هل من لاهوت للعمارة الكنسيّة البيزنطيّة؟ 1

 ريمون رزق

النور - العدد الأوّل 2018

جعلتني مشاهدتي "التحف الفنّيّة" الثلاث: آيا صوفيا القسطنطينيّة وآيا صوفيا كييف وكنيسة المخلّص في كورا، أتوقّف بعد عودتي إلى بيروت، عند بعض النصوص التي قرأتها سابقًا والمتعلّقة ببناء الكنائس البيزنطيّة ولاهوتها. رجعت إليها سعيًا وراء توضيح "سِحر" الكنائس الثلاث، والمعاني التي تُستشفّ من مبناها، ومضمون الفنّ الكنسيّ البيزنطيّ اللاهوتيّ. وسعيًا أيضًا إلى توضيح كيفيّة الانتقال من الشعور الجماليّ والإحساس الفنّيّ أمامها إلى الانخطاف الروحيّ. فرأيت من المستحسن أن أستعرض بعض هذه النصوص عسانا نستخلص منها هذا المعنى اللاهوتيّ.

اصطلح الباحثون، في الشرق كما في الغرب، على إطلاق عبارة "بيزنطيّ" على كلّ ما حدث في الشرق بين السنة 330، أي ابتداء من عهد قسطنطين الكبير، والسنة 1453، تاريخ سقوط القسطنطينيّة، وذلك في كلّ البلدان التي كانت منضمّة آنذاك تحت راية الأمبراطوريّة الرومانيّة "البيزنطيّة"، أو انضمّت تحت لوائها في مرحلة معيّنة من تاريخها. لذلك تُعبّر كلّ المعالم الفنّيّة التي ظهرت في هذه البلاد في تلك الحقبة عمّا يُسمّى "الفنّ البيزنطيّ". ونتيجة للانشقاق الذي حصل بين كنيسة الشرق وكنيسة الغرب، وما نتج من احتقار كلّ ما هو شرقيّ لدى شرائح واسعة من المجتمعات الغربيّة، حتّى المثقّفة منها، فازدرى الغرب هذا الفنّ طويلاً، ونقل العدوى إلى بعض الأوساط الشرقيّة التي تأثّرت به، معتبرة إيّاه مرجعًا أساسًا لكلّ شيء. فاتّهم الغرب بيزنطية والمدنيّة التي أفرزتها بالعقم والتخلّف، ولم يكتشف كنوزها ومساهمتها الفريدة في تطوّر الفنّ الإنسانيّ إلّا في مطلع القرن العشرين، إذ ظهرت آنذاك كتب أعطتها حقّها ودعت إلى التعمّق في دراسة إرثها. في كتاب "دليل الفنّ البيزنطيّ"، الذي صدر السنة 1910، والذي اعتُبر مرجعًا أساسًا لإبراز مكانة الفنّ البيزنطيّ الحقيقيّة، يكتب الأستاذ الجامعيّ العالِم شارل ديال: "طيلة سنوات طوال، اعتُبر الفنّ البيزنطيّ فنًّا جامدًا غير قابل للتجدّد، اكتفى بترداد أعمال قام بها بعض فنّانيه الكبار وتقليدهم، وذلك في ظلّ مراقبة صارمة من الكنيسة. لكن بالتأكيد ما بقيت هذه النظريّة تجد مؤيّدين اليوم. مع ذلك، لا يزال بعض مؤرّخي هذا الفنّ الحاليّين يرجعون إليها بطريقة غير مباشرة، مدّعين أنّ كلّ ما أنتجه هذا الفنّ بعد القرن السادس ليس سوى تقليد لأشياء قدمية انقرضت. بالحقيقة الفنّ البيزنطيّ هو أكثر من ذلك بكثير، ويظهر تاريخه أكثر تعقيدًا ومرونة. لا بدّ من أنّه قلّد ونقل، لكنّه استطاع أن يُبدع ويأتي بأشكال جديدة. لم ينتهِ كما يدّعون بالازدهار الفنّيّ الكبير الذي عرفه عهد يوستنيانوس (القرن السادس)، إذ عرف نهضة هائلة في عهد الأباطرة المقِيدونيّين والكومنينيّين (في القرنَين العاشر والحادي عشر). وعرف نهضة كبيرة أخرى في القرون التي سبقت سقوط القسطنطينيّة[1].

