القدّيس نيقولاوس كابازيلاس
ريمون رزق
النور - العدد الأوّل 2015
وُلد نحو العام 1322 في مدينة
تسالونيكي التي كانت آنذاك مركزًا ثقافيًّا من الطراز الأوّل، إذ كان يلتجأ إليها
رهبان جبل آثوس الهاربين من الغزوات التركيّة على الجبل، وبعض المثقّفين الكبار الذين
كانوا طُردوا من القسطنطينيّة لأسباب مختلفة. فيها اجتمع السنة 1325 غريغوريوس بالاماس
بتلاميذ هاربين من آثوس لغريغوريوس السينائيّ ونظّم معهم ندوات روحيّة اشترك فيها
علمانيّون، رجالاً ونساءً، تدرّبوا على الصلاة الهدوئيّة. وكانت عائلة نيقولاوس من
هؤلاء. كانت هذه العائلة من بين عائلات المدينة النبيلة، بخاصّة من جهة أمّه،
عائلة كابازيلاس، التي تكنّى باسمها، مفضّلاً إيّاه على اسم عائلة أبيه،
الشاماتوس، مع أنّه كان يكنّ له مودّة كبيرة كما تشهد الرسائل التي وجّهها إليه. تربّى
على يدي أبيه أوّلاً، ثمّ على يدي خاله، نيلوس كابازيلاس، الذي صار لاحقًا رئيس
أساقفة المدينة. بعد ذلك لحقه إلى القسطنطينيّة لمتابعة دراسته معه فيها. تأثّر برهبان
آثوس واشترك بالندوات الروحيّة التي كانوا ينظّمونها في المدينة. تابع في
القسطنطينيّة دروسًا بالنحو والجدل والقانون والفلك والفلسفة، وكان شغفًا بهذه
العلوم كلّها. في العام 1341، عاد إلى تسالونيكي، وكان عمره يناهز العشرين. وكان
زمن الصراع المرير بين الإنسانيّين البيزنطيّين، أمثال الفيلسوف برلعام الكالبريّ
والراهب غريغوريوس أكيندينوس والعالم غريغوراس من جهة وغريغوريوس بالاماس الذي
دافع عن الروحانيّة الهدوئيّة. وفي 1347 صار أحد مستشاري الأمبراطور (كنتاكوزين)،
مع صديق له منذ فترة الدراسة، دميتريوس كيدونيس، وظلّ في هذا المنصب حتّى 1351.
بعدها عاد إلى تسالونيكي، مصطحبًا رئيس أساقفتها الجديد، بالاماس، وعندما رفضت
المدينة استقبالهما، عاش سنة كاملة بصحبته في جبل آثوس. لكن يبدو أنّه بقي خارج
الجدال القائم بين مؤيّدي بالاماس ومعارضيه، إذ نجد في كتاباته، من جهة هجومًا
قويًّا على غريغوراس، أحد أبرز خصوم بالاماس، وأيضًا تأكيدًا على ضرورة الإيمان في
مقالة معنونة: "من غير الممكن أن نصل إلى الكمال بالحكمة وحدها بدون الإيمان". وفي مقالة له بعنوان "ضدّ
الذين يدّعون عدم جدوى العلوم الدنيويّة"، يبدو أنّه ينتقد تطرّف بعض الرهبان
الهدوئيّين الذين كانوا يرفضون العلم. والجدير بالذكر أنّ نيقولاوس مارس دورًا
بارزًا، في أثناء الثورة الشعبيّة الدمويّة التي قامت في تسالونيكي بين 1342
و1343، إذ تفهّم موقف طرفي النزاع، واتّخذ موقفًا واعيًا متفهّمًا تجاه مشاكل
المدينة الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وتوسّط مع الحكّام لمساعدة الناس المحتاجين،
كاتبًا مقالة "ضدّ المُرابين"، متّخذًا فيها مواقف اجتماعيّة قريبة من
مواقف الآباء الكبّادوكيّين. وكذلك كتب ضدّ الوجهاء العلمانيّين الذين كانوا
يتسلّطون على ممتلكات الأديرة، بحجّة أنّهم أكثر أهليّة لإدارتها وتثميرها. كما
كتب ضدّ بعض المطارنة الذين يفرضون ضرائب باهظة على المؤمنين، والكنائس والأديرة.
