خواطر لبحث موضوع التواصل والإعلام والنشر في المدى الأنطاكي

 ريمون رزق  


طلب منّي الأخ الأمين العامّ طرح بعض التطلّعات المتعلّقة بمنشورات النّور ومجلّة النّور بغية فتح مجال التفكيــر  للوصول إلى خطّة شاملة للنشر. أعتقد أنّه لا بدّ من دراسات أوسع من التي استطعت أن أقوم بها ومناقشات تدوم أكثر ممّا سوف يتسنّى لنا خلال هذا الاجتماع ومساهمات من مصادر أخرى داخل الكنيسة الأرثوذكسيّة وخارجها قبل بلورة هذه الخطّة. فأرجو أن تعتبروا هذه المداخلة بمثابة إحدى المساهمات ومنطلقها ليس إلّا.

1- نقل المسيح

بادئ ذي بدء أعتقد أنّه من المسلّمات أنّ الهدف الأوّل والأخير للنشر في إطارنا هو أن ننقل للناس أجمعين أنّ المسيح قد قام، وأنّه يرافقنا ويسكن معنا في أتون الحياة، يدعونا بصمت وتواضع لمبادلته الحب الجنونيّ الذي يكنّه لنا والذي جعله يرتفع على الصليب من أجل كلّ واحد منّا. وأنّ هذا المسيح ليس معلّبًا داخل طقوسنا بل حيٌّ فيما بيننا، يقدّم لنا اليوم إمكانيّة لتحقيق الخلاص. هدف النشر – وكل تبشير – والنشر بالنسبة إليّ أداة مهمّة للتبشير – هو إبراز وجه المسيح ومحبّته. وكلّ موضوع آخر يتطرّق إليه إن لم يسخَّر لهذه الغاية يكون من باب اللّغو أو تكديس المعلومات أو الإفتخار بتاريخ أو عرق أو عصبيّة ما أو حتّى روحانيّة أو فنّ أو حضارة.

2- الشهادة الشخصيّة

من البديهيّ أيضًا أن الطريقة الفضلى لنقل المسيح إلى عالمنا تبقى ذاتها التي استُعملت بنجاح في العصور الماضية وهي أن يصبح أكبر عدد منّا قياميّين وذلك بسلوك طريق القداسة والمحبّة الأخويّة فينقص الأنا فينا وينمو المسيح، فنتجرّأ ونقول للسائل عنه: تعال وانظر. هذا النمط لن يتغيّر وفي آخر المطاف لا بدّ من التلمذة والأبوّة إذ علينا أن ننقل حياة، علينا أن نعرّف على إنسان حيّ وليس لعقيدة مهما سمت.

3- تأثير تغيّرات العصر ومعاناة الرّوح

هذا لا يعني أنّ نمط الكرازة وأساليبها ولغتها يجب أن لا تتغيّر عبر العصور. إذا أردنا أن يدخل المسيح إلى قلب النّاس وإلى فكرهم لا بدّ أن نعرف ماذا يسكن هذه القلوب والأفكار لكي نسلّط نوره عليها ونكتشف كيف هو مختبئ في طيّاتها. لذلك لا بدّ من رصد ما يجري حولنا والسعي لفهم التطوّرات التي ترافق كلّ نموّ بشريّ – بدون خوف أو تزمّت -، بدون انغلاق ولا انفلاش. من حرّره المسيح لا يخاف بل يصغي ويستنبط القمح من وسط الزؤان. الروح القدس هو الذي يحرّكنا في هذه المغامرة. هو الذي حرّك آباءنا عندما استعملوا أساليب الفلسفة اليونانيّة السائدة في أيّامهم لنقل الكرازة بطريقة فهمها معاصروهم. أليس الروح فاعلاً فينا اليوم لكي نسعى إلى ترجمة الفكر الإنجيليّ الواحد إلى لغة إنسان اليوم وبدل أن نجترّ ما قاله الآباء نعيد صياغة ما قالوه ونزيد عليه ما يلهمنا إيّاه الروح بالطرق التي تدخل إلى قلوب معاصرينا وأفكارهم.

4- تحدّيات العصر الحالي

وفي مجال التغيّرات التي تحصل في التطوّر البشريّ لا بدّ من الملاحظة أنّ تلك التغيّرات التي حصلت في القرن العشرين حوّلت بشكل أساسيّ بعض المعطيات وطرحت تحدّيات جديدة ربّما لم يشهدها أيّ عصر سابق. إنّ الحضارة الجارفة التي تسمّى بالدهريّة أو العولمة أحدثت صدمة عظيمة في المجتمعات التقليديّة إذ بدت وكأنّه لا يوجد لديها أي احترام للقيم والمراجع والمقامات التقليديّة، ولكونها تظهر رفضًا لكلّ قدسيّة أحدثت تحوّلاً جذريًّا في علاقة الإنسان مع الواقع وحرّرت مختلف ميادين الحياة، سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة، عن الميدان الدينيّ وسلطويّة مراجعه.

5- موقف الخوف والانعزال

إنّ هذه المدنيّة الجديدة التي كسحت العالم واقتحمت مجتمعاتنا اقتحامًا لها العديد من الإيجابيّات ولكنّها تحمل أيضًا الكثير من السلبيّات. لا يسمح المجال لنا هنا أن نغوص بهذه وتلك. ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أن المسيحيّين معرّضون تجاه هذه المدنيّة لتجربتَين متضادَّتَين: أوّلاَ تجربة اللعنة والرفض وبالتالي القوقعة والانغلاق والعيش كما ولو أنّه لم يتغيّر شيء وبعزلة أكيدة عن الواقع وما يجول فعلاً في أفكار الناس، متمسّكين دفاعًا عن التقاليد، بحرف النصوص والقوانين والطقوس والتبيكونات. يعتبر من يجرّب هكذا أنّ الحداثة هي نتيجة تكبّر الإنسان الذي يرفض الله وأنّها بالتالي تكملة كونيّة لخطيئة آدم وتؤدّي إلى العدميّة. وأن الجواب الأفضل هو بتجاهلها والمحافظة العنيدة، بدون أي مساءلة، على التقاليد – كلّ التقاليد – وباللجوء إلى الصلاة والتعبّد والإنعزال عن العالم وهرطقة كلّ من لا يتبع سبيلهم. "أرستقراطيّو الصلاة" هؤلاء كما يسمّيهم المطران جورج خضر سريعًا ما يقاربون النزعات الأصوليّة وما أكثرها اليوم في عالمنا الأرثوذكسيّ بما في ذلك الكنيسة الأنطاكيّة. ويقترن كلّ هذا ببغض للغرب وكلّ ما فيه بكنائسه وبمسيحيّيه، بأرثوذكسيّته، ورفض كلّ تغيير وخط نهضوي، في عودة إلى ممارسات القرون الوسطى في ما يختصّ بحرق الكتب وتكفير الناس... يصرّون على مخاطبة الناس بلغة القرون الوسطى ويستغربون كيف لا يجدون إقبالاً فينعتون الإنسان المعاصر والشباب بكلّ الأوصاف الشيطانيّة... وهكذا دواليك.