وفي مقدّمة طبعة الكتاب الثانية، السنة 1925، كتب ديال: "أثناء السنوات الخمس عشرة المنصرمة صدرت أعمال مهمّة حول تاريخ الفنّ البيزنطيّ،... باحثة في معالم الفنّ البيزنطيّ،... ومقتنعة بأنّ اللجّة ما زالت قائمة ولا يزال ينقصنا الكثير لنفهم هذا الفنّ على حقيقته، إذ النواقص لا تزال أوسع من الأمور الصلبة التي توصّلنا إليها".

وكتب ميخاليس، الأستاذ في جامعة أثينا، السنة 1959، في كتابه "جماليّة الفنّ البيزنطيّ": "كان من الظلم بمكان اتّهام بيزنطية، والاستمرار بهذا الاتّهام، بأنّها عقيمة وقاصرة في مجال الفنون. يمكن للأعمال التي قامت بها أن تفاجئ الوثنيّين المشدودين إلى عبادة أشكال الفنّ القديم، لكنّها كانت عظيمة، وشكّلت شرطًا مسبقًا ضروريًّا لتقدّم مدنيّة الغرب اللاحقة. لذلك مَن يريد أن يفهم مسيرة المدنيّة الغربيّة الحقيقيّة، وإيقاعها وصعوباتها، ومعرفتها أو عدم معرفتها للمدنيّة القديمة، التي لا تكفّ عن الإعلان أنّها مكمّلتها، لا بدّ من أن يدرك العمق الكامن وراء الفنّ البيزنطيّ"[2].

اعتبر الغرب، في عهد "الأنوار" وبعده، أنّ الفنّ الإغريقيّ الذي طبع الفنّ الرومانيّ هو النموذج الأمثل لكلّ الفنون، واعتبر تاليًا أنّ الفنّ المسيحيّ الأوّل ليس سوى نوع من السقم الذي أصاب الفنّ القديم. ولم يكتشف الغرب خطأه الفادح، لا بل خطيئته هذه، إلّا في مطلع القرن العشرين حيث بدأ يفهم أنّ الفنّ المسيحيّ ليس سقمًا، بل شكّل ثورة حقيقيّة لمفهوم الفنّ، والطريقة التي يجب أن يُنظر بها إليه. وأنّ هذا الفنّ أمّن انطلاقة جديدة ولم يكن انتهاء لأيّام مجيدة مضت.

وساهم العالم الكبير الروسيّ الأصل، والخبير بالفنّ البيزنطيّ، أندريه غرابار، في إقناع الغرب (وأهل الشرق أيضًا!) بعظمة الفنّ البيزنطيّ الذي قارب أفكار أفلوطين بمنطلقات الفنّ المسيحيّ الأوّل، وبيّن التماثل الموجود بين الرؤية المسيحيّة وطريقة اكتشاف الحقّ والمعنى، كما وصفها أفلوطين، أي التماثل بين العين المسيحيّة و"العين الداخليّة" عند أفلوطين. وشابه بين أقوال أفلوطين، أمثال: "الصلاح الذي يفوق الجمال هو مصدر الجمال ومبدأه"، و"الرؤية الحقيقيّة التي تأتي من العين الداخليّة"، و"لا يمكن للعين أن ترى الشمس إن لم تكن صارت شبيهة بها، كما لن ترى النفس الجمال إن لم تصبح جميلة"[3].