انعزل نيقولاوس من الحياة العامّة السنة 1354، وكان عمره يتعدّى الثلاثين بقليل.
عاش معظم وقته في القسطنطينيّة، معاشرًا دير الكزنثوبولي الذي أسّسه الأخوان
كاليستوس وأغناطيوس، صاحبا المئويّة الموجودة في الفيلوكاليا. قضى هذه السنين
الأربعين في القراءة والتأمّل وكتابة أعماله الروحيّة الأهمّ، أي مواعظه في والدة
الإله، و"تفسيره القدّاس الإلهيّ"، وبخاصّة "الحياة في
المسيح". وتعرّف في هذه الحقبة من حياته إلى ما كان يجري في أيّامه من
تطوّرات في الفكر اللاهوتيّ اللاتينيّ، وذلك من طريق صديقه دميتريوس كيدونس، زعيم
مؤيّدي اللاهوت اللاتينيّ، الذي ترجم مع أخيه إلى اليونانيّة أعمال أوغسطين
وأنسيلموس وتوما الأكوينيّ. واتّخد منه ما وجده مطابقًا للتقليد الشرقيّ ودحض ما
اعتبره يناقضه. فكتب مثلاً مقدّمة لكتاب خاله نيلوس ضدّ زيادة عبارة الابن على دستور الإيمان، كما يُلاحظ في كتاب "الحياة في
المسيح" بعض تأثير لأوغسطين وأنسيلموس. لكنّ خلاصة كتاباته الروحيّة هي
متأثّرة بالروحانيّة الهدوئيّة، مترجمًا إيّاها في الحياة الأسراريّة والقدّاس
الإلهيّ، وعشرة المسيح، أي الطريق إلى التألّه، في توازن واضح بين الحكمة
والإيمان، بعيدًا عن كلّ تطرّف. ويبدو أنّ كتابي "الحياة في المسيح"
و"تفسير القدّاس الإلهيّ" موجّهان إلى العلمانيّين، من العلمانيّ
نيقولاوس. تختلف الآراء في ما يخصّ ترهبّه في أواخر حياته، لكن لا يوجد رأي قاطع
بهذا الشأن، إذ لا نعرف الكثير عن حياته بين 1391 و1399، سنة وفاته. وإضافة إلى ما
ذكرنا، له أعمال أقلّ شهرة، هي مقالات
تفسيريّة في سِفر حزقيال النبيّ، وعدد من الخطب الدينيّة والدنيويّة، ومقالات
فلسفيّة وعلميّة مختلفة، وبعض الشعر ورسائل كثيرة. انتشرت أعماله الروحيّة سريعًا
في أهمّ أديرة العالم الأرثوذكسيّ اليونانيّ والسلافيّ. وتُرجمت إلى اللاتينيّة في
أواخر القرن السادس عشر.
أعلنت كنيسة القسطنطينيّة قداسته في العام 1984.
القسم الأوّل من أقواله 1
التألّه
1 – نحن البشر نصير آلهة وأبناء لله. وقد تشرّفت طبيعتنا فصار الله إنسانًا وارتفع جسد الإنسان. ارتفع الغبار إلى العلاء حتّى صار مشاركًا للطبيعة الإلهيّة على العرش.
2 – المسيح يتدخّل بلا انقطاع، لا بالكلام أو بالطلبات، بل بالأعمال. يوحّدنا به، ويشركنا بنعمه الخاصّة، كلّ بحسب درجة استحقاقه وبرّه.
3 – تكمن الحياة في المسيح بالتعاون بين ما هو إلهيّ، خاصّ بالله، وما هو بشريّ، أي إرادتنا الحرّة وجهدنا وحماسنا.
