمجمع نيقية المسكونيّ الأوّل الشمّاسات من بين صفوف الإكليروس، ويقول إنّهنّ كنّ يُنتخبن بعد "فحص دقيق واختبار صارم".

* تطلب القوانين الرسوليّة التي ظهرت في سوريّا نحو 380، من الأسقف أن يختار مساعدين لشؤونه الخاصّة، "وشمامسة محبّين لله لأعمال الخدمة"، "وشمّاسة مؤمنة متّصفة بالقداسة لخدمة النساء" (3: 16، 1). وتقول: "في أمور كثيرة ضروريّة نحن بحاجة إلى امرأة شمّاسة. أوّلاً في عماد النساء. فالشمّاس يدهن جبينهنّ فقط بالزيت المقدّس. وبعد ذلك تغطّسهنّ الشمّاسة في الماء" (3: 16، 2)، وذلك "من أجل اللياقة" (8: 28، 6). "وليكن الشمامسة أنقياء في كلّ أعمالهم... عاكفين على الخدمة، متّزِنين لملء الكنيسة حتّى يستطيعوا أن يساعدوا الضعفاء... ولتسرع المرأة إلى مداوة النساء. وليعمل الإثنان للبشارة والسفر والخدمة... وليعرف كلّ واحد منزلته وليقُم بخدمته بسرعة وتفكير واتّحاد، عالمًا أجر الخدمة. وليكونوا بلا لوم في أداء أعمالهم على مثال سيّدنا يسوع المسيح الذي لم يأت ليُخدَم بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين. هكذا ينبغي عليهم أن يفعلوا ولو أدّى ذلك إلى بذل النفس لأجل الأخ وبدون تردّد... فتشبّهوا (أيّها الشمامسة رجالاً ونساءً بالمسيح) في عبوديّته وفقره وآلامه وصلبه لأجلنا. عليكم أن تخدموا الإخوة مقتدين بالمسيح... فاخدموا إذًا بمحبّة وبدون تأفّف أو شكّ، لأنّ ما تفعلونه إنّما تفعلونه لأجل الله لا لأجل إنسان" (3: 19). وتطلب القوانين أيضًا من الشمّاسة أن تقوم بحراسة "الأبواب المخصّصة للنساء،... مثلما كان متّبعًا في خيمة الشهادة" (2: 57، 10). وأن تعمل ما في وسعها على أن تجد مكانًا في الكنيسة لجلوس النساء الفقيرات "لكي لا تكون خدمتها محاباة لوجه إنسان بل لله" (2: 58، 6). وتطلب القوانين أن يكون للشمّاسة "موضع احترام ... على مثال الروح القدس" (2: 26، 6).

* ونجد أيضًا في القوانين الرسوليّة، نصّ صلاة سيامة الشمّاسة. وهي شبيهة بصلاة سيامة الشمّاس. يقول النصّ (8: 19-20):

 "أيّها الأسقف، تضع يديك عليها بحضور الإكليروس والشمامسة والشمّاسات وتقول:
"أيّها الإله الأزليّ، وأبو ربّنا يسوع المسيح، يا مَن خلق الرجل والمرأة، يا مَن ملأ بالروح مريم ودبّورة وحنّة وهُلدا، يا مَن لم يحتقر أن يولد ابنه من امرأة، يا مَن أقام عند قبّة الشهادة وفي الهيكل نساءً لحراسة أبوابه المقدّسة. فأنت انظُر الآن إلى أمتك هذه التي ترتقي إلى الشمّاسيّة، وأعطها روحًا قدسًا وطهّرها من كلّ أدناس الجسد والروح، لكي تقوم بخدمتها باستحقاق، لمجدك وتمجيد مسيحك، الذي يليق بك المجد والسجود وبالروح القدس، إلى أبد الدهور. آمين".

والجدير بالذكر أنّ النساء اللواتي تُذكرن في صلاة السيامة هذه، قمن بقيادة الشعب في الصلاة ("مريم النبيّة " أخت موسى، خروج 15: 20-22)، واستمعن إلى شكواه وأرشدنه ("دبّورة امرأة نبيّة"، قضاة 5: 1-5)، واشتهرن بمعرفتهنّ للكتاب وموهبتهنّ في تميّيز علامات الأزمنة ("خلدة النبيّة" ، الملوك الثاني 22: 14-22)، أو استقبلن يسوع نفسه في الهيكل ("حنّة بنت فنوئيل"، لوقا 2: 25-38). كلّهنّ نبيّات، يقمنَ بخدمات قياديّة مختلفة لخدمة الشعب. فاختيارهنّ في صلاة سيامة الشمّاسات ليس وليد الصدفة، بل للإشارة أنّ الشمّاسة مدعوّة أن تكون مثلهنّ، ومثل النساء اللواتي أقامهنّ الربّ في القديم "لتحرسنّ أبواب خيمة الاجتماع وأبواب الهيكل" (خروج 33: 7، صموئيل الأوّل 2: 22).

يبيّن النصّ أنّ سيامة الشمّاسة كانت آنذاك، كسيامة الأسقف والكاهن والشمّاس والشمّاس الرسائليّ (شمّاس شمعة) والقارىء، بوضع الأيدي واستدعاء الروح القدس "الذي للناقصين يكمّل". ومن الواضح إذًا أنّ الشمّاسة، كباقي الفئات التي تحظى بالسيامة، هي من أعضاء الإكليروس. ويبيّن النصّ أيضًا أنّ لا سيامة، بل فقط تعيين للأرامل والعذارى والمعترفين والمعزّمين (8: 23-26).

* وتضع القوانين الرسوليّة بعض الضوابط لعمل الشمّاسات، فتقول أنّه "محظور على النساء أن يعمدّن" (3: 9، 1-2)، وعليهنّ ألاّ "يعملن شيئًا بمعزل عن الشمّاس" (2: 26، 6)، وألاّ "تُبارِك ... ولا تقوم بأيّ عمل يخصّ الكهنة أو الشمامسة" (8: 28، 6)، ولا "تعلّم في الكنيسة" (3: 6، 1) (مع أنّ الديداسكاليا كانت قد سمحت لهنّ بتعليم النساء)، بل تأمر أن يختصر دورهنّ على العمل مع النساء "من أجل اللياقة". ولا بدّ أنّ هذه الضوابط وُضعت لأنّ بعض النساء كانت تميل إلى القيام بالعماد. فيقول النص: "إنّ هذا العمل لهو خطير جدِّا ويشكّل خطرًا عظيمًا على مَن يقوم به. لذلك، لا ننصح به لأنّه غير شرعيّ ومؤذيّ. بما أنّ الرجل هو رأس المرأة، اختير للكهنوت. فلا يجوز مقت الخليقة وترك الذي هو الأوّل للاتّجاه نحو الجسد الذي ظهر آخرًا، لأنّ المرأة هي جسد الرجل، آتية من جنبه، وخاضعة له ومغايرة له بغية الولادة. إنّه قيل: "إنّه يتغلّب عليها لأنّ الرجل هو رئيس المرأة بما أنّه رأسها". فإن منعنا على النساء أن تعلّمن، فكيف لنا أن نسمح لهنّ أن تمارسن كهنوتًا مغايرًا للطبيعة. إنّها جهالة اليونانيّين الكفرة الذين يكرّسون كاهناتٍ لخدمة الآلهة.لكن ليس هذا نظام المسيح" (3: 9، 3).

* أمّا بالنسبة إلى الأرامل، فتطلب القوانين، في كتابها الثالث أن تكون:

- "بلغت ستّين سنة على الأقلّ"(1)،

- "كانت لرجل واحد...، ويُشهد لها من كثيرين بالأعمال الصالحة. (وتكون الأرامل) حكيمات طاهرات، مؤمنات، تقيّات، قد أحسنّ تربية أولادهنّ، وأضفن الغرباء بكلّ طهارة" (3)،

- "(وتكون الأرملة) وديعة، هادئة، باغضة الشرّ، دمثة الأخلاق، عفيفة اللسان، خافضة الصوت، ... لا تسعى إلى النميمة أو تثير الجفاء بسبب الافتراء على الغير... وألاّ تتصنّع بالكلام وألاّ تنهر أحدًا، ولا تكون بلسانين ولا تتدخّل بأمور الغير. وإذا رأت شيئًا معوجًّا أو سمعت نبأ غير سار، فلتلتزم الصمت. ولا ينبغي أن تهتمّ بشيء آخر سوى الصلاة لأجل المحسنين ولأجل الكنيسة جمعاء. وإذا سألها أحد شيئًا فلا تُجِب بسرعة إلاّ في ما يخصّ الإيمان والبرّ والرجاء بالله. وعليها أن تُرسل إلى المعلّمين أولئك الذين يريدون أن يتعرّفوا بعقائد التقوى. ولتبتعد عن المجادلات حول تعدّد الآلهة، ولتُعلن عقيدة وحدانيّة الله. ولا تسرع في الكلام حول ما تعرفه، لئلاّ يُجدّف على كلام الربّ بسبب جهلها" (5: 1-5).

