كيف نولد نحن اليوم؟

ريمون رزق

 

قال سيّدنا جورج (خضر): "المهمّ ألّا يستحي بنا المسيح"[1]، الذي أتى إلى العالم ليُحيي كل واحد منّا ويجعله إنسانًا جديدًا. ترافقنا الليتورجيا في هذه مسيرة وتجعلنا شهود عيان لكلّ أحداث حياة المسيح على الأرض،وفي هذه الحقبة من السنة الطقسيّة، تدعوناأن نولد مع المسيح. كيف يمكننا أن نولد الآن من جديد ونجعل المسيح لا يستحي بنا ؟

"المهمّ أن تكون...(دائمًا) في حضرة المسيح"[2]، وأن تبحث عنه في كلّ مواضع سكناه، وأن يكون، هو وحده، الكلّ في الكلّ في حياتك. تولد مجدّدًا إذا بحثتعن المسيح باستمرار في الصلاة الفرديّة، وفي الكتاب المقدّس، وفي الليتورجيا والأسرار الإلهيّة، وفي شركة الإخوة، وفي الإنسان، كلّ إنسان الذي ارتضى المسيح أن يسكن فيه ويدعوك لخدمته. فيكون هدف هذا البحث عن المسيح التمثّل به، ومعاملة الناس كما عاملهم بأسلوبه الجديد.

"الله فينا ونحن فيه"[3]، و"هو فينا (فيك) يخاطب نفسه"[4].تكمن الصلاة الفرديّة المحيّية في حوار حقيقي مع المسيح، والتصاق حميم به، وإبتغاء وجهه الذي ينير السبيل في مغامرة الحياة الجديدة.

أمّا الإنجيل، "فإذا قرأته ودرسته ومحّصته"[5] في كلّ يوم، يُكسبك فكر المسيح، ويجعل كلمته تسكن فيك، دافعة إيّاك إلى التوبة[6] وإلى التخلّق بأخلاقه. "المسيح فيك هو كلمته فيك. وهذه تُؤتاها أنت من الإنجيل إن قرأته كلّ يوم وجعلت عقلك يتكيّف به"[7].

تنقلك الليتورجيا إلى عيش السماء على الأرض، والمشاركة في صلاة الكنيسة وشركة القدّيسين الذين يحظون بالقدسات إذا أعطوا قلبهم للمسيح ومَن يحب، و"يصيرون كيانًا واحدًا يوم الأحد باقتبالهم الأسرار الإلهيّة"[8]. وأنت، فلم "تصبح إنسانًا جديدًا ما لم تتقبّلها كأنّها فجر جديد، كأنّك معمّد اليوم"[9].

إذا دخلت الكنيسة لتشارك في القدّاس الإلهي، حاملًا كلّ ما يحرّك نفسك من هموم، و"طرحت عنك كلّ اهتمام دنيوي"، مسلّمًا إيّاهم إلى الله، يعودون إليك، في المناولة المقدّسة، مستنيرينبقدسيّة الجسد والدم الإلهيّين. فتضحى أكثر استعدادًا لمواجهتهم بعزم متزايد، عارفًا أنّ المسيح الذي امتزج جسده بجسدك ودمه بدمك، سوف يعينك في مقاربتهم بأساليب جديدة، لأنّه يدعوك إلى الانتقال من "سر المذبح إلى سرّ الأخ"، لتلاقيه فيه أيضًا.

وسوف تنمّي الإنسان الجديد، الذي تُصبحه فيالقدّاس الإلهي، بمعايشة أحباء المسيح في الرعيّة وفي محيطك،لأنّه "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (متّى 18، 20). تفرضمسؤوليّة الإنسان الجديد في المسيح عليه أن يجسّد هذه الحياة الجديدة بالمحبّة لدى الجميع. "فإنّ المحبّة التي استودعك إيّاها الرب تذهب منك إلى كلّ بشر علّهم يحسّون بأنّهم أحباء الله... فيرون ويعرفون أنّك آتٍ من المسيح"[10].

لا نولد من جديد أبدًا إذا كنّا متخاصمين، متباغضين ومستعملين في تعاطينا مع بعضنا البعض، داخل البيعة وخارجها، أساليب هذا العالم. ولم تحظى جماعتنا بولادة جديدة، إذا وُجد حولها جائع أو مريض أو حزين، ولم تستفقده بما أُعطي لها. إن لم نفعل كالسامري الشفوق، كيف يقتنع العالم أنّ المسيح ساكن في أعضائها، وبإمكانه ولادتهم من جديد؟

 


[1] في جريدة النهار في 2 تشرين الأوّل 1999.

[2]"ارتفاع النفس إلى الله"، الحياة الجديدة، الروح والعروس 4، منشورات المطرانيّة، 2007، ص. 107.

[3]"الإله القريب"، حديث الأحد، الله والقربى، كمنشورات النور، 1985، ص.37.

[4]"إرتفتع النفس إلى الله"، المرجع عينه، ص. 107.

[5]المرجع عينه.

[6]"عائلة الله في نسكها وروحانيّتها"، الروح والعروس 3، منشورات المطرانيّة 200، ص. 96.

[7]"سكنى الكلمة فينا"، المرجع عينه، ص. 96.

[8]"قدّاس الأحد"، الحياة الجديدة، الروح والعروس 4، المرجع عينه، ص. 111.

[9]المرجع عينه، ص. 119-120.

[10]، المحبّة للجميع،المرجع عينه، ص. 127.


المشاركات الشائعة