إنجيل يوحنّا – الإصحاح 9
ريمون رزق
1- يوجد في الأناجيل عدد من روايات متعلّقة بالعميان
·
أعمى أريحا (أو أعميان عند متّى) في الأناجيل الإزائية (مر 10 – 46) (لو
18: 35) (متّى 10: 29)
·
أعمى بيتصيدا (أو أعميان عند متّى): متّى 9: 27 – مر 8: 22
·
رواية يوحنّا الحاضرة
غير العدد، يوجد فوارق بين الروايات: في بعضها يسوع يلمس
العينَين قبل الشفاء. وفي إحداها يتفل ثم يلمس. وفي يوحنّا توجد أمور أخرى.
2- شفاء العميان يدلّ على مجيء الزمن الماسيانيّ. كما يقول أشعياء: "في ذلك اليوم يسمع الصمّ أقوال
الكتاب وتبصر عيون العمي بعد الديجور والظلام" (أش 29: 18) "وعندئذ تنفتح
عيون الناظرين وآذان السامعين تصغي" (أش 32: 3).
3- يربط يوحنّا الحادثة بالغسل والماء ويعطيها إشارة واضحة إلى المعموديّة التي "تغسل
خطايا عمانا الأوّل فتجعلنا أحرارًا للحياة الأبديّة"، كما يقول ترتليانوس
والعديد من الآباء من بعده.
4- تتميّز رواية يوحنّا أيضًا بأنّ الأعمى هو أعمى منذ
ولادته. ولهذا دلالات كثيرة سنأتي على ذكرها في سياق الحديث،
ولكنّها تشير بصورة خاصّة إلى أنّ الإيمان بيسوع لا يعيدنا إلى استعادة حالة سابقة
كنّا عليها وفقدناها، بل يتطلّب منّا ولادة جديدة – انقلابًا كلّيّا – تغييرًا
جذريًّا – الانتقال من حالة إلى حالة أخرى كلّيّة الجدّة. يقول النصّ في آخر
الرواية: "أؤمن يا رب وسجد له". قرن القول الإيمانيّ بالفعل – السجود
هنا ليس انحناءً بسيطًا – علامة احترام – لياقة – أو حتّى مجرّد تعبير عن شكر، بل
هو انقلاب كلّي (métanie)، هذه الكلمة
التي تعني بالونانيّة أيضًا التوبة.
5- من أخطأ؟ هو أو أبوَيه؟
·
هذا هو التساؤل الأساسيّ عند البشر. هكذا كان وما يزال. لماذا المرض؟ لماذا
الشرّ؟ مَن المسؤول؟ الله؟ الإنسان؟ وماذا إذا وُلِد الإنسان مريضًا؟ أهو يدفع عن
خطايا أهله؟ عشيرته؟ جنسه؟ خطايا اقترفها في بطن أمّه أو في حياة سابقة؟ كان يوجد
فعلًا اعتقاد عن خطايا يحملها الطفل وهو في بطن أمّه أو من حياة سابقة. "وقد
كنت صبيًّا حسن الطباع ورزقت نفسًا صالحة ثمّ بازديادي خلاصًا حصلت على جسد غير
مدنّس" (الحكمة 8: 19 و20). وكان يوجد في
العهد القديم رابط بين خطيئة الأهل والأبناء، إذ نجد فيه: "نفتقد ذنوب الآباء
بالبنين وفي بني البنين إلى الجيل الثالث والرابع" (خروج 34: 7). مع العلم
أنّ إرميا وحزقيال حاربا هذا الربط بين الآباء والبنين، قائلين: "في تلك الأيّام
لا يُقال بعد أنّ الآباء أكلوا الحصرم وأسنان البنين ضرست. بل كلّ واحد بإثمه يموت
وكلّ إنسان يأكل الحصرم فتضرس أسنانه" (إرميا 31: 29 و30). و"ما بالكم
تتمثّلون بهذا المثل على أرض إسرائيل قائلين الآباء أكلوا الحصرم وأسنان البنين
ضرست؟ حيّ أنا يقول السيّد الربّ لا يكون لكم بعد أن تتمثّلوا بهذا المثل...
النفوس التي تخطأ هي تموت" (حزقيال 18: 2-4).
·
بقي اليهود على اعتقادهم الأوّل. لذلك عند الصلب قالوا "فلتكن علينا
وعلى أبنائنا".
·
إذًا يوجد اعتقاد أنّ الإنسان يدفع ثمن
ما على خطاياه. فلنتذكّر أصدقاء أيّوب الذين كانوا يسعون لإيجاد الخطيئة التي
كان أيّوب يدفع من أجلها: "الله يجازي البشر على حسب أفعالهم وينال الإنسان على حسب
فعله" (أيّوب 34: 10 – 11).
