تحدّيات العالم الأرثوذكسيّ 1

ريمون رزق

النور- العدد الأوّل 2020


يقول البعض إنّ الله يسمح بالمرض والمآسي ليؤّدّب الإنسان ويدفعه إلى التوبة. وقد تُعتبر الأزمة التي خلقها عمل البطريرك المسكونيّ الانفراديّ الأخير بمنح الاستقلال الكنسيّ لجماعة منشقيّ أوكرانيا، من بين تلك المآسي. تأتي هذه المأساة وتُضاف إلى المظاهر المرضيّة الأخرى التي تعيشها كنيستنا، هنا وثمّة، بممارساتها المبتعدة عن تقليدها الشريف وروحانيّتها الأصيلة. رجاؤنا أن تقترن معالجة الكنيسة لهذه المأساة الجديدة لمسائلة كافة الأوضاع التي. .تخالف لاهوتها وتُسيء إليه.

سأسعى التوقّف في هذه المقالة عند أهمّ الأمور التي تغشّي صفو التزام كنيستنا الإنجيلي وأمانتها الرسوليّة، ويجعلها تبدو غير متفاعلة مع الروح القدس الذي يحرّكها ويُحيّيها. لا يُراد من هذا التوقّف مجرّد الانتقاد، بل ملاحظة ما يجب إصلاحه لكي يبرز وجه الربّ المجيد من خلال ضعفاتنا. ولا يُراد منه إغفال القامات الروحيّة العملاقة، التي شهدت للأرثوذكسيّة في القرن الماضي والتي ما زال بعضها يرافقها اليوم، والتي تسربلت بهالة من القداسة تجلّت عبر  في ملايين الشهداء والآباء الروحيّين والإخوة القدّيسين في كلّ واحدة من الكنائس الأرثوذكسيّة. إنّ قداسة هؤلاء وصلواتهم يُبقونا على الرجاء أنّ كنيستنا ستبقى في خضمّ الصعاب، كنيسة الله المقدذسة والجامعة والرسوليّة، وأن أبواب الجحيم لن تتغلّب عليها.

القضيّة الأوكرانيّة

إنّها أزمةعظيمة جدًّا، ولا أحد يعرَف متى سنتجاوزها. قد حصلت خلافات كثيرة بين الكنائس الأرثوذكسيّة عبر تاريخها الطويل، لكن لم تشهد الساحة الأرثوذكسيّة مثيلاً لخطورة الأزمة الحاليّة منذ السنة 1439، حين قبلت كنيسة القسطنطينيّة، منفردة، قرارات مجمع فلورانسا "الوحدويّ"، وأعلنت الاتّحاد مع كنيسة رومة، تلبية لرغبة الإمبراطور البيزنطيّ الضاغطة، الذي كان يريد مساعدة عسكريّة من الغرب (والتي لم تأتي!). فقطعت آنذاك سائر الكنائس الأرثوذكسيّة العلاقات معها. لم نصل اليوم إلى هذا الحدّ من السوء والتدهور، إذ وحدها الكنيسة الروسيّة قطعت الشركة الإفخارستيّة مع بطريركيّة القسطنطينيّة والكنائس التي وافقت عملها في أوكرانيا (حتّى الآن بطريركيّة الاسكندريّة وكنيسة اليونان). أمّا باقي الكنائس الأرثوذكسيّة فتنوّعت مواقفها من الشجب الكلّي إلى الاستغراب والتحفّظ. أمّا مع تفاقم الضغوطات السياسيّة (إذ يبدو أنّ الولايات المتّحدة الأميريكيّة تُلقي بثقلها لإقناع الكنائس بالموافقة على العمل القسطنطينيّ الذي تعتبره "نكسة" لكنيسة روسيا)، يُخشى أنّ تحذو حذوها كنائس أخرى.