- "تُساعَد هذه الأرامل ... من قبل الأسقف" (4).

وتستعمل القوانين الرسوليّة نصوص الديداسكاليا، فتقول: "فلتعرف الأرملة أنّها هيكل الله، ولتمكث في بيتها، لا تتكلّم مع أحد، ولا تتنقّل من بيتٍ إلى بيت من مساكن المؤمنين. فإنّ هيكل الله لا يتنقّل من مكانٍ إلى مكان بل يثبت في مكان واحد" (3: 6، 3). وتزيد قائلة: "تظلّ وديعة غير مضطربة، مطرَّمة، حذرة، جالسة في بيتها تُنشد المزامير، تصلّي وتقرأ، تسهر وتصوم، تتأمّل دائمًا في الله بالترانيم والأناشيد الروحيّة. تغزل الصوف لمساعدة المحتاجين، متذكّرة شهادة الإنجيل التي قالها الربّ عن الأرملة التي جاءت إلى الهيكل وألقت في الخزانة فلسين" (3: 7، 7-8).

وتطلب القوانين أيضًا من الأرامل: "أن يكنّ مخلصات، مطيعات للأساقفة وللكهنة واللشمامسة وللشمّاسات أيضًا، محترمات، خائفات، غير متسلّطات، لا يعملن حسب رتبتهنّ إلاّ بمعرفة الشمّاس" (3: 8، 1). وعليهنّ "أن يعملن حسب إرشاد الأسقف في طاعة كاملة لله" (3: 8، 3).

وكذلك، تعود تعليمات الديداسكاليا فتمنع "أن تُرسم الأرملة. ولكن إذا كانت ترمّلت منذ زمن وعاشت بالعفّة بدون لوم، واهتمّت بأمور بيتها مثل يهوديت وحنّة القدّيستين، فلتضم إلى الأرامل" (8: 25، 2). ويبدو أنّ بعض الأرامل كانت تُرسم، إذ يؤكّد أيضًا القانون 11 لمجمع اللاذقية، في منتصف القرن الرابع، أنّه "لا تُرسم القسّيسات كما تُدعى، أو النساء المترأسة، في الكنيسة". ويذهب القانون 44 إلى القول إنّه "لا يجب أن تدخل النساء إلى الهيكل". ونجد في شرح للقانونيّ زوناراس لهذا القانون قائلاً: "لأنّهنّ مدنّسات من أجل عادتهم الشهريّة".

* وتوجد نصوص عديدة  تشهد على عظمة الدور الذي لعبته الأرامل المكرّسات في الكنيسة الأولى، إذ كان التائبون يجثون أمامهن وأمام الشيوخ استغفارًا. وكانت تُعتبر، خاصّة في الإسكندريّة، في وقت من الأوقات، في مصفّ الأساقفة والشيوخ والشمامسة، أي الإكليروس. ويذكر اقليمنضس الإسكندريّ أنّ "بعضًا اختيروا ليكونوا شيوخًا، والبعض أساقفة، والبعض شمامسة، والبعض أرامل". وكذلك يُستشف من قول أوريجانس إنّه لا يجوز "على الأسقف، والشيوخ، والشمامسة، ولا الأرامل أن يتزوّجوا مرّتين". هو أيضًا كان يعتبرهنّ في مصفّ الإكليروس.

* أخذت رتبة الأرامل بالاضمحلال ابتداء من أواخر القرن الثالث (مع أنّ الذهبيّ الفم يشهد أنّهنّ لم تزلَ موجودة في أيّامه)، وحلّت مكانها تدريجيًّأ رتبة العذارى أو الشمّاسات. وكانت تُعتبر العذارى في بعض الأمكنة كالأرامل لأنّهنّ كنّ يقمن بعمل الصلاة نفسه. وتطوّرت رتبة العذارى لاحقًا، غالبًا في أوائل القرن الرابع، إلى الحياة الرهبانيّة النسائيّة، كما عرفتها الكنيسة، والتي اعتُبرت النمط الوحيد "التقليديّ" للخدمة الكنسيّة النسائيّة. وأخذت تحتلّ الشمّاسات أيضًا، شيئًا فشيئًا، دور الأرامل "المكرّسة" إلى أن أُلغيت رتبة الأرامل من قبل عدد من المجامع بين القرنين الرابع والسادس.

* وتخصّ القوانين العذارى بالذكر ، قائلة: "لا تُرسم العذراء، فالمعروف أنّها تُقدِم على ذلك لا خوفًا من الزواج بل حبًّا بالتقوى" (8: 24، 2). وتقول إنّ "البتوليّة ... هي دعوة ندعو إليها وننصح بها، ولكنّها ليست للجميع... فلتكن العذراء مقدّسة جسدًا ونفسًا، كهيكل الله ومسكن المسيح ومهبط الروح القدس. فيجب على المدعوّة أن تكون مستحقّة لدعوتها، تحسن الأعمال، تُظهر أن نذرها حقيقيّ وصادر عن تقوى، ولا يؤدّي إلى زواجٍ شيطانيّ. فلا تكن مضطربة، كثيرة التنقّل ولا متردّدة، بل محترمة، قويّة، حكيمة وطاهرة، تهرب من المقابلات المتكرّرة وبالأخصّ من مقابلة غير المحتَرمين" (4: 14، 1-4).

 

 * أمّا بالنسبة إلى النساء عامّة، فتعلّم القوانين الرسوليّة:

- "نحن لا نسمح للنساء أن يعلّمنَ في الكنيسة، عليهنّ فقط أن يصلّين ويصغين إلى المعلّمين. لأنّ معلّمنا وربّنا يسوع المسيح أرسلنا نحن الإثني عشر لنعلّم الشعب والأمم، ولم يرسل النساء إلى أيّ مكان للبشارة، ليس إغفالاً منه وتناسيًا لدورهنّ في الخلاص. فقد كانت معنا أمّ الربّ و(نسوة كثيرات) ... فلو كان ضروريًّا أن تعلّم النساء لكان هو الأوّل أرسلهنّ معنا لوعظ الشعب. لكنّه أراد أن يلقي هذا العبء على الرجل، فهو رأس المرأة، وليس من العدل أن يرتفع باقي الجسد على الرأس" (3: 6، 1-2).

- "فيما يخصّ العماد، محظور على النساء أن يعمّدنَ، وإذا قمنَ به فليعلمنَ أنّهنّ قمنَ بأمر خطير لم ننصح به ومخالف للناموس" (3: 9، 1). "لو كان منحُ العماد جائزًا للنساء، لكان الربّ تعمّد من أمّه وليس من يوحنّا، ولكان عندما أرسلنا لنعمّد، أرسل معنا النساء للغرض نفسه. إنّه لم يأمر بذلك ولم يُدوَّن في الكتاب المقدّس، لأنّه رأى ألاّ يخالف الطبيعة وأن يكرّم عمل يديه، فهو خالق الطبيعة ومشترع النظام" (3: 9، 4).

* ويؤكّد القدّيس إبيفانيوس القبرصيّ (نحو 375) أنّه "توجد في الكنيسة رتبة الشمّاسات، ولكن ليس للقيام بخدمات كهنوتيّة... وقد أُطلق عليهنّ اسم الأرامل، ودُعيت أكبرهنّ سنًّا "الشيخات" وليس "الكاهنات" (ضدّ الهرطقات 79: 3، 6).

* نجد في كتاب المراقي (نصّ سريانيّ من القرن الرابع): "أمّا الشمّاسات فلتكنّ حكيمات. علينا اختيار اللواتي عشن حياة طهارة وبمخافة الله. عليهنّ أن يكنّ متواضعات وعفيفات وأكبر من ستين سنة. إنهنّ يقمن بسرّ المعموديّة للنساء لأنّه لا يليق أن يرى الكهنة عري النساء" (2: 6).

* وقضى قانون وضعه الإمبراطور ثيودوسيوس في العام 390 ألاّ تُقبل الشمّاسات قبل عمر الستّين. غير أنّ المجمع الخلقيدونيّ نقض هذا القانون في قانونه رقم 15، حيث يذكر بوضوح أنّ سيامة الشمّاسات تكون بوضع الأيدي، وأنّه " لن توضع عليها الأيدي كشمّاسة قبل أن تبلغ الأربعين، وفقط بعد تفقّد ضقيق لسيرتها". أمّا بالنسبة إلى العمر، فيترك التصرّف إلى الأسقف، وقد عرفت الكنيسة أحيانًا شمّاسات من دون الأربعين.

* في جوابه على أسئلة وُجّهت إليه من أسقف إيقونيوما، قال باسيليوس الكبير إنه يمكن للشمّاسة التي زنت أن تتوب، لكن لن تُعاد إلى خدمتها لسبع سنوات. ويعتبر قانون باسيليوس ال44، أنّ وجود الشمّاسات لا يمكن الشكّ فيه، وعليهنّ أن تكنّ طاهرات، ويُستحبّ ألأّ تتزوّجن.

