الصبر

 

ريمون رزق - نشرة "رعيّتي"


الصبر "قمّة الفضائل". يفعّل الإيمان والرجاء والمحبّة أمام الشدائد والكوارث ويجعلها تُثمر. يدعونا الآباء إلى الحفاظ على سلامنا الداخليّ أمامها، ولجم الإهباط والغضب والإمتناع الكلّي عن الدينونة والثأر، بواسطة التمثّل "بصبر المسيح" (2تس 3: 5)، واحتمال إخوتنا (كول 3: 13)، والتأنّي على الجميع (1تس 5: 14). 

كيف يتجسّد الصبر في خبرة الأب الذي يريد أن يكون مسيحيًّا؟

مع نفسه

عليه ممارسة الصبر في عائلته لتكون علاقاته مع أفرادها مثمرة. تحمله مسؤوليّة الأبوّة إلى التفاعل المحبّ والهادئ مع مشاكلهم وتفادي الأحكام السريعة المبرمة. يجعله هذا الموقف يعي ضعفاته الشخصيّة، ويدفعه إلى مزيد من التسامح والغفران. وإذا أُصيب بمرض أقعده، يتجاوزه بالاتّكال على الله والصلاة الدائمة، لاقتناعه أنّ الإيمان يشفي. وإذا أسأ أحد إليه، يمتنع عن ردّات الفعل الغاضبة، ويسعى أن يكون موقفه مطابقًا لوصايا الربّ في (لوقا 6: 27-38).

مع الزوجة

يكتشف الزوجان مع الوقت ضعفات كان الحبّ الأول يمنعهما من رؤيتها. مسؤوليّتهما المشتركة تجعل كلًّا منهما يقبل الآخر كما هو، إذ إنّ المحبّة "تحتمل كلّ شيء... وتصبر على كلّ شيء". فيعملان معًا لتجاوز هذه الضعفات والحفاظ على جوّ التفاهم والودّ في البيت.

مع الأولاد

في عالم فكّك الرباط العائليّ، يشكو بعض الأولاد من غياب والديهما، خاصّة الأب، لانشغالهما بأعمالهما وتسلياتهما، تاركينهم إلى عناية الخدَم. فيشعر الأولاد شعور أيتام وينمون بدون صورة الأب المرشد، ما يؤثّر سلبًا على فكرهم تجاه الإله الآب. لذا على الأب أن يخصّص وقتًا وفيرًا للانفتاح على أولاده، وإلّا أعطى صورة خاطئة عن الأبوّة، وتاليًا عن طول أناة الله الآب الذي وعد ابنه: "لا أترككم يتامى" (يو 14: 18).

تمرّ تربية الأولاد بمراحل لا تخلو من الصعوبة، وتُصيب بعضهم أحيانًا أمراضًا عضّالة تكاد تُميتهم. فلا يجد الأب، أمام هول المصيبة سوى طريقين يسلكهما: الإستسلام لليأس والإنكسار والتذمّر، أو الصبر والاتّكال على الله والصلاة. وقد أختبر كثيرون مثل هذه الأوضاع. وإذ اتّكلوا على الله واستنجدوه، وجدوا أنّه يستجيب كما فعل مع أرملة نايين.

تقضي تربية سليمة للأولاد معاملتهم بصبر وتفّهم ومحبّة، والاستماع إليهم بانتباه والدخول بحوار معهم لاكتشاف الوجع والقلق الذين يشير البكاء إليهما. لا ينفع الغضب ولا يُجدي القصاص، بل لا بدّ من الإصغاء الدؤوب، والعطف الصبور، والإرشاد المحترم كلّيًّا لشخصيّة الولد الفريدة وعدم جعله نسخة طبق الأصل لوالده.

على الأب أن يتصرّف مع أولاده على غرار والد "الابن الشاطر". لم يقبل هذا فقط قرار إبنه بتركه بل زوّده بحصّته من الميراث. وانتظر عودته بصبر واستقبله كأنّ شيئًا لم يكن. تقتضي المحبّة الأبويّة تأمين فرصًا للأولاد للتعبير عن حريّتهم وتطلّعاتهم، حتّى إن بدت غريبة، وإنّ "شردوا"، تسليمهم لحنان الله ورحمته، والتأكيد لهم أنّهم سيبقون أبناء محبوبين.

على الأب ألّا يستجيب لكلّ طلبات الأولاد لترويضهم على الانتظار والصبر، ليس بطريقة سلبيّة قمعيّة، بل بشرح أسباب الرفض، وعليه أن يُقنع أولاده، مهما صعب الإقناع وطال.

الكوارث

لكلّ مَن يضطرب أمام أمور خارقة للطبيعة، ومَن يواجه هول العاصفة ومَن تهدّده الحروب والمشقّات، يقول الربّ: "لا تضطرب قلوبكم" و"لا تخافوا". فمهما حدث لكم من شدائد، تنتصرون عليها بمحبّة المسيح، لأنّه "لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا  (رو 8: 37-39).

المشاركات الشائعة