6- موقف الانزلاق

أمّا التجربة الثانية فتكمن في قبول هذه المدنيّة الجديدة بدون أي مساءلة. فترفض الجماعات المسيحيّة – وهذا حاصل خاصّة في بعض الأوساط الكنسيّة في الغرب – كلّ تقليد، وتختبر كلّ جديد بدون تمييز وكما يقول المثل الفرنسيّ: "بروح الولد مع ميّة الغسيل". لهؤلاء كلّ شيء مسموح. لا حرمة ولا قدسيّة لشيء بل اختبارات آنيّة تعيد النظر في كلّ شيء. فيوجد من يحوّل الحياة المسيحيّة إلى النشاطيّة والعمل السياسيّ الاجتماعيّ لمناصرة الضعفاء بدون أي حياة روحيّة متأصّلة بالصلاة والأسرار. ويوجد من يذهب إلى ديانات الشرق الأقصى فيجمعون بين الصوفيّة ومناجاة الأرواح والمخدّرات والحياة الجنسيّة بدون ضوابط بغية اختيار "روحانيّة" ما.

7- تطلّعات نحو موقف مسيحيّ أصيل

من الأكيد أن الموقف المسيحيّ الأصيل لا يتماشى لا مع الأصوليّة ولا مع النشاطيّة أو انفلات روحانيّات "العصر الجديد" (New Age).

- تحدّيات الحداثة يجب أن تدفعنا إلى مساءلة التقاليد البشريّة في ممارساتنا وكلّ ما أصبح في حياتنا الشخصيّة والجماعيّة حجابًا يمنع نور المسيح من الظهور فنعود إذ ذاك بالتوبة والعمل النهضويّ إلى نقاوة التقليد الشريف.

- كذلك يجب أن نسعى إلى فهم ما يحدث حقيقة في عقول الناس كي نتمكّن من مخاطبتهم انطلاقًا من مشاكلهم وبالطريقة التي يفهمون. في هذا المجال لا بدّ من الإشارة أن عالم اليوم فقد لغة الرموز التي تسيطر على لاهوتنا وطقوسنا.

- كذلك يجب الإقلاع عن لهجتنا الفوقيّة. نعرف كلّ شيء. لنا جواب لكلّ شيء في عالم تعوّد أن يسائل كلّ شيء. أوّلاً، موقفنا غير سليم، نحن لا نعرف كلّ شيء. المسيح هو الذي يعرف. والمسيح خاطب السامريّة بتواضع رهيب. المسيح استمع. المسيح خاطب بمحبّة وليونة. علينا مخاطبة أصحاب البدع والنظريّات الغريبة هكذا وليس بالحرم والاستكبار.

- كذلك لا بدّ من الكفّ عن إظهار الدين كمجموعة وصايا. لا بدّ من الوصايا ولكن أوّلها أن تحبّ الله والإنسان كنفسك. علينا مثلاً أن نحبّ الشباب قبل نعتهم بالفالتين جنسيًّا أو أخلاقيًّا ونجعلهم يتحسّسون مسؤوليّاتهم تجاه أجسادهم وأصدقائهم، عندها يمكن أن يفهموا أهمّيّة العفّة والحبّ الملتزم في الزواج، إلخ...

- ثمّ علينا كما يقول المطران جورج خضر "أن نحاول تحسّس حضور المسيح حيث يبدو غائبًا أو حتّى مرفوضًا وتحمّل مسؤوليّة هذا الرفض وجعله صليبنا". وكما يقول أوليفيه كليمان "ما لم يعرف المسيحيّون كيف يجدون لأنفسهم مكانًا في المجتمع الدهريّ فسيفسحون المجال واسعًا للديانات المزيّفة".

- كلّ ذلك يشترط إصلاحًا جذريًّا وشاملاً. يجدر بهذا الإصلاح أن يطال حياتنا الشخصيّة وحياة الكنيسة وأنماط العلاقة بين الكنيسة والعالم والوسائل التي على الشهادة الكنسيّة أن تعتمدها. من أجل هذا علينا أن نتجذّر في الموعظة على الجبل قبل التكلّم بإسهاب عن روحانيّة الشرق المسيحيّ، إذ "إنّه بالحبّ لا بالمعرفة يخلص الإنسان". ليس المطلوب منّا إعطاء العالم وصفات لاهوتيّة بل علينا خلق تحسّس (sensibilité) جديد وعقليّة جديدة. علينا أن نجسّد الفكر الإنجيليّ في كلّ إطلالة لنا على العالم.

- ليس العالم بحاجة إلى عقائديّين يطلقون الأحكام لكن إلى أناس يقتدون بالمسيح فيبرهنون بمسلكهم الحياتيّ وأقوالهم وكتاباتهم، كما يقول كوستي بندلي "إنّ الحياة ليست أبدًا عبثيّة بل على العكس "تقدمة" و"خدمة ومشاركة" و"ورشة للملكوت الآتي". أمام هذا المجتمع المتعطّش للتملّك، علينا التذكير أنّ كلّ ما لدينا هو من الله وأنّنا لسنا سوى وكلاء عليه، فعلينا، بالتالي، الزهد بكلّ شيء وأن نملك كأنّنا لا نملك" (1 كورنثوس 7: 29 – 31).

- علينا أن ندعو، أمام حضارة يمكن فيها "امتصاص كلّ شيء واستيعابه والتقليل من شأنه وتسخيفه"، إلى مدّ يبدو للجميع عديم الفائدة (الله، الخدمة الليتورجيّة، القداسة، المجّانيّة، الجمال) بيد أنّه ينير كلّ شيء ويعطي للتغييرات الكبيرة قوّة ومعنى.