* ويقول الذهبيّ الفم، في تفسيره للرسالة الأولى إلى تيموثاوس (3: 11): "من الواضح أنّ الرسول لا يحدّثنا هنا عن النساء عامّة، بل عن الشمّاسات في الكنيسة، إذ كيف نفسّر استطرادًا عامًّا له عن النساء في مقطع يركّز على ذكر مزايا الأسقف والشمّاس؟".

* ابتداء من القرن الرابع شاع بين النساء التوق إلى العذوبيّة، وانتشرت الأديرة النسائيّة، وكُتب ما يزيد على 12 مقالة في العذريّة من قبل كبار الآباء. في نظرهم، العذريّة هي "العودة إلى الفردوس، والتحوّل إلى حالة غدم الفناء، والمصالحة مع المسيح"، كما قال ميثوديوس الأولمبيّ (المائدة 4: 2). وقال الذهبيّ الفم: "تقودنا العذوبة الحقيقيّة وهمّ الحفاظ على العفّة إلى رؤية الله" (في العذوبيّة 11).

أخذ نمط حياة الشمّاسات يشابه حياة الراهبات. وكانت رئيسة الدير النسائيّ تُدعى شمّاسة، كما يشهد على ذلك القدّيس غريغوريوس النيصصّيّ (حياة مكرينا 29: 1). واستمرّت الشمّاسات تقمن بمعاونة النساء أثناء المعموديّة حتّى القرن السادس. وكان بإمكانهنّ توزيع المناولة للنسوة المريضات. ولمّا زالت عادة دهن الجسد بأكمله بالزيت والميرون المقدّس، لم يعد يوجد دور للشمّاسات في معموديّة النساء، واختصر عملهنّ على إعانة النساء المحتاجات أو المريضات. وكان يُشترط في قبولهنّ أن تكنّ بتولات أو من الأرامل. وكنّ يقمن في أحد الأديرة أو في بيوتهنّ.

وينصّ القانون 15 للمجمع الخلقيدونيّ: "إذا أقدمت بعد حصولها على نعمة السيامة وقضائها مدّة في الخدمة، على إعطاء نفسها للزواج، محتقرة النعمة الإلهيّة، فلتُبسَل هي والرجل الذي اقترنت به". ويؤكّد هذا الإبسال القانون 6 لمجمع "ترولّو" فيقول: "إذ قد ورد في القوانين الرسوليّة أنّ الذين انخرطوا في الإكليريكيّة وهم بعد غير متزوّجين، لا يُسمح إلاّ للقرّاء والمرتّلين منهم أن يتزوّجوا ... ومَن تجاسر على ذلك فليسقط". ويقول القانون 24 لباسيليوس الكبير "إنّ الأرملة التي تُسجّل في سجلّ الأرامل، أيّ الشمّاسات، عند بلوغها الستّين سنة، لا تُقبل في الشركة إذا تزوّجت ... أمّا إذا كانت دون الستّين، فالخطأ على الأسقف لقبولها شمّاسة". ويقول في قانونه 45: "إذا ارتكبت الشمّاسة الزنى... لا تُقبل في الشركة إلاّ بعد توبة سبع سنوات مع محافظتها أثناء ذلك على العفّة".

* وكانت تحظى الشمّاسات "بتقدير كبير من قبل الشعب الذي كان يُطلق عليهنّ اسم "المعلّمات"، أو "المُحترمات" أو "المحبوبات كثيرًا من الله"، أو" الغاليات"، أو "الفائقة التقوى""   (إ. ثيودورو، "مؤسّسة الشمّاسات، مجلّة "كونتاكت"، رقم 146، 1989، ص. 138). ومن الشمّاسات اللواتي تذكرهنّ الكنيسة في صلواتها، نخصّ بالذكر مكرينا، أخت باسيليوس الكبير (في 19 تمّوز)، وميلاني التي أقامت مضافة للغرباء في أورشليم (في 31 كانون الأوّل)، وتتياني الشهيدة (في 12 كانون الثانيّ)، وثيوسوبيا امرأة غريغوريوس النيصصيّ (في 10 كانون الثانيّ)،  وغرغونيا ابنة غريغوريوس النازينزيّ (في 23 شباط)، وأكسانيّ (في 24 كانون الثانيّ)، وأولمبيا شريكة الذهبيّ الفم في الخدمة (في 25 تمّوز) التي ترأّست ديرًا في القسطنطينيّة، وقد أعطت كلّ ممتلكاتها - الكثيرة - للكنيسة، وكانت قد سيمت مع ثلاث من رفيقاتها وأخريات من قبل البطريك نفسه.

هذا، ويُقرأ على نقش شاهد قبر وُجد في اليونان، من القرن الخامس: "الشمّاسة الكلّيّة التقوى أثناسيا التي عاشت حياة بلا لوم، وقد رسمها شمّاسة الأسقف الكلّيّ القدس بنتيمينوس. هنا توجد رفاتها الأرضيّة".

كما يُقرأ أيضًا على نقش شاهد قبر آخر من القرن السادس وُجد في كبّادوكيا: "هنا تجثو الشمّاس ماريّا المباركة الذكر التي ربّت أولادًا بموجب أقوال الرسول، وآوت أجانب، وغسلت أرجل القدّيسين، وتقاسمت خبزها مع المحتاجين. اذكرها يا ربّ في ملكوتك".

* يمرّ "عهد الربّ" (القرن الخامس) مرور الكرام، في الطلبات التي يذكر، على الشمّاسات، قائلاً: "لكي يهبها الربّ أن تنال الأجر بالصبر" . ويذكر أيضًا، قبل الشمّاسات والشدايقة والقارئين، "القسّيسات"، أو الأرامل "المؤسّسات" "المكرّسات"، "لكي يستجيب الربّ إلى تضرّعاتهنّ ويحفظ قلوبهنّ كاملة بنعمة الروح ويؤيّد عملهنّ" (35). وفي القسم المخصّص للأرامل، يعود ويذكّر بشروط قبول الأرملة وواجباتها (40)، وهي تشبه ما كتبته القوانين الرسوليّة. ويعطي نصّ "صلاة تكريس الأرامل اللواتي لهنّ حقّ الصدارة":

"بينما تصلّي عند مدخل المذبح، خافضة الطرف، يقول الأسقف بهدوء ... هكذا: أللّهمّ القدّوس العليّ، الناظر إلى المتواضعات، يا مَن اختار الضعفاء والأقوياء، وكرّم اللواتي خلقهنّ حقيرات، أرسل، يا ربّ، الروح القويّ على أمتك هذه وقوّها بحقّك. حتى إذا عملت بوصيّتك وخدمت في بيت مقدسك، كانت لك إناءً مكرَّمًا. ومجّدتك يوم تأتي لتُمجّد مساكينك. يا ربّ، أعطها قوّة فتسير بابتهاج بحسب تعاليمك التي رسمتها قانونًا لأمتك. هبها، يا ربّ، روح التواضع والقوّة والاحتمال والعذوبة. فإذا حملت نيرك بفرح لا يوصف، صبرت على الجهاد. أجل، أيّها الربّ الإله، العارف بضعفنا، كمّل أمتك لتُسبّح بيتك. قوّها للبنيان والمثال الصالح. قدّسها. فقّهها. شجّعها، يا الله، لأنّ ملكوتك مبارك وممجّد، أيّها الإله الآب، ولك التسبيح ولابنك الوحيد، ربّنا يسوع المسيح، وللروح القدس، الصالح والمسجود له وصانع الحياة والمساوي لك في الجوهر، الآن وقبل كلّ الدهور وإلى دهر الدهور، وأبد الآبدين. آمين" (41).

ويتكلّم عهد الربّ على العذارى، قائلاً إنّهن لا تُرسم، بل "يكتملنَ ويعملنَ بنظام ونعمة ومعرفة فيكنّ ملح الأرض... فتقتدي بهنّ مَن ترد من النساء" (46).

* أصدر الإمبراطور يوستينيانوس أمرًا (نوفيلاّ) في السنة 535 إلى رئيس أساقفة القسطنطينيّة يحدّد فيه عدد أعضاء الإكليروس الذي يجب على الكنائس أن تتحمّل معيشتهم.  وقد شمل هذا الأمر أربعين شمّاسة. وفي أمرٍ لاحق، يذكر أنّ الشروط نفسها يجب أن تُطبّق على الكهنة والشمامسة. أمّا العذارى والأرامل لرجلٍ واحد، فتستحقّ بركة مقدّسة.

* هناك دلائل أنّ الشمّاسات كانت تهتمّ بأديرة النساء، فتكون الأمّ الرئيسة. يذكر أساقفة من اليعاقبة المنفيّين إلى أنطاكية بين العام 532 والعام 534 أنّ العادة في الشرق أن "تكون رئيسة الدير النسائيّ من الشمّاسات، وتشارك الأسرار مع اللواتي تحت إمرتها"، عندما لا يوجد كاهن أو شمّاس. وقد منح مطران تيلاّ بالقرب من الرها، نحو العام 538، الشمّاسات سلطة مساعدة الكاهن في المناولة، وقراءة "الأناجيل والكتب المقدّسة في اجتماعات النساء".