4- في الله نحيا وننتقل روحيًّا من هذا العالم المادّيّ الى العالم السماويّ غير المنظور. إنّنا لا نغيّر مكانًا، بل نغيّر طريقة الحياة ومناهجها. نحن لم نتحرّك ولم نصعد إلى الله، بل الله تنازل وقدم إلينا. لم نطلبه نحن، بل هو الذي جاء يطلبنا. غرس حياة السماء في نفوسنا، وأدخل إلى جسدنا الفانيّ المائت الحياة الخالدة. إنّنا نحن البشر، نصير بالنعمة الإلهيّة، آلهة وأبناء الله. وقد تشرّفت طبيعتنا، فصار الله إنسانًا، وارتفع جسد الإنسان إلى العلاء حتّى صار مشاركًا للطبيعة الإلهيّة. جعل الله الغاية من وجودنا التشبّه به لنصير شركاء في خيراته الأبديّة.
علاقتنا بالمسيح
5 – لا يفترض التزامنا المسيح أي امتحان إضافيّ.
فليس علينا احتمال المشقّات أو إنفاق الأموال. ولا يتأتّى منه أيّ عار أو خزي. وهو
لا يمنعنا عن ممارسة مهنتنا ولا يقيم أيّة حواجز أمام اهتماماتنا. فالقائد يستمرّ
في قيادته والمُزارع في زراعته والحرفيّ في عمله. لسنا مضطرّين إلى الانعكاف في
مكان ما في الصحراء أو تناول طعام غريب أو ارتداء ملابس مختلفة أو إلحاق الضرر
بصحّتنا أو المجازفة بحياتنا. يستطيع المرء أن يفكّر بالله من دون أن يخسر شيئًا،
يستطيع ذلك في بيته. فنحن لا نغيّر مكاننا بل طريقة حياتنا ومنهاجها.
6 – واجب الذين يسمّون باسم المسيح المشترك،
والذي عليهم أن يحقّقوه جميعًا، والذي لا يمكن لأيّ سبب، مهما كان، أن يحرّر منه
المتهاونين، إن كان يتعلّق بالصحّة، أو البعد، أو الصحراء، أو المدن، أو الضجّة،
أو أيّ عذر يتعذّر به المتّهمون، لأنّ لا شيء بمكنه أن يعارضه، ويستطيع الجميع
القيام به، هو ألاّ نحارب مشيئة المسيح، بل أن نطابق حياتنا لما يرضيه بإتمام
أحكامه بشتّى الأساليب. وصايا المخلّص هي وصايا مشتركة لجميع المؤمنين. إنّها
ممكنة التطبيق لمّن يريد. إنّها من الأساسيّات الملحّة التي بدونها لا يمكن
الاتّحاد بالمسيح.
7 – علينا أن نعلن أنّ المسيح الذي يدعونا إلى وليمته يجاهد إلى جانبنا. غير أنّ رفيق الجهاد لا يمدّ يد المساعدة للكسالى والمتباطئين، بل للمقدامين الذين يجاهدون بكرامة وكلّ شجاعة وقوّة ضدّ العدوّ. عندما يمنحنا المسيح نعمه يزوّدنا بكلّ ما من شأنه تعزيز شجاعتنا وترسيخ مواظبتنا على الجهاد والظفر. عندما يجاهد إلى جانبنا، فهذا لا يعني أنّه يقوم بالعمل كلّه وحده.
8 – الحياة في المسيح الخفيّة تظهر بنور الأعمال
الصالحة، أي بالمحبّة. الحياة في المسيح تفرضها المحبّة على قدر الجهد البشريّ،
فمحبّة المسيح اتّحاد به وهذا الاتّحاد يشكّل الحياة الحقيقيّة. المحبّة هي القوّة
الوحيدة التي يجب أن تحرّك المسيحيّ الحقيقيّ. كلّ الأشياء ستبطل في الحياة الأخرى،
أمّا المحبّة فستبقى لأنّها ضروريّة لغبطة الحياة. يمكننا تسميتها حياة، إذ هي اتّحاد
بالله لا يقودنا فيها ولا تحرّكنا سوى الله المحبّة نفسه. وحدها الحياة التي هي
محبّة تصمد وتعطي الأحياء أن يستمرّوا في العيش عندما يزول كلّ شيء.