يدافع مناصرو البطريرك المسكونيّ عن عمله بحجّة أنّه كان لإعادة الوحدة بين أرثوذكسيّي أوكرانيا الذين كانوا منقسمين، منذ تسعينيّات القرن الماضي، إلى ثلاث جماعات كنسيّة، واحدة منها فقط شرعيّة تتبع للكنيسة الروسيّة ويعترف بها كلّ العالم الأرثوذكسيّ، واثنتان منشقّتان عنها وواقعتان تحت الحرم الكنسيّ. أقدم البطريرك برثولوماوس إلى الاعتراف بالمنشقّين، ومنحهم الاستقلال الذاتي، بمعزل عن وبطريركيّة موسكو التي تتبع لها الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة الأصيلة. وهذه الكنيسة هي الأكبر حجمًا في أوكرانيا، إذ تضم نحو 95أسقفًا و258 ديرًا (فيها 4500 راهبًا وراهبة) و11200 رعيّة. فبدل أن تُعزّز وحدة الأرثوذكسيّين في أوكرانيا من خلال عمل بطريركيّة القسطنطينيّة، وسّع هذا العمل الشرخ بينهم. وخلق ارتيابًا حقيقيًّا في الكنائس الأرثوذكسيّة كافة، لأنّ رئيس الكنيسة المستحدثة لم يُرسَم أسقفًا بطريقة قانونيّة شرعيّة، إذ رسمه منشقّون محرمون من الكنيسة جمعاء.

أقترح رئيس أساقفة قبرص ما يمكنه أن يكون مخرجًا للأزمة، بإعطاء فرصة زمنيّة إضافيّة لتحقيق وحدة كلّ أرثوذكسيّيّ أوكرانيا، وإن لم تتحقّق، كما هو منتَظر، الطلب من البطريرك المسكونيّ دعوة مجمع أرثوذكسيّ شامل للنظر في القضيّة وإيجاد حلّ لها. لكن قوبل اقتراحه بالرفض والاستهجان من أوساط كنيسة القسطنطينيّة. وكانت قد طلبت معظم الكنائس، وبينها بطريركيّة أنطاكية، من البطريرك القسطنطينيّ التريّث على الإقدام في تنفيذ مشروعه في أوكرانيا، والدعوة إلى انعقاد مجمع عامّ لبحث الموضوع وإيجاد حلًّأ له يرضي الجميع. لكنّه واجه تلك الطلبات بالرفض القاطع، زاعمًا أنّه يمثّل وحده الكنيسة الأمّ لأوكرانيا، ويحقّ له منفردًا أن يتعامل معها كما يشاء! بالطبع لا توافق معظم الكنائس الأرثوذكسيّة زعمه هذا، مشيرة إلى قرار سابق اتُّخذ من الكنائس كافة ألاّ يُمنح الاستقلال الذاتي لأيّة كنيسة إلاّ بالإجماع. أضف إلى ذلك أنّ الأرثوذكسيّين في أوكرانيا منضمّون إلى الكنيسة الروسيّة منذ قرون، وأنّ هذه البطريركيّة منحت الاستقلال الذاتي لكنيستهم الأوكرانيّة السنة 1990.

يبدو أنّ التاريخ يُعيد ذاته. فكما خضع البطريرك القسطنطينيّ، في القرن الخامس عشر، لإرادة الإمبراطور البيزنطيّ، فالبطريرك القسطنطينيّ الحالي خضع لإرادة الرئيس الأوكرانيّ (السابق) المعروف بعدائه لروسيا، والذي كانت تدعمه الولايات المتّحدّة الأميركيّة، جاعلاً من القضيّة الكنسيّة الأوكرانيّة حلقة من حلقات الحرب الباردة المتجدّدة بين أميركا وروسيا.