* يُذكر في قوانين القدّيس فوثيوس الكبير أنّ الإمبراطور هيراكليوس أصدر أمرًا نحو 612 يعتبر فيه الشمّاسات من بين أعضاء الإكليروس. ويذكر فوثيوس انّ عدد الشمّاسات اللواتي كنّ يخدمن في كنيسة آيا صوفيّا، في أيّامه، كان يناهز الأربعين.

* يقول القانون 48 للمجمع المسكونيّ الخامس السادس "ترولّو" المنعقد في سنة 692: "إنّ زوجة المتقدّم إلى الأسقفيّة التي انفصلت عن زوجها برضى متبادل بينهما يجب عليها بعد سيامته وتنصيبه في مركزه الأسقفيّ أن تدخل إلى دير بعيد عن مسكن الأسقف... وإذا أظهرت جدارة فلترقّ إلى درجة الشمّاسيّة". وكذلك، توطّدت في هذا العصر عادة ترفيع رئيسات الأديرة الجديرات أو الراهبات المتمرّسات، إلى درجة الشمّاسات.

* ويطلب القانون 14 للمجمع ذاته ألاّ يُرسم الشمّاس قبل الخامسة والعشرين، والشمّاسة قبل الأربعين، موكّدًا بذلك قرار المجمع المسكونيّ الرابع. ويشرح قانونه 40 سبب هذا العمر، فيقول: "قال الرسول الإلهيّ إنّ الأرملة تُقبل في الكنيسة عند بلوغها الستّين من العمر. ثمّ سنّت القوانين المقدّسة أنّ الشمّاسة تُسام عند بلوغها الأربعين لأنّ الآباء رأوا أنّ الكنيسة قد تقدّمت بنعمة الله في الثبات وتوطّدت، وهي تتقدّم أكثر فأكثر، كما ظهر لهم من شدّة اعتصام المؤمنين في مراعاة الوصايا الإلهيّة. لذلك، فنحن أيضًا بما أنّنا نفهم القضيّة بالصواب قدّمنا ميعاد منح بركة النعمة للمُقبل على ميدان الجهاد المرضيّ لله لنسرع في ختمه وتقديمه، فلا يملّ من طول الانتظار والتردّد، فيرغب عن هذه الحياة. بل بالأحرى يجب أن نحثّه ليُسرع في اختيار الأفضل، ويثبت في ما عزم عليه". وقد بقيت الكنيسة على عمر الأربعين طيلة الفترة البيزنطيّة.

* ويلخّص يعقوب الرهاويّ (683-708) أعمال الشمّاسة في كنيسة الشرق في أيّامه بقوله: "لا سلطة لها أبدًا بالنسبة إلى الهيكل... لكن يمكنها أن تنظّف الهيكل وتضيء مصابيحه، حتّى في غياب الكاهن أو الشمّاس. وإذا كانت تعيش ضمن جماعة راهبات يمكنها، في غياب الكاهن أو الشمّاس، أن تأخذ القرابين المقدسّة من الهيكل وتوزّعها على النساء رفيقاتها، أو على الأطفال الموجودين. لكن لا يُسمح لها أن تتناول القرابين على المذبح، أو أن تضع الأسرار المقدّسة عليه، أو أن تمسّ المذبح بأيّة طريقة".

سيامة الشمّاسات

* لا تذكر النصوص الواردة إلينا من القرون الثلاثة الأولى شيئًا عن سيامة الشمّاسات أو الأرامل. ولكن، كما يقول الأستاذ إيفانغيلوس ثيودورو، لا يمكن "اعتبار هذا السكوت حجّة بحدّ ذاته أنّه لم تكن توجد آنذاك سيامات، إذ أنّ الديداسمكاليا أيضًا لا تذكر أيّ سيامة لباقي درجات الكهنوت" ("مؤسّسة الشمّاسات، مجلّة "كونتاكت"، رقم 146، 1989، ص. 130).

* لكنّ نجد، كما رأينا، صلوات السيامة لمختلف الدرجات الكنسيّة في القوانين الرسوليّة وعهد الربّ. ومن بينها خدمة سيامة الشمّاسات التي تشابه خدمة سيامة الشمامسة.

* ويدعو إفخولوجي بيزنطيّ من القرن الثامن، المدعو الباربيرينيّ، أنّ تتم سيامة الشمامسة، ذكورًا وإناثًا، بوضع الأيدي، وان تُتلى أثناءها صلاتين، الأولى يتلوها الشمّاس تذكر أنّ الله قدّس الجنس الأنثويّ بولادة يسوع ووهب الروح القدس للرجال والنساء على حدّ سواء. أمّا الصلاة الثانية التي يتلوها الأسقف، فتقول: "أيّها الربّ سيّدنا، لا ترذل النساء اللواتي يكرسّن ذواتهنّ إليك، واللواتي يقبلن أن يخدمن بيعتك المقدّسة، بل تقبّلهنّ من بين خدّامك. امنح موهبة روحك القدّوس أيضًا لأمتك هذه التي تريد أن تكرّس ذاتها إليك، وكمّلها بنعمة درجة الشموسيّة، كما وهبت إلى فيبة نعمة شموسيّتك والتي دعوتها للعمل في هذه الليتورجيّا".

* أمّا الإفخولوجي الرومانيّ من القرن الثامن، وهو الوحيد الذي وصل إلينا، فيحتوي على طقس سيامة الشماّسة في الغرب المسيحيّ، وهو نفسه المُستعمل لسيامة الشمّاس.

* في القرن الثامن، كانت تُرسم الشمّاسات أثناء القدّاس الإلهيّ داخل الهيكل تمامًا كما يحصل مع الشمامسة. أمّا الفرق الوحيد فيكمن في كونها تقف أمام المذبح ولا تركع حانية ركبتها اليمنى كما يفعل الشمّاس. سيامة الشمّاسات تُقام داخل الهيكل على غرار ما يحدث مع الأسقف والكاهن والشمّاس، بينما تُعطى البركة فقط وخارج الهيكل للرتب الدنيا (مرتّل، قارىء، إيبّوذياكون)، ولا تُقام ضرورة أثناء القدّاس الإلهيّ، كما يحدث بالنسبة للشمّاسة.

* أمّا نصّ سيامة الشمّاسة المتّبع في القسطنطينيّة بين القرنين الثامن والحادي عشر، فينصّ على ما يلي:

"بعد أن تبارَك القرابين المقدّسة في القدّاس الإلهيّ، أيّ عندما يقول رئيس الكهنة: "ولتكن مراحم الإله العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح مع جميعكم"، يؤتى بالمزمعة أن تشرطن شمّاسة إلى رئيس الكهنة أمام المائدة، فيضع يده اليمنى على رأسها ويباركها راسمًا عليها شكل صليب ثلاث مرّات، قائلاً: "النعمة الإلهيّة التي في كلّ حين تشفي المرضى وتكمّل الناقصين، هي تنتدب أمة الربّ (فلانة) إلى درجة الشموسيّة، فلنطلبنّ من أجلها لكي تحلّ عليها نعمة الروح الكلّيّ قدسه". وبينما يُرتّل في الهيكل "يا ربّ ارحم" يبارك رئيس الكهنة رأس المشرطنة ثلاث مرّات، ثمّ يتلو الإفشين التالي ويمينه على رأسها:

"أيّها الربّ إلهنا القدّوس، القويّ، أنت الذي باركت المرأة بمولد ابنك الوحيد حسب الجسد من العذراء مريم، يا مَن ترسل موهبة روحك القدّوس على المنتدبين من قوّتك، رجالاً ونساء، أنت أيّها السيّد انظر الآن إلى أمتك هذه التي دعوتها لتكون خادمة لمذبحك المقدّس. امنحها موهبة روحك القدّوس واحفظها في الوقار التامّ، واجعلها تحفظ سرّ الإيمان بضمير نقيّ لتتمّم خدمتها هذه حسب مشيئتك. فإنّ لك الملك والقدرة والمجد، أيّها الآب والابن والروح القدس، الآن وكلّ أوان، وإلى دهر الداهرين. آمين".

بعد ذلك، يتناول رئيس الكهنة الزنّار ويضعه حول عنق الشمّاسة متدلّيًا من الجانبين إلى الأمام، فتقبّل يمين رئيس الكهنة وتذهب وتقف إلى جانب المائدة من جهة اليسار.

وعند المناولة، تتناول الشمّاسة الأسرار الإلهيّة مع أعضاء الإكليروس، بعد الشمامسة. ثمّ يسلّمها رئيس الكهنة الكأس المقدّسة، فتقبّلها وتضعها على المذبح.

ويُدخل الشمّاس في الطلبات السلاميّة الطلبة التالية:

"من أجل أمة الله (فلانة) المشرطنة الآن شمّاسة وخلاصها، إلى الربّ نطلب. لكي يمنحها إلهنا المحبّ البشر خدمة الشموسيّة بلا دنس ولا عيب، إلى الربّ نطلب".

