صدى انفجار بيروت في 4 آب 2020

 ريمون رزق

النور - العدد الرابع 2020

 

الإنسان والكوارث

أمام الفاجعة التي حلّت ببيروت وسكّانها، يصعب على الإنسان أن يتعالى على شعور الخوف والغضب والقلق الذي ينتابه، ولا يستطيع في الوهلة الأولى القيام بأيّ شيء سوى الترحّم على الضحايا، واستفقاد المرضى وتمنّي شفائهم، ومدّ يد المساعدة للمنكوبين. هذا ما فعله كثيرون من شبّان وشابات الحركة وكهولها، لإغاثة إخوتهم المتضرّرين، وتعزيتهم وتأمين الطعام والمأوى للذين يفقدونهما، وذلك تلبية لأبسط واجباتهم الإنسانيّة والمسيحيّة.

في لحظة الكارثة، يواجه مَن خسر كلّ شيء حقيقة الموت. وغالبًا ما يسلم نفسه إلى الخوف، لأنّه لم يتعوّد على مواجهة الموت أو ذكره في حياته، متجاهلاً أو متغافلًا القول الآبائي إنّ مَن يموت على ذاته في حياته لا يخاف الموت، بل يضحى موته عبورًا إلى الحياة. فكرة الموت سيف ذو حدّين. إمّا أن تزيد من القلق والخوف واليأس، وإمّا تُشعر الإنسان الذي يستطيع أن يواجهها بإيمان ورجاء، بحاجته الماسّة إلى الله، مصدر الحياة والمنقذ من الموت.

 

وتنمّي الكوارث عند الإنسان الشعور بالتضامن مع الذين تضرّروا مثله أو أكثر منه. فإذا أُعطي هذه النعمة، وثبت عليها، وباشر فعلًا بإعانة الآخرين بوقته وماله، يخفّ اهتمامه بنفسه وخسارته ومشاكله، أمام عظمة ما أصاب الآخرين. وإذا انكبّ على مساعدتهم بتفانٍ، يكتشف أنّ قلوب المنكوبين تتقارب بدافع ما أنتجته الكارثة فيهم من مشاعر التعاضد والوحدة. لا ينتظر المنكوب كلامًا أو وعظًا، مهما سمت العبارات، بل يريد خدمة ملموسة، استفقادًا، تعزية ومحبّة. كلّ مَن يتجنّد لإعانة المنكوبين، أكان هو منهم أو لم يُصَب بأذى، يمتثل بابن الله الذي بذل نفسه لخلاص الآخرين، ودعى تلاميذه أن يغسلوا أرجل بعضهم بعضًا.

 

في الوهلة الأولى لكلّ كارثة، يكون الوقت للعمل والخدمة وليس للكلام. ويصعب، لكثرة الاضطراب النفسي والضيعان وشدّة الأسى، الإنصات إلى أقوال الربّ وتصعب الصلاة. بل يصل المرء إلى حدّ التساؤل عن دور الله في ما حدث ولماذا سمح به. فيذهب البعض إلى القول إنّ الله غير موجود، لأنّه لو كان موجودًا لما سمح بالكوارث، ناسين أنّ معظم الكوارث ناتجة عن صنعة الإنسان. ويجزم آخرون أنّ الله لا يكترس لآلام البشر ولا يستطيع، أو حتّى لا يريد، مؤاساتهم، ناسين أيضًا أنّ الله أرسل ابنه الوحيد ليشارك البشر آلامهم التي ذاقها على الصليب. ويُسرع البعض الآخر، وهم غالبًا من كثيري التديّن والأصوليّين، إلى التأكيد أنّ الله أراد الكارثة لتأديب البشر لأنّهم ابتعدوا عنه، فسمح للمسيح الدجّال (ضدّ المسيح) أن يتحكّم بمصيرهم، وأراد الكارثة إشارة تنبيهيّة إلى قرب يوم الدينونة.

 