- أمام عالم يبحث عن نفسه، غالبًا بقلق وكآبة ومرارة، علينا أن نعرف كيف نستعيد في كتاباتنا وشهادتنا ذلك "الفرح العظيم" الذي يتحدّث عنه إنجيل لوقا (2: 10، 24: 52) والذي يدعونا المسيح إلى الثبات فيه.

- علينا أن نتعلّم كيف نعيش بلا انقطاع فرح القيامة المتجدّد في كلّ قدّاس إلهيّ، ونعكسه في قولنا وكتابتنا إضافة إلى ابتسامتنا ونور وجهنا. فربما نستطيع إذ ذاك إقناع العالم أنّ المسيح حقًّا قام.

- في هذا العالم الذي يعاني أزمة روحيّة، ليس الوقت ملائمًا أبدًا لأنّ يستهتر المسيحيّون بأهمّيّة العلاقة الشخصيّة بين الله والإنسان في سرّ التقائهما. يجب علينا أن نتذكّر ونذكّر بما يطلبه منّا الرسول: "صلّوا بلا انقطاع" ونظهر تقليد كنيستنا الروحيّ، بخاصّة في ممارسة "صلاة اسم يسوع"، لنقتبس الطريقة والسبل إلى الدرّب على هذه الصلاة الدائمة.

- أمام عالم سادت فيه الفرديّة، وانحلّت فيه الروابط العائليّة، ويسمّر فيه الشباب والعجائز على صليب الوحدة، علينا أن نعرف كيف نحوّل مجموعاتنا الإفخارستيّة ومؤسّساتنا الكنسيّة إلى أماكن استقبال وشركة ووحدة حقّة، أماكن تختبر فيها وحدة البشريّة بغضّ النظر عن الإختلاف في الآراء، و"تباشر السلطة فيها بالتحوّل إلى خدمة والإمتلاك إلى تقدمة وشركة، والتاريخ إلى بناء الملكوت" (أوليفيه كليمان)، أماكن يعطى فيها – على الأقلّ خلال ممارسة الأسرار – تحقيق التقاء الزمن بالأبديّة فنذوق مسبقًا طعم الملكوت الآتي.

- في عالم يحتدم فيه العنف، علينا القضاء على دوّامة الإعتداء والثأر الجهنّميّة "فنحبّ أعداءنا ونصلّي لأجل الذين يسيئون إلينا ونبارك لاعنينا ونقرض ونحن لا نرجو شيئًا".

من الطبيعيّ إذًا، كما يقول كوستي بندلي، أنّ "روح الخدمة ورفض السلطة يجب أن يطبعا سلوك المسيحيّين مهما كانت المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم في المجتمع. فالمسيحيّون يعون أنّ "السلطة تفسد" وأنّ خطر الفساد يتفاقم بمقدار حجم هذه السلطة، لذا يسهرون على ممارسة هذه السلطة، لا بروح الهيمنة بل بروح الخدمة لهدف تحقيق الخير العام الحقيقيّ ومصلحة جميع من هم تحت مسؤوليّتهم. فهم يعتبرون أنّ أي تقدّم أو ازدهار لهؤلاء هو المعيار الحقيقيّ لنجاحهم هم".

- في عالم يُستباح فيه كلّ شيء وتبدو الحريّة فيه وكأنّها قد أطلقت لنفسها العنان على صعيد الأخلاق والعلاقات الشخصيّة، لا بدّ لنا أن نعرف كيف نذكر، بواسطة الحزم في عيشنا واحترام الآخر وحريّته والإنفتاح على اختلافه والإهتمام الدائم بالتحدّث مع الإنسان فيه "والطاعة المتبادلة" (أفسس 5: 21)، "وتفتح الحبّ الذي يتخطّى الشهوة والجمال الذي يتخطّى المفيد"، إن "الأمر مختلف بالنسبة إلينا" (لوقا 22: 26) وأنّ مقاييس القيم لدينا هي تلك التي يعدّدها بطرس الرسول حين يقول: "وأنتم باذلون كلّ اجتهاد قدّموا في إيمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة وفي المعرفة تعفّفًا وفي التعفّف صبرًا وفي الصبر تقوى وفي التقوى مودّة أخويّة وفي المودّة الأخويّة محبّة" (2 بطرس 1: 5 – 7). ويتابع بولس الرسول: "فالبسوا كمختاري الله القدّيسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفًا وتواضعًا ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضًا إن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا وعلى جميع هذه البسوا المحبّة التي هي رباط الكمال" (كولوسي 3: 12 – 14).

لو تصرّف المسيحيّون على هذا النحو لما كان العالم على الأرجح قد رفض الله. فإذا عرفنا اليوم كيف نحفظ هذه الوصايا حرفيًّا ونطبّقها مع جميع البشر، فربّما نستطيع مجدّدًا إبراز وجه سيّدنا الحقيقيّ للعالم ونجعله يكتشف الله فيه.

- لقد شيّد الأثينيّون هيكلاَ وعبدوا الله المجهول فجاء الرسول بولس وعرّفهم إليه. أمّا اليوم، فيرفض الناس تشييد هياكل لله، إلّا أنّ الله يختبئ في أعماق قلقهم، في توقهم إلى الحريّة، في تساؤلاتهم حول معنى وجودهم وحول الحبّ والجمال والمجّانيّة. فهل نستمرّ في إطلاق الأحكام ولعن مجتمعنا أم سننطلق يومًا في مهمّة اكتشاف الله في الحداثة التي تربكنا، وفي تعليم معاصرينا، عبر حياتنا أوّلاً، وربّما على حسابها، وبواسطة كلمة متواضعة أخويّة مفهومة، أنّ الله إسمًا ووجهًا، إسم يسوع المسيح ووجهه. هل سنتعلّم يومًا كيف ننسحب وندع هذا الله – الإنسان نفسه يخاطب كلّ إنسان، في وضعه الخاص، في آلامه، وفرحه، ليكتشف هذا الإنسان أنّه على صورته ومثاله وأنّه محبوب؟ هل سنعرف يومًا كيف نجمع بين ذكاء العالم الغربيّ وقلبنا الشرقيّ فيتجلّى العقل في المحبّة؟ هل سنمتلئ يومًا بالقناعة الراسخة بأنّ "الحياة تتدفّق كاملة من داخلنا نحن، وأنّنا داخل الحياة" (القدّيس سمعان اللاهوتيّ الجديد)، فنؤكّد أن لا موت في هذا العالم وأنّ السيّد يأتي للقائنا؟ وأنّ كلّ شيء تاليًا قد أصبح ممكنًا وأنّه يجب "أن تبقى أرواحنا في الجحيم لكن بدون أن نيأس" (القدّيس سلوان) إذ إن المسيح معنا دائمًا في الأتون. مهما بدا العالم وكأنّه قد تخلّى عن الله، فالله لا يتخلّى عنه أبدًا. فلنصلّي مع القدّيس اسحق السريانيّ، الذي لم يتوقّف أبدًا عن الصلاة من أجل الكون كلّه: "يا ربّ، لقد تخلّيت عنك، لا تتخلّ عنّي. لقد ابتعدت عنك، تعالَ وابحث عنّي" (القدّيس اسحق السريانيّ).