 ثمّ بعد انتهاء الطلبات، يبارك رئيس الكهنة المشرطنة للمرّة الثالثة، قائلاً:

"أيّها الربّ سيّدنا، يا مَن لم تقصِ النساء اللواتي قرّبن أنفسهنّ لخدمة بيتك المقدّس، بل قبلتهنّ لخدمة الشموسيّة، أنت يا سيّد املأ أمتك هذه أيضًا من نعمة روحك القدّوس، إذ أنّها تقرّب ذاتها لخدمتك، كما منحتَ روحك أيضًا لفيبة، جاعلاً إيّاها متمَّمة للخدمة. هبها كلّ إيمان ومحبّة وقوّة وقداسة حتّى تقف لديك بلا عيب في يوم دينونتك، وتنال أجر وعدك الصادق. بنعمة ربّنا يسوع المسيح ابنك الوحيد ومحبّته للبشر الذي أنت معه مبارك ومع روحك القدّوس المحيي والمانح الحياة، الآن وفي كلّ آن وإلى دهر الداهرين. آمين".

* يُستنتج من هذا الطقس ومن صلوات سيامة الشمّاسات الواردة في القوانين الرسوليّة، والتشابه شبه المطلق بين سيامة الشمّاسات وسيامة الشمامسة، أنّنا أمام شرطونيّة حقيقيّة، وأنّ الشمّاسة هي ضمن "الطغمة" الإكليريكيّة، لكن لا يحقّ لها، كما للشمّاس، أن تقيم الأسرار. ولا يحق لها، مثله، أن "يبارك، ولا أن يعطي البركة، بل يتقبّلها من الأسقف أو الكاهن. ولا يعمّد، ولا يقيم الإفخارستيّا كالأسقف أو الكاهن. وعندما يتوجّه إلى الشعب، لا يفعل ذلك ككاهن، بل كخادم الكهنة" (القوانين الرسوليّة، الكتاب الثاني). ويؤكّد عهد الربّ أنّ الأرامل الشمّاسات، تقف داخل الهيكل، أثناء الخدمة الإفخارستيّة، إلى يسار الكهنة مقابل الشمامسة الذين يقفون إلى اليمين. ويقول أنّهنّ يتناولنَ مباشرة بعد الأسقف، والكهنة والشمامسة، وذلك داخل الهيكل، من يد الأسقف.

* يرى بعض اللاهوتيّين الأرثوذكس، ومنهم سيادة المطران جورج (خضر)، أنّ "وضع الأيدي أثناء سيامة الشمّاسات هي مجرّد بركة تُعطى لهنّ" . لكن الرجوع إلى الكتب الطقسيّة البيزنطيّة التي ذكرنا بعضًا منها يُنهي كلّيًّا مثل هذا الرأي. يوجد نصّ القانون 19 للمجمع المسكونيّ الأوّل الذي يشير إلى "الشمّاسات اللواتي توشّحن بالثوب وهنّ يُحصينَ مع العوام لأنهنّ لم ينلنَ سيامة". لكن لا نعرف بالحقيقة إلى أيّ نوع من الشمّاسات يشير النص. إذا كانت الإشارة إلى الأرامل "العاديّات" أو حتّى "المكرّسات"، "القسّيسات"، فلا خلاف أبدًا على أنهنّ لم تنلن أيّ سيامة أو شرطونيّة، بل بركة وحسب. وكما يقول القانون 11 لمجمع اللاذقيّة (منتصف القرن الرابع): "لا يُسمح بتعيّين في الكنيسة الشيخات المتقدّمات، كما يُلقّبنَ، أو الرئيسات من النساء".

تقليص دور الشمّاسات وانقراضه

* لاحظ مجمع انعقد في نيم (396) أنّ المشكلة مع الشمّاسات في الغرب أتت من أنّ النساء "اعتبرت أنّ لهنّ أن تقوم بخدمة اللاويّين... وكان هذا ضدّ التدابير الرسوليّة ولم يُسمع به أبدًا حتّى هذا الوقت... لذلك أيّ رسامة من هذا النوع التي تكون قد حصلت هي ضدّ كلّ منطق ويجب أن تُزال". وتؤكّد قوانين عدد من المجامع المنعقدة بين القرنين الرابع والسادس في الغرب منع سيامة الشمّاسات. يقول القانون 26 لمجمع أورانج في 441: "لن تُسام الشمّاسات فيما بعد، بل ستُمنح أثناء الخدمة الإلهيّة، البركة التي تُمنح للعلمانيّين، أيّ الذين ليس لهم صفة كهنوتيّة".  ويقول القانون 21 لمجمع إيباون في العام 517: "نلغيّ كلّيًّا... سيامة الأرامل المسمّاة شمّاسات. إن أردن يمكنهنّ الحصول فقط على البركة التي تُمنح للتائبين".  ويقول القانون 18 لمجمع أورليان الثاني في العام 533: "لقد تقرّر ألاّ تُسام امرأة، من الآن فصاعدًا، لضعف جنسها". وقد أُلغيت تمامًا رتبة الشمّاسات في الغرب نحو القرن الثامن. لكنّ هذه القرارات المجمعيّة لم تُطبّق في كافة أنحاء كنيسة الغرب، إذ توجد شهادات تؤكّد وجود شمّاسات حتّى القرن الحادي عشر.

*أمّا في الشرق، فقد باتت رتبة الشمّاسات قائمة بقوّة حتّى القرن الحادي عشر، وأخذت تتقهقر بعد ذلك، واختفى اثرها في أواخر القرن الثاني عشر أو الثالث عشر في كثير من الأمكنة. ويقول البعض أنّها استمرتّ في القسطنطينيّة إلى حين سقوطها.

* ويبدو أنّ مشكلة سيامة الشمّاسات لم تكن بسبب عملهنّ، بل لاجل "دنسهنّ(!)" الشهريّ.  فيعتبر إبيفانيوس، أسقف سلاميس، في قبرص (315-405) أنّ "النساء جنس ضعيف، لا يُثق به وذات ذكاء محدود... لذلك لا يمكن اعتبارهنّ من أعضاء الإكليروس، بل هنّ فقط تخدمن الأساقفة والكهنة، وكأنهنّ مِلكهم". وفي رسالة إلى يوحنّا أسقف أورشليم ذكر أنّه "لم يرسم أبدًا شمّاسات".

* ويؤكّد ثيودوروس بلسامون، بطريرك أنطاكية، نحو العام 1070، أنّه لم تعدّ توجد شمّاسات بكلّ معنى الكلمة، بل أنّ التسمية لا تزال تُطلق على بعض الراهبات". أمّا سبب ذلك فأرجعه إلى "دنس عادتهم الشهريّة" وعلى أنّ الشريعة "تمنع النساء من دخول الهيكل" (تعليق على المجمع الخلقيدونيّ، مجموعة مين 137، 441).

* أمّا يحيى ابن جرير، الكاتب اليعقوبيّ الشهير، فكتب من بلاد فارس في الربع الثالث من القرن الحادي عشر، قائلاً: "في الماضي، كانت تُرسم الشمّاسات. وكان عملهنّ الاهتمام بالنساء ومنع تعرّيهم أمام الأسقف في المعموديّة. لكن مع الوقت وتوسّع الطقوس ومع القرار بتعميد الاولاد، أُلغيت وظيفة الشمّاسات" (مذكور في مقال خوري سركيس في مجلّة الشرق السريانيّ 12، 1967).

* ويبدو أنّ البطريرك اليعقوبي ميخائيل الكبير السوريّ بين العام 1166 والعام 1199، يوافق هذا القول، إذ يكتب في حوليّاته: "كان يوجد في الماضي حاجة للشمّاسات خصوصًا للمساعدة في معموديّة النساء. عندما دخل المسيحيّة مهتدون من اليهوديّة أو الوثنيّة، وأقبلوا على المعموديّة، كان الأساقفة والكهنة يدهنون النساء بأيدي الشمّاسات لدى تلقّيهنّ العماد. لذلك كانت تُرفّع المتقدّمة بواسطة الشرطونيّة إلى رتبة الشمّاسة. لكن يمكننا أن نلاحظ اليوم أنّ هذه العادة قد بطلت في الكنيسة لأنّ معظم العمادات تكون عند الولادة أو في الطفولة، ولم يعد هناك حاجة للشمّاسات لأنّه لم تعد توجد نساء بالغات يتقدمن للمعموديّة".