ودوافع الفنّ المسيحيّ الذي يعتبر أنّ مهمّته هي في إظهار وجه المادّة الخفيّ، وجعلها تتجلّى بنور الإله غير الهيوليّ. وقد وُجد فعلاً تماثل غريب بين الأيقونوغرافيا البيزنطيّة وما أكّده أفلوطين، ابتدأ من القرن الثالث، على كيفيّة الوصول إلى الحقّ وكيفيّة تصويره بعيدًا عن الملاحظة العاديّة والشعور بالعالم الحسّيّ. إذ يقترح أفلوطين أن نجرّد الصورة عن المادّة، بنزع كلّ عمق للأشياء وكلّ المسافة الفارغة الموجودة بين الشيء والشيء الآخر، لكي نستطيع إدراك شكل الشيء الحقيقيّ، أي الشيء في المطلق. تنتج من ذلك رؤية "على سطح الأمور"، كما يقول غرابار. فالعين المسيحيّة ليست عينًا ساقطة بل أكثر حذاقة ودقّة، قادرة على ولوج قلب المادّة، والذهاب أبعد من المحسوس إلى ما هو أسمى من المحسوس. لكن يتخطّى الفنّ المسيحيّ هذه المفاهيم، إذ إنّه ليس "على سطح الأمور" فقط وبدون منظور، بل يضع بالحريّ الشيء الواحد بالقرب من الآخر في ما يسمّيه الأب بول فلورينسكي[4] "المنظور المعكوس".

قلت إنّ هؤلاء العلماء أقنعوا أيضًا "أهل الشرق" بالنظر بوقار إلى معالم فنّهم الكنسيّ. إذ كان يجهل معظم هؤلاء الكنوز التي بحوزتهم، ويدعون الغبار يغطّيها ويمنع إشراقها. فضاعت مثلاً إلى الأبد بعض معالم كنائس مسيحيّة قديمة قامت فوق معابد وثنيّة، أثناء التنقيب الذي قام به علماء يونانيّون في أواخر القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين، لأنّ همّهم الأوّل كان إبراز أنقاض هذه المعابد الإغريقيّة أو الرومانيّة، وليس أبدًا الحفاظ على التراث المسيحيّ القديم! كان هؤلاء العلماء يعتبرون، وهم مناهج النهضة الإيطاليّة والمدرسة الكلاميّة الغربيّة، أنّ الفنّ المسيحيّ القديم "فنّ بربريّ"، ليس من الضرورة الحفاظ عليه. لكنّ هذه العقليّة ولّت ولن تعود، وورش التنقيب عن البازيليكات المسيحيّة القديمة تعمّ الآن اليونان.

سببان أساسان منعا الغرب من تقدير الفنّ البيزنطيّ: أوّلاً العداء الدفين للأرثوذكسيّة لدى أوساط الكنيسة الكاثوليكيّة، الذي لم يبدأ بالزوال إلّا بعد منتصف القرن العشرين والمبادرات المسكونيّة والحوارات اللاهوتيّة التي قامت بين الكنيستَين. وثانيًا المقابلة بين الأعمال البيزنطيّة والأعمال الكلاسيكيّة، أي المقابلة بين عالم من الجمال المرسوم، الملوّن والمعبِّر وعالم من الجمال العقليّ، وهما عالمان يصعب تلاقيهما، إذ يعبّر أحدهما عن الجمال بينما يعبّر الثاني عن السموّ، فالشعور بالسموّ ركيزة كلّ فنّ مسيحيّ أصيل ومصدره.

تعبّر الكاتدرائيّة القوطيّة في الغرب بطريقتها عن السموّ. لكنّها تعبّر بطرائق خارجيّة. يقول ميخايليس في هذا الشأن: "قوّة عنيفة تمتلكها وترمي بخطوطها العموديّة إلى ما لا نهاية. إنّها تباغتك، تعبّر عمّا تريد أن تقول رغم ثقل حجارتها... يبدو أنّها نجحت في لمس السماء. فلا ترفعك الكاتدرائيّة وحسب، بل تُنزل السماء بقوّة عنيفة غير طبيعيّة. أمّا كنيسة آيا صوفيا (في القسطنطينيّة)، وعلى عكس ذلك، فتعبّر عن السموّ بطريقة خفيّة، وأكثر روحيّة. قوّتها جبّارة وشاسعة لكنّها هادئة وساكنة. إنّها ترفع المادّة على جناحيها لتزيل طابعها المادّيّ، بدون التأثير سلبًا في العالم الخارجيّ المحيط بها، ولا تباغت النفس أو تقلقها. توجِد فينا آيا صوفيا الشعور عينه الذي ينتابنا عند رؤية قبّة السماء، أو المحيط الواسع والساكن، بينما نشعر أمام الكاتدرائيّة القوطيّة بالشعور الذي ينتابنا أمام الزوبعة، أو الأمواج العاصفة. تفوّق الخطّ العموديّ فيها على باقي الأحجام يخلق مثل هذا الشعور، بينما على العكس من ذلك، لا يغلب أيّ حجم في آيا صوفيا على الأحجام الأخرى (هذا إذا استثنينا المآذن التي أضافها الأتراك). كلّ شيء فيها مقيس ولائق، والكتلة المرفوعة تذوب بهدوء في خطّ القبّة المنحنِي الرخيم. يبدو أنّ ذاكرة ما للجمال خفيّة ترافق هذا المشهد العظيم. يكمن في ذلك الفرق الأساس بين الفنّ المسيحيّ الشرقيّ والغربيّ. يعبّر الثاني عن ذاته بالأمور الخارجيّة والمادّيّة. إنّه يوحي بالسموّ بواسطة كتل وقوى مكفوفة، تكاد أن تصبح بلا شكل. أمّا الآخر فهو أكثر داخليّة وأكثر روحانيّة، ويوحي بالسموّ بواسطة عمق وثوبه وجودته. من أجل ذلك يظلّ في حدود القياس، في أحجامه وقوّته"[5].