منذ أن اندلعت هذه المشكلة، تباينت مواقف الكنائس الأرثوذكسيّة تجاهها. عارض بعضها علنًا العمل القسطنطيني،ّ ورفض كلّيًّا الاعتراف بالجسم "الكنسيّ" الجديد. وتلقّى البعض الآخر رسائل لوم وتأنيب شديدة اللهجة من القسطنطينيّة لمجرّد انتقاده إجرائها. أمّا الغالبيّة فتوخّت الحذر ولجأت إلى السكوت، وما عدا مبادرة رئيس أساقفة قبرص، لم تقم بأيّة مبادرة علنيّة للمساهمة بدرء الأخطار. إلاّ أنّ البطريرك الأورشليميّ صرّح في وعظة ألقاها في موسكو  منذ بضعة أشهر عن نيّته في دعوة رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة إلى الاجتماع في عمّان (وليس في القدس لأنّ البطريرك الأنطاكيّ لا يمكنه دخولها) لبحث الموضوع. فواجهه رئيس أساقفة اليونان مباشرة أنّه لا يحقّ له الدعوة إلى مثل هذا اللقاء، إذ هذا الحقّ منوط بالبطريرك المسكونيّ وحده. لم نسمع بعد ذلك شيئًا عن هذه الدعوة سوى أنّها قُبلت من قبل بعض الكنائس. ويبدو أنّ بطريرك أورشليم لم يقم بإرسال دعواته إلى رؤساء الكنائس مباشرة بعد إعلان نيّته. وقد علمنا بالصحف مؤخّرًا أنّه بدأ بالمبادرة إذ أرسل موفدًا له إلى غبطة البطريرك الأنطاكي. لا نعلم هدف هذه الزيارة، لكن يُخمّن أنّها كانت متعلّقة بالدعوة. ويقول البعض إنّ الدعوة ستصدر عن الملك الأردني، وليس عن بطريرك أورشليم، لتفادي المشكلة "البروتوكوليّة" مع القسطنطينيّة. إذ صحّ هذا الأمر، يلبّي رؤساء الكنائس دعوة ملك غير مسيحيّ ولا يتجاوبون مع دعوة أحد إخوتهم، حفاظًا منهم على "حقوق" أُعطيت للقسطنطينيّة لأنّها كانت عاصمة الأمبراطوريّة البيزنطيّة، وتاليًا "روما الثانية"! والحقيقة أنّه لم يعد يوجد لا أمبراطوريّة بيزنطيّة ولا روما ثانية، بل عيش البعض في الماضي وتعلّقهم بأمداد" مرّ عليها الزمن!

وقد صدر عن أثناسيوس (يانولاتوس)، رئيس أساقفة كنيسة ألبانيا، بمناسبة عيد الميلاد المجيد، رسالة إلى رؤساء الكنائس الارثوذكسيّة، مذكّرًا بمتطلّبات الربّ بالغفران والمصالحة، وطالبًا منهم القيام بعمل ما للخروج من هذه الأزمة وعدم السماح لها أن تصبح حالة إنشقاقيّة دائمة. تميّزت هذه الرسالة[1] بروح إنجيليّة أصيلة وصادقة، بعيدًا على اللغة الخشبيّة المعتادى لدى معظم رؤساء الكنائس. إنّها أعادت، بمجرّد وجودها ولهجتها، الرجاء إلى كثيرين.

أيّ شكل "لاجتماع عمّان"؟

نأمل أن تنجح مساعي البطريركيّة المقدسيّة في انعقاد اجتماع عمّان. لكن يبقى السؤال المطروح بإلحاح كيف سوف يعالج القضيّة الأوكرانيّة، وما هي الخطوات التحضيريّة التي سوف تسبقه. يبقى الكتمان سيّد الموقف، كأنّ أمور الكنيسة لا تخصّ إلاّ بعض رعاتها!. هل سيُكتفي بتضميد الجراح بدون معالجتها، بغية إرضاء الفرقاء بواسطة حلّ "وسط"، سطحيّ، يحافظ على ماء الوجوه، ولا يمسح البتّة الدموع في وجه الربّ بسبب خلافاتنا؟ أو ستُغتنم الفرصة لحوار أخويّ في العمق، لا يخاف من طرح كلّ المسائل والتحدّيات التي تواجه الكنائس الأرثوذكسيّة في عالم اليوم؟

الحلّ الأوّل هو حلّ الهروب إلى الأمام، كما حصل في "مؤتمر: كريت السنة 2016، المدعو "المجمع الكبير المقدّس"، حيث لم يوضع على جدول الأعمال إلاّ القضايا الموافق عليها والتي لا تمتّ معظمها بصلة إلى مشاكل الناس الحياتيّة والمعضلات التي تواجه الكنائس في هذا العصر. مع ذلك، لم تحضر كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة هذا المؤتمر، وقد امتنعت كنيسة أنطاكية عن الحضور بسبب الخلاف مع بطريركيّة أورشليم بشأن قضيّة التعدّي على حدودها القانونيّة في قطر. وتضمّن نتاج هذا المؤتمر كثيرًا من البديهيات المفتقدة إلى النبرة النبويّة التي يخلقها الروح القدس عندما يجتمع حقًّا "إثنين أو ثلاثة" باسم المسيح. نرجو ألّا ينتهي اجتماع عمّان، إذا انعقد إلى مثل هذا النتاج.

