الحركة بين الأمس واليوم

 

ريمون رزق - نيسان 2010


المسيح قام!

طلب مني الاخوة ان اتكلم اليوم عن الحركة بين الامس واليوم,

يذكرني هذا العنوان بسؤال  طرح علي منذ بعض الوقت الا وهو: ايننا من محبتنا الاولى؟ قلت انذاك واردد اليوم ان المحبة الاولى كانت وما تزال محبة يسوع المسيح السيد وان كل شيء اخر اتسمت به الحركة لا قيمة له ان لم ينتج عن هذه المحبة. وان كل من ابتعد عنها يفقد مبرر التزامه الحقيقي ويدور في حلقة مفرغة، حتى اذا كانت مليئة بالنشاطات وما يسمى باعمال نهضوية. محبة المسيح هي هي في الامس واليوم ويجب ان تستمر اذا اردنا للحركة ان تستمر وتبقى على عهدها.

قد سعت الحركة منذ البدء ان تدعو اعضاءها الى مثل هذه المحبة وعلمتهم كيفية اكتسابها والبقاء عليها. علمتنا الحركة كيف نتعرف على يسوع وكيف نتمثل به. وهذا يتطلب جهدا كبيرا وجهادا واستمرارية في التفتيش عنه في كل مواضع سكناه. علمتنا انه موجود ينتظر لقيانا في كتابه العزيز، وفي ليتورجيا كنيسته، وفي سر الشكر، وفي لقاء الصلاة الفردية وجها بوجه، وفي وجوه الاخوة وفي كل انسان ضعيف، مضطهد ومكسور ارتضى يسوع ان يسكن فيه. كما قال قديما المطران جورج، "ان برنامج الحركة الوحيد هو يسوع المسيح"، وكل برنامج اخر، ان لم يكن مرتبطا ارتباطا وثيقا به يكون باطلا. اذا اردنا حقا ان نكون حركيين، في ايامنا الصعبة هذه، لا بد لنا ان نعي اكثر فاكثر هذه الحقيقة وان نفّعل قبل اي شيء اخر تكريسنا الكلي للمسيح. كنيسة انطاكية بحاجة اليوم اكثر من اي وقت مضى الى اناس يتبتلون للرب ولا يريدون ان يعرفوا سواه. همهم الوحيد ارضاءه وابتغاء وجهه. لا يفتشون عن جاه او تقدير او شرف اذ لا شرف لهم سوى شرف الخدمة وغسل ارجل الاخوة. بدون هذا السعي الدائم والدؤوب الى الالتصاق بالرب والتخلق بأخلاقه واكتساب فكره وحمل هم التبشير بتعاليمه ونشر رسالته السارة، لا قيمة لنا ولا حاجة الينا. كثيرون هم المعلمون. كثيرون هم المنظرون. كثيرون هم الاسياد او الذين يبتغون الوجاهة والسيادة. الكنيسة بحاجة الى هؤلاء الصغار الذين قرروا ان يتبعوا يسوع حيث يريد ان يأخذهم، عالمين ان طرق الرب تؤدي دوما الى صليب فقيامة. هكذا كانت الحركة فىي الامس. هل نحن على العهد باقون؟

على كل واحد منا ان يجيب بصدق وجدية على هذا السؤال. وعلى كل كيان حركي ان يفحص توجهاته ونشاطاته وبرامجه على ضوئه ويٌقدم بجرأة على تصحيح المسار كل ما اقتضى الامر. كلنا يعلم ان هناك تهاون و سقطات وان الزوأن غالبا ما يختلط بالقمح. وهذا طبيعي اذ نحن كلنا بشر وخاطئون. المهم الا نبقى على خطايانا متعللين بعللها.لاننا  خاطئون يٌغفر لهم، اذا اقبلوا على التوبة. الحركة مثلنا تتأرجح بين الواقع المرير احيانا وبين المرتجى. نحن قائمون على الرجاء شرط ان نكمل السعي ولا نمل. تجربة العصور الذهبية والامجاد العابرة هي تجربة ارثوذكسية بامتياز. الامس لم يكن كله ساطعا منيرا، كما وان روح الله يطل على شبابنا اليوم اطلالات ساحرة. المهم ان نبقى على مساءلة نفوسنا واوضاعنا على ضوء محبتنا الاولى والاتكال على الرب الذي يستطيع ان يجعل من الحجارة اولادا لابراهيم. علينا دوما ان نتسائل هل نحن حقا تلاميذ ليسوع تربطنا فيه علاقة شخصية حميمة ونسعى للتخلق باخلاقه؟ وهل نحن حاملون حقا هم الكنيسة ونتمزق اذا شاهدنا عيوبا فيها واذا لاحظنا ان معاصينا تحول دون ابراز وجه المسيح فيها وهبوب روحه القدوس؟