8- الواقع الأنطاكيّ

دراستنا للتصوّرات الحاصلة في عالمنا لا بدّ أن تقترن بدراسة وافية لواقعنا الأنطاكيّ وكيف تغيّر في السنين الخمسين الأخيرة، وواقع الممارسة الضئيل والتغيّر السكّاني والتأثير الفكريّ الواضح على الأرثوذكس من قبل المدرسة الكاثوليكيّة والجوّ السائد في البلاد.

على الرغم من أنّ فئات عديدة من سكّان المنطقة (بشكل عام تلك الأكثر انفتاحًا على الغرب والتي تعتبر أنّ كلّ ما يصدر عنه أهل لاتخاذه مرجعًا) قد دجّنتهم حضارة الدهريّة، فإنّ التعلّق المتجذّر الذي تظهره بعض الفئات الأخرى بالثقافات التقليديّة، والنظام الطائفيّ السائد، والنظرة التيوقراطيّة في الإسلام وبعض الطوائف المسيحيّة المحلّيّة توهمنا أن القطيعة بين الكنيسة والمجتمع غير ممكنة وتمنعنا من الإعتراف بحقيقة ما حصل منها إلى الآن. يزداد الوضع التباسًا مشجّعًا المواقف المنافقة والكاذبة إن من الدولة والمجتمع الأهلي أم من المؤسّسة الكنسيّة. إنّه ظاهريًّا وضع ثابت حيث إنّ كلّ فريق يبدو مطمئنًّا لموقفه. إلّا أنّ هذه الطمأنينة الوهميّة التي تشعر بها الكنيسة هي في الحقيقة نوع من التهرّب من مواجهة المشاكل الفعليّة. سيحلّ الإستحقاق عاجلاً وعندها نشعر بمرارة اليقظة.

غالبًا ما يغيب عن بال الكنائس، المتجذّرة في النظام الطائفيّ والمفعمة بالحنين إلى "سنوات المجد الخوالي" التي كانت تحكم خلالها المجتمع، والعاجزة بعد عن التخلّص من العقليّة واللّغة اللتَين ورثتهما من المجتمعات البطريركيّة التي تعود إلى العصر ما قبل الصناعي، أنّ سبب وجودها ليس التسلّط على العالم أو التحوّل إلى مراقب أو مشرّع بل تذكير هذا العالم، كما فعل السيّد، بتواضع وبالمثال الحيّ، بمعنى القيم التي تحترم الإنسان والإنسانيّة. عندما تنزوي الكنيسة في منطق حماية حقوق المنتمين إليها فقط، تتحوّل، شاءت أم أبت، إلى الفئويّة، وتصبح هي أيضًا مخادعة، وتمارس العمل السياسيّ وتنسى في النهاية أنّها ملك للجميع وأنّ كلّ إنسان ضعيف أو مضطّهَد أو متعطّش إلى العدالة يجب أن يكون موضع رعايتها إذا كانت تريد أن تظلّ أمينة لدعوتها، فلا تعود كنيسة بل تنحصر في حدود الملّة. وهكذا تتحوّل بنى الكنيسة من بنى روحانيّة (كارزماتيّة) إلى بنى سياسيّة"، فتجنح تاليًا إلى ممارسة السلطة والوقوع في الدهريّة، وتصبح في معظم الأحيان مبعثًا للعثرة بدل أن تكون أداة خلاص.

على الرغم من أنّنا نشهد نهضة روحيّة وعودة إلى الأخلاق التقليديّة في بعض الأوساط، فإنّ عددًا كبيرًا من المسيحيّين (وهم أكثر ممّا نتصوّر) يكتسبون آداب الغرب وإباحيّته، تشجّعهم على ذلك خلايا "مغرّبة" occidentalisé في الكنيسة ووسائل إعلام تبثّ سمّها طوال اليوم فتعرض أكثر نماذج الحضارة الغربيّة فسادًا. إنّ الانحرافات التي نشهدها كتشتّت العائلة وانحلال الأخلاق واللّجوء إلى استحضار الأرواح والسحر والروحانيّات الشرقيّة أصبحت أمورًا اعتياديّة في أوساط كثيرة.

أمّا على صعيد الإنتماء الكنسيّ فالتلفيقيّة هي المسيطرة. تنقصنا إحصائيّات جدّيّة لتحديد نسبة المسجّلين تحت "مذهب" الأرثوذكسيّة والذين لا يمتّون إلى الكنيسة بأيّة صلة. يشير كثير من كهنة الرعايا، في المدن والقرى، إلى أنّ ما بين 15 و25 من أعضاء الرعيّة فقط تربطهم علاقة ما بالكنيسة، وإن اختلفت طبيعة هذه العلاقة، وأنّ ما بين 6 و12 منهم ممارسون دائمون. أمّا الغالبيّة التي تعجز الكنيسة عن الوصول إليها فتتوزّع قلّة منها على الملل والكنائس الأخرى ولكن غالبيّتهم من اللامبالين الذين هم بمعظمهم دهريّون فعليًّا أو في طريقهم نحو الدهريّة. من جهة أخرى، وحتّى بالنسبة إلى عدد كبير من الممارسين أو الناس الذين على صلة بالكنيسة، أصبح الإيمان، بدون التمييز بين الطوائف، مسألة شخصيّة، علاقة عموديّة مع الألوهة، فلم تعد الكنيسة تُعتبر سوى موزّعة خدمات (المعموديّة والزواج وحتّى المناولة) نأخذ منها ما نريد، عندما نريد. للتأكّد من ذلك يكفي، للأسف، أن نقصد إحدى كنائسنا الكبيرة يوم الخميس العظيم المقدّس لنرى كيف يؤدّى سرّا التوبة والمناولة، حتى يملأنا الشعور أنّنا، عذرًا على التعبير، في متجر من نوع الأكل السريع (Fast Food). أضف إلى ذلك أنّنا، نظرًا لانشغالنا بحمّى هذا العصر وضيق وقتنا، نقصد أقرب كنيسة منّا فإنّ الشعارات التي أطلقت منذ سنوات لأغراض سياسيّة بحتة، لا تزال راسخة في النفوس: "ألسنا كلّنا مسيحيّين؟"، "ما من فرق بيننا"، "إنّها قضيّة الإكليريكيّين، فلندعهم لنزاعاتهم التي تعود إلى القرون الوسطى" إلخ... من هنا الوجهان اللّذان نقابل بهما رجال الدين، فنحن لا نغفل أبدًا أن نهنّئ البطريرك أو الأسقف أو الكاهن بالأعياد وما أن يغيب عنّا حتّى ننهال عليه بشتّى الإنتقادات. إنّها حضارة الكذب والتشهير، الصريح أو الضمنيّ، المنظّمين. أمن سبيل المصادفة أنّ أصواتًا قليلة ترتفع لكي تندّد بالفساد الذي فاق حدّه في لبنان؟ أو بالهوّة المتزايدة بين أقلّيّة تغتني بإفراط وتتفاخر بغناها وفئات فقيرة تكثر يومًا بعد يوم؟