أسباب انقراض دور الشمّاسات

* يبدو إذًا تقليص دور الشمّاسات إلى بعض المهام المتعلّقة فقط بمعموديّة النساء، بعيدًا عن كلّ تعليم لهنّ، فاختفائه، يعود إلى أسباب عدّة، أهمّها:

في المرحلة الأولى، بين أواخر القرن الأوّل ومنتصف القرن الثاني، تقلّص دور الشمّاسة كما لعبته فيبة وأمثالها، واختصرت مهامها على الأمور المتعلّقة بمعموديّة النساء "من أجل اللياقة". لكن بقيت الكنيسة على تقليد سيامة الشمّاسات بوضع أيدي الأسقف واستدعاء الروح القدس. أمّا أسباب تقلّص الدور فترجع أساسًا إلى:

- التأثير المتزايد للروحانيّة اللاويّة الناتج عن إقبال عدد كبير من اللاويّين إلى الكنيسة بعد سقوط أورشليم في العام 70. وأثّر هذا الإقبال الشديد على إعادة الاهتمام بالتراث اليهوديّ الذي كان بولس دعى إلى الابتعاد عنه. ومن هذا التاثير إيجاد كهنة في المسيحيّة على غرار كهنة العهد القديم، إذ قبل ذلك لم يكن يوجد كهنة سوى المسيح وحده، إذ يعتبر العهد الجديد أنّ الجماعة المسيحيّة كلّها جماعة كهنوتيّة. ومن هذا التأثير أيضًا مفاهيم القدسيّة والدنس، والتقليل من أهميّة النساء واعتبار عاداتهم الشهريّة شيئًا مدنّسًا لا بدّ أن يبعدهنّ عن المقامات "المقدّسة". فتكون بذلك قد خضعت الجماعة المسيحيّة مجدّدًا للعادات الموروثة والضغوط الاجتماعيّة التي كان ربّها قد دعاها إلى تحدّيها، إذ أكّد أنّ لا فرق بين رجل وامرأة في المسيح يسوع، وأنّ كلاهما مدعوّان إلى نقل رسالته والشهادة لها. وتكون قد ابتعدت عن نظرة يسوع إلى المرأة التي اعتبرها كيانًا بشرّيًّا ذا كرامة فائقة كالرجل، لا ينحصر دورها بالأمور المنزليّة (مرتا مرتا إنّك تهتمين بأمور كثيرة) والأمومة. وكذلك، فعل رسله الذين أشركوا النساء بالتعليم والكرازة. والغريب أنّ العالم الرومانيّ شهد في الحقبة ذاتها حركة تحرير للنساء، يبدو أنّها لم تؤثّر إطلاقًا على الجماعات المسيحيّة.

- ردّة الفعل العكسيّة المقلّلة من مقام النساء نتيجة محاربة البدعة المونتانيّة والشيع الغنوصيّة التي كانت تعظّم من شأن المرأة في النبوّة والتعليم والكرازة والإدارة الكنسيّة.

- تزايد أعداد المسيحيّين بين 180 و260. فلم تعد الجماعات المسيحيّة تشكّل أقلّيات أكثر أعضاءها من النساء.

- الاضطّهاد، ممّا جعل الجماعات المسيحيّة تتجمّع حول الرجال "الأقوى"، مع أنّ سير بعض الشهيدات لا تقلّ شجاعة، في تقبّل الموت، عن الرجال.

كلّ هذه الأسباب ساهمت في أن تُبعد الكنيسة الأولى المرأة عن المهام الرئيسيّة التي اضطلعت بها في العهد الرسوليّ. ولو لم تظهر هناك حاجة عمليّة مرتبطة بمعموديّة النساء، ربّما لم تكن قد حافظت الكنيسة على رتبة الشمّاسات.

أمّا في المرحلة الثانية، بين القرنين الرابع والثامن في الغرب، وبين الخامس وغالبًا الثاني عشر في الشرق (مع بعض الاستثنائات)، اختفى تدريجيًّا دور الشمّاسات بدون أن يُلغى رسميًّا في الشرق، وذلك للأسباب التالية:

-  تقلّص العمل البشاريّ وتاليًا معموديّة البالغات من النساء.

- انقطاع عادة دهن كلّ الجسم بالميرون، والاكتفاء بالحواس الخمس.

- تزايد عادة معموديّة الأطفال.

- تعاظم دور الرهبنات النسائيّة.

- اهتمام الدولة الروميّة والبيزنطيّة بالشؤون الاجتماعيّة، والأخذ على عاتقها مساعدة المرضى والفقراء.

- تزايد النزعة "القدسيّة" المحيطة بالأسرار والنابعة من تزايد التأثير الرهبانيّ، والتي منعت على العلمانيّ، رجلا كان أو امرأة، أن يمسّها أو يدخل إلى الهيكل "المقدّس". والتشديد المتعاظم على "دنس" النساء الطبيعيّ، إذ يشعر أحيانًا المرء، كما يقول بول إفدوكيموف "أن الكلام يختصر على خلاص الرجال وحدهم وأنّ مَن يريد الخلاص، عليه أن يتخلّص أوّلاً من النساء" (سرّ الحبّ، ص. 17).

- ربّما تجاوزات بعض الشمّاسات (والأرامل المكرّسة) في إرادة التعليم العلنيّ أو التوق إلى ممارسة المهام الكهنوتيّة.

- تعاظم الفئويّة في الأوساط الكنسيّة بين الإكليروس (اسقف، كاهن، شمّاس) وباقي الشعب.

* لا بدّ من الملاحظة أنّ دور النساء التبشيريّ الذي تشهد له أعمال الرسل ورسائل بولس، قد تقلّص فيما بعد، عندما أخذت الجماعات المسيحيّة تتمأسس، إلى أن اختصر على مساعدة الرجال في الاهتمام بالنساء فقط "من أجل اللياقة"، فابتعد عن البشارة والتعليم. ويحصر كتاب الديداكيا في أواخر القرن الأوّل، مع ذكره للشمّاسات، الخدمة الإفخارستيّة والتبشيريّة في الكنيسة بالرجال، الأساقفة والشمامسة.

أسئلة مشروعة:

أين نحن اليوم من بشيرات العهد الجديد؟ أين نحن من النبيّات المذكورة في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثس (11: 5)، وأعمال الرسل (21: 8-9)؟ أين نحن من قول يوئيل النبيّ (2: 14-36) المعلن "أنّ أبناءهم وبناتهم سيتنبّؤن"؟ أين نحن من قول يوستينوس في حواره مع تريفون اليهودي (الحوارات 88: 1): "يوجد بيننا رجالاً ونساءً حصلوا على مواهب روح الله"، وشهادة القدّيس إيريناوس على وجود نساء في جماعته يتنبّئن؟ (ضدّ الهرطقات 3: 11، 9).

تقليص دور الشمامسة الرجال

لم يختصر التقليص على الشمّاسات. فمنذ القرون الوسطى انقرضت في كثير من الأمكنة رتبة الشمامسة الرجال، كوظيفة دائمة على مدى الحياة، واقتصرت على دورهم الطقسيّ، كما هي الحال في أيّامناّ. وانعزلت رتبة الشمّاس شبه كلّيًّا عن المهامّ العديدة الأخرى التي أوكلت إليه  "كعين الأسقف ولسانه وأذنه"، ومسؤوليّة عمل الكنيسة الإعانيّ والإداريّ. فأضحت شموسيّة الرجال، في أغلب الأحيان، شرقًا وغربًا، مرحلة لا بدّ منها من أجل الوصول إلى الرتب الكهنوتيّة العليا.

ومن الجائز أن تكون أهميّة مهامهم قد جعلتهم يقعون في الكبرياء فسعوا إلى السيطرة على أمور الكنيسة بمفردهم بمعزل عن الأسقف والكهنة، ممّا شجّع هؤلاء على التخلّص منهم. وقد نبّهتهم قوانين المجامع بأنّهم "أقلّ رتبة من الكهنة، وأنّهم يحلّون بعدهم وبعد الأساقفة"، وطلبت منهم ألاّ "يجلسوا قبل أن يجلس الكهنة".

خلاصة ما تقدّم

* من ثوابت العهد الجديد أنّ النسوة خدمن الكنيسة بصفات مختلفة وساهمن في الكرازة كمعونات للرسل.

* من الثابت أيضًا أنّه كان يوجد في العهد الرسوليّ نساء تتنبّأ.

* من الثوابت أيضًا أنّه كان يوجد في العهد الرسوليّ شمامسة لخدمة الموائد.

* وكان يوجد شمّاسات، مثل فيبة التي دُعيت صراحة "شمّاس"، والتي تعدّت مهامها خدمة الموائد إذ تبدو مسؤولة عن إحدى الكنائس المحليّة تحت سلطة الرسول. وكان يوجد ربّما غيرها من النسوة اللواتي يقمن بمهام مماثلة.

* كانت خدمة النساء في الكنيسة الأولى، إضافة إلى الشمّاسات، تمتدّ إلى الأرامل "المكرّسة"، فالأرامل العاديّة فالعذارى. وحينما انضمّت العذارى تحت لواء الحركة الرهبانيّة، ضعف دور الأرامل شيئًا فشيئًا إلى أن انقرض وزال كلّيًّا.

* ومن الثابت أيضًا أنّ الشمّاسات كنّ من العذارى أو الأرامل، وكنّ تُسمْنَ على غرار الشمامسة الرجال. لكن لم يكن يحصل ذلك قبل بلوغهنّ الستّين من العمر، في مرحلة أولى، ثمّ الخمسين، ثمّ الأربعين، علمًا أن هذا الأمر كان متروكًا بالنهاية إلى الأساقفة الذين ساموا شمّاسات قبل بلوغهنّ هذا العمر.

