مجمع موسكو (1917 – 1918)

 ريمون رزق

النور - العدد الأوّل 2007



صدر عن منشورات Editions Du Cerf، باريس، في كانون الثاني 2006، كتاب من خمسمائة صفحة، بعنوان "مجمع موسكو (1917 – 1918)، إنشاء الهيئات المجمعيّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة". المؤلّف هو الأب الدومينيكيّ هياسنت (ديتفيل) مدير مركز أبحاث ومجلّة Istina.

اعتبر هذا الإصدار حدثًا مهمًّا، ليس فقط بالنسبة إلى كلّ من يهتمّ بالكنيسة الروسيّة، بل إلى كلّ من يسعى إلى معرفة محاولات الأجوبة التي تعطيها الكنيسة الأرثوذكسيّة في إطار عملها النهضويّ، بإزاء التحدّيات التي تفرضها المدنيّة ومحاولاتها تحطيم أغلال الجمود الذي قبعت فيه طوال قرون.

الكتاب يتجزّأ إلى أقسام عدّة، سنسعى إلى تقديم أهمّها في ما يلي:

1- الكنيسة الروسيّة خلال الفترة بين إلغاء البطريركيّة، على يد بطرس الأكبر، وبدء عمليّة الإعداد للمجمع.

يعتقد عامّة الناس أنّ العمل الأساس، الذي قام به هذا المجمع، الذي التأم عشيّة ثورة أكتوبر، يكمن في إعادة النظام البطريركيّ في الكنيسة الروسيّة، وهو الذي كان القيصر بطرس الأكبر قد ألغاء في العام 1721. سنلاحظ لاحقًا أنّ هذا الإنجاز لم يكن سوى الجزء الظاهر من الإصلاحات البالغة الأهمّيّة التي حقّقها هذا المجمع. فبطرس الأكبر، الذي استوحى النمط اللوثريّ في إدارة الكنيسة وعلاقتها بالدولة، أبدل النظام البطريركيّ "بمجمع كنسيّ دائم"، دعي المجمع المقدّس، المؤلّف من أساقفة وكاهنَين أو ثلاثة، على أن يراقب نشاطه كلّه وعن كثب موظّف مدنيّ يعيّنه الأمبراطور، له حقّ النقض، فيكون بذلك عمليًّا على رأس الجهاز الإداريّ في الكنيسة.

1.1- شلل الكنيسة خلال المرحلة "المجمعيّة"

كما قال ف.م. دوستويفسكي، في نهاية القرن التاسع عشر: "الكنيسة الروسيّة مشلولة منذ عهد بطرس الأكبر". في الواقع، جاء هذا الشلل نتيجة القرار الأمبراطوريّ وعوامل داخليّة في الكنيسة، التي بدأت مع الخلافات في القرن السادس عشر بين أتباع نيل سورسكي وجوزف دور ڤلولكولامسك، تبعها الانشقاق الذي أدّى العام 1596 إلى تأسيس كنيسة تابعة لرومية في أوكرانيا (اتّحاد بريست – ليتوفسك). تفاقم تأثير اللاهوت الغربيّ في الكنيسة، الذي بلغ ذروته في العام 1640 مع إعلان ميتروبوليت كييڤ، بيار موغيلا إيمانًا ذا نزعة لاتينيّة. فتوّج هذا الواقع المتأزّم انشقاق المؤمنين القدامى (أرثوذكس روس انفصلوا عن الكنيسة بين 1652 و1653 احتجاجًا، على أثر الإصلاحات التي طرأت على اللغة الليتورجيّة وبعض الطقوس والتي أدخلها البطريرك نيكون).

1.2- معالم النهضة في المرحلة ذاتها

مع ذلك، ورغم انقياد الكنيسة وراء السلطة المدنيّة والأزمات في الحياة الكنسيّة التي حدثت في المرحلة السابقة، اختبرت الفترة "المجمعيّة"، في تاريخ الكنيسة الروسيّة، حياة دينيّة قويّة وخلوقة. الغرض من هذا المقال ليس التبحّر بهذه المظاهر، بل سيقتصر بحثنا على ذكر سريع لأثر هذه النهضة في الحياة الرهبانيّة ومستوى بعض الأساقفة، وكيف أنّه بنى جسورًا بين الكنيسة وأهمّ وجوه الفكر والثقافة. زد على ذلك أنّ هذه النهضة عرفت حركة تبشيريّة لا مثيل لها.

أ‌- النهضة الرهبانيّة

من أهمّ الشخصيّات البارزة في التجدّد الرهبانيّ، نذكر القدّيس تيخون زادونسكي (1724 – 1783) الداعي إلى تخلٍّ كامل عن الدنيويّات، والقدّيس باييسي فيزليشكوڨسكي (1722 – 1794) الذي ترجم إلى السلاڨونيّة العام 1793، الفيلوكاليا التي وضعها القدّيس نيقوديمس الآثوسيّ، وقد ساهمت هذه الترجمة في إعادة ارتباط الكنيسة الروسيّة بالتقليد الهدوئيّ والآبائيّ.

ونذكر أيضًا القدّيسة خزينيا من بيترسبورغ (1720 – 1803) المتبالهة بالمسيح التي أعادت إحياء هذا النمط المميّز للقداسة الروسيّة، والقدّيس ساروفيم ساروفسكي (1759 – 1833) أحد أكبر القدّيسين الأرثوذكس المعاصرين، إضافة إلى القدّيسين الشيوخ (ستارتس) في دير أوبتينو، الذين غدوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الآباء الروحيّين للنخبة الفكريّة الروسيّة.

في القرن السابق للثورة، فاق عدد الأديار التي أنشأت كلّ ما بُني سابقًا في تاريخ الكنيسة الروسيّة. وهذه النهضة الرهبانيّة لم تنحصر في الرجال، بل امتدّت إلى أديرة النساء أيضًا. وتجدر الإشارة إلى جانب أديرة النساء التقليديّة، أبصرت النور أنماط جديدة للحياة المكرّسة مخصّصة لعمل الخير والبرّ مثل "راهبات المحبّة" التي تأسّست في العام 1877.

ب‌- المثقّفون يعودون إلى الكنيسة

شخصيّات فكريّة لامعة أمثال غوغول ودوستويڨسكي وڨلاديمير سولوڨييڤ وألكسي خومياكوڤ وليون تولستوي وغيرها، تعلّمت، عبر احتكاكها بالشيوخ الستارتس، التقليد الروحانيّ الشرقيّ العظيم، وانكبّ البحث، في داخل الكنيسة، عن معيار لوحيهم رغم الإغراءات العدميّة والثوريّة المتصاعدة.

وعشيّة الثورة، عاد مفكّرون ماركسيّون بارزون أمثال بيار ستروڤ وسيمون فرانك وسيرج بولغاكوڤ ونيكولا بردياييڤ إلى الإيمان، فيما اغتنت القداسة الروحيّة بيوحنّا كرونشتات (1892 – 1908) الكاهن المتأهّل راعي أفقر رعيّة في سانت بيترسبورغ، الذي تفانى في خدمة أبنائه. فكان فقيرًا بين الفقراء، مجترحًا العجائب والأشفية، واعظًا ملهمًا للكلمة وداعيًا إلى خدمة اجتماعيّة حقيقيّة وفاعلة عبر تأسيس مراكز عمل للشباب وبيوت للعجزة وذوي العاهات.