إنّ هذه المواقف، وغيرها كثيرة، مبنيّة عامّة على مفهوم مغلوط عن الله وتدبيره مع البشر. وهي تمثّل مواقف البشر أمام الكوارث، كما ظهرت عبر التاريخ، وكما يصوّرها سِفر أيّوب، الذي كُتب منذ 4000 سنة. يتسأل أيّوب لماذا سمح الله بإخضاعه لشتّى المصائب، يتمزّق وتتقلّب مشاعره بين ما يوحيه إليه أصدقاؤه وعائلته، الذين يحثّونه على التجديف والتمرّد على الله، وبين سابق علاقته الواثقة مع الله. سِفر أيّوب تأمّل في آلام البشر وانعدام فهمهم للشرّ الذي يُصيبهم، وتساؤل حول علاقتهم بالله. نرى أيّوب يعيش ضياعًا، فيصل إلى نكران الله وفقدان أيّ رجاء. يحثّه محيطه أن يبتعد عن خالقه، لكنّه يدخل، رغم شكّه وحزنه، في حوار معه حول معنى الحياة والموت، وسبب الشدائد. يطرح إذًا هذا السِفر مسألة تخصّ كلّ إنسان يتعرّض للضيق على الأرض. انتقد أيّوب الله، طارحًا عليه الأسئلة التي كثيرًا ما نسألها عن صمته أمام مصائب الناس. لكن بعد حين، خرج الله من صمته وكشف نفسه لأيّوب في العاصفة، جاعلًا أيّوب يكتشف هو حقيقة نفسه. وبدل أن يجيب على أسئلة أيّوب، كلّمه الله، قائلًا له: "أنا أسألك وأنت تجيبني"[1]. وإذ كان أيّوب قد عاتب الله أنّه بعيد عن البشر ولا يهتمّ بصعابهم، أراد الله أن يبرهن، بظهوره لأيّوب ودخوله في حوار معه، أنّه قريب منهم. لكن كما "أخطأ أيّوب فلم يفهم صمت الله، لعلّه يخطئ فلا يفهم حضور الله"[2]، قبل أن يُعطى نعمة من لدنه، فيقتنع ويتوب ويصمت، ويُصبح "صمته لغة إيمانه"[3].

 

لا تخافوا!

أمّا نحن، فأُعطينا أن نعلم أنّ الله خرج من صمته، بواسطة روحه القدّوس في العهد العتيق، وبواسطة إبنه في العهد الجديد. إذا أردنا أن نُصغي، نسمعه يقول لنا: لا تخافوا!. لا نعي دومًا أنّ هذه العبارة ومثيلاتها هي من العبارات الأكثر تردادًا في الكتاب المقدّس. إنّها ترد في مجمله نحو 365 مرّة، ونحو 30 مرّة في العهد الجديد. لكن مَن على استعداد أن يسمعها في وسط الكارثة؟

توجد في العهد القديم آيات كثيرة يُعلن الله فيها أنّه موجود مع شعبه، يحميه من الشدائد، طالبًا منه ألّا يخاف بل أن يُحافظ على ثقته به. يقول: "تشدّدوا وتشجّعوا. لا تخافوا ولا ترهب وجوهكم، لأنّ الربّ إلهكم سائر معكم، لا يهملكم ولا يترككم"[4]. ويقول أيضًا: "إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ"[5]. "فلا تخف لأنّي معك"[6]. أمّا المزامير فتركّز مرارًا على معيّة الرب مع عبيده في الأحزان والشدائد[7].

ويقول الربّ في العهد الجديد: "لا تخافوا"، لكلّ مَن يضطرب أمام أمور خارقة للطبيعة[8]، ومَن يواجه هول العاصفة[9]، ومَن يعيش أزمة شخصيّة[10] أو مَن تهدّده الحروب والمشقّات[11]. ويرفع معنويّات الخاضعين للتجارب، قائلًا لهم إنّهم "أفضل من عصافير كثيرة"[12]، لأنّ أباهم السماوي "أعطاهم الملكوت"[13]. ويطلب منهم ألّا "تضطرب قلوبهم (ولا ترهب) لأنّهم يؤمنون به"[14]، وألّا يخافوا "من الذين يقتلون الجسد"[15]. كما يوصيهم ألّا يمنعهم الخوف من أن يبشّروا و"يتكلّموا... لأنّه معهم... فلا يؤذيهم أحد"[16]، بل ينتظر منهم أن "يقفوا أمام قيصر"[17] ويشهدوا.

وقد دعى الرسلُ التلاميذ الأوائل إلى تجاوز الخوف أمام الصعاب، وألّا "يخافوا ويضطربوا"[18]. وأكّدوا لهم أنّه، مهما حدث لهم من شدائد، سوف ينتصرون عليها بمحبّة المسيح، لأنّه "لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا"[19].

خرج الله معنا من صمته، كما مع أيّوب، قائلًا لنا إنّه، بواسطة الإيمان والرجاء والثقة بعنايته، يمكننا تجاوز الصعاب التي تفوق طاقتنا البشريّة، لأنّ روحه يُظلّلنا، وابنه حاضر معنا، إذ هو عمانوئيل. إنّه معنا داخل الأتّون الذي يغمرنا، ويمنع بنداه الإلهي النار أن تلتهمنا. والمسيح، الذي عرف الآلام البشريّة، يشعر معنا ويبكي[20] ويريد مسح الدموع من أعيننا. ولن يترك أبدًا موقعه "في وسطنا، كما كان في الأتّون مع الفتيان الثلاثة، وسيعمد إلى جعل نار الأتّون لا تلتهمنا"[21].

 

"مَن له أذنان للسمع فاليسمع!"[22] هل سنسمع؟

لن نسمع في أوّل الصدمة لأنّها أرعبتنا، ونكون خائفين ومهتمّين بلملمة جراحاتنا. تخرجنا خدمة الآخرين من الاهتمام بذواتنا. إنّها متعدّدة الجوانب، جسديّة ونفسيّة وروحيّة واقتصاديّة. تدفعنا الخدمة إلى نسيان أنانا و"مصيبتنا"، والشعور بهزالة الإنسان، وكم هو قشّة و"زهر عشب"[23] تتقازفه الرياح. ويجعلنا تلوّث أيدينا دماء ووحلًا وزجاجًا محطّمًا نقدّر أكثر هول الكارثة التي ضربتنا[24]، ويخرجنا من العقليّة الأهوائيّة التي كنّا عليها، مرتاحين إلى ما لدينا ومريدينا المزيد، ويُكسبنا تواضعًا يساهم بإنقاذنا. فالتواضع هو "الفضيلة الأسمى التي تشمل كلّ الفضائل،

 إذ تعاكس الكبرياء التي هي منبع الأهواء كلّها، وتعيدنا بالكلّيّة إلى فهم حقيقي للواقع الطبيعي، تاركة للمحبّة فهم الواقع الذي يفوق الطبيعة... فطالما ينقصنا التواضع، وطالما يبقى فينا أثر للكبرياء، لن نشعر، مهما فعلنا، بهذه الرعشة التي يسبّبها فينا الاتّصال بالله"[25]. أمام واقع الناس الأليم، لا بدّ إذًا من الخدمة والخدمة المجّانيّة المحبّة، التي وحدها تُكسبنا التواضع وتُخرجنا من ذواتنا. فنعي أنّ الخدمة تساهم في إنقاذنا، وتجعلنا نمتثل بالذي قال إنّه "أتى لا ليُخدَم بل ليخدُم"[26].

 

ما يقوله الربّ لنا

على المؤمن، عند عودته إلى نفسه في الخدمة بعد الصدمة الأولى، أن يجد وقتًا، في وسط خدمته، ليعود إلى ما قاله الله في كتابه المقدّس. هذا ما يُدعى إليه كلّ مَن يريد أن يكون مسيحيًّا بالحقيقة. "مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ، وَكَانَ الرَّبُّ مُتَّكَلَهُ. فَإِنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ"[27]. أيمكننا، باتّكالنا على الله في وسط الشدائد ورجوعنا إلى كتابه، وحفظ وصاياه أن نكون مثل هذا الرجل؟ أيمكننا، ونحن في ظلال الموت، القيام بتمجيد الله لأنّه يبقى، رغم كلّ شيء، "ملجأ لِلْمِسْكِينِ، حِصْنًا لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ"[28]. أنؤمن حقًّا أنّ الله لن يسمح أن تقضي الشدائد علينا إذا التجأنا إليه، وأنّه سيُعطينا القوّة لنبقى منتصبين، واقفين، مستعدّين لمواجهتها. وإذا فعلنا ذلك بمحبّة، يفهم الآخرون بدون كلام أنّنا من تلاميذ الناصري ويهتدون.

 

لم يخفِ المسيح والرسل عنّا إمكانيّة حصول الشدائد

قد أعلمنا الربّ أنّنا سنواجه الشدائد بقوله لتلاميذه: "في العالم سيكون لكم ضيق، لكن ثقوا أنا غلبت العالم"[29]. ويؤكّد بولس الرسول "أنّه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله"[30]. لكن أكّد الربّ أنّ حضوره بيننا في هذا العالم سيكون "كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر"[31]. لذلك لن "نفشل، بل وإن فنى إنساننا الخارجي، فالإنسان الداخلي يتجدّد يومًا فيومًا"[32].

 

واجهوا الشدائد بفرح وصبر ورجاء ومحبّة

قال أحدهم إنّ "يسوع لم يأتي لإزاله الألم، ولم يأتي حتّى لإعطائه معنى، بل أتى ليملؤه بحضوره"[33]. أتى ليقول لكلّ واحد منّا: "لا تخف، بل أؤمن فقط"[34] لأنّي معك. واجه الآلام بفرح، واجعل منها نبراسًا للتوبة والخدمة. يؤكّد يعقوب، أخ الربّ، هذا الفرح بقوله: "أحسبوا كلّ فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوّعة، عالمين أنّ امتحان إيمانكم يُنشىء صبرًا... لكي تكونوا تامّين وكاملين غير ناقصين في شيءٍ"[35]. غريب هذا الإصرار على الصبر والفرح، بينما يواجه الناس عادة الشدائد بالخوف، أو الغضب، أو القلق واليأس، أو المرارة، أو البحث عن كبش محرقة، أو التحسّر على النفس: لماذا أنا؟، أو اتّهام الله والشعور بالتخلّي. هذه المشاعر كلّها من العالم، وغالبًا ما ننسى أنّنا لسنا من العالم[36]. يقول المطران جورج (خضر) في الصبر: "ترى المسيحيةُ أنّ الصبر مرتبط بالفضائل الثلاث التي ذكرها بولس، أعني الإيمان والرجاء والمحبّة. فالصبر يسبق الإيمان ويتبعه (كما يقول ترتيليانوس في كتابه عن الصبر). كذلك يولّد الصبرُ الرجاء ويولّده الرجاء (كما يقول القدّيس يوحنّا السلّمي). ويساعد الصبر على تنمية المحبّة وهي ثمرته في آن (بموجب قول القدّيس يوحنّا الذهبي الفم في مواعظه على الرسالة الأولى الى أهل كورنثوس)"[37]. ويقول بولس الرسول، الذي "يفتخر بالضيقات" إنّ "الضيق يُنشئ صبرًا، والصبر تزكيّة، والتزكية رجاء، والرجاء لا يُخزي، لأنّ محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا"[38].

 

الصلاة

وأخيرًا، وليس آخرًا، لا بدّ من الصلاة. ثمّة صلوات ونصوص تدعونا إلى اكتساب الصبر والرجاء والفرح والمحبّة. مع الإقرار أنّ الصلاة تصعب علينا في وسط التجارب، فلا غنى عنها لانتشالنا من الهاوية. نجد في المزامير مثلًا نصوصًا كثيرة تصف حالات مشابهة لأوضاعنا المتأزّمة. يصرخ المرنّم في أحدها، مسائلًا الله بجرأة: "إلى متى يا ربّ تنساني؟ إلى متى تحجب وجهك عنّي؟ إلى متى أجعل همومًا في نفسي وحزنًا في قلبي كلّ يوم؟ إلى متى يرتفع عدوّي عليّ؟ انظر واستجب لي يا ربّ إلهي. إنِر عيني لئلّا أنام إلى الموت... أنا على رحمتك توكّلت. يبتهج قلبي بخلاصك. أرتّل للربّ لأنّه أحسن إليّ"[39]. ونجد في مزمور "صلاتي" آخر: "أمِل يَا رَبُّ إِلَيَّ أُذُنَكَ، اسْتَجِبْ لِي، فَإِنِّي مِسْكِينٌ وَبَائِسٌ. احْفَظْ نَفْسِي فَإِنِّي تَقِيٌّ يَا إِلَهِي، خَلِّصْ أَنْتَ عَبْدَكَ الْوَاثِقَ بِكَ. ارْحَمْنِي يَا رَبُّ فَإِنِّي إليك أصرخ طَوَالَ النَّهَارِ. فَرِّحْ نَفْسَ عَبْدِكَ، فَإِنِّي إِلَيْكَ أَيُّهَا الربُّ أَرْفَعُ نَفْسِي. لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ صالح وَغَفُورٌ، وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَكَ. يَا رَبُّ أَصْغِ إِلَى صَلاَتِي وَاسْتَمِعْ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. فِي يَوْمِ ضِيقِي أَدْعُوكَ لأَنَّكَ تَسْتَجِيبُنِي. لَا مثل لَكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ، وَلَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ أَعْمَالِكَ. تُقْبِلُ جَمِيعُ الأُمَمِ الَّتِي صَنَعْتَهَا لِتَسْجُدَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ وَتُمَجِّدَ اسْمَكَ. فَإِنَّكَ عَظِيمٌ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللهُ وَحْدَكَ. عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ فَأَسْلُكَ بِمُوجِبِ حَقِّكَ. وَحِّدْ قَلْبِي لِيَخَافَ اسْمَكَ. أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ إِلَهِي من كلّ قَلْبِي، وَأُمَجِّدُ اسْمَكَ إِلَى الأَبَدِ. لأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ نَحْوِي، وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْهَاوِيَةِ السُّفْلَى. يَا اللهُ قَدْ ثَارَ عَلَيَّ الْمُتَكَبِّرُونَ، وَجَمَاعَةُ الظَّالِمِينَ يَطْلُبُونَ قَتْلِي، غَيْرَ عَابِئِينَ بِكَ. إِنَّمَا أَنْتَ يَا رَبُّ إِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ وَطويل الأناة وَكثير الرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ. الْتَفِتْ إِلَيَّ وَارْحَمْنِي. أَعْطِنِي أَنَا عَبْدَكَ قُوَّتَكَ، وَخَلِّصْنِي أَنَا ابْنَ أَمَتِكَ. اصْنَعْ مَعِي آيَةً لِلْخَيْرِ، فَيَرَاهَا مُبْغِضِيَّ وَيَعْتَرِيَهُمُ الْخِزْيُ، فَإِنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ أَعَنْتَنِي وَعَزَّيْتَنِي"[40].