إنّ العلاقات القائمة بين الكنائس والأديان تشوبها الطموحات والمنافسات المذهبيّة والمخاوف المتبادلة والخداع لدرجة أنّه يبدو أن لا مستقبل حقيقيّ صافٍ للّقاء المسكوني بين المسيحيّين والحوار مع المسلمين اللذين بوشر بهما قبل الحرب اللبنانيّة.

كما أنّ هناك مسألة أخرى لا جدوى من إخفائها: فيبدو أنّ مناخ "التعايش" بين الأقليّة المسيحيّة والمجتمع الإسلامي، الذي صمد بشكل من الأشكال، وعلى الرغم من الظروف المتبدّلة، حتّى بداية الحرب اللّبنانيّة، قد عانى جدّيًّا هذه الحرب وعقليّة "الحروب الصليبيّة" و"الجهاد المقدّس" التي رافقتها كما أنّه يعاني ظهور الأصوليّة، وبخاصّة الإسلاميّة منها، كموقف ظاهريّ ضد الحداثة والحضارة والعجرفة الغربيّتين. هذا يولّد عند العديد من المسيحيّين مواقف تتراوح بين هروب من الواقع بالإنزواء في شيع أو Ghettos غير مبالين بالإشكالات المطروحة من حولهم، وهروب بالفكر أو بالفعل إلى غرب يتوهّمونه مسيحيًّا، مرورًا بأحلام استرجاع السيطرة.

9- النشر أوسع من الكتاب والمجلّة

كلّ هذا يفرض علينا أيضًا ألّا نحصر تفكيرنا بموضوعَيّ مجلّة النّور ومنشورات النّور أو عامّة بالمجلّات والكتب والنشرات بل مدّه إلى سائر مجالات الإتصال المتوفّرة اليوم والتي تصل إلى عدد كبير من الناس وهي استعمال وسائل الإعلام المرئيّ والمكتوب، الإنتاج السمعيّ البصريّ والإنترنيت. ولكن قبل الولوج بهذه الأساليب يجدر بنا أن نعطي لمحة خاطفة لواقع النشر في حقبات تاريخيّة أثناء العهد العثماني وما بعده.

10- الفترة العثمانيّة

عبر عصور من الحكم العثماني وما سبقه من حقبات تاريخيّة فرضت القوقعة على الكرسي الأنطاكيّ ولم يكن بالإستطاعة الولوج إلى المعرفة بالرغم من ضعف الرعاية في معظم الأحيان حافظ شعب الله على الإيمان بنعمة من الله تجلّت في القدّيسين وبالانكباب على الحياة الليتورجيّة و – لدى من استطاع القراءة – بمطالعة مواعظ بعض آباء الكنيسة الكبار الذين قلّما خلا بيت أرثوذكسيّ عريق بالثقافة من مخطوطاتهم.

11- بوادر نهضة وتأسيس مدارس

في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر ساهمت كنيسة رومانيا وكنيسة القدس بتأمين الكتب الليتورجيّة المطبوعة وبعض الآبائيّات. وكذلك تمتّنت العلاقة مع الكنيسة الروسيّة. نتيجة لتلك الإتصالات مع العالم الأرثوذكسيّ وتعريب رئاسة الكرسي والمزيد من الحريّات في العالم العثمانيّ تمّ تأسيس مدارس على النمط الحديث ابتداءً من 1825 (ثلاثة أقمار في بيروت)، تلتها المدرسة الإكليريكيّة في البلمند سنة 1833 ثمّ 13 مدرسة أخرى في لبنان خلال فترة وجيزة إلى أن تأسّست زهرة الإحسان سنة 1882. ابتداءً من 1880 أسّست الجمعيّة الأمبراطوريّة الروسيّة 15 مدرسة في لبنان (وبعضها في سوريا). كذلك أسّس البطريرك غريغوريوس حدّاد آنذاك مدرسة في دير سيّدة بكفتين ومطران بيروت مدرسة إكليريكيّة أخرى في بيروت (مدرسة السلام 1906).

معظم تلك المدارس أقفلت أبوابها خلال الحرب العالميّة الأولى وما تبعها من ويلات وفقر وجوع وهجرة حتّى أنّه لم يبقَ منها في مطلع الحرب العالميّة الثانية إلّا قلّة عزيزة. في 1936 أعيد فتح مدرسة البلمند على يد البطريرك ألكسندروس الثالث. وفي 1948 تنادى بعض ذوات بيروت لوضع دراسة جدّيّة لتأسيس معهد للتعليم العالي في ملعب السلام في بيروت لم تترجم واقعًا. في تلك الأثناء أسّس المرحوم ألكسي بطرس معهدًا خاصًّا ALBA. النهضة التعليميّة الحقيقيّة لم تكن إذًا قبل 1960 حيث تأسّس عدد كبير من المدارس الأرثوذكسيّة. في 1970 فتح معهد اللاهوت في البلمند وأخيرًا تأسّست جامعة البلمند.

12- بوادر نهضة: المجلّات الدينيّة

- الهدية سنة 1883. - المنار 1898 على يد البطريرك أرسانيوس

- النعمة 1909 على يد البطريرك غريغوريوس حداد ثمّ توقّفت وأعاد إصدارها البطريرك ثيودوسيوس من 1960 إلى 1967.

