خواطر في القدّاس الإلهيّ ومحاورة الربّ في كتابه المقدّس
ريمون رزق
النور العدد الثاني 2016
في الكنيسة أمران أساسيّان يساعدان على توطيد علاقتنا بالربّ يسوع، وعبره بالإخوة، ألا وهما القدّاس الإلهيّ والكتاب المقدّس. يزيّن لي أنّنا بحاجة ماسّّة إلى تقويم تعاطينا معهما. برأيي نحن لا نسعى بما فيه الكفاية إلى البحث في كيفيّة عيشهما، ليكونا وسيلة ارتباط وثيق بالربّ يسوع وبالإخوة. ليس القدّاس الإلهيّ شأنًا فرديًّا يستقي منه كلّ واحد ما يناسبه، معتبرًا أنّ المناولة التي ينتهي إليها (كثيرًا من الأحيان بدون توبة واعية) تبرّره. القدّاس الإلهيّ مسيرة جماعيّة يستحيل من يشترك فيها عضوًا في جسد المسيح، وتاليًا أخًا لكلّ البشر. تبدأ مسيرة القدّاس الإلهيّ قبل أن يبدأ ولا تنتهي بانتهائه. قال لي أحد الأطفال (من منظّمات الطفولة) إنّه يحيا طوال الأسبوع في ذكرى، وفرح القدّاس الإلهيّ، الأحد الماضي والمناولة التي أقدم عليها فيه، وفي انتظار حميم للقدّاس الإلهيّ الأحد التالي. فَهِم هذا الطفل عمق الحياة الليتورجيّة التي تنير كلّ أيّام الحياة، وتجعلنا نخرج من الكنيسة مسلّحين ليس فقط بالمناولة المقدّسة، بل بالتعبير عن محبّتنا بعضنا لبعض التي تسبق في القدّاس الإلهيّ إعلان إيماننا وتبرّره (»لنحبّ بعضنا بعضًا لكي نعلن (إيماننا)«، وحاملين إلى العالم خبرة الوحدة الكيانيّة التي تجمعنا بيسوع، الذي نصير جسدّا من جسده ودمًا من دمه، فيدعونا إلى ملاقاته في سرّ القريب. القدّاس الإلهيّ مسيرة توصلنا إلى السماء وتعيدنا إلى الأرض مع الربّ يسوع. إنّه ليس فرضًا روحيًّا »نحضره« لنتمّم »واجباتنا الدينيّة«، بل هو ما يجعلنا نساهم في تكوين كنيسة الربّ، إن عشناه كما يقتضي حيث نفعّل، بهذا العيش، كهنوتنا الملوكيّ، وندخل في علاقة صميميّة مع يسوع وإخوته. علاقة لا يمكننا أن نتخلّى عنها أبدًا لأنّها تمسي الغذاء الذي لا يمكن الاستغناء عنه، والذي ينير مجرى حياتنا كلّه. فهل نشدّد في الكنيسة على شرح هذه المسيرة وعيشها، أو نكتفي بشرح الرموز والقشور؟
تحصل ملاقاة المسيح هذه مع الإخوة أيضًا في تأمّلنا الكتاب المقدّس الذي يجب أن يكون عمليّة حوار بيننا وبين الربّ، نتعلّم فيه كيف نتصرّف لكي نتمثّل به ونعامل الآخرين كما فعل. فلنحذر من أن يتقن بعضنا شيئًا من التفسير الكتابيّ العلميّ ويغفل اللقاء الشخصيّ بيسوع عبر كلامه. فإن اقتصرت قراءتنا الكتاب المقدّس على الصعيد العقـليّ، فقط، ولـم تتجسّد في حياتنا اليوميّة وتصرّفاتنا، فلن توصلنا إلى اللقاء الذي نصبو إليه. التأمّل الكتابيّ هو حـوار بين المتـكـلّم، الـذي هو يسـوع، وروحـه القدّوس، عبر الذين كتبوه والقارئ. هو حوار يتعلمّ منه الإنسان القـارئ كيـف عاش الإنسـان-الإله المتكلّم- بيننا ويتمثّل به. الحياة في المسيح، التي نتذوّقها في القدّاس الإلهيّ، ننمّيها ونحافظ عليها خلال الأسبوع بواسطة الكتاب المقدّس. ليس التأمّل بالكتاب فقط، عملاً عقليًّا، بل هو حوار بين قلبين ومدرسة نتعلّم فيها السلوك بموجب فضائل الربّ.
لا بدّ من أن يرتكز الإرشاد في الكنيسة على فهم كيفيّة عيش القدّاس الإلهيّ والكتاب المقدّس فهمًا صحيحًا، وتسليط نورهما على مشاكلنا الحياتيّة وشهادتنا. إذ الأساس أن نُطعَّم أوّلاً بطعم كرمة الخلاص التي هي الربّ يسوع الفادي. لذلك يجب أن نذكّر الإخوة دومًا بأنّه حاضر بيننا، لأنّه وعدَ بأن يكون مع كلّ مَن يجتمع باسمه، فتصير اجتماعاتنا مطارح لقاء معه وتدرّب على الحياة فيه ومع الإخوة.l