 

سيسمع الله حتمًا صلاتنا، ويزيل خوفنا بطرق هو يعلمها، ويفتح أمامنا آفاقًا جديدة. ويعلّمنا الاستفادة من الشدّة لنعي أنفسنا بطريقة أفضل ونلمس ضعفاتنا ونكتسب التواضع. ونكتشف الآخرين فنفهم بواسطة الخدمة ومسح الأرجل ما هو المعنى الحقيقي لمحبّة القريب. ونكتشف أيضًا الله تعالى بطريقة أفضل إذا عشنا المصيبة بصحبته في الشكران، وسلّمنا ذواتنا وكلّ المنكوبين إلى عظيم رحمته.

 

"اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟... إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ. واحدة سألت من الربّ وإيّاها ألتمس: أن أسكن في بيت الربّ كلّ أيّام حياتي"[41].

 




[1]  أيّوب 38: 3.

[2]  الأب بولس فيغالي، القراءة المسيحيّة للعهد القديم، سِفر أيّوب، في صفحته الإلِكترونيّة، 1991

[3]  المرجع عينه.

[4]  تثنية 31: 6.

[5]  أشعيا 43: 2.

[6]  أشعيا 41: 10.

[7]  راجع مثلًا المزمور 23 (4) و91 (4-6).

[8]  لوقا 1: 30، متّى 1: 20، 14: 27، 17: 7، و28: 5 و10. مرقس 6: 50. لوقا 1: 13، 2: 10، 5: 10، 24: 38. يوحنّا 6: 20. الرؤية 1: 17 و2: 10.

[9]  متّى 8: 26 ومرقس 4: 40.

[10]  لوقا 8: 50 ومرقس 5: 36.

[11]  مرقس 13: 7.

[12]  متّى 10: 31 ولوقا 12: 7.

[13]  لوقا 12: 32.

[14]  يوحنّا 14: 1 و27.

[15]  متّى 10: 28 ولوقا 12: 4.

[16]  أعمال 18: 9.

[17]  أعمال 27: 24. يعني قيصر السلطات الزمنيّة.

[18]  1 بطرس 3: 12و14.

[19]  رومية 8: 37-39.

[20]  كما قال الاب ليف جيلّليه، راجع "الأب ليف جيلليه، السائح إلى وجه يسوع"، ريمون رزق، تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع، سلسلة "وجوه أرثوذكسيّة"، رقم 1.

 باسيليوس الكبير، العظة في بذل الذات. [21]

[22]  متّى 11: 15.

[23]  ابطرس 1: 24، مزمور  103: 15 ومزمور 78: 39.

[24]  أكثر من مِأتين ميتًا ومفقودًا، آلاف الجرحى ومآت آلاف المشرّدين والمنكوبين، إضافة إلى دمار شامل.

[25]  الأب دمترو ستانيلاو، "لاهوت الكنيسة الأرثوذكسيّة النسكي والصوفي"، منشورات سِرف، باريس، 2011، ص. 227 و229.

[26]  مرقس 10: 45.

[27]  إرميا 17: 7-8.

[28]  أشعيا 25: 4.

[29]  يوحنّا 16: 33.

[30]  أعمال 14: 22.

[31]  متّى 28: 20.

[32]  2 كورنثوس 4: 16-17.

[33]  الشاعر الفرنسي بول كلودِل (1868-1955).

[34]  لوقا 8: 50.

[35]  يعقوب 1: 2-4.

[36]  يوحنّا 17: 14-18.

[37]  مقال في جريدة النهار في 24 تمّوز 2010.

[38]  رومية 5: 3-5.

[39]  مزمور 13.

[40]  مزمور 85.

[41]  مزمور 27: 1-4.

المشاركات الشائعة