- مجلّة النّور 1943. - مجلّة الحركة 1951.

- اليقظة في حلب 1954. - نداء النّور 1958 – 1962

- نشرة دير الحرف

وكذلك صدر في تلك الحقبة عدد من المجلّات عن بعض الأبرشيّات وكانت المحبّة، الأرثوذكسيّة، الإيمان وأخرى على يد بعض الجمعيّات الأرثوذكسيّة فكانت إضافة إلى النّور والحركة ونداء الّنور مجلّة الرائد ومجلّة النديم. كذلك صدرت نشرات رعائيّة عن المطرانيّات فكانت النشرة في بيروت من 1972 إلى 1975، والرسالة في جبل لبنان 1973 وتوقّفت ثم رعيّتي فالنشرة مجدّدًا في بيروت والكلمة والكرمة في طرابلس، إضافة إلى عدد من النشرات الأخرى في الأبرشيّات في سوريا، كما أصدرت أبرشيّة اللاذقيّة مجلّة فرح للأطفال.

ثمّ أصدر البطريرك أغناطيوس الرابع النشرة البطريركيّة التي هي، إضافة إلى مجلّة النور والنشرات الرعائيّة الأسبوعيّة ومجلّة فرح، الوحيدة التي لا تزال قائمة حتّى اليوم.

مجلّة النّور هي المجلّة الوحيدة التي استمرّت بدون انقطاع يذكر خلال ما يزيد على 55 سنة إضافة إلى مجلّة الكلمة الصادرة باللغة الإنكليزيّة عن أبرشيّة نيويورك منذ الستّينات. ولم أذكر فيما سبق جريدة حمص وغيرها من المجلّات ذات الطابع الثقافي التي صدرت أيضًا (وبعضها لا يزال يصدر) في لبنان وسوريا والمهاجر.

13- بوادر نهضة: الكتب

ما عدا فترة المطران جراسيموس مسرّة في بيروت (؟ - 1935) وفيها عني بإصدار عدد من الكتب العقائديّة والدفاعيّة (منها تاريخ الإنشقاق، 3 أجزاء) لم يصدر في الحقبة الأولى من القرن العشرين إلّا القليل من الكتب الأرثوذكسيّة غير الطقوسيّة (سواعي وما شابه) أهمّها بعض كتب التعليم الدينيّ (ترجمة للمطران أفلاطون الروسي وكتب اسكندر كوزما) وبعضها تاريخيّ (تاريخ الكنيسة للمطران جحا...).

من 1950 حتّى الآن صدر عن المطرانيّات ما يعادل 40 كتابًا معظمها طقوسيّ وبعضها تعليميّ أو تأمّليّ.

تأسّست منشورات النّور سنة 1954 وقد أصدرت حتى الآن ما يقارب الـ200 كتاب وكتيّب في مختلف ميادين الحياة الإنجيليّة والروحيّة والليتورجيّة والعقائديّة والإجتماعيّة ومحاورة الفكر المعاصر.

وهناك أيضًا يقوم عدد من دور النشر أو المكتبات أو المؤسّسات أو الجمعيّات أو الرهبانيّات بنشر ما يتوفّر لديها من نصوص وترجمات في مختلف المواضيع وربّما يصل العدد الإجماليّ إلى ما بين 50 و100 كتاب أو كتيّب.

14- إلى مَن تصل اليوم هذه المدارس والمنشورات والمجلّات؟

أ‌- عدد من المدارس الأرثوذكسيّة لا يؤمّها إلّا قلّة عزيزة من الأرثوذكس وذلك لأسباب جغرافيّة أو تعليميّة، ويمكن السؤال إذا ما كان العديد من المدارس التي يؤمّها الأرثوذكس تنقل لهم شهادة أرثوذكسيّة حقّة؟ ربّما قلّة عزيزة. إذًا معظم الطلاب الأرثوذكسيّون يتعلّمون في مدارس كاثوليكيّة أو إنجيليّة أو حكوميّة أو خاصّة ويتأثّرون بالأنماط الدينيّة التي يجدون فيها.

ب‌- النشرات الرعائيّة في الأبرشيّات التي توزّعها على البيوت مباشرة إضافة إلى الكنائس تصل إلى عدد أكبر بدون شكّ ولكنّ قلّة عدد صفحاتها وطابعها المتمحور أساسًا حول قدّاس الأحد يجعلها تهمّ أوّلاً الممارسين من أبناء الرعيّة، هذا إذا كان أسلوبها مشوّقًا ومواضيعها تهمّ الناس، وهذا ما لا يتوفّر دومًا.

ت‌- الكتب: لم تصل إلى إحصائيّات شاملة لمبيعات الكتاب الأرثوذكسيّ أو المسيحيّ. استنادًا إلى إحصائيّات جزئيّة لمبيعات منشورات النور في السنوات القليلة الماضية يمكنني إثبات ما يلي:

الكتب الأكثر مبيعًا هي التالية:

نوع الكتاب

معدّل المبيع السنويّ

التعليم الجديني ذو الطابع المدرسي (وهذا عدد هزيل إذا قيس بعدد الأولاد الأرثوذكس في المدارس الأرثوذكسيّة وحدها إضافة إلى مدارس الأحد...

400

نصّ القدّاس الإلهيّ

300/400

مدخل إلى العقيدة الأرثوذكسيّة (وهو يستعمل ككتاب مدرسيّ)

300/500

سير القدّيسين

200/400

شرح أناجيل الآحاد

200/300

كتاب الأيقونة

200/300

سائح روسي على دروب الربّ

200/400

مدخل إلى القدّاس الإلهيّ

100/200

عن شهود يهوه

100/200

السبل إلى الله

100/150

مدخل إلى الكتاب المقدّس

100/150

إله الإلحاد المعاصر

100/150

سلسلة مع تساؤلات الشباب

100/200

الإفخارستيّا

100/150

سلسلة الإنجيل على دروب العصر

100/200

أقوال الآباء الشيوخ

100/150

ألسنا كلّنا منشقّين؟

100

من أجل فهم الليتورجيا

100




قراءة أوّليّة لهذه الإحصاءات تدلّ على ما يلي:

- إذا لاحظنا أنّ الكثير من هذه الكتب يباع خارج أوساط الكنيسة الأرثوذكسيّة (في لبنان ومصر) وأنّ عددًا منها يُستعمَل في المدارس تكون نسبة القرّاء الأرثوذكسيّين من غير التلامذة ضئيلة جدًّا.