6-
هناك إذًا في الكتاب علاقة بين المرض والخطيئة بصرف النظر عن
مسؤوليّة الخاطئ.
·
* خلق الله
الإنسان ليعيش في السعادة. رفض الإنسان وابتعد عن الله مصدر الحياة والسعادة والغبطة.
فكان الموت والمرض. إذًا المرض ليس من صنع الله. الإنسان خُلق ووُضع في حضرة الله:
"وضعه في الفردوس". ولكن خلقه الله حرًّا فرفض. سبب المرض هو بسبب ما
نسمّيه الخطيئة الأصليّة.
· الإنسان، المخلوق بعج آدم، غير
مسؤول شخصيًّا عن هذه المعصية التي تتسرّب إليه من خلال هذه الطبيعة المعطوبة التي يرثها من جيل إلى
جيل. "خطيئة واحد جرّت كلّ البشر إلى اللّعنة" يقول بولس في رو 5:
18 أو 14 أو 15.
· لا توجد علاقة حتميّة بين المرض وخطايا الإنسان أو
أبوَيه. جواب يسوع قاطع: "لا هو ولا أبوَيه" (يوحنّا
9: 1 – 3). كذلك تعطي رواية المخلّع الدلالة نفسها (متّى 9: 1 – 6، مر 2: 21، لو
5: 17) إذ يفصل السيّد بين "مغفورة كلّ خطاياك" وبين قوله اللاحق
"احمل سريرك وامشِ"، إذ لو كان يوجد علاقة نهائيّة بين المرض والخطيئة
لم يكمن بحاجة للقول الثاني وكان الأوّل يكفي للشفاء.
· من جهة أخرى ليس آدم هو وحده المسؤول. للشيطان قسط في
المسؤوليّة في سقوطه. وبقدر ما نخطئ نحن نشترك في مسؤوليّته. كلّ خطيئة نقترفها بحقّنا أو بحقّ الأخوة تجعل منّا
مشاركين بخطيئة آدم وليس فقط وارثين لطبيعته المعطوبة.
7. مهما كان
الأمر، يطرح عذاب البار تحدّ كبير. يطرح سفر أيّوب هذا التساؤل بشدّة وكذلك
بعض المزامير حيث نجد إقرارًا بآلام البار وفي أشعياء الثاني في الكلام عن رجل
الأوجاع الذي يتمرّس بالعاهات ويُساق إلى الذبح وهو بار. أمام هذا الإقرار
بآلام البار لا يوجد جواب في العهد القديم. يسوع أتى بجواب في عمله الفدائيّ. لا
جواب إلّا بالصليب حيث اختار بار أن يتألّم عن كلّ الشعب. هذا البار (يسوع)
ليس له علاقة بخطيئة آدم ولم يخطئ شخصيًّا لكي نقول أنّه أو أبوَيه مسؤول عن الشرّ
والألم والمرض... الصليب هو الجواب الوحيد الممكن لهذا التساؤل الكبير والموجع. لا
يعطينا يسوع جوابًا عن سرّ الألم. يشاركنا آلامنا، هذه الآلام التي أوصلتنا إليها
خطايانا. لا يبرّر الألم – لا يفلسفه – بل
يشاركه – يذوق العذاب – يتوحّد مع المتألّمين – يموت.
8. إلى جانب
هذا الجواب يفتح العهد الجديد بعض الآفاق الجديدة لقبول أو لفهم أفضل للألم والمرض
والمصائب.
·
يقول لوقا (13: 1 – 5) إنّ النكبات تحثّنا على التوبة: "إن لم
تتوبوا تهلكوا جميعًا".
·
وتذكّرنا أنّ استفقاد الله رحمة ومناسبة تُعطى لنا لنستيقظ ونتوب، وألّا
ننظر إلى مصائب الناس بشماتة، بل أن نتعاطف معهم ونساعدهم على تخطّيها أو
التخفيف من وطأتها. يقول بطرس الرسول: " أنّ مَنْ تألّمَ في
الجَسَدِ اَمتنَعَ عَنِ الخَطيئَةِ" (1 بطرس 4: 1).
·
يقول بولس (غلا 3: 13) إنّه في يسوع بادت اللعنة، وحتميّة الشرّ، إذ
"المسيح صار لعنة من أجلنا".
·
يعلّمنا الله كيف نتغلّب على اللعنة بالغفران (1 كو 13: 5) وبالمحبّة
(كولوسي 3: 13) "محتملين بعضكم بعضًا ومسامحين"، أو بقوله:
"أحبّوا... أحسنوا... صلّوا.." (متّى 5: 44).