ج- قداسة بعض الأساقفة والنهضة اللاهوتيّة

خلال هذه الحقبة، ساهم أساقفة كبار أمثال القدّيس أغناطيوس بريانشانينوڤ (1807 – 1867) والقدّيس ثيوفانوس الناسك (1815 – 1894)، والقدّيس فيلاريت متروبوليت موسكو (1782 – 1867) وغيرهم في تألّق الكنيسة وإشراقها. ورأت هذه الفترة تأسيس عدد من معاهد اللاهوت أطلق عليه اسم "أكّاديميّات"، وذلك في موسكو أوّلاً في نهاية القرن الثامن عشر، ثمّ في سانت بيترسبورغ في 1809 وكييڤ في 1819 وقازان في 1842، إضافة إلى مدارس إكليريكيّة متعدّدة بلغ مجموعها ثمانية وخمسين.

د- الحركة التبشيريّة

تمكّنت الكنيسة الروسيّة، عبر العمل التبشيريّ، من توسيع رقعة انتشارها وتأسيس الإرساليّات في سيبيريا الشرقيّة (1724)، والصين (1714)، وآلاسكا في نهاية القرن الثامن عشر، وسيبيريا الغربيّة في العام 1830، واليابان في 1861، وكوريا في ختام القرن التاسع عشر. في هذه البلدان كلّها تُرجمت النصوص الكتابيّة والليتورجيّة إلى اللغات واللهجات المحلّيّة المختلفة التي تنطق بها الشعوب المبشَّرة.

وهكذا، في منطقة قازان وحدها، احتفل بقدّاس يوحنّا الذهبيّ الفم، العام 1903، بأكثر من عشرين لغة. كذلك ظهر قدّيسون عظام أمثال جرمانوس في آلاسكا (1757 – 1837)، وإينوكنديوس (1797 – 1879)، ونيقولاوس في اليابان (1836 – 1912) وغيرهم. فأطلقوا هذا العمل البشاريّ، وطوّروه.

إذا كانت الحقبة "المجمعيّة"، ورغم إحكام سيطرة الدولة، مرحلة نموّ روحيّ خصب، جاء مجمع موسكو 1917 – 1918 تكريسًا لها وتتويجًا. بعد قرنَين من الصمت على مستوى الكنيسة الروسيّة ككلّ، ولأوّل مرّة بعد آخر مجمع عُقد في موسكو في 1666 – 1667، سُمع صوت الكنيسة الروسيّة عبر مجمع محلّيّ، ليس فقط في إطار إعادة النظام البطريركيّ، لكن، بشكل خاصّ، في إحياء الروح المجمعيّة على كلّ مستويات الحياة الكنسيّة في المراسيم والقوانين التي صدرت عنه.

2- مميّزات المجمع.

كان هذا المجمع مميّزًا للأسباب التالية:

أ‌- التحضير المتقن له

كتب المؤلِّف (ص 20 -21): "تكمن خصوصيّة هذا المجمع في التحضير له مدّة اثنتَي عشرة سنة، دعي خلالها كلّ الأساقفة إلى تقديم تقارير، واجتمعت ثلاث لجان ونشرت مقالات وبيانات لا تحصى في الصحف...".

ب‌- تعيين الأعضاء

وتابع: "... هذا المجمع فريد هو أيضًا في تركيبته، فهو يضمّ 564 عضوًا منهم 299 علمانيًّا منتخبًا يمثّلون مجالات الحياة الكنسيّة كافّة، ويتمتّعون بحقّ المناقشة والتصويت. وهو استثنائيّ أيضًا بسبب من نوعيّة أعضائه، ونذكر منهم، على سبيل المثال، يوجين تروبتسكوي وسيرج بولغاكوڤ اللذين عملا على تجدّد اللاهوت الروسيّ بدء القرن العشرين".

ج- أهمّيّة مواضيعه

وكتب أيضًا: "يتميّز بأهمّيّة المواضيع المطروحة وغزارتها، وهي تتطرّق إلى مجمل الحياة الكنسيّة التي ما تزال حتّى اليوم مواضيع الساعة مثل: دور العلمانيّ في الكنيسة، البشارة والإرساليّات ودور المرأة في الكنيسة".

اعتبر، إذًا، هذا المجمع متميّزًا وخاصًّا بسبب التحضير له الذي ساهمت فيه كلّ قوى الكنيسة من 1905 إلى 1917، وبسبب تركيبته التي فسحت في المجال أمام القوى الحيّة في الكنيسة للاشتراك، إذ إنّ أكثر من نصف الأعضاء كانوا من العلمانيّين والباقي من الأساقفة والكهنة والرهبان. وأخيرًا بسبب أهمّيّة المواضيع المطروحة التي سعت إلى معالجة كلّ القضايا الشائكة في عمل الكنيسة والتي تعيق تألّقها ورسالتها وتشوّه العلاقات المحبّة والمتناغمة بين كلّ قواها الحيّة وبين هذه الأخيرة والمجتمع.

د- السياق التاريخيّ

هذا المجمع فريد حقًّا في الظروف التاريخيّة التي دُعي خلالها إليه وعُقد فيها. فقد التأم "في سياق مضطرب... من حرب عالميّة وثورة شيوعيّة وسبق اضطهادًا لم تعرف له المسيحيّة مثيلاً. عدد كبير من أعضاء المجمع، أساقفة وكهنة ورهبان وعلمانيّون، استشهدوا خلال جلسات المجمع، وبخاصّة بعد انتهاء أعماله، فجعلوا من هذا المجمع مجمع شهود للإيمان حقيقيّين وأوسع مجموعة من القدّيسين الجدد في تاريخ كنيسة روسيا" (ص 21).

3- هذا المجمع نموذج للنهضة في عصرنا الحاليّ

هذه العوامل كلّها مجتمعة جعلت من هذا المجمع بالنسبة إلى كنيسة روسيا حدثًا مغبوطًا، سمح لها بالتصدّي، بشكل أفضل، لكلّ مصاعب الحقبة السوڤياتيّة، وكما يقول سيادة المطران هيلاريون (ألفاييڤ) في مقدّمة الكتاب: "مواجهة مجمل القضايا التي يفرضها تطوّر المجتمع على المسيحيّين، بشجاعة نادرة، ومنها إدارة الكنيسة، العمل التبشيريّ، الوعظ، الليتورجيا، الرهبنة والحياة الرعويّة". نضيف إلى ذلك العلاقات مع المنشقّين ومع المسيحيّين الآخرين والأديان الأخرى والدولة... وبالطبع، عدد من قرارات هذا المجمع لم يوضع قيد التطبيق في روسيا وذلك لأسباب جليّة. ولكن من المؤسف أنّ الكنائس الأرثوذكسيّة الأخرى، التي لم تكن تخضع للنظام السوڤياتيّ، لم تستفد من هذه القرارات لتحديث أوضاعها.

اليوم، وقد أضحت الوثائق الخاصّة بأعمال هذا المجمع في متناول الجميع، حان الوقت للكنيسة الروسيّة المقدّسة بدماء شهدائها ولمجموع الكنائس الأرثوذكسيّة، وبخاصّة كنيسة أنطاكيا، أن تستلهم تراث هذا المجمع بقدر ما تدرك فعلاً ضرورة التجدّد في مواجهة تحدّيات العالم المعاصر.