الأرثوذكسيّة على المحك

إذا بدت معالجة القضيّة الأوكرانيّة على هذا المستوى، فتكون الكنيسة الأرثوذكسيّة لم تشأ سلوك درب التوبة الذي وحده يتيح لله فرصة تأديبها. أمّا الحلّ المرتجى فيكمن في طرح كلّ التحدّيات الراهنة، وفي طليعتها مسألة القوميّات، والتصميم على نزع الغبار المتراكمة على كنوزنا المقدّسة. يتبجّج الرعاة واللاهوتيّون الأرثوذكسيّون دومًا بأنّ كنيستنا هي الوحيدة التي حافظت على التقليد الرسوليّ بدون زيادة أو نقصان. وهذا صحيح، والصحيح أيضًا أنّنا نحفظه في آنية خزفيّة. ولا تكمن القضيّة فقط بحفظ التقليد، كما في متحف، وترداده آليًّا، بل بتجسيده على أرض الواقع، وجعله يتفاعل مع حياة البشر. إذا ظلّت مشكلة أوكرانيا بدون حلّ مرضيّ، يُخشى أن تتعاظم الهاوية بين الكنائس "اليونانيّة" والكنائس "السلافيّة"، وتؤدّي إلى انشقاق دائم ضمن العائلة الأرثوذكسيّة، وتفوّت الكنائس الأرثوذكسيذة فرصة هذه الأزمو لتسائل ممارساتها، وفرصة ممارسة المصالحة والغفران وعدم إدانة الآخر من جهة والاعتراف بالتقصير وضرورة تقويم المسيرة من جهة ثانية.

مجمع موسكو الإصلاحيّ

ولنا في التاريخ الأرثوذكسيّ غير البعيد فرصة نهتدي بها. وتكمن في عزم الكنيسة الروسيّة، عشيّة الثورة البُلشِفيّة، على مسألة ممارساتها وجديّة "حفاظها" على التقليد الرسوليّ. فانعقد مجمع موسكو، السنة 1917، بعد تحضير دام إثني عشرة سنة، طال كلّ مجالات الحياة الكنسيّة، بغية إصلاح شامل ورجوع إلى الينابيع. كان أوّل "أجيورنِمنتو" للكنيسة في التاريخ الحديث، خمسين سنة قبل مجمع الفاتيكان الثاني الذي اعتُبر حدثًا "أجيورنِمتيًّا" في الكنيسة الكاثوليكيّة. لكن لم يُعطى لمجمع موسكو أن يُكمل أعماله، إذ اضطرته الثورة إلى الانفراط السنة 1918، وكان عدد من روّاده العظام من أوائل الشهداء. لكن ما صدر من قراراته، المتعلّقة مثلاً بضرورة ممارسة المجمعيّة على كافة صُعد الحياة الكنسيّة، من الرعيّة إلى البطريركيّة، مرورًا بالأسقفيّات، وإصلاح الممارسات الليتورجيّة والتنظيميّة والتعليميّة واللاهوتيّة والفكريّة والاجتماعيّة، وأخيرًا ابتكار مواقف نبويّة تجاه التغيّر الثوريّ الذي كانت تعيشه البلاد. أراد هذا المجمع فعلاً النهضة الحقيقيّة والتعامل المسؤول مع التحدّيات، ولم يكتفي بالترداد. تبنّت جماعتان كنسيّتان فقط ممارسة المجمعيّة على كلّ صُعد حياتهما بموجب قرارات مجمع موسكو، جاعلتان الإكليركيّين والعلمانيّين يتشاركون المسؤوليّة في شؤون عائلتهم الواحدة، هما الجماعاتان المتحدّرتان من أصل روسيّ في أوروبّا الغربيّة و"الكنيسة الأرثوذكسيّة في أميركا". وليس من باب الصدفة أن تكون معظم الكنائس الأرثوذكسيّة لم تعترف بهذه الكنيسة الأميريكيّة، ويسعى البطريرك القسطنطينيّ الحالي دمج الرعايا من أصل روسيّ في أوروبّا الغربيّة في الأبرشيّات اليونانيّة. أليس خوفًا من انتشار روح المجمعيّة، الممارَسة بنجاح فيهما، إلى باقي الكنائس؟ وليس من باب الصدفة أيضًا أنّ الأنظمة التي وضعها المجمع الأنطاكي المقدّس السنة 1972 بشأن المجالس المختلطة، إكليروسًا وعلمانيّين، على صُعُد الرعيّة والأبرشيّة والبطريركيّة، والمستوحات من قرارات مجمع موسكو، لم تُطبّق بحجج مختلفة، بينما الحقيقة تكمن غالبًا في تجربة السلطويّة والخوف من كلّ مشاركة في المسؤوليّات، استرجاعًا لجوّ الجماعات المسيحيّة الأولى الأخويّ.