9 – عبر التأمل والتفكّر بحياة المسيح كلّ يوم،
تعلّمنا محبّته التواضع وتظهر لنا مدى ضعفنا البشريّ إلى حدّ النواح. تجعلنا
محبّته ودعاء وعادلين، متسامحين ومعتدلين، أدوات سلام ووفاق بين البشر. نصبح
مأخوذين بالمسيح وبالصلاح لدرجة احتمال إهانات بعضنا لبعض.
10 – العيش في حضرة الله المقدّسة هو فرحنا التامّ. من أجل الحفاظ على ذلك، علينا تركيز ذاكرتنا على كلّ ما يتعلّق بالمسيح. فلنفكّر به بدون كلل أو ملل. لنتأمّل حياته عندما نكون وحدنا ولنستلذّ الحديث عنه مع الآخرين. يجب تجسيد انشغالنا به، بقدر الإمكان، طوال حياتنا، أو على الأقلّ في غالبيّة الأوقات.
11 – يجب أن تسود الأفكار التي للربّ على مخيّلتنا، وأن تسري في نفوسنا وتصبح شغل عقلنا الشاغل. لنفكّرنّ بالربّ ولنتكلّم عليه في وسط الجماعة. لنشعر بالفرح عندما يكون الكلام على المخلّص، لأنّه بالدرس المتواصل سيحتلّ المخلّص قلوبنا وسيملك على أرواحنا.
12- يستطيع المرء أن يجرّدنا من ثيابنا قسرًا عنّا. يمكنه أن يجرّدنا من أجسادنا، أمّا عن المسيح، فلا، إذا لم نرد نحن. لا يستطيع ذلك لا إنسان ولا شيطان.
13- جاء السيّد وفتّش عنّا فوجدنا. لا يريد أن يبقى مكان فارغ في قلبنا من دون أن يملأه بحضوره. جاء كمحسن وأخ، فدفع ما كان يجب أن ندفعه نحن.
14- اشترانا المسيح بدمه الكريم، ونحن كلّنا ملك له. ليس غير المسيح يستحقّ محبّتنا، ويجب أن نخدمه، ونكرّس ذاتنا وجسدنا ونفسنا ومحبّتنا وعقلنا وعملنا له.
15- بموجب طبيعته وإرادته وأفكاره العاقلة، يتوق الإنسان نحو المسيح، ليس فقط لأجل ألوهيّته التي هي غاية كلّ الأشياء، بل أيضًا من أجل طبيعته الأخرى، إذ كلّ محبّة الإنسان تستريح فيه، وفيه تكمن لذّة أفكاره. إن أحببنا أيّ شيء عداه واعتبرناه، نكون بوضوح قد نكثنا الهدف المرجو وابتعدنا عن أسس طبيعتنا الأصليّة.
16- يسكن المسيح فينا ويملؤنا كلّيًّا بحضوره. لا نشترك بشيء منه، بل به بكلّيته. لا نحصل على بعض الشعاع ولقليل من النور، بل نحصل على القرص الشمسيّ ذاته. هكذا نسكن فيه، وهو يسكن فينا إلى حدٍّ نصير فيه روحًا واحدًا معه. فكلّ شيء فينا، نفسنا، وجسدنا وكلّ خواصنا تصبح روحيّة، لأنّها اتّحدت به كلّيًّا. تتّحد نفسنا بنفسه، وجسدنا بجسده، ودمنا بدمه.