وهل نحن مقتنعون بان الناس اذا احببناهم من دون تمييز او محاباة وكنا مستعدين دوماً لخدمتهم، سيكتشفون ان الله يحبهم؟

مهما كانت اجوبتنا على تلك التساؤلات، وادعو كل واحد منا ان يجيب في قرارة نفسه، علينا الاقتناع ان الحركة مدرسة يتخرج منها مكرسون وخدمة ومشاريع قديسين، والا مهما تزايدت الاعداد والنشاطات فهي فاشلة.

وهذا كله يبتدىء في الفرقة الحركية وينطلق منها. يجب ان تكون الفرقة مختبرا للحياة في المسيح. ليست اولا مكان دراسة، مع انه لا بد من الدراسة لاكتساب فكر المسيح، لكنها مكان نتعلم فيه كيف نتمثل بالمسيح ونترجم تعاليمه عيشا وتوبة وخدمة وشهادة. ونختبر اننا والاخوة اصبحنا "اعضاء لبعضنا البعض" (رو12 -5 )، وان الحياة في المسيح لا تكمن فقط في نوع من مناقبية راقية، بل بتغيير للذهن وبالاستعداد لبذل الحياة كلها من اجل الاخرين، من اجل كل قريب يضعه الرب على دربنا، تماما كما فعل هو. وان هذه الحياة لا تتحقق فعلا الا بالافعال، لانه اذا اقتصرت محبتنا "على الخطابات والكلام المعسول" (1 يو 3 - 18)، فلا جدوى منها.

 كانت إحدى ركائز الفرقة الحركية،  كما تسنى لي ان اعيشها، قانون حياة يقره كل اعضاء الفرقة ويتعاونون على تطبيقه في حياتهم اليومية. وكان هذا القانون يرتكز على التذكير بشتى الوسائل اننا نحيا دوما في حضرة الله الذي يدعونا لملاقاته في عيون الناس.

وكذلك كانت احدى مييزات الفرقة عدم الانغلاق على نفسها، بل الانفتاح على الجميع والاستعداد الدائم لقبول الاخر، مهما اختلفت الاراء، والدخول في حوار منفتح ومحب معه، والمبادرة الى مساعدته وخدمته اذا كان محتاجا الى عطف او تفهم او خبز او مساندة، كما لو كنا نفعل مع المسيح نفسه.

وايضا لا بد لذكر الهم التبشيري الذي كان شغل الحركيين الاوائل الشاغل، حيث كانوا يفتشون تفتيشا، في الاحياء والدساكر والقرى، عن كل من لا يأتي الى الكنيسة، غير مكتفين بمن يعم الرعية، كما نفعل غالبا الان، لابلاغه رسالة الانجيل وان الله احبه حتى الموت وينتظر عودته. الويل لنا ان اقتصر تبشيرنا فقط على المجالات السهلة المنال وتناسينا الغالبية اللا مبالية والتي يتزايد يوما بعد يوم ابتعادها عن الحظيرة.

هناك مجالات كثيرة اخرى يمكننا التوقف عندها لمقارنة تصرفاتنا بتصرفات الامس. لن اذكر منها الا القليل المتمحور حول الاقتناع ان الحركة هي خادمة لوحدة شعب الله وساهرة لكي تبقى الكنيسة عروسا "بلا عيب ولا غضن ولا شيىء مثل ذلك".

اولا: خدمتنا تقتضي ان نسعى بشتى الوسائل الضاغطة والمحبة الى هدم الجدران التي يريدها البعض بين ابناء شعب الله الواحد. وبخاصة بين الاكليريكيين والعلما نيين وبين فئات عديدة في الكنيسة تهرطق بعضها البعض. وذلك يتم باعادة تأكيد لاهوت الكهنوت الملوكي والمواهب من جهة، وبالدعوة الى الحوار بين الفئات المتخاصمة في سعي لبلورة رؤية جامعة واحدة متجذرة في تقليد الكنيسة و ضرورات التبشير والانفتاح المحب على الانسان المعاصر. لا بد من مبادرات سريعة في هذا المجال تأخذها الحركة بالتعاون مع اخرين ، لان الافكار تتباعد  باضطراد وسوف تجر القلوب. لا يكمن الخطأ في حالة الاختلاف بالرأي ضمن الجماعة الواحدة، وهذا شرعي، بل ان يهرطق الواحد الاخر لمجرد اختلاف بالرأي ويرفض الحوار مما يقود الى رفض الاخر وانتزاع صفة الاخوة عنه.