المسائل الموجعة والتحدّيات

فمتى سنتخلّص من هذا الخوف الذي يكبّلنا؟ مَن من بطاركتنا أو مطارنتنا يجرؤ أن يستفيد من الأزمة الأوكرانيّة لطرح المسائل الموجعة الأخرى، وإيجاد حلول لها، بعيدًا عن التزمّت والتعلّق الأعمى بالماضي، سامحًا لفكر آبائنا محاكات رجال العصر وإعطائهم من جديد المعنى المفقود؟ لا شكّ أنّ التحدّي الأساسيّ في الكنيسة يأتي من الخطيئة والتجارب الشيطانيّة التي تأخذ في عصرنا مظاهر عدّة وأشكال متنوّعة. تلبس، على الصعيد الشخصيّ لأبناء الكنيسة ورعاتها، قناعات التسلّط والطاعة أو عدمها، وعلى الصعيد الجماعيّ، قناعات الجمود والتعصّب وانعدام التبشير، والبقاء على تقاليد عصور الانحطاط، وإنتشار الإكليركانيّة وانعدام الروح المجمعيّة. وتلبس على الصعيد العام التعلّق بطابع الكنيسة القوميّ. وتشجّع، على الصعيد الفكريّ، التباعد بين الرؤية اللاهوتيّة والواقع الكنسيّ الذي يجترّ الكلام الآبائيّ غالبًا بدون السعي إلى تطبيقه وجعله يتفاعل مع التحدّيات ويُنير العالم. وتنمّي أيضًا الإكتفائيّة الذاتيّة لدى الرعاة والكنائس ورفض كلّ جديد، وعدم الأخذ بمطلّبات المحيط، كأنّنا نعيش في دائرة مغلقة نكتفي بالإدانة والتبجّج بأمجادنا. ويمكن الأهم والأخطر في كون الشيطان يجعل أحيانًا من ليتورجيّتنا مجموعة طقوس وتيبكونات، بدل أن تكون مصدر حياة وإحياء لنا وللعالم. ويعلّمنا التشديد على الحرف والتقيّد به وبالممارسات التقويّة، كأنّها وحدها خشبة خلاصنا. ويجعلنا أخيرًا وليس آخرًا، أن نتجاهل حضارة العلمنة والاستهلاك المفرط، وتأليه الإنسان والربح، والحريّة بلا حدود، وقدسيّة الملكيّة الفرديّة ولا نسعى إلى مواجهة، غير واعين أنّها تُبعدنا باضطراد عن روح التطويبات الإنجيليّة، إلى ما هنالك من تجارب أخرى تهادمنا في كلّ يوم.

سنتوقّف عند تلك المظاهر المرضيّة، وأحيانًا شبه الهرطوقيّة، في مقالات لاحقة.

[1]  راجع ترجمتها العربيّة في مجلّة النور، العدد ---- السنة 2019.

المشاركات الشائعة