·
لا يمكن المسيحي أن يلعن (1 بطرس 3: 9). لا يمكنه أبدًا تبنّي قول العهد
القديم "ملعون الذي يلعنك". عتيه أن يبارك.
·
يمكن أن يكون الألم بالنسبة إلى المسيحيّ مشاركة بآلام السيّد. ليس أن يكمّل،
بل أن يشترك ويلتحق بالمسيح على الصليب
(متّى 10: 38، 16: 24)، ويتمّم، كما فعل بولس الرسول، في جسمه "نقائص شدائد المسيح" (كول 1: 24). وفرصة
لملاقاة يسوع في المرض والمريض: "كنت مريضًا فزرتموني" متّى 25: 36).
علينا مساعدة المريض باستفقاده وتخفيف آلامه.
·
الألم يعلّم الصبر. يقول الربّ: "مَن يثبت إلى النهاية يخلص"
(متّى 10: 22)، و"بصبركم تقتنون نفوسكم" (لوقا 21: 19). ويرشدنا بولس الرسول أن نكون "صَابِرِينَ
فِي الضِّيْقِ" (رومية 12: 12).
9.
جواب يسوع للأعمى في المقطع الذي ندرس يتجاوز كلّ مفاهيم سامعيه. يكسر نظام
الجدليّة، السبب والنتيجة. يتجاوز الربط بين الخطيئة والألم. لا ينتقدهما. لا يرفضهما. يرفعهما
إلى نظام جديد، إلى عالم متحرّر من الجدليّة. ليس
المهمّ التمحّص بالأسباب والمسؤوليّات، المهم أن نتساءل ماذا يجب أن نفعل عندما
تحلّ المصيبة. كان التلاميذ يفتّشون السبب. أمّا يسوع فيقلب المقاييس – يغيّر
المنطق ويوجّههم إلى الهدف: المصيبة مناسبة لإظهار مجد الله إذا عرفنا كيف
نتحمّلها ونتعامل معها، ليس كوضع مأساويّ، حتميّ، نهائيّ ( لا حول ولا قوّة) بل
كإمكانيّة عبور إلى وضع أفضل.
أنا أقول: لماذا
أنا هكذا؟ أهذه غلطتي؟ أو غلطة أهلي أو المجتمع؟ مَن المسؤول؟ مَن المذنب؟
يسوع يقول: لا
تفتّشوا على المذنب، لا تضيّعوا وقتكم بهذا السعي. لن تجدوا المذنب. لن تعرفوا سبب
الشرّ. هذا سرّ. إقبلوا ما أنتم عليه واجعلوا منه فرصة نموّ، تخطّي لإظهار مجد
الله وفعله فيكم. عالجوا الوضع – تخطّوه بملاصقة يسوع في آلامه.
10.
"يجب أن أعمل أعمال أبي ما دام النّهار"
·
تأكيد مجدّد لألوهيّته وعلاقته الخاصّة بالله – "أبيه"
·
تأكيد على أنّه هو نور العالم. "فما بالكم تهتمّون بالعيون والنظر. مَن
يستطيع أن يرى نوري لا يسكن في الظلام وإن كان أعمى". يوجد هنا مختصر لمضمون
الإصحاحات الثلاثة السابقة.
·
"أبي
يعمل دائمًا وأنا أيضًا أعمل" (يوحنّا 5: 17). الله "حيّ". يخرج من
ذاته إلينا بقواه ويتفاعل معنا. عمل الله هو إعطاء الحياة ودعوة الناس للالتصاق
به.
·
في الإصحاحات السابقة كان يسوع يقول: "لم تأتِ الساعة"، وها هو
الآن يقول: "لقد اقترب الليل". وتعني هنا هذه الأقوال القرب من الساعة.
تجدر الملاحظة أنّه في (يو 13: 30) تُستعمل عبارة "وكان ليل"، عندما دخل
الشيطان قلب يهوذا، وكان ذلك قبل ساعة الصليب بقليل.
11.
"تفل
وصنع طينًا وطلى عينَيّ الأعمى" (6)
·
يُذكر هذا العمل أيضًا إلى سفر التكوين، في رواية الخلق حيث جبل الله
الإنسان ترابًا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة (2: 7). نحن هنا أمام عمليّة
إعادة الخلق، ولادة جديدة. بهذا يريد يسوع أن يقول إنّ كلّ إنسان هو أعمى
(بالخطيئة الأصليّة). يولَد أعمى. المادّة لا ترى شيئًا. لا تعرف شيئًا إذا لم تُحرّك
من الروح – روح الله. الإنسان تراب وسوف يعود إلى التراب. أين التراب من النور؟
يقول الآباء أنّ الطين يمثّل بشريّة المسيح، يشير إلى تجسّده، إلى وضعه على
الأرض. إذا التصقنا به، إذا وضعناه على أعيننا، إذا نظرنا من خلاله، إذا لاصق وجهه
وجهنا، سنشفى ويصبح بإمكاننا أن نرى الله في الإنسان، النور في التراب لأنّنا نكون
قد رأينا "نور العالم".
12.
يقول له: "إذهب إلى بركة سلوام (المرسَل) واغتسل"
·
يقول البعض إنّ يسوع هو شافٍ (thaumaturge, guérisseur)، وإنّه كان يعرف أن يستعمل تفاعل الماء والطين ومزاياها
الطبيعيّة.
·
يريد يوحنّا تذكيرنا أنّ الصحوة الجسديّة – الشفاء – هي أداة عند يسوع
للولوج إلى الصحوة الروحيّة. يقول الآباء إنّه بعد أن نؤمن بالتجسّد، علينا أن
نغطس بماء المعموديّة لكي نغسل كلّ الماضي ونحيا مجدّدًا "من الماء
والروح". تشير بركة سلوام بوضوح إلى المعموديّة التي يدعونا إليها المرسَل[1]
الحقيقيّ الوحيد، يسوع الذي وحده هو "مختار الله". "شيلو"
الكلمة العبريّة التي تُرجمت إلى "سلوام" اليونانيّة والتي تعني
"المرسَل". يقول الذهبي الفم: "كما كان يسوع الصخرة الروحيّة، كان
أيضًا هو سلوام الروحيّة، أي المرسَل". ونقرأ في سفر التكوين (49: 10):
"لا يزول قضيب من يهوذا... حتّى يأتي شيلو".
13.
ذهب الأعمى و"عاد بصيرًا" (7)
يوجد تدرّج في المسيرة
الروحيّة يتبع غالبًا المنوال التالي:
1- قبول وضعنا البشريّ والاعتراف أنّنا لا نستطيع رؤية النور
2- الإقرار بأنّ روح الله وكلمته يسكنان في ترابنا:
"الله معنا في الأتّون".
3- علينا تغطيس وضعنا البشريّ مع كلّ تساؤلاته وعقلانيّته
بماء جديد، بوعي جديد (مرسَل من فوق) لكي نُغسل من كلّ رواسب الماضي، لكي ونحن في
الزمن نخرج من الزمن.
4- عندها نعود إلى حيث كنّا ولكن "من طريق أخرى"
(كما فعل الماجوس) قائلين لا ندري ماذا حصل. "كنت أعمى ولكنّي أرى
الآن". أرى لأنّني ساكن في النور. أرى بنور ليس هو نور عينَيّ. العالم هو هو
لم يتغيّر ولكن كلّ شيء يبدو لي مختلفًا. أراه بطريقة جديدة. أتعاطى معه بأسلوب
مختلف. ما عدت وحدي أواجهه، هو (يسوع) ونوره معي.
14.
شكل الجيران: أيضًا وأيضًا
يريدون أن يفهموا. لا يقبلوا الواقع الجديد. لا يكتفون بالإقرار بأنّ الأعمى يرى
ويبادروا إلى الشكر. هكذا هو الإنسان. يطلب آية ولا يكترث لها عندما تُعطى إليه.
كلّ حياتنا مليئة بالآيات. الأعمى لا يعلم مَن شفاه. كلّ ما يعرفه أنّه يبصر وهذا
يكفيه. هذه بساطة الأولاد: "إذا لم تصبحوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت
السموات".
15.
الفرّيسيّون والسبت
تحبس المؤسّسة الروح. تضعه ضمن إطار الأنظمة والفرائض والشرائع والسفسطة. بالرغم من المعجزة لا يعتبروا يسوع آتٍ من
الله لأنّه لم يحافظ على السبت، على الشريعة. لا يعرفوا أنّه حافظ على الشريعة
الأساسيّة التي هي ركيزة كلّ شريعة أخرى – شريعة المحبّة. يسوع يتحنّن على الأعمى.
أحبّه فشفاه.
لا بدّ من فحص للضمير متواصل لكي لا نصبح كالفرّيسيّين.
16.