كتاب الأب (ديتڤيل) أداة عمل مهمّة يساعد على معرفة الحلول، التي أوصى بها المجمع، لكثير من القضايا التي ما تزال تواجهنا. ويمكن للحلول، التي أدخلها هذا المجمع حول إعادة إنشاء البطريركيّة وتبنّي مبدأ الانتخاب والتمثيل على مستويات الكنيسة كافّة وانتخاب الأساقفة في أبرشيّاتهم، أن تساعد، لتبدّد التوتّر بين أعضاء شعب الله، وتشجّع التعاون بين الجميع، كلّ حسب الموهبة المعطاة له من فوق. ومجمع موسكو كان رائدًا في طرح مواضيع أساسيّة لنهضة الحياة الكنسيّة، حتّى إنّ الكنيسة الكاثوليكيّة لم تتطرّق إلى هذه النواحي حتّى المجمع الڤاتيكانيّ الثاني، أي بعد خمسين سنة من المجمع الروسيّ.

4- إنطلاقة عمليّة التحضير للمجمع

الإشعاع الكبير، الذي عرفته بعض الأوساط في الكنيسة الروسيّة خلال المرحلة "المجمعيّة" والذي عرضناه آنفًا، نستطيع اعتباره كالخميرة البعيدة التي جعلت هذا المجمع ممكنًا. خلال هذه الحقبة، وبخاصّة في القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر، قدّم أساقفة كثر مشاريع إصلاحيّة عديدة في الكنيسة، إلّا أنّها لم تبصر النور.

التحضير المباشر لهذا المجمع بدأ فعلاً في العام 1905، أي قبل أحد عشر عامًا من الدعوة إليه. كلّ شيء بدأ مع تزامن ثلاث مبادرات: الأولى من مجموعة قوامها اثنان وثلاثون كاهنًا من سانت بيترسبورغ، والثانية من رئيس الحكومة الكونت وايت، والثالثة من رئيس المجمع المقدّس المتروبوليت أنطون راعي أبرشيّة سانت بيترسبورغ.

أ‌- مذكّرة الكهنة الاثنين والثلاثين

حملت هذه المذكّرة العنوان التالي: "حول ضرورة التغيير في الإدارة الكنسيّة الروسيّة"، وجاءت مباشرة بعد "الأحد الدامي" في التاسع من كانون الثاني 1905، عندما أطلقت الشرطة النار على جمهور واسع يقوده كهنة، ونجم عن ذلك قتل أبرياء عديدين.

الكهنة الاثنان والثلاثون كانوا شهودًا على هذه الأحداث، وتألّموا منها. ومذكّراتهم رافقها استرحام موجّه إلى المتروبوليت أنطون، نقرأ فيها: "الوضع الحاليّ للكهنة مؤلم ولا يُطاق... نسمع من كلّ جهة الطلبات والتوسّلات والنداءات التي تظهر وجع النفوس المضطربة. هم ينتظرون منّا جوابًا إيجابيًّا واضحًا عن أسئلة تتعلّق بالحياة الاجتماعيّة يطرحها الزمن المعاصر بإلحاح. بالنسبة إلى كثيرين، السؤال هو معرفة ما إذا كنّا سنمضي قدمًا تحت جناح الكنيسة أو أن نهجرها حيث هي كأنّها مؤسّسة ولّى عليها الزمن". لمعالجة هذا الوضع يقترح الكهنة الدعوة إلى مجمع يتألّف من أساقفة وكهنة وعلمانيّين، "لأنّ الحاجة إلى هذه الدعوة تفرض ذاتها منذ زمن بعيد". ويطلبون إلى الكنيسة، عندما تتحرّر من سلطة الدولة، أن تمارس روح المجمعيّة والمشاركة على مستوى الحياة الكنسيّة كافّة، على الصعيد الوطنيّ، على صعيد الأبرشيّات وعلى الصعيد المحلّيّ في الرعايا. ويدعون، بخاصّة، إلى تقليص حجم الأبرشيّات وانتخاب الأساقفة بواسطة الكهنة والشعب. حظيت هذه المذكّرة بموافقة المتروبوليت أنطون، ونشرت في الصحف، وفتحت الطريق أمام مقالات أخرى عديدة.

ب‌- مذكّرة رئيس الوزراء

أصدر رئيس الوزراء بدوره مذكّرة أكّد فيها أنّ إخضاع الكنيسة لسلطة الدولة لا يخالف قوانينها فحسب، بل هو مجحف بحقّ الدولة لكونه يحرمها "القوّة الروحيّة والمعنويّة والأخلاقيّة التي تتميّز بها ديانة حيّة". ودعا إلى عقد مجمع يتشكّل من أساقفة وكهنة وعلمانيّين، فقال: "حتّى يمثّل المجمع فعلاً صوت كلّ الكنيسة الروسيّة، لا يمكنه أن يقتصر على الأساقفة فقط... لا المجامع المسكونيّة ولا المجامع المحلّيّة انحصرت في الأساقفة، لكنّها ضمّت قوى الكنيسة الحيّة كافّة من كهنة وعلمانيّين أيضًا".

ج- مذكّرة المتروبوليت أنطون

بدوره وجّه المتروبوليت أنطون رسالة إلى مجلس الوزراء مطالبًا باستقلال الكنيسة عن الدولة، ما يسمح لها بإجراء إصلاح داخليّ يطال الرعايا ويؤدّي إلى لامركزيّة المؤسّسات الكنسيّة ومشاركة العلمانيّين مندوبي الرعايا في مجالس الأبرشيّات ومراجعة برامج التعليم الدينيّ وتطوير وسائله... وطلب المتروبوليت أنطون الدعوة إلى مؤتمر "يشترك فيه ممثّلون عن المطارنة مع بعض الكهنة والعلمانيّين الأكفّاء ولمراجعة الدستور الكنسيّ المعمول به حاليًّا".

د- دور المجمع المقدّس واستفتاء الأساقفة

تكملة لهذه المذكّرات الثلاث، قدّم المجمع المقدّس تقريرًا إلى الأمبراطور يلتمس منه الدعوة، "في الوقت المناسب، إلى التآم المجمع المحلّيّ المؤلّف من كلّ أساقفة أبرشيّات الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، بغية وضع دستور لإدارة المجمع وانتخاب البطريرك وحلّ المعضلات المتعلّقة بحياة الكنيسة". ويُذكر أنّ مشروع المجمع المقدّس حصر المشاركة في المجمع بالأساقفة دون غيرهم. وكان لهذا الطلب تأثير نهائيّ بالنسبة إلى الأمبراطور الذي أعطى موافقته المبدئيّة ولكن مؤجّلاً التنفيذ "إلى أن يحين الوقت الملائم"، وذلك بسبب الحرب الروسيّة – اليابانيّة. إلّا أنّ المدير المدنيّ للمجمع المقدّس، الذي كان يعارض هذا المشروع، اقترح على المجمع المقدّس إطلاق حملة استفتاء يجيب فيها الأساقفة عن الإصلاحات المطروحة. فوُضعت استمارة خاصّة أرسلت إلى كلّ المطارنة في تمّوز 1905، على أن يعيد هؤلاء الأجوبة قبل كانون الأوّل 1905. في غضون ذلك، اندلعت ثورة 1905، التي وضعت حدًّا للحرب وحرّضت على حركة إصلاحيّة شاملة في روسيا، ما دفع بالأمبراطور إلى الطلب من المجمع المقدّس المضيّ قدمًا في التحضير للمجمع. أمّا الأجوبة عن الاستفتاء، فجاءت كلّها مؤيّدة للمجمع، ونشرت، في حزيران 1906، في أربعة مجلّدات كبيرة.