إضافة إلى ذلك، فإنّ هدف الصورة والعمارة المسيحيّتَين هو الوصول إلى المثال الأعلى. إنّها تنطلق من التاريخ لتُعلن حدثًا حصل في تدبير التاريخ البشريّ، والذي يجب فهمه على ضوء تدبير التاريخ الإلهيّ. فالفنّانون المسيحيّون ليسوا فنّانين عاديّين، إذ لم يكن هدفهم الأوّل الإبداع، بل كان تمجيد الله في أعمالهم الفنّيّة وجعلها تنقل حضوره بين البشر. لذلك كانوا يصلّون ويصومون ويسترشدون الكتاب المقدّس قبل الشروع بعملهم الفنّيّ. يفعلون كلّ ذلك ليقصّوا قصّة مجيء إنسان مات كإنسان، لكنّه قام كإله، وسوف يعود ويأتي في آخر الأزمنة. هذا هو المفتاح "السرّيّ" الذي يسمح بفهم الفنّ المسيحيّ. يخصّ الذين لهم أعين وآذان ليروا ويسمعوا المخفيّ والذي يخفيه الله لمَن لا يريدون أن يروا ويسمعوا.

تقول ترنيمة سريانيّة نُقشت على أحد جدران كنيسة الرها في القرن السابع، واصفة الكنيسة والفسيفساء الموجودة فيها: "أمر غريب حقًّا أن يشبه هذا البناء، رغم صغر حجمه، العالم الوسيع، ليس بقياساته، بل بنمطه: تحوط به المياه كما يحوط البحر بالعالم، سقفه مشدود مثل السماوات: بدون أعمدة، قبّته مقفلة، ومرصّعة بالفسيفساء الذهبيّة كما هو الجَلَد بالكواكب اللامعة، وتشبه بارتفاعها سماء السماوات".

تبيّن هذه الترنيمة أنّ الكنيسة هي صورة العالم والأسرار الإلهيّة. إنّها، بشكلها الذي تعلوه قبّة، تمثّل الكون، والنور الواحد المتدفّق من نوافذها يشير إلى نور الثالوث الواحد. أمّا الفتحات العديدة الموجودة في جدرانها، فتمثّل الرسل والأنبياء والشهداء و"سقفها مشدود مثل السماوات... ومرصّع بالفسيفساء الذهبيّة كالجَلَد بالكواكب اللامعة".

ويقول البطريرك جرمانوس القسطنطينيّ، في القسم الأوّل من القرن الثامن، إنّ "الكنيسة هي السماء الأرضيّة التي يسكن فيها إله السماء العلويّة ويجول".

وكما قال القدّيس فوتيوس الكبير، في مطلع القسم الثاني من القرن التاسع، مباشرة بعد "انتصار الأرثوذكسيّة" في حرب الأيقونات: "على المبنى الكنسيّ أن يكون قصرًا إلهيًّا مقدّسًا، سماءً وبيتًا لله". (يسهر الضابط الكلّ، المكتوب على قبّة الكنيسة الداخليّة) "على الأرض وينظر إلى تنظيمها وإدارتها".