17- نحن مدعوّون إلى المأدبة الاحتفاليّة حيث نأخذ حقًّا المسيح في يدنا ونتقبّله في فمنا. ندمجه مع نفسنا، ونوحّده مع جسدنا، نمزجه بدمنا. هو الرأس الذي يقود الذين يقبلوا المخلّص ويتعلّقون به، وهم ليسوا سوى أعضائه المكيّفين.
18- لا يغيب المسيح عن أيّ مكان. يتعذّر إذًا ألاّ نجده فينا. هو يسكن في كلّ مَن يفتّش عنه، في أعماق قلوبهم.
19- قربى المسيح منّا أعمق من كلّ ما يمكننا تخيّله. المسيح أقرب إلينا من أقربائنا، وأهلنا وحتّى من ذواتنا.
20- يحيا المؤمنون في المسيح. يفرحون لما يُفرحه ويحزنون لما يُحزنه. فهم يجسّدون مشيئة المسيح في الزمن. يتكلّمون وكأنّهم أفواه المسيح ويشهدون لحقيقته. ويعملون وكأنّهم يدا المسيح فيصنعون العجائب.
سرّ الشكر
21 – يا للسرّ العظيم الذي لا يُدرك! نتّحد مع المسيح اتّحادًا يصبح فيه فكر المسيح فكرنا، وإرادته إرادتنا، وجسده جسدنا، ودمه دمنا. ماذا يصير بروحنا عندما يمتلكه الروح الإلهيّ؟. ماذا يحلّ بمشيئتنا عندما تخضع للمشيئة المباركة؟. ماذا يحدث لجبلتنا عندما يتغلّب عليها مثل هذا النار؟ يا لعظمة سرّ الشكر المقدس! إنّه يشكّل قمّة الارتفاع البشريّ لأنّ الله يتّحد بنا بواسطته اتّحادًا كلّيًّا ونهائيًّا.
22 – يصبح الإنسان المتّحد بالمسيح سماويًّا لا بروحه فقط، بل بجسده أيضًا.
23- ليس سرّ الشكر كباقي الطقوس إذ هو كامل، ويوصل إلى قمّة الخيرات، بما أنّه يوجد فيه هدف التعب البشريّ الأسمى. لأنّنا نلاقي فيه الله نفسه الذي يتّحد بنا اتّحادًا كلّيّ الكمال.
24-الخبز الذي يقوّي حقًّا قلب الإنسان، هذا الخبز الآتي من السماء ليعطينا الحياة، والذي علينا أن نسعى لأكله من كلّ قوانا، هذا الخبز سيقتلع من نفسنا كلّ لا مبالاة مشوّشة. بجعلنا هذا الطعام مأكلنا الدائم، نتّقي الجوع. ويجب علينا، لحجّة ألاّ نفرط من تناول الأسرار، ألاّ نبتعد أكثر ممّا يليق عن المائدة المقدّسة، والمساهمة في إضعاف نفسنا إلى حدّ كبير، بل علينا بعد أن نكون اقتربنا من الكهنة بشأن خطايانا، أن نشرب الدم الذي ينقّي.
25- لا يوجد رابط دم، ولا قرابة ولا بنوّة، سوى عندما نتناول المسيح.
26- دم المسيح يحوّل القلب الذي يتلقّاه إلى هيكلٍ لله، أكثر بكثير من الدم الذي رُشّ على جدران سليمان.
27- إن تذكّرنا دومًا المائدة المقدّسة والدم الذي احمرّ به لساننا، لن نفتح فمنا على لسان منحرف، ولن تتّجه أعيننا، وخطواتنا، ويدنا نحو أيّ شرّ.
28- نلتقي الله نفسه في سرّ الشكر، إذ يتّحد الله معنا اتّحادًا كاملاً، ونصير روحًا واحدًا مع الله. أيّ شركة يمكن أن تكون حميمة مثل هذه!
29- عندما توجد قوى مختلفة في مكان واحد، لا تتيح القوى الكبرى للأصغر أن تبقى على حالها الأوّل: فلا يعود للحديد شيئًا منه عندما يلتصق بالنار. من الواضح إذًا أنّ المسيح يمتزج بنا وينبسط فينا، وأنّه يحوّلنا إلى ذاته، كنقطة الماء الصغيرة في أوكيانوس عظيم من الميرون المقدّس.
30- يسمّون المؤمنين قدّيسين نسبة إلى الشيء المقدّس الذي يشتركون به، والذي يتناولون جسده ودمه. فنصير أعضاءً في هذا الجسد، ولحمًا من هذا اللحم، وعظامًا من تلك العظام، طالما نبقى متّحدين ومرتبطين به، ونعيش حياة مقدّسة، مستدعين بواسطة الأسرار المقدّسة القداسة التي تأتي من هذا الرأس وهذا القلب. لكن إن انفصلنا عنه، ننفصل عن كلّ هذا الجسد. وعبثًا نذوق الأسرار المقدّسة، لن تمرّ الحياة في أعضاء ميّتة ومبتورة.
31- بواسطة سكب دمه في قلوب المُسارين، يفجّر فيهم حياته الخاصّة.
- تسمح
لنا المائدة المقدّسة بأن نستعمل القوّة التي حصلنا عليها في المعموديّة والسلاح
الذي أخذنا بواسطة المسحة الميرونيّة، وأن نتابع عمل الصلاح، ليس فقط كأناس غير
مخيّرين يُفرض الصلاح عليهم، بل باندفاعنا الذاتيّ العفويّ وتحرّكنا كأناس
تدرّبوا على السباق.
32- تسمح لنا المائدة المقدّسة بأن نستعمل القوّة التي حصلنا عليها في المعموديّة والسلاح الذي أخذنا بواسطة المسحة الميرونيّة، وأن نتابع عمل الصلاح، ليس فقط كأناس غير مخيّرين يُفرض الصلاح عليهم، بل باندفاعنا الذاتيّ العفويّ وتحرّكنا كأناس تدرّبوا على السباق.
33-
هذه هي قمّة الحياة!. لا كلام بعد عن الموت، والقبر أو حياة فضلى، إذ علينا أن
نقتني الذي قام من بين الأموات. المسيح يصير طعامًا لنا في الإفخارستيّا، علمًا
أنّ الأطعمة ليست الحياة، بل تساهم فقط في الحفاظ على حياتنا. هذا لا ينطبق على
المسيح عندما نؤكّد أنّه طعامنا في الإفخارستيّا، لأنّ يسوع هو الحياة، وهو الذي
يحوّلنا إلى جسده، ويماثلنا مع ما نأكل.
34- تجعلنا الإفخارستيّا أقرب من المخلّص أكثر بكثير من قرابتنا تجاه أهلنا. الذين ينفصلون عن أهلهم يستمرّون في الحياة، لكنّ الانفصال عن المسيح يسبّب الموت.
35- نحن مدعوّون إلى المأدبة الاحتفاليّة حيث نأخذ حقًّا المسيح في يدنا ونتقبّله في فمنا. ندمجه مع نفسنا، ونوحّده بجسدنا ونمزجه بدمنا. هو الرأس الذي يقود الذين يقبلون المخلّص ويتعلّقون به، وهم ليسوا سوى أعضائه.
36- إذا حفظنا ذكرى المائدة المقدّسة والدم الذي لوّن لساننا، لا نعود نتفوّه بأيّ كلام قبيح . ولا تتّجه أعيننا أو خطانا أو أيدينا نحو أيّ شرّ.
37- لا
يمكننا الاكتفاء باستقبال الحياة والبقاء على سلبيّتنا، كما لو حصلنا على كلّ شيء.
علينا أن نفتّش عمّا يجعلنا نحافظ على هذه الحياة!. فلنسعى الآن لأن نجد ما يجب
عمله كيلا نخسر سعادتنا.
_____________
1- مقتبس من الجزء 20 (قيد الإعداد) من سلسلة "تأمّل وصلِّ مع مسيحيّي القرن الرابع عشر.