ه- الصحافة والنقاش العلنيّ

المذكّرات الثلاث والتقارير والاستفتاء نشرت كلّها في الصحف، فحازت اهتمام المؤمنين، إكليروس وعلمانيّين، الذين أبدوا ملاحظات عدّة. لم يكن الأمر يتعلّق إذًا، كما يغلب الحال في أيّامنا، "بنشر الغسيل فقط ضمن العائلة"، بما أنّ العائلة هي مجموع شعب الله.

و- الظروف الخارجيّة للواقع الثوريّ

إذًا الظروف الخارجيّة دفعت مرّتَين إلى البدء بالتحضير للمجمع، وهي متمثّلة بضغط الأحوال المأساويّة في الواقع الاجتماعيّ الروسيّ: أوّلاً "الأحد الدامي"، ثمّ ثورة أكتوبر 1905. ويبدو أنّ هذه العوامل الخارجيّة أدّت دورها كمحفّز لأبناء الكنيسة (بعض الكهنة أوّلاً، ثمّ المتروبوليت، تبعه رئيس الوزراء وأخيرًا الأمبراطور)، ليدركوا ضرورة الإصلاح. ويبدو أنّ أهل الكنيسة هم دومًا بحاجة إلى "هزّة" ما حتّى يعتريهم الخوف، فيتحرّكوا. الميل الطبيعيّ يتّجه عادة نحو الاكتفاء الذاتيّ والمحافظة على الواقع القائم.

5- لجنة ما قبل المجمع (كانون الثاني – كانون الأوّل 1905)

شكّل المجمع المقدّس، في كانون الثاني 1906، لجنة من تسعة وثلاثين عضوًا (تسعة أساقفة، سبعة كهنة منهم خمسة أساتذة جامعات وكاهنا رعيّة، ومن واحد وعشرين علمانيًّا منهم تسعة عشر أستاذًا في الجامعات والمعاهد اللاهوتيّة). أوكل إلى هذه اللجنة، برئاسة المتروبوليت أنطون مطران أبرشيّة سانت بيترسبورغ، جمع نتائج الاستفتاء ودراسة النتائج لاستخلاص الاقتراحات الموجب طرحها على المجمع.

أ‌- اللجان الفرعيّة

انقسمت اللجنة إلى لجان فرعيّة على كلّ واحدة منها دراسة إحدى القضايا:

  • تشكيل المجمع ونظامه الداخليّ والتغيير الذي سيطرأ على إدارة الكنيسة
  • إصلاح الإدارة الكنسيّة
  • المحاكم الروحيّة
  • الرعيّة والمدارس المرتبطة بها ومؤتمرات الأبرشيّات ومشاركة الإكليروس في أعمال الخدمة الاجتماعيّة
  • معاهد اللاهوت
  • المسائل العقائديّة بما في ذلك العلاقات مع "المؤمنين القدامى"
  • الخطوات الواجب اتّخاذها للحفاظ على الإيمان القويم والتقوى بإزاء التحدّيات والأخطار الناجمة عن التغيير الحاصل في الدولة والمجتمع.

استغرقت مداولات هذه اللجان عشرة أشهر، قدّمت، في ختامها، مقرّرات، كانت، غالبًا، شديدة الاعتدال. جمعت أعمال هذه اللجان في ستّة مجلّدات، ونشرت بدء العام 1907.

ب‌- قضيّة مشاركة الكهنة والعلمانيّين في المجمع

مسألة مشاركة الكهنة والعلمانيّين في المجمع، إلى جانب الأساقفة، أخذت حيّزًا مهمًّا من النقاش في اللجنة. وأثار هذا الموضوع قضيّة تفسير القوانين المقدّسة وطبيعة الكنيسة. وتواجه طرفان: من جهة، أقلّيّة وافقت على أن يكون للكهنة والعلمانيّين حقّ التصويت، ومن جهة ثانية، أكثريّة عارضت هذا الحقّ. أقرّ الطرف الأوّل بأنّ القوانين الكنسيّة لم تجزم مسألة مشاركة الكهنة والعلمانيّين، ولكن اعتبر أنّ المناقشة وإبداء الرأي والتصويت حقّ لهؤلاء ينبع من ممارسة الكنيسة الأولى. وينبع، أيضًا، من مفهوم بولس الرسول في أنّ الكنيسة هي جسد المسيح، وأنّ الوحدة العضويّة في جسد المسيح تتحطّم إذا هُمّش دور بعض أعضائه، لأنّ الكنيسة ليست فقط في الرئاسة، لكنّها مجموع المؤمنين المرتبطين براعيهم. واستند هذا الرأي أيضًا إلى الوصف الذي نقرأه في أعمال الرسل عن المجمع الرسوليّ في أورشليم، فأكّد أنّ إجماع الآراء هو الذي يكسب القرار قوّة. وذكّر هؤلاء بجواب البطاركة الشرقيّين للبابا في العام 1848 عندما قالوا: "عندنا، لا البطاركة ولا المجامع يستطيعون إجراء أيّ تعديل أو تجديد، لأنّ حارس الإيمان عندنا إنّما هو جسد الكنيسة أي الشعب". زد على ذلك، أنّهم شدّدوا على مفهوم "السوبورنوست" الذي يؤكّد على ميّزة "الجامعيّة" في الكنيسة وعلى أنّ كلّ أعضاء شعب الله يتمتّعون بالحقوق والواجبات عينها.

معظم أعضاء الأكثريّة لم يعترضوا على مشاركة الكهنة والعلمانيّين، بل على إعطائهم حقّ التصويت. ومع ذلك وافقوا على أن يبدوا هؤلاء بآرائهم بكلّ حرّيّة. فقد ارتكز هذا الطرف على تاريخ المجامع، حيث كان الأساقفة وحدهم يصوّتون ومن لم يكن أسقفًا يعطى فقط حقّ قبول مقرّرات الأساقفة علنيًّا بما يشبه "الأكسيوس" بالموافقة. وقالوا إنّ كلّ واحد من أعضاء جسد المسيح يؤدّي وظيفة مختلفة بحسب الموهبة التي أعطيت له. كذلك وعى هؤلاء وجود مشكلة حقيقيّة تكمن في أنّ شريحة واسعة من الكنيسة تشعر بالحذر والريبة تجاه الأساقفة، فخشيت الأكثريّة انقسامًا وشقاقًا إذا لم يُقبل الكهنة والعلمانيّون كأعضاء يتمتّعون بكامل الحقوق. وصدرت مذكّرة ثانية عن الكهنة الاثنين والثلاثين تقول: "حتّى يكتسب القرار المجمعيّ إلزاميّة في كلّ الكنيسة الروسيّة، ينبغي للذين سوف يجتمعون ويقرّرون أن يعبّروا عن الضمير الكنسيّ وعن صوت المؤمنين، كما كانت الحال في الكنيسة الأولى. وأساقفتنا وحدهم لن يستطيعوا أداء هذا الدور في الوقت الحاضر. قبل كلّ شيء هم لم ينتخبهم أعضاء أبرشيّتهم، ومعظمهم لا يعرف خرافه ولا رابط حميم بينهم وبين رعاياهم. وليس من النادر أنّ ثلثَيّ العلمانيّين لم يروهم قطّ. أساقفة كهؤلاء لن يجرأوا على التكلّم باسم خرافهم كما يجب أن يفعلوا في المجمع، ولن يعترف بهم أبناؤهم كمعبّرين عن مشاعرهم..."