- ما هي الأسباب؟ لا بدّ أنّها عديدة، منها حتمًا ضعف التوزيع والدعاية والإعلام. أيضًا عدم اعتبار الرعايا والجمعيّات (ومنها المراكز الحركيّة) أنّ الكتاب هو أداة تبشير.

- هذا الواقع مخزي لأنّ تقارير كلّ الأبرشيّات التي اجتمعت مؤخّرًا بدعوة من غبطة البطريرك أغناطيوس في بيروت ودير مار جرجس الحميراء نادت بدون استثناء بالحاجة إلى منشورات رعائيّة وبتوحيد المناهج التعليميّة وبتأمين الكتب والنشرات والمجلات الدينيّة لنقل الفكر الأرثوذكسيّ وباستخدام وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئيّة من أجل التربية المسيحيّة، كما ورد في البيان الختاميّ بتاريخ 13/12/1998. والغريب أنّه – ما عدا الوسائل الإعلاميّة والسمعيّة البصريّة – كلّ هذه المتطلّبات متوفّرة ولم يوجد – على علمي – أحد في كلّ هذه الإجتماعات للتنويه بالكتب المتوفّرة وطلب دراسة الأساليب لجعلها بمتناول الشعب.

- الإقبال على الكتب التعليميّة منها وما يتعلّق بحياة القدّيسين والعقائد ونصّ القدّاس وشرح أناجيل الآحاد والأيقونة وروحانيّة معاشة غير متفذلكة (سائح روسي) (من 200 إلى 500) يؤكّد أنّ معظم القرّاء من الممارسين.

- يأتي في الدرجة الثانية (100/200) شرح القدّاس ومحاربة البدع وسلسلة مع تساؤلات الشباب وسلسلة الإنجيل على دروب العصر وأقوال الآباء الشيوخ والإفخارستيا ومدخل أوّلي للكتاب المقدّس. هذا يؤكّد الإستنتاج الأوّل ويبرز أنّ هويّة القرّاء هي من الشباب وأنّ لديهم همًّا شهاديًّا للدفاع عن الإيمان (ضد شهود يهوه) ومحاورة الفكر المعاصر.

- بيع كتاب "ألسنا كلّنا منشقّين؟" (100) يبرز الهمّ المسكوني السائد في أوساط عديدة وضرورة توجيه وتوضيح الموقف الأرثوذكسيّ منه الذي غالبًا ما يبدو للشعب متصلّبًا وعلى كتير من التعصّب.

- تأتي في فئة (50 – 100) سلسلة "تعرّف إلى كنيستك" وهذا يؤكّد الحاجة إلى كتب تدخل إلى سائر مظاهر الحياة الكنسيّة بطريقة رعائيّة.

- أمّا فئة الكتب التي تباع أقلّ من 50 نسخة سنويًّا فهي تشمل: النصوص الآبائيّة، الشروحات العلميّة للكتاب المقدّس، المواضيع العقائديّة والروحانيّة والليتورجيّة العويصة، التاريخ، السنكسار، شؤون النهضة الأنطاكيّة. ممّا يدلّ من جهة على المستوى الفكري لأغلبيّة القرّاء أو عدم رغبتهم بفذلكة الإيمان، ومن جهة أخرى عدم اكتراث للنهضة وتطلّعاتها ممّا يطرح تساؤلاً موجعًا لوضع الحركة اليوم ومدى تأثيرها.

- تجدر الإشارة أن الكتب التي صدرت حديثًا (مدخل إلى العهد القديم وصراع الآلهة) لم تؤخذ بعين الإعتبار في ما ورد أعلاه.

- تجدر الإشارة أيضًا أنّ ما يزيد عن 15 كتابًا (ومنها ما كان يباع بأعداد محترمة في السنين ما بين 1973 و1983) قد نفذت من فترة طويلة ولم يُصار إلى إعادة طباعتها. (منها الجنس ومعناه الإنسانيّ وبعض سير القدّيسين وبعض النصوص الآبائيّة).

- لا بدّ من الملاحظة أيضًا أنّ وتيرة النشر لدى منشورات النّور كانت كما يلي:

من 1954 إلى 1972 40 كتابًا وكتيّبًا
من 1972 إلى 1983 100 كتاب
من 1984 إلى الآن 25 كتابًا

المجلّات: لا تصل إلّا لقلّة ضئيلة من الشعب في أحسن أيّامها (1965 – 1975) كان لمجلّة النور 5000 مشترك في لبنان وسوريا والمهاجر، أي كانت تقرأ ممّا يقارب 15000 شخص فقط. أمّا اليوم فلا يتعدّى عدد المشتركين الـ2000. مع هذا تبقى مجلّة النّور الأكثر مبيعًا من سائر المجلّات الأرثوذكسيّة.


هذا التدنّي بالمشتركين له أسباب عديدة منها بوجه أكيد عدم عرضها على شرائح عديدة من أبناء الكنيسة وعدم اكتراث الحركيّين أنفسهم في نشرها لا بل أيضًا في اقتنائها. وهذا ما يدلّ عن تدنّي روح الشهادة واعتبار المجلّة أداةً فعّالة.


الأسباب الأخرى لا بدّ أنّها تكمن في تبويب المجلّة ولغتها وإخراجها. البعض يعتبرها صعبة والبعض الآخر سهلة جدًّا. البعض يعتبر مواضيعها بعيدة عن الحياة الواقعيّة والبعض يعاكس هذا الرأي. نحن بحاجة إلى استطلاع رأي جدّيّ لكي تتبلور الصورة.


إنّ مقارنة سريعة بين المواضيع المدرجة في المجلّة في السنين العشرين الأولى (1945 – 1969) ومواضيع السنوات العشر الأخيرة (1988 – 1998) تظهر ما يلي:

المواضيع

1945 – 1969

1988 – 1998

أدب، شعر، فكر، ثقافة

8

4

إسلاميّات

-

1,5

تأمّلات كتابيّة

5

2

دراسات كتابيّة

-

5,5

تاريخ كنسيّ

3,5

1

حياة قدّيسين وآباء

9

5

عقائد وأسرار وليتورجيا

11

11

بدع وشيع

1

2,5

أحداث أنطاكيّة

12,5

17

الأخلاق، العائلة، المجتمع

5

8

تأمّلات روحيّة

18

12

الأرثوذكسيّة في العالم

3,5

7,5

الحركة

13

17

مسكونيّات

8

4

التربية والتعليم

2,5

2

    

تدلّ قراءة أوليّة لهذه المقارنة إلى الأمور التالية:

- عندنا تدنٍّ ملحوظ في المواضيع التالية: التأمّلات الروحيّة الإنجيليّة والمناقبيّة، حياة القدّيسين والآباء، تأمّلات كتابيّة، الأدب والشعر، الأمور الفكريّة والثقافيّة، التاريخ.