* تشير إحدى صلوات سيامة الشمّاسات القديمة إلى النبيّات مريم ودبّورة وخلدة والنساء اللواتي كنّ يحرسن أبواب الهيكل، وكلهنّ من العهد القديم، وإلى حنّة النبيّة في العهد الجديد. تدلّ هذه الإشارات على أنّ الشمّاسة يجب أن تكون مثلهنّ، أيّ أن تقود الشعب في الصلاة، وتستمع لشكواه، وتميّز الأزمان، ويكون لها معرفة واسعة بالكتاب المقدّس، كما أنّه يمكنها "حمل" يسوع وحراسة أبواب الكنيسة.

* بين أواخر القرن الأوّل ومنتصف القرن الثاني، حصل تغيير واضح في مهمّات الشمّاسات، فمُنعت النساء عامّة من التعليم والكلام في الكنيسة، واختصر دور الشمّاسة على الاهتمام بالنساء، أثناء المعموديّة والخدمة الإفخارستيّة، ونقل القرابين المقدّسة إلى النساء المريضات في بيوتهن، وإعانة المحتاجات بينهنّ، وذلك لكي لا يتعاطى الرجال معهنّ "من أجل اللياقة".

مع ذلك، استمرّت شرطنة الشمّاسات بوضع أيدي الأسقف واستدعاء الروح القدس، على غرار ما كان يحصل مع الشمامسة الرجال. وكانت تُعتبر من أعضاء الإكليروس وتتناول داخل الهيكل من يد الأسقف.

* تقلّص دور الشمّاسات شيئًا فشيئًا، إلى أن اختفى شبه كلّيًّا، بدون أن يُلغى أبدًا في الكنيسة الشرقيّة.

* تعدّى دور الشمامسة الرجال في القرون الأولى خدمة الموائد والاهتمام بالمرضى والمحتاجين، فأصبح الشمّاس معاونًا خاصًّا للأسقف، يهتم بأمور "كثيرة ضروريّة" (أمور رعائيّة واجتماعيّة مختلفة بما فيها أموال الكنيسة) إضافة إلى دوره الليتورجيّ. لكنّ هذا الدور تقلّص الآن واختصر على مهامه الليتورجيّة.

هل من خيانة للروح الإنجيليّة في طمس صوت النساء؟

* مَن يلقي نظرة متفهّمة على موقع المرأة في العهد الجديد ومساهمتها في الكرازة، لا بدّ من أن يلاحظ أنّ يسوع قد حرّرها لتكون، مع الرجل أخيها في الإيمان، سفيرة له في العالم وشاهدة. وأنّه قد خلع عنها نهائيًّا لعنة الجدّة الأولى بواسطة حوّاء الجديدة، والدة الإله. ومَن ينظر إلى نساء العهد الجديد، يرى أنّه لم تخن يسوع أيّة منهنّ، بينما يرى خيانة الرجال من تلاميذه وخوفهم وهزالة إيمانهم. ويلحظ أنّ التقليد الليتورجيّ يدعو مريم المجدليّة، المُعلنة الأولى للقيامة، "رسولة الرسل". ويعترف أنّ الله أراد أن يكون الرجل والمرأة المسيحيّين وجهين لعملة واحدة، يكرّس كلّ واحد منهما مواهبه الخاصّة لخدمة الكنيسة. وكلمّا رفع  المرء عينيه في الكنيسة إلى فوق، يُذكّره منظر "الدييسيس" بأمنية يسوع، إذ يجد حوله على الصليب، ممثّلين عن الجنسين البشريّين، مريم العذراء من جهة، ويوحنّا الحبيب من جهة أخرى، ناظرين كلاهما إلى حبيبهما المصلوب. ويستغرب كيف تزامن تزايد التعظيم الواجب لمريم العذراء مع مقتٍ متزايد لإخواتها النساء.

ومَن يتأمّل بـعمل النسوة الأوائل في الكرازة والاهتمام بكنائس الله، لا يمكنه سوى أن يلاحظ تلاشي مساهمتها في العقود اللاحقة، حيت انفرد الرجال في إدارة الكنيسة. لكنّه، أيضًا، لا يستطيع سوى أن يلاحظ أنّ بعض النساء بقيت تقوم بخدمات تعليميّة وتوجيهيّة جمّة. فيقرأ مثلاً أنّ باسيليوس وغريغوريوس النصصيّ، أخيه، كانا يدعوان أختهما مكرينا "معلّمًا لهما". ويسمع غريغوريوس النازينزيّ يقول: "يوجد خالق واحد للرجل والمرأة. كلاهما من الطينة ذاتها. لهما كلاهما نفس الصورة، ويخضعان لموت واحد وقيامة واحدة" (الخطب 37: 6). ويشهد أيضًا أنّ أخته غورغونيا، كانت فائقة المعرفة في الكتاب المقدّس، قائمة في حياة صلاة وخدمة للمساكين، و"كانت تعلّم في خاصّتها النساء والرجال من محيطها، مع أنّها كانت تحافظ على الصمت في الكنيسة وفي الأماكن العامّة".

نستطيع أن نذكر العديد من النساء، في مختلف العصور، اللواتي فعلنَ مثلهنّ، وكنّ ملهماتٍ لكثير من الرجال.

ولا يمكن للمرء إلاّ أن يتساءل كم من الوزنات النسائيّة لم تثمّر عبر العصور من جرّاء إبعاد المرأة عن الخدمة، أو حصر خدمتها بأمور ظرفيّة اختفت عندما زالت تلك الظروف. ويلاحظ أنّ نصف أعضاء الكنيسة لا يزال اليوم بعيدًا نسبيًّا عن الخدمة الكنسيّة المنظّمة، "المؤسّساتيّة".

ليس المجال هنا أن نطرح قضيّة كهنوت المرأة الذي يشغل العالم المسيحيّ، وأخذ مؤخّرًا يُطرح على ضمير الكنيسة الأرثوذكسيّة. وقد طُرح لأوّل مرّة في مؤتمر ضمّ ممثلات لمعظم الكنائس الأرثوذكسيّة، في دير أغابيا، في رومانيا، العام 1976. ومع أنّ المؤتمر بحث موضوع كهنوت النساء، واعترف بالصعوبات التي تعترضه من نواحٍ كثيرة، أوصى فقط بإعادة إحياء رتبة الشمّاسات. ونقرأ في بيان مؤتمر آخر انعقد في رودوس العام 1988: "على رتبة الشمّاسات الرسوليّة أن تُعاد إلى الوجود، إذ يمكنها أن تكون جوابًا إيجابيًّا لكثيرٍ من ضروريّات العالم المعاصر ومتطلّباته". وطلب هذا المؤتمر أيضًا أن يُصار إلى فتح مجال التحاق النساء بالرتب الكنسيّة الدنيا، كمساعد الشمّاس، أو القارىْ، وغيرها. ومن الجدير ملاحظة طلب المشاركين في إعادة النظر أيضًا بدور الشمامسة الرجال لكي لا يختصر على مهامّه الليتورجيّة الحاضرة، بل يستعيد دوره الأصليّ في إعانة الفقراء والمحتاجين وتنظيم عمل الكنيسة الاجتماعيّ بتعاون تامّ مع الشمّاسات، فيصيرا، "كنفسٍ واحدة في جسديْن"، كما  لحظت الديداسكاليا قديمًا، في خدمة الكنيسة.

لكن، ويا للأسف، ومع أنّ مقرّرات المؤتمرين رُفعت إلى مجامع الكنائس الأرثوذكسيّة المقدّسة، منذ سنين طوال، لم يُنظر بها، أو على الأقل لم تُتّخذ قرارات فيها، إذ معظم كنائسنا مهتمّة "بأمور كثيرة، والحاجة إلى واحد": إعادة إحياء الروح الإنجيليّة وتجسيدها في سدّ حاجات الرعيّة.

وقد شعر كثيرون في العقود الأخيرة بحاجة لإحياء رتبة الشمّامسات. وكانت قد دعت اللجان التحضيريّة لمجمع موسكو العام الذي انعقد قبيل الثورة البلشيفيّة، إلى دراسة إمكانيّة هذا الإحياء. لكنّ الثورة منعت متابعة هذا الاقتراح.

وأمام تقاعس ورفض السلطات الكنسيّة، هنا وهناك، بالسماح لمثل هذا الإحياء، ابتكر البعض أساليب جديدة مستحدثة لتلبية ضرورات الشهادة. سنذكر أوّلاّ مبادرة القدّيسة إليزابيت الروسيّة التي أنشأت دير مرتا ومريم في موسكو قبل الثورة، وكرّست راهباته، "راهبات الإحسان والمحبّة"، لحياة الصلاة والاهتمام بالفقراء والمرضى والمحتاجين في آن. وقد أُعيد فتح هذا الدير بعيد البيرسترويكا، وقد استعاد الآن نشاطه الطليعيّ. ولا بدّ من ذكر الأمّ القدّيسة ماري التي كانت راهبة المرزولين في باريس أيّام الحرب العالميّة الثانيه، والتي قضت محبّة بالقريب في أحد مخيّمات الموت النازيّة. ولا بدّ من ذكر الأخويّات العديدة في أكثر من بلد أرثوذكسيّ التي تكرّست لخدمة المسيح في إخوته "هؤلاء الصغار"، ومنها في روسيّا ورومانيا واليونان وبلدان أرثوذكسيّة أخرى، وفي الكرسيّ الأنطاكيّ في بلادنا، حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة.