سعى، إذًا، المطران سرجيوس، رئيس أساقفة فنلندا، الذي انتخب في ما بعد مطرانًا على موسكو وبطريركًا العام 1943، إلى إيجاد سبيل للتفاهم بين الطرفين. كان مواليًا لنظريّة الأكثريّة إلّا أنّه اعترف بفائدة تمثيل الكهنة والعلمانيّين في المجمع تمثيلاً فعليًّا، فقال: "في الوضع الحاليّ، لا نستطيع أن نتوقّع من الكهنة والعلمانيّين أن يكتفوا بدور استشاريّ. ماذ سيحدث عندئذٍ إذا كان المجمع لن يساهم إلّا في تدعيم دور البيروقراطيّة في الكنيسة. وحتّى لا ننشغل بمثل هذه المخاوف، علينا إمّا ألّا نبالي بمصير الكنيسة ودورها، أو أن نثق بالأساقفة ثقة عمياء ونبدي تجاههم طاعة كلّيّة، ولكن يبدو أنّ هذه الثقة مفقودة في الواقع". ماذا إذًا؟ اقترح المطران سرجيوس تأسيس هيئة واحدة للمجمع يشترك فيها، إلى جانب الأساقفة، الكهنة والعلمانيّون، على أن يُنتخب هؤلاء على ثلاثة مستويات: الرعيّة ومجموعة من الرعايا ثمّ الأبرشيّة. وللجميع حقّ الكلام والتصويت. اقترح أن تكون للمجمع هيئتان: الأولى تجمع كلّ الأعضاء والثانية محصورة بالأساقفة، ويكون لها حقّ النقض بالنسبة إلى القرارات التي تتخذها الهيئة الأولى. ويقول الأب ديتڤيل (ص 79): "هكذا أدخل اشتراك الكهنة والعلمانيّين في واقع المؤسّسة الكنسيّة، كما كانت الحالة في المجامع القديمة، الذي ذُكرت مرارًا أثناء المناقشات بالرجوع إلى المجمع الرسوليّ في أورشليم ومجمع قرطاجة، ولكن على شكل هيئة تمثيليّة".

6- الهيئة الاستشاريّة السابقة للمجمع (1912 – 1916)

أوقفت عمليّة الإصلاح مرّة أخرى، والتحضير للمجمع لم يحرز أيّ تقدّم خلال خمس سنوات، سوى تأليف هيئة استشاريّة في شباط 1912 لصياغة مقترحات اللجنة السابقة. أنجزت هذه الهيئة عملها بين 1912 – 1917، وأصدرت خمسة مجلّدات جديدة جاءت لتكمل أعمال اللجنة. فتكون الفترة التحضيريّة دامت إحدى عشرة سنة من 1905 إلى 1916.

7- المجلس السابق للمجمع والدورة إلى المجمع

من جديد، الأحداث الخارجيّة استعجلت الدعوة إلى المجمع. ثورة شباط 1917 أدّت إلى تنازل الأمبراطور عن العرش، والمجمع المقدّس، في رسالته إلى الأساقفة والكهنة والعلمانيّين في نيسان 1917، أعلن عن عزمه الدعوة للمجمع قريبًا. وفي الوقت عينه أعلن عن تشكيل مجلس مؤلّف من 62 عضوًا منهم 12 أسقفًا و10 كهنة و40 علمانيًّا. عمل هذا المجلس من حزيران إلى آب 1917، وتشكّل من عشر لجان عالجت قضايا متعدّدة تواجهها الكنيسة، واستعان أعضاؤها بما سبق من أوراق أعدّت من قبل الهيئات التحضيريّة السابقة، فحضّر مشاريع مفصّلة ومنظّمة لتقديمها إلى المجمع كما أقرّ نظام المجمع الداخليّ، وقد نُشرت معظم هذه المشاريع. وعلى الرغم من الإطار الثوريّ الذي كانت روسيا تعيشه آنذاك، ناقش مجموع المؤمنين هذه المشاريع. إنّ التحضير الطويل المقرون بالمناقشة العلنيّة يفسّر كيف أتمّ المجمع، الذي التأم بين 15 آب 1917، تاريخ الدعوة إليه، و7 أيلول 1918 عندما توقّفت الجلسات بفعل الضغوط الخارجيّة، كمّيّة هائلة من الأعمال.

8- نظام المجمع وتركيبته.

أ‌- أعضاء المجمع وانتخابهم

رسالة الدعوة، التي أطلقها المجمع المقدّس، واضحة في قولها إنّ هذا المجمع سيتألّف من "أساقفة ورهبان وكهنة الرعايا وعلمانيّين". والنظام المرفق بالدعوة حدّد أنّ أعضاء المجمع هم حكمًا مطارنة الأبرشيّات إضافة إلى الأعضاء المدعوّين (بخاصّة ممثّلي الكنائس الأخرى) والأعضاء المنتخبون. ويفرض النظام على كلّ أبرشيّة أن توفد، إضافة إلى أسقفها، خمسة مندوبين منتخبين، أي كاهنَين وثلاثة علمانيّين. انتخاب الأعضاء يتمّ على ثلاث مراحل. كلّ هيئة رعويّة تنتخب ممثّليها إلى مؤتمر الرعايا أو العمادة. وفي هذه الأخيرة يُنتخب الممثّلون إلى مؤتمر الأبرشيّة وفي هذه المؤلّفة من المطران والممثّلين المنتخبين وممثّلي مدارس اللاهوت يُنتخب المندوبون إلى المجمع. ولاحظ النظام أنّ الأساقفة معاوني المطارنة، والأديار، والأكاديميّات اللاهوتيّة، والجامعات، وبعض هيئات الحكومة كمجلس النوّاب مثلاً، تتمثّل بعدد معيّن من المشاركين.

ضمّ المجمع 564 عضوًا غالبيّتهم منتخبون: 9 أعضاء من المجمع المقدّس حكمًا، 37 رئيس أساقفة يتمتّع بحقّ النقض بموجب مواهب أعضائه.

ح- المجلس المجمعيّ واللجان

ينصّ النظام على أن ينتخب المجمع مجلسًا مجمعيًّا يسهر على حسن سير أعمال اثنين وعشرين لجنة فرعيّة تناقش المواضيع المطروحة. كلّ هذه الهيئات يترأّسها أساقفة ما عدا لجنة الرعيّة.

أمّا عن لائحة المواضيع التي بحثت في هذه اللجان، فجاءت على الشكل التالي:

  • التشريع الكنسيّ
  • إدارة الكنيسة
  • إدارة الأبرشيّة
  • المحكمة الروحيّة
  • الرعيّة
  • وضع الكنيسة القانونيّ
  • الليتورجيا والوعظ وإدارة الكنائس
  • الاقتصاد الكنسيّ
  • النظام الكنسيّ
  • الإرساليّات في الداخل والخارج
  • المؤمنون القدامى
  • الرهبان والرهبنة
  • المعاهد الكنسيّة
  • مؤسّسات التعليم الكنسيّة
  • المدارس الرعويّة
  • التعليم الدينيّ
  • المشاكل المتعلّقة باستقلاليّة كنيسة جيورجيا
  • الكتاب المقدّس
  • النشر
  • الموظّفون العاملون في المجمع
  • صياغة قرارات المجمع وأعماله.