في هذا المنظور، يكون "بيت الله" صورة عن الكون بأسره، الذي "ينظّمه" المسيح و"يديره"، إذ هو حاكم من عُلاه السماء والأرض.

ويقول فوتيوس الكبير أيضًا إنّ سموّ الكنيسة الجديدة على هياكل العهد العتيق لا يكمن "في سموّ النعمة والروح القدس على الشريعة والتوراة فقط، بل في جمال الكنيسة وكمال فنّها".

ويشدّد القدّيس مكسيموس المعترف، في شرحه القدّاس الإلهيّ والليتورجيا (المِستاغوجيا)، على معنى بناء الكنيسة، قائلاً إنّ "كنيسة الله المقدّسة تحمل شكل الله وصورته، لأنّها تحقّق العمل الذي يقوم هو به". (وهي أيضًا) "صورة العالم الحسّيّ... بما أنّ الهيكل المقدّس هو سماؤها، وصحنها يمثّل جمال الأرض... والهيكل يمثّل أيضًا نفس الإنسانيّة، والمذبح المقدّس ذهنها، والصحن جسدها".

ويقول القدّيس سمعان، رئيس أساقفة تسالونيكي، في هذا الصدد، في مطلع القرن الخامس عشر: "إنّ العالم الأرضيّ، وعالم السماء والعالم الذي فوق السماء يتمثّلون بشكل الكنيسة. فيمثّل المدخل الأمور الأرضيّة، وصحن الكنيسة السماء والأشياء التي تفوق السماوات... ومع أنّ الكنيسة مصنوعة من موادّ طبيعيّة مختلفة، لكنّها ذات طابع يفوق الطبيعة. إنّها تكرَّس بالصلوات وبالميرون المقدّس الذي مُسحت به. فتصبح تاليًا بيت الله بكلّيّتها... والفاصل بين صحن الكنيسة والهيكل يفصل بين الأشياء المنظورة والأشياء غير المنظورة. والمسيح الظاهر عليه بين العذراء والسابق والملائكة والرسل والقدّيسين يمثّل المسيح في السماء".

يوضح هذا الكلام قصد المسيحيّين في تبنّيهم شكل كنائسهم، إذ كانوا يريدون التأكيد على مدى الكنيسة الكونيّ، وحضور السماوات فيها متّصلة بالأرضيّات.

والواقع أنّ المقصود من كلّ ذلك هو أن يكون الهيكل فعلاً السماء على الأرض، وأن تتجلّى الأرض والساكنون فيها بجمال السماء ومَن فيها وبقداستهم. لذلك أصرّت الكنيسة على الحفاظ على هذا النمط المعماريّ، إذ اعتبرت أنّه ذو علاقة أكيدة بالسماويّات. وكما قال القدّيس باسيليوس الكبير عن كاتب الأيقونات: "إنّه يرسم الأيقونة على مثال أيقونة أخرى سبقتها بدون أن يحيد نظره عن النموذج، ويسعى دومًا إلى تحويل ملامح الأيقونة التي ينقل إلى تحفة فنّيّة".

يُقال الشيء ذاته بالنسبة إلى صانع الجداريّات والفسيفساء، إذ يقول أيضًا فوتيوس الكبير، الذي سهر على إعادة إيجاد الأيقونات والفسيفساء والجداريّات في كنيسة آيا صوفيا بعد حرب الأيقونات: "إن كان الهدف التأمّل بالله والجمال الأسمى، فعلى كلّ شيء أن يصبح إلهيًّا وجميلاً. فعلينا أن ننظر إلى الجمال ونتأمّله بالعين الداخليّة، وليس بعينَي الجسد".



[1]  من مقدّمة الطبعة الأولى لكتابه.

[2]  المقدّمة، ص 7، منشورات فلاماريون، 1959.

[3]  أفلوطين، الإنيادا، 1: 6، 8، 21، و1: 6، 9، 1، و1، 6، 9، 3.

[4]  هو كاهن وعالِم روسيّ، ولد السنة 1882 وبرع في العلوم واللاهوت، ومات في أحد مخيّمات الموت الشيوعيّة في روسيا.

[5]  الجماليّة في الفنّ البيزنطيّ، فلاماريون، 1959، باريس، ص 37 – 38.

المشاركات الشائعة