- عندنا ازدياد ملحوظ في المواضيع التالية: إسلاميّات، دراسات كتابيّة، بدع وشيع، الأحداث الأنطاكيّة، الأخلاق والعائلة والمجتمع، الأرثوذكسيّة في العالم، الحركة.

- يُلاحَظ أيضًا أنّ المجلّة في السابق كانت تتّخذ مواقف عمليّة وتقود حملات ميدانيّة في مجالات الرعاية والأخلاق والشأن الكنسي بصوت نبويّ يتوجّه إلى القلب. بدون إغفال هذه المواضيع يقترب النهج اليوم أكثر إلى مخاطبة العقل وإعطاء المعلومات

خطّة عمل

كلّ هذا يتطلّب عملاً جبّارًا وتجدر الإشارة أنّ الحركة وعت هذا الواقع وأهمّيّة التواصل والإعلام منذ زمن بعيد ووثيقة الإعلام (ملحق رقم 1) الصادرة عن المؤتمر الحركيّ 13 سنة 1973 هي خير دليل على ذلك. ولكن من المؤسف أنّه لم ينتج عن هذا الوعي أي شيء محسوس وعملي لذلك يبقى الكثير من الأمور المذكورة في هذه الوثيقة جديرًا باهتمامنا اليوم.

وقد أعيد استعمال أقسام كبيرة منها في الثمانينات لتقديم مشروع تأسيس مكتب الإعلام والتوثيق الأرثوذكسيّ (ملحق رقم 2) ولم يأخذه أحد بشقّه الإعلامي بعين الإعتبار. أمّا شقّه التوثيقي فعني به جزئيًّا المركز الأنطاكيّ التابع الآن لجامعة البلمند. أعتقد أنّه من الضروري إعادة النظر بهذه الأمور والبحث الجدّي في الأمور التالية:

1- تأسيس هيئة عامّة تهتمّ بكلّ شؤون التواصل الإعلاميّة، السمعيّة البصريّة، العلاقات العامّة، التوثيق، الإرشاد والنشر (مجلّات وكتب). وتوازي هذه الهيئة مكتب الإعلام والتوثيق المقترح في الوثيقة الآنفة الذكر بلجانه الخمس المقترحة آنذاك.
يضاف إليها لجنة تهتمّ بالإنترنيت.
ويجب أن تضمّ هذه اللجان، إلى جانب الرعويّين واللاهوتيّين، إخصّائيّين في الإعلام والإخراج والتسويق وعلم النفس والإجتماع إضافة إلى ممثّلين من كل شعب الله (كهنة، رهبان، علمانيّين، شباب، كهول، رجال ونساء).
على هذه الهيئة بعد تأليفها تنظيم حلقات خاصّة وندوات لبحث مفصّل لكلٍّ من الأمور المقترحة أدناه. كذلك السهر على تأمين أفضل أطر إداريّة وتنظيميّة للمؤسّسات والبرامج التابعة لها.

2- المجلّات:
- مجلّة للأطفال: تطوير مجلّة فرح وتعميم توزيعها.
- مجلّة للشباب على طراز "نداء النّور" يتولّى شأنها الطلّاب أنفسهم.
- مجلّة رعائيّة عامّة (مجلّة النّور) ملتزمة تعرض الواقع الأنطاكي في مختلف جوانبه، تسلّط عليه نور الإنجيل والتقليد، تقترح خطّة للنهضة ونناضل من أجل تحقيقها. راجع في ملحق رقم 3 أفكار أوّليّة عن المواضيع التي يجب معالجتها واقتراحات لطريقة المعالجة.
- نشرة إخباريّة شهريّة على مثال SOP ويمكن ضمّها إلى مجلّة النّور. (راجع الملحق رقم 4).
- مجلّة أنطاكيّة علميّة. (راجع اقتراحًا قديمًا بشأنها في الملحق رقم 5). هل يمكن دمج هذا الإقتراح مع مجلّة Chrons البلمندية؟
3- الكتب
- وضع برنامج عام للنشر الأرثوذكسي. أوّل مسوّدة لهكذا برنامج وضعت في أوائل السبعينات وقد عُدِّل جزئيًّا سنة1991(الملحق رقم 6). لا بدّ من إعادة النظر فيها وتطويرها آخذين بالإعتبار ما صدر حديثًا هنا وفي العالم بالإشتراك مع المعنيّين جميعًا.
- التنسيق بين الناشرين الأرثوذكس.
- التنسيق مع الناشرين المسيحيّين عامّة.
4- الإذاعة والتلفزيون، (الملحق رقم 7)، مشروع قُدِّم في حينه بشأن تأسيس إذاعة أرثوذكسيّة ولم يؤخذ بعين الإعتبار.
5- الأساليب السمعيّة البصريّة: (الملحق رقم 8). مشروع عقد حلقة خاصّة بهذه الأمور مع مشروع إنتاج أفلام (الملحق رقم 9).
6- نادي الإنترنيت التوثيقيّ: (الملحق رقم 10) مشروع يُدرَس الآن، في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة.
7- ضرورة إيجاد مكتب صحفي يهتمّ بنقل المواقف والفكر الأرثوذكسيّ إلى الصحف والراديو والتلفزيون، وليس فقط بعض الأحداث الظرفيّة بطريقة ولغة مفهومة، مشوّقة وعلميّة. هذا الإعلام يجب أن يلاصق الحدث إذ لا أحد يهتمّ بالتعليقات التي تأتي بعد "خراب البصرة". أدعو إلى قراءة دراسة قيّمة بشأن أساليب هذا النوع من الإعلام قدّمها الأب ميشال إفدوكيموف في حلقة أرثوذكسيّة حول أمور التواصل والإعلام أقيمت في أثينا سنة 1983 (الملحق رقم 11).
8- التوزيع: هذا موضوع أساسيّ يتطلّب مؤازرة من كلّ أوساط الكنيسة ومن كلّ رعيّة ومؤسّسة أرثوذكسيّة. ويجب أن يُعطَى قسطًا كبيرًا من الإهتمام.





المشاركات الشائعة