9- جلسات المجمع

عقد المجمع أعماله في 170 جلسة وزّعت على ثلاث مراحل تخلّلتها أعياد الميلاد والظهور الإلهيّ والفصح.

أ‌- الدورة الأولى شهدت أساسًا إعادة النظام البطريركيّ وتحديد إدارة الكنيسة العليا، مدخلة مبادئ الروح والممارسة المجمعيّة على كلّ مستويات الحياة الكنسيّة، من الرعيّة، والأبرشيّة، فالمجمع المقدّس، والمجمع المحلّيّ. وطرحت، أيضًا، مبادئ العلاقات بين الكنيسة والدولة وشجّعت الوعظ، وكذلك عملت على انتخاب البطريرك تيخون.

ب‌- الدورة الثانية التأمت في أجواء اضطهاد متزايد. فالاضطهاد الحقيقيّ والفعليّ بدأ في نهاية العام 1917 عبر إقفال كنائس واغتيال كهنة. أمّا البطريرك، فحرم البلاشفة، واحتجّ على مصادرة أملاك الكنيسة. ورغم الجوّ المتوتّر والمشحون، انكبّت هذه الدورة على تنظيم الأبرشيّات وبخاصّة نظام الرعايا مطبّقة الروح المجمعيّة على هذَين المستويَين.

ج- عملت الدورة الثالثة في ظروف أكثر صعوبة، واضطرّت إلى أن توقف اجتماعاتها قبل أن ينتهي المجمع من دراسة كلّ التقارير المرفوعة إليه. بدأت أعمالها بالصلاة لراحة نفس القيصر المقتول، وختمت بقراءة لائحة الشهداء الجدد (في حينه ثلاثة أساقفة وعشرات الكهنة والعلمانيّين). ورغم ذلك ناقشت مطوّلاً مشاكل الرهبان والرهبنة والأبرشيّات ومشاركة المرأة في نشاط الكنيسة.

10- قرارات المجمع

سنتطرّق، في ما يلي: إلى القرارات التي تتعلّق بإدارة الكنيسة وحياتها، والتي تبدو لنا أكثر آنيّة، وتحمل على النهضة في الكنائس الأرثوذكسيّة في العالم بعامّة، وفي الكنيسة الأنطاكيّة بخاصّة. ومن رام الاستزادة، عليه أن يرجع إلى الكتاب في صفحاته 119 إلى 232.

أ‌- البطريرك

أعيد تأسيس النظام البطريركيّ حيث يترأّس إدارة الكنيسة البطريرك، وينصّ القرار أنّ: "البطريرك هو الأوّل بين الأساقفة المتساوين له"، وأقرّ أيضًا أنّ إدارة الأعمال الكنسيّة منوطة بالبطريرك والمجمع المقدّس والمجلس الأعلى للكنيسة. وأن البطريرك يتمتّع بحقّ إدراج أيّ موضوع للنقاش في أيّة هيئة بترأّسها، وهو مسؤول، مع سائر الهيئات الكنسيّة، تجاه المجمع المحلّيّ. البطريرك ينتخبه مجمع مؤلّف من أساقفة وكهنة وعلمانيّين، ويُرفع اسمه في الخدم الليتورجيّة، وهو الذي يترأّس خدمة تكريس الميرون، وله الحقّ في توجيه رسائل رعائيّة إلى المؤمنين ومنح البركة الخاصّة باسم الكنيسة، وله حقّ الصفح والوساطة لدى السلطة المدنيّة. وهذا الحقّ الأخير يجعله مدافعًا حقيقيًّا عن الشعب تجاه الدولة. كذلك على البطريرك أن يسهر على حياة الكنيسة الداخليّة والخارجيّة وأن يرفع تقريرًا فيها إلى المجمع المحلّيّ الذي يدعو إليه ويترأّس جلساته. ويحقّ له أيضًا زيارة الأبرشيّات والسهر على ملء أيّ فراغ أسقفيّ يحصل فيها. وله أيضًا تجاه المطارنة سلطة قانونيّة ونظاميّة: كالتأنيب والحكم في الخلافات بينهم وتلقّي الشكاوى ضدّهم. وله حقّ النقض إذا رأى أنّ القرارات التي يتّخذها المجمع المقدّس أو المجلس الأعلى تتنافى ومصلحة الكنيسة. إذا أخلّ البطريرك بالقيام بواجبه، يحقّ لثلاثة أعضاء من المجمع المقدّس أو المجلس الأعلى توجيه ملاحظات أخويّة إليه. وإذا لم يذعن لنصيحة أخويّة ثانية، تنقل القضيّة إلى دورة مشتركة يعقدها المجمع المقدّس والمجلس الأعلى، أي أمام اثني عشر أسقفًا واثني عشر كاهنًا وعلمانيًّا منتخبين. وهذه الجلسة المشتركة يمكنها أن توكل الحكم إلى مجمع يضمّ كلّ الأساقفة، على أن يصدر بثلثَيّ الأصوات. يقول الأب ج. فلورفسكي المذكور في الصفحة 145 من الكتاب: "السدّة البطريركيّة لم تسترجع وحسب، بل أُنشئت من جديد. لم تكن هذه عودة إلى القرن السابع عشر، بل لقاءً شجاعًا مع مستقبل آتٍ".

ب‌- المجمع المحلّيّ

نصّ المجمع على "أنّ السلطة العليا، التشريعيّة والإداريّة والقضائيّة وحقّ المراقبة، تعود إلى المجمع المحلّيّ الذي يُدعى دوريًّا وبتواريخ محدّدة، ويتألّف من أساقفة وكهنة وعلمانيّين".

ونصّ أن يكون ثلاثة أنواع من المجامع المحلّيّة: العاديّ، والاستثنائيّ، والعامّ. المجمع المحلّيّ العاديّ يدعو إليه البطريرك كلّ ثلاث سنوات لانتخاب أعضاء هيئات الإدارة العليا للكنيسة (المجمع المقدّس والمجلس الأعلى). المجمع الاستثنائيّ يخصّص لانتخاب البطريرك. والمجمع المحلّيّ، المعروف بالعامّ، يُدعى إليه كلّ تسع سنوات، لمناقشة المسائل الشديدة الخطورة التي تواجه الكنيسة وتعيق شهادتها.

ج- المجمع المقدّس

هو الهيئة الأسقفيّة التي تضمّ البطريرك واثني عشر أسقفًا، واحد منهم دائم (مطران كييڤ) وستّة ينتخبهم المجمع المحلّيّ لثلاث سنوات، وخمسة يستدعون بالدور لمدّة سنة. المجمع المقدّس يهتمّ بالقضايا الرعائيّة والتنظيميّة المتعلّقة أساسًا بحياة الكنيسة الداخليّة. اختصاصه وصلاحيّته السهر على نشر الإيمان ومراقبة العقيدة والقانون الكنسيّ وترجمات الكتاب المقدّس، والقضايا الليتورجيّة، وملاحقة العلاقات مع الكنائس الأرثوذكسيّة الأخرى، والاهتمام بالإرساليّات، والتنشئة اللاهوتيّة وإدارة الكنيسة ونظامها.

د- المجلس الأعلى للكنيسة

إذا كان المجمع المقدّس يرعى بخاصّة الجانب الروحيّ، فالمجلس الأعلى يهتمّ بشؤون الكنيسة الإداريّة، يترأّسه البطريرك، ويتألّف من ثلاثة أساقفة أعضاء المجمع المقدّس وخمسة كهنة وراهب وستّة علمانيّين، والفئات الثلاث الأخيرة ينتخبها المجمع المحلّيّ لثلاث سنوات. ينحصر عمل هذا المجلس في الإدارة الكنسيّة، والاقتصاد الكنسيّ، وإدارة المدارس اللاهوتيّة والمنشورات والمراقبة والأمور القضائيّة. أمّا في القضايا التي تتعلّق بالشؤون الروحيّة والإداريّة معًا، أو التي تخصّ الكنيسة برمّتها، تؤخذ القرارات في اجتماعات مشتركة للهيئتَين. وتبحث الهيئتان بخاصّة بشأن الموافقة على ميزانيّات المؤسّسات الكنسيّة، وتدقيق حسابات المجمع المقدّس والمجلس الأعلى، وملء الوظائف العليا في الإدارة الكنسيّة المركزيّة.

ه- إدارة الأبرشيّات

مبادئ المجمعيّة المتّبعة في الإدارة العليا تطبّق أيضًا في إدارة الأبرشيّات. الأسقف لا يعمل وحده، بل يدير أبرشيّته بمساعدة الكهنة والعلمانيّين. وهذه الإدارة المشتركة ينفّذها مؤتمر الأبرشيّة والمجلس الأبرشيّ.

الجمعيّة العموميّة للأبرشيّة (أو المؤتمر) هي الهيئة العليا التي تجتمع برئاسة الأسقف وتدير الأبرشيّة. تتألّف من عدد متوازٍ من الكهنة والعلمانيّين يُنتخبون لثلاث سنوات، وتناقش القضايا التي يطرحها عليها الأسقف، ومجمل القضايا المتعلّقة بحياة الأبرشيّة كالتبشير والتعليم والإدارة والاقتصاد.

المجلس الأبرشيّ هو المؤسّسة الإداريّة التنفيذيّة الدائمة التي تتشكّل من خمسة أعضاء ينتخبهم مؤتمر الأبرشيّة، لستّ سنوات، تساعد الأسقف في إدارة شؤون الأبرشيّة. وعلى غرار البطريرك في المجمع المقدّس والمجلس الأعلى، يحظى الأسقف بحقّ النقض تجاه كلّ قرارات هذا المجلس أو مؤتمر الأبرشيّة. إذا استعمل هذا الحقّ تُرفع القضيّة إلى السلطة الكنسيّة العليا، التي تتّخذ القرار المناسب. فإذا عارض الأسقف السلطة الكنسيّة العليا، يُمنع من الخدمة، ويواجه المحكمة الكنسيّة. ويُفصل الأسقف إذا تكرّر رفضه ثلاث مرّات.

و- انتخاب المطران

ينتخب الأسقف على ثلاث مراحل: في الأولى يشكّل المجمع المقدّس لائحة مرشّحين يضمّنها مرشّحي الأبرشيّة. وفي الثانية ينتخب مندوبو المجمع المقدّس والكهنة والعلمانيّون من الأبرشيّة مرشّحًا يجب أن ينال ثلثَيّ الأصوات، وفي الختام تثبّت هذا الانتخاب السلطة الكنسيّة العليا. وقرّر المجمع أيضًا أنّ الأسقف ينبغي له أن يبقى في أبرشيّته حتّى وفاته، وهو يتمتّع بمشيئة الله بكامل السلطة في مجال السهر على العقيدة والأخلاق والرعاية والليتورجيا.

أمّا الأساقفة المعاونون الذين يعيّنهم المجمع المقدّس تبعًا لترشيح مطران الأبرشيّة، فهم يديرون شؤون أجزاء من الأبرشيّة، ولهم حقوق الأسقف المستقلّ.

ز- نظام الرعايا

تعتبر الرعيّة "كنيسة صغيرة خاصّة" ضمن جسد المسيح حيث يؤدّي كلّ (؟؟؟) خدمته حسب الموهبة المعطاة له. ويعود إلى الكهنة توعية رعاياهم على أهمّيّة المشاركة في حياة الرعيّة بالنسبة إلى حياتهم المسيحيّة. وعليهم أيضًا أن يعدّوا لائحة بأسماء الأشخاص المستعدّين فعلاً للالتزام وحثّهم على ذلك. يشكّل الرعاة مجموعات من المسؤولين الذين بدورهم يسهرون على تطبيق النظام في ظلّ رعاية الكاهن.

يقول المجمع: "حياة الكاهن لا تنفصل عن حياة رعيّته، وعلى القطيع أن يكون على اتّصال وثيق وحيويّ براعيه".

الكهنة يعيّنهم الأسقف بعد أن "يأخذ في الاعتبار أسماء الذين ترشّحهم هيئة الرعيّة العامّة. وهذه منوط بها مناقشة كلّ قضايا الرعيّة. وتجمتع مرّتين في السنة على الأقلّ، وتتألّف من كامل أعضاء الرعيّة، فوق الخامسة والعشرين، المسجّلة أسماؤهم في دفتر الرعيّة (بما فيهم النساء)، والذين واظبوا على عضويّتهم. تنتخب الهيئة العامّة مجلس الرعيّة الذي يؤمّن تنفيذ قراراتها لإدارة الشؤون الكنسيّة في الرعيّة والسهر على ممتلكاتها.

ح- النشاط الرعائيّ

- الوعظ

يشجّع المجمع الرعاة على الوعظ في كلّ وقت، خلال الليتورجيا وخارجها، حتّى إنّه يفتح المجال أمام العلمانيّين للقيام بهذه الرسالة. "حقّ التعليم الكنسيّ يعود إلى رعاة الكنيسة"، ولكن "بهدف ترسيخ التبشير المسيحيّ الأرثوذكسيّ وتطوير أساليبه، وفق متطلّبات العصر، من المستحبّ، عدم حصر الوعظ في الكهنة والشمامسة والمرتّلين، بل دعوة العلمانيّين الأتقياء المتمكّنين من ذلك ليعظوا أيضًا، لأنّ هذا مهمّ ومفيد جدًّا وملائم ليس فقط خارج الكنيسة، بل أيضًا أثناء الخدم، ومن على المنبر في الكنيسة، شرط أن يحظوا ببركة الأسقف وموافقة الكاهن المحلّيّ".

- الأخويّات

يبارك المجمع إنشاء "أخويّات" تضمّ كهنة، وعلمانيّين ورهبانًا، على كلّ مستويات حياة الكنيسة: الرعيّة، أو مجموعة رعايا أو الأبرشيّة، على أن يقوم أعضاؤها بالتبشير بتعاون وثيق مع كاهن الرعيّة والمطران.

- قيام مجلّة دروس في الوعظ وإنشاء فرق تبشيريّة "متنقّلة"

في سبيل تنشئة هؤلاء المبشّرين، قرّر المجمع إصدار مجلّة كنسيّة تهتمّ بالوعظ من الناحية النظريّة والعمليّة في آنٍ، وتضع في المتناول دراسات ومراجع حول هذا الموضوع. كذلك أوصى بإقامة دروس متخصّصة بالوعظ وتنظيم فرق تبشيريّة متنقّلة وذات خبرة للتعاون الأخويّ مع الرعاة المحلّيّين.

- الإرساليّة

من دون إغفال موضوع الإرساليّات والتبشير الخارجيّ للشعوب غير المسيحيّة، أعطى المجمع حقلاً جديدًا للعمل التبشيريّ، ألا وهو مواجهة "الدعاية اللاتينيّة المتنامية والبروتستانتيّة والشيع والإلحاد في الأوساط الكنسيّة". ولهذا الغرض، يفضّل المجمع أن يكون تنظيم البشارة الداخليّة نتيجة تعاون الكهنة والعلمانيّين على كلّ المستويات في الرعيّة والأبرشيّة والأديار وعلى مستوى الوطن ككلّ. ودعا إلى إنشاء هيئات تبشيريّة تتألّف من عدد متوازٍ من كهنة وعلمانيّين مبشّرين تسهر على تنفيذ المقرّرات المجمعيّة المتعلّقة بالإرساليّات الداخليّة. على أن تقام أيضًا مؤتمرات بهذا الشأن مرّة كلّ ثلاث سنوات.

- مشاركة المرأة

يعترف المجمع "بفائدة مشاركة المرأة الفعّالة في كلّ ميادين الخدمة الكنسيّة بحسب مواهبها". وكما ذكرنا آنفًا، يجب أن تُنتخب النساء في كلّ المجالس واللجان. وخلال المناقشات، طُرح موضوع إعادة إنشاء رتبة الشمّاسات، لكنّ قرارًا لم يؤخذ بهذا الشأن.

11- خاتمة

عطّلت الثورة البولشيفيّة سير المجمع، وحالت دون إنهاء أعماله، وتاليًا لم يُبحث عدد من التقارير، كما لم تطبّق قرارات كثيرة نظرًا إلى الاضطراب والثورة والاضطهاد. مع ذلك خرجت الكنيسة الروسيّة، وعلى رأسها البطريرك، من المجمع وقد تسلّحت لمواجهة الاضطهاد الشنيع الذي عرفته خلال العصر السوفياتيّ. ورغم كلّ شيء، فإنّها مارست النمط "المجمعيّ" عبر مجامع محلّيّة عقدت في السنوات 1945، 1971، 1988 و1990. أمّا مجموعات المهاجرين الروس إلى أميركا وأوروبا، فتمكّنت من تطبيق أهمّ قوانين المجمع وأحكامه. واليوم بعد أن تحرّرت الكنيسة الروسيّة، فلا بدّ من أن تسعى إلى متابعة عمل المجمع. إنّ نظامها الجديد، الذي صدر في العام 2000، يشمل بعض قوانين المجمع. فالمبدأ المجمعيّ على كلّ مستويات حياة الكنيسة، والذي دعا إليه المجمع، أبقي عليه وبخاصّة بشأن مشاركة الكهنة، العلمانيّين في انتخاب راعيهم وإدارة شؤون الكنيسة ضمن احترام كلّيّ للموهبة الأسقفيّة.

وأشار قداسة البطريرك الروسيّ بوضوح، في خطاب ألقاه العام 2000، لمناسبة الذكرى الألفيّة لتنصير روسيا، إلى مجمع 1917 – 1918، وعبّر عن نيّته في متابعة أعماله التي لم تنتهِ، وبخاصّة في مجال الحياة الليتورجيّة.

وكما كتب الأسقف هيلاريون (ألفاييڤ)، وهو الآن ممثّل الكنيسة الروسيّة لدى الهيئات الأوروبيّة، في العام 1999: "القضايا التي طرحها مجمع 1917 – 1918 ما تزال تنتظر أجوبة، فهي لم تفقد آنيّتها، ونحن لا نستطيع فعلاً التقدّم في عدد من ميادين الحياة الكنسيّة، من دون أن نعود إلى الإرث الذي تركه لنا هذا المجمع ومن أن ندرس قراراته ونسعى لتطبيقها في الإطار المعاصر والوضع الحالي". (ص 282).

نأمل أن تستطيع الكنيسة الروسيّة، التي خرجت مجروحة من الاضطهاد، ولكن قويّة بدماء شهدائها، متابعة الطريق الذي خطّه المجمع، معطية بذلك المثال للعالم الأرثوذكسيّ برمّته، الذي هو، بأمسّ الحاجة إلى هذه الإصلاحات أكثر من أيّ وقت مضى.

كلمة أخيرة، لكن مهمّة وأساسيّة. هناك تشابه جليّ وواضح بين مقرّرات مجمع موسكو بشأن مشاركة العلمانيّين في الحياة الكنسيّة، والقوانين الأنطاكيّة الصادرة العام 1973، علمًا أنّ القوانين الأنطاكيّة آنذاك لم تقع في تجربة الفصل بين "الروحيّ" المناط بالإكليروس و"المادّيّ" الذي هو من شأن العلمانيّين، إذ جدّدت أنّ كلّ شؤون الكنيسة من روحيّة ومادّيّة هي مسؤوليّة كلّ أعضاء الكنيسة، كلّ حسب المواهب المعطاة له من الله.

من المؤسف أنّ قوانين 1973، التي شجّعت المشاركة بين الأساقفة والعلمانيّين، ليس فقط لم تطبّق، بل عدّلت، مسبّبة تباعدًا بين الأساقفة وباقي شعب الله، وحارمة العلمانيّين والكهنة إبداء رأيهم في ما يتعلّق باختيار أسقفهم، والمساهمة الفعليّة في إدارة شؤون الكنيسة، ومدخلة في المدى الأنطاكيّ تناميًا لنفسيّة "إكليريكيّة" تشجّع تفرّدًا أسقفيًّا لا يساعد على تطبيق الروح "المجمعيّة" في المشاركة والتعاون المسؤول الذي هو مبدأ أساس في مفهوم "المجمعيّة" في الكنيسة.

لنتضرّع إلى الله حتّى يعطينا نعمة تغيير هذا الوضع قبل أن يفوت الأوان. ولكن علينا أيضًا أن نعمل.

أمِنَ الطوباويّة أن نأمل أن تقوم كنيستنا بالتحضير لمجمع مماثل لمجمع موسكو في المستقبل المنظور، على غرار ما فعلته مؤخّرًا الكنيسة المارونيّة وما تسعى إلى تحقيقه كنيسة الروم الكاثوليك؟ مهما كانت الصعوبات ومهما تأزّمت الأوضاع، علينا كلّنا أن نساهم، باستمرار، في إحياء هذا السعي من أجل النهضة ورفع تحدّيات هذا العصر.

كلّنا مسؤول، والأيّام شرّيرة. فليعطنا الله أن نكون خدّامًا بطّالين في حقله، وأن نسعى بمحبّة وانكسار قلب، ولكن بإلحاح، إلى حثّ الطاقات الحيّة في الكنيسة، لكي يلهمنا الله الطريق الأفضل لانطلاقة عمل تحضيريّ جدّيّ لمؤتمر عامّ للكنيسة الأنطاكيّة، تبحث في المشاكل التي تمزّقنا، وتعيد اللحمة الحميمة بين أعضاء شعب الله كافّة.

المشاركات الشائعة