ولا بدّ من الذكر، أيضًا، أنّ القدّيس نكتاريوس قد سام إحدى راهبات الدير الذي أسّس في اليونان، إلى رتبة الشمّاسة. ولا تزال تُسام شمّاسات اليوم في بعض الأديرة اليونانيّة.

أمّا السبّاقة في هذا المجال فهي الكنيسة القبطيّة التي استرجعت رتبة الشمّاسات المكرّسات على مدى الحياة، ولكن يبدو بدون سيامتهنّ بوضع الأيدي واستدعاء الروح القدس. وهنّ يقمنَ بأعمال تعليميّة وتبشيريّة ويسهرن على العمل الاجتماعيّ والتطوّر البيئيّ والتدريب المهنيّ، وخدمات جمّة أخرى. وقد وسّعت هذه الكنيسة أيضًا مجال خدمة "الشمامسة" الرجال الذين يقومون بالتعليم الدينيّ والخدمة الاجتماعيّة.

بما أنّ رتبة الشمّاسات لم تُلغَ في الكنيسة الأرثوذكسيّة ولا توجد قوانين تمنع إحياءها، يمكن لكلّ أسقف أرثوذكسيّ يشعر بضروريّات تجنيد كلّ الطاقات في أبرشيّته من أجل الشهادة، أن يُعيد إحياء رتبة الشمّاسات، ويطوّر عمل الشمامسة الرجال، حسب حاجات أبرشيّته وشعبه. علينا ألاّ نتعلّق بقشور الماضي التي لا علاقة لها بالتقليد الشريف. على الكنيسة أن تتأقلم مع أوضاع العالم المتغيّرة وتبتكر ما يُلهمها إيّاه الروح لتخدم الرسالة وتنشرها. وقد وافق عدد من اللاهوتيّين الأرثوذكس على مبدأ إعادة تفعيل دور الشمّاسات، مع تطويره ليلائم الأوضاع الحاضرة. نذكر منهم الأستاذ إيفانغيلوس ثيودورو من جامعة أثينا، والأسقف كالستوس وير، والمثلّث الرحمات المتروبوليت أنطوني بلوم، وكثر غيرهم.

فما هي هذه الأوضاع المتغيّرة اليوم؟

 لا بدّ أن نلاحظ، بادىء ذي بدء، الأمور التالية:

- الدراسات الكتابيّة والتاريخيّة والآبائيّة، التي تطوّرت كثيرًا في العقود الأخيرة، جعلت من الممكن معرفةً أفضل لحياة الجماعات المسيحيّة الأولى، وفهم التغيّرات التي طرقت عليها عبر العصور والأسباب الموجبة للتغيّير. ونكتشف في كثير من الأحيان، بوهلٍ، أنّ هذه الأسباب لم تكن دومًا بموجب الروح الإنجيليّة، بل تماشيًا مع روح العصر والضغوط الاجتماعيّة وتسلّط البعض.

- بعد أن أعلن الربّ مساواة الرجل والمرأة، مطلقًا ثورته ضدّ كلّ المفاهيم المجتمعيّة المتعلّقة بالجنس والعرق، رجعت الكنيسة إلى مفاهيم العهد القديم، مدخلةً تفريقات ضمن شعب الله الواحد، ومرتكزةً مجدّدًا على المنطق اليهوديّ المفرّق بين "المدنّس" والمقدّس"، و حاصرةً "المقدّس" في بعض أعضائها. فمن الضرورة بمكان أن تتحرّر عاجلاً من هذه العقليّة.

- من المتغيّرات البارزة التي طبعت مسيرة الكنيسة التاريخيّة سيطرة الرجال الكهنة على قيادة الكنيسة وتهميش دور مَن دعوا "علمانيّين"، رجالاً ونساءً، ومنهم، خاصّة، النساء اللواتي أخذ بعض الرهبان يعتبرهنّ "شياطين" مدنّسين، يجب تفاديهنّ.

- أعادت المدنيّة الحديثة اكتشاف ضرورة الشراكة الواجبة بين الرجل والمرأة التي أرادها الربّ. فنرى اليوم دولاً تصرّ على تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين. فأين كنيسة المسيح من هذا التطوّر؟ فهل نتجرّأ ونطلق العنان للروح القدس ليفعل فينا وفي كنيستنا، ويلهمنا على استرجاع ما يصلح من تراثنا، واستحداث ما يجب، لكي يتمجّد المسيح في كنيسته؟

المهامّ التي يمكن إسنادها إلى الشمّاسات والشمامسة (بعد أن يُعاد النظر في خدمتهم)

- الخدمة الاجتماعيّة وأعمال الرحمة، والعناية بالعجزة.  تقول القوانين الرسوليّة للشمامسة والشمّاسات: "عليكم أن تزوروا كلّ المحتاجين، وأن تخبّروا أسقفكم على المحزونين".

- التعليم الدينيّ للأولاد والنساء عامّة.

- التبشير في البيوت قبل الظهر، حيث توجد النساء وحدها.

- الوساطة بين الأسقف والكهنة والنساء.

- الشهادة في المجتمعات المدنيّة.

- الإرشاد العائليّ.

- مناولة الشعب .

الخطوات الموجبة

1- أن يقرّ أحد المطارنة مبدأ إعادة رتبة الشمّاسات من جهة وقبول دخول النساء في الرتب الكنسيّة الدنيا (مرتّل، قارىء، خادم، إلخ. ) من جهة ثانية. بما أنّ رتبة الشمّاسات معترف بها من قبل ثلاثة مجامع مسكونيّة، ولم تُلغَ أبدًا من قبل سلطات أرثوذكسيّة نافذة، لا يوجد عائق قانونيّ يحول دون قرار إعادتها. أمّا قبول النساء في الدرجات الدنيا، فلا نرى عائقًا لذلك، ونعتقد أنّ قرارها يفع ضمن صلاحيّات الأسقف المحلّيّ.

2-  بالرغم من أنّه لا توجد ضرورة قانونيّة لقرار جماعيّ من قبل المجمع المحلّيّ يُستحسن أن يُعلم المطران إخوته المطارنة، داعيهم إلى حزو حزوه.

3- إقرار مبدأ قبول النساء في رتبة الشمّاسات:

ا- تعيش البتولات والأرامل بينهنّ حياة جماعيّة في بيت مشترك، "دير في المدينة"، ويقمنا، إلى الصلاة وقدر من حياة الشركة، أو بخدمة مشتركة في مؤسّسة اجتماعيّة تابعة "للدير" (مركز اجتماعي، مركز خدمات رعائيّة، مستوصف، إلخ,)، أو بنشاطات اجتماعيّة وكنسيّة مختلفة تقوم بها كل منهنّ خلال النهار ثمّ تعود إلى البيت المشترك. ويمكن أن يتّبع هذا النظام بالنسبة إلى الشمامسة غير المتزوّجين، فيكون لهم أيضًا "دير في المدينة".

ب- أمّا النسوة المتزوّجات فتقوم بخدمتهنّ خلال النهار وتعود إلى بيتهنّ.

4- إقرار مبدأ قبول الرجال والنساء في الرتب الدنيا التي لا تتطلّب شرطونيّة بل فقط بركة يعطيها المطران. يقوم هؤلاء بخدم محتلفة، بالتعاون مع الشمامسة والشمّاسات أو هيئات كنسيّة أخرى، فيكون بينهم المعلّم، المرشد، العامل الاجتماعيّ، المدرّب، إلخ. كلّ حسب موهبته.

5- وضع اللمسات الأخيرة على نصّ خدمة سيامة الشمّاسات بالاستلهام من نصوص القوانين الرسوليّة والنصوص المستعملة في بيزنطية ابتداء من القرن الثامن، مع إدخال بعض الإشارات إلى، على سبيل المثال لا الحصر، القديسة أليزابيت الروسيّة والقدّيسة مريم الفرنسيّة وغيرهما من القدّيسات المعاصرات، إذا أمكن من أنطاكية، اللواتي خدمنّ الفقراء والمستضعفين.

6- وضع لائحة بمهام الشمّاسات، وكذلك بمهام الشمامسة الإضافيّة.

7- تحديد العمر الذي تٌقبل به الشمّاسة. ويُقترح أن يكون بعد  ال25 أو ال30 سنة.

8- الاتّفاق على ثوب الشمّاسات الطقسيّ، ويجب أن يماثل ثياب الشمّاس.

9- فتح مجال ملاحظة من قبل الأسقف والكهنة للنساء الجديرات بهذه الرتب، وطلب ترشيح مَن يرغب بها، وإجراء تقصّ دقيق لحياتهنّ قبل اختيار الصالحات بينهنّ.

10- إخضاع المختارات إلى التدريب اللاهوتيّ والعمليّ والرعائيّ اللازم.

11- القيام بشرطونيّة الشمّاسات وتأسيس المقبلات إلى الدرجات الدنيا بالصلاة والبركة من قبل المطران.


المشاركات الشائعة