الاستنجاد بالأهل: اتّخذ أهل
الأعمى موقف بيلاطوس البنطي: "لا نعلم، لا ندري، لسنا مسؤولين". يدلّ ذلك
على الخوف من السلطات وعدم الاستعداد للشهادة من أجل الحقّ. الإيمان هو مسؤوليّة،
هو استعداد للموت من أجل مَن نؤمن، من أجل الشهادة. وليس من الصدفة أن تكون كلمة
"الاستشهاد" (؟؟؟) تحمل معنى الشهادة
ومعنى الاستشهاد في آن.
17.
"أعطي
مجدًا لله": أي قُل الحقيقة، تكلّم أمام الله (يشوع 7: 19).
18.
موسى ويسوع: من الواضح أنّ
يوحنّا يتكلّم ضمن جماعة محارَبة من اليهود ويقارن بين العهدَين.
19.
"ولدت
في الخطايا": هذا ما يؤكّد ما قلناه سابقًا عن ربط اليهود
العاهات الجسديّة بالخطايا.
20.
"سمع
يسوع أنّهم طردوه": طراوة يسوع. لا يتركنا مطرودين بدون استفقاد.
"طوبى لكم إذا عيّروكم...". يأتي إلينا ليوطّدنا بالإيمان: "أتؤمن
أنت بابن الله"؟ [في العديد من المخطوطات يوجد "ابن الإنسان". وقد
استبدلها النسّاخ لأنّهم لم يعودوا يفهمون الألوهيّة التي تتضمنّها عبارة إبن
الإنسان]. إبن الله، إبن الإنسان "هو الذي يكلّمك": "أنا هو".
21.
"قد آمنت وسجد له": الذي يرى (المسيحيّ الذي استنار
بالمعموديّة) يسجد لله "بالروح والحقّ"، بينما الذين رفضوا يسوع المسيح
ما زالوا عميانًا لا يرون.
22.
"حتّى
يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون"
·
بدء الحكمة أن يعرف الإنسان حدوده. تكمن المشكلة الكبرى في الادّعاء، في
تجاهل واقعنا على حقيقته. بدء الصحوة أن نعي أنّنا نيام ونعيش بالأحلام.
·
علينا أن نقرّ أنّنا لا نبصر، أنّنا خطأة. هذه بداية الطريق إلى الاستنارة،
إلى اقتباس النّور ممّن هو النّور: "خذوا نورًا من النّور الذي لا يعروه
مساء". مَن يقرّ بخطاياه ويتوب، تُغفر خطاياه لأنّه اعترف أنّه أعمى.
"لو كنتم عميانًا لما كانت لكم خطيئة".
·
لكن مَن لا يريد أن يتوب، مَن يتشبّث برأيه، مَن يدّعي أنّه ليس بحاجة إلى
الآخرين وإلى الآخر (المصلوب)، هذا هو بالحقيقة أعمى، لأنّه يتّكل فقط على نفسه
ويعتقد أنّه يبصر: "والآن أنتم تقولون أنّكم تبصرون، فمن أجل هذا خطيئتكم
ثابتة".
·
من دون شكّ أنّ يوحنّا يقارن هنا أيضًا بين اليهود والمسيحيّين.
·
يرفض يسوع بهذا الكلام الربط الحتميّ بين المرض والخطيئة أو بالأحرى يقلب
الموازين.
·
التشديد على ضرورة الالتصاق بيسوع واستدعاء روحه لأنّه بدون ذلك لا معرفة
لنا لله. لا يكفي أن نعرف الكتب، علينا أن نطبّق ما نقرأه فيها، وأن نعي أنّه لا
يمكننا اكتساب الأخلاق الإنجيليّة لوحدنا. نحن بحاجة إلى يسوع وإلى إخوته. يجب أن
نقوم بالتفتيش عنه في كلّ مواضع سكناه والتمثّل به في محبّة وخدمة إخوته. إذذاك
فقط سنُبصر. أمّا إذا اكتفينا بذواتنا وانزوينا فسوف نبقى عميانًا. علينا أن نفتح
الأبواب كلّها، أن نخلع الحواجب فينا وفيما بيننا.
كما يقول يوحنّا في رسالته الأولى: "من قال أنّه في النّور وهو يبغض
أخاه فهو في الظلمة حتّى الآن. من أحبّ أخاه فهو ثابت في النّور وليس فيه غبار.
وإنّما من أبغض أخاه فهو في الظلمة يسكن ولا يدري أين يتّجه لأنّ الظلمة قد أعمت
عينَيه" (1 يوحنّا 2 : 9 –11).
يسوع دائمًا على استعداد ليمزج بصاقه (أي طاقته) بأرضنا، بطين قلبنا الأعمى،
لكي نصبح قادرين على المحبّة، لأنّنا "بنوره نعاين النّور".