كوستي بندلـي

ريمون رزق

الموقع الالكترونيّ للحركة - 12 كانون الأوّل 2013


مرّة أخرى رحل عملاق من الذين أطلقوا النهضة الحديثة في الكنيسة الأنطاكيّة ورسّخوها في نفوس شباب لا تُحصى أعدادهم. كان كوستي بندلي متواضعًا إلى أقصى درجات التواضع، لا تعرف إن رأيته، دون سماعه، أنّه صاحب فكر مميّز وأعمال التهمها شبابنا، وتعلّموا عليها كيف يواجهون العالم المعاصر بأمانة كلّيّة لفكر الإنجيل وتعلّق ثابت بالربّ يسوع وتجذّر في كنيسته مع انفتاح تامّ على كلّ ما أعطى الربّ أبنائه أن ينتجوه، إلى أيّ ملّة أو مشرب انتموا. علّهم يكتشفون في طيّات هذا العالم المسيح الذي ينير كلّ إنسان أتى إلى العالم. تعلّمنا على كوستي بندلي، إلى التواضع الفكريّ والحياتيّ، ميزة الاصغاء للآخر، الذي مارسها بامتياز، مريدًا دومًا في أحاديثه أن ينطلق ممّا سمعه شخصيًّا من الشباب،

ومن التساؤلات التي يطرحونها عليه. لذلك ابتعد نهجه عن ضبابيّة بعض أهل العلم الذين يدّعون المعرفة، ليضع أصبعه على الجروح التي لا تشفيها إلاّ كلمة الحق المتجسّدة والمنحنية إلى آلامها. كان كوستي مقتنعًا أنّ الإنسان “عندما يرى أخاه إنّما يرى الربّ إلهه”، على حدّ قول الآباء شيوخ البريّة. لم أعرف إلاّ قلّة عزيزة تميّزت بمثل هذه الموهبة، إذ غالبًا ما تدغدغ الناس أفكارهم، فلا يسمعون ما يُقال لهم، لأنّهم بدل السماع يهيّئون غالبًا الجواب الذي به يعتقدون أنّهم ينتصرون على الآخر!

علّمنا كوستي إذًا الإصغاء والانتباه التام إلى قريبنا، لأنّ الله يكلّمنا أيضًا بواسطة الأخ – وكلّ إنسان هو أخينا – لأنّ المسيح يسكن فيه. في عالم يملؤه اليأس والقلق، علّمنا كوستي” أنّ الحياة ليست عبثيّة”، بل يجب أن تكون”تقدمة وخدمة ومشاركة وورشة للملكوت الآتي”. يمكن قول المزيد على كلّ ما أعطانا الله أن نكتسبه من خلال هذا الإنسان الذي اختار أن يُمحى لكي يبرز من خلال معرفته الخفرة المتواضعة نور مقتبس من النور الإلهيّ.

لكن لا يسعني، وأنا أكتب هذه الكلمات، والغصّة في قلبي، إلاّ أن ألاحظ غياب وجوه النهضة، الواحد تلو الآخر، وأطلب من المخلصين في أنطاكية، وهم الأغلبيّة الحيّة فيها، والذين يفتقدونهم، أن يترحّموا عليهم ويطلبوا من الله أن يحفظ إلى سنين عديدة المطران جورج (خضر) الذي هو آخرهم، والذي لولاه لما كانت أنطاكية على ما هي عليه من إشراقات من الروح. فليحفظه الربّ الإله، وليجعل ذكر كوستي مؤبّدًا.

المشاركات الشائعة