ثانيا:تكمن خدمتنا للكنيسة الانطاكية ايضا بواسطة اطلاق مشاريع ضرورية لتأمين استمرارية وفاعلية شهادتها و منها ما يلي:

العمل على تطبيق القوانين وتأليف المجالس على كافة الصعد، من الرعية، الى الابرشية، الى البطريركية. الحركة، الموجودة في معظم الابرشيات، يمكنها التنسيق لاقناع اكبرعدد ممكن من السادة المطارنة ومساعدتهم لاخراج هذه المجالس الى الوجود بأسرع وقت ممكن، لتفادي البعد المتزايد بين الاكليروس والعلمانيين وجعل كل عضو من اعضاء شعب الله الواحد يساهم مع اخوته وابائه، كل بحسب موهبته، في السهر على شؤون امه الكنيسة، بامامة الاسقف.

كلنا يعلم ان الكنيسة الانطاكية تواجه مشاكل مختلفة تسبب احياناً انفصاماً خطيراً بين الايمان المستقيم والممارسات على الارض، مما يعيق شهادتها لربها في خضم المتغيرات المتسارعة في العالم. هذه المشاكل تتعلق بشتى مجالات الشهادة امام تحديات العالم المعاصر وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا في البشارة وغيرها. سعى المجمع المقدس مراراً تكليف بعض المطارنة بتحضير ملفات حول عدد من هذه المواضيع، ولكن لم يتسنى لهم القيام بهذه المهمة. الكرسي الانطاكي بحاجة الى مؤتمر عام، على شاكلة ما حصل في الكنائس الاخرى، لدرس واقرار اصلاحات باتت ضرورية وملحة.  مشروع كهذا يتطلب تحضيراً واسعاً ودقيقأً. باعتقادي ان الحركة، بما فيها من طاقات، يمكنها، بالتعاون مع طاقات انطاكية اخرى، التحضير لهكذا مؤتمر بجدية وتواضع، وان تضع نتاج عملها بتصرف المجمع المقدس. اذا فعلت، تكون الحركة قد عادت الى تراث انطلاقتها الاولى الذي كان يساهم في ايجاد الحلول وليس الاكتفاء بالانتقاد، كما غالبا ما يفعل بعضنا اليوم.

واخيرا وليس اخراً، خدمتنا تكمن في اظهار جماعتنا الحركية متجذرة في الموعظة على الجبل، مجسدة الفكر الانجيلي في حياتنا اليومية وفي علاقاتنا. العالم ليس بحاجة الى عقائديين معلمي المسكونة، بل الى اناس يقتدون بالمسيح فيبرهنون بمسلكهم الحياتي ان الحياة ليست عبثية بل هي تقدمة وخدمة ومشاركة وهي ورشة للملكوت الاتي. المسحييون الاوائل ابهروا العالم الوثني بعيشهم قيامة الرب  وبمحبتهم لبعضهم البعض وخدمتهم للانسان، فاقتحموه وجعلوا المسيح يتغلب عليه. لا اقتحام ولا غلبة على الوثنية المعاصرة الا باناس يعيشون على مثال الاوائل. متسلحين بالزهد بالمغريات الارضية، ومتعلقون بروح المجانية وفرح العطاء، والحنان على كل مخلوق، ومصممون على مشاركة الاخوة في كل شيء. خدمتنا الكبرى تتلخص في العيش حسب كلام بطرس الرسول، في رسالته الثانية، القائل: "وانتم باذلون كل اجتهاد، قدموا في ايمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففا، وفي التعفف صبراً، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة اخوية، وفي المودة الاخوية محبة" (1-5 الى7). بهكذا عيش نشهد حقاً ان الله موجود وان له اسماً ووجهاً، اسم يسوع المسيح ووجهه، الذي مات لانه يحبنا. ونشهد ان القريب هو ايضا موجود وانه على صورة الله، لا يجب استخدامه بل خدمته، لكي يعي ويحقق المثال الالهي المدعو اليه. وهكذا تكون الحركة جمعت بين ماضيها وحاضرها ومهدت الطريق لاجيالها الطالعة. فلا تخافوا! اقتحموا العالم بمحبة الرب يسوع! لا تقبلوا انصاف الحلول.لا تدعوا احدا يهزأ بحداثتكم و لكن اسهروا ان تكونوا بالفعل وليس بالكلام قدوة للمؤمنين بالتقوى واستقامة الحياة والمحبة الصادقة التي لا تعبير عنها سوى خدمة الناس. لا تقبلوا ان يقزم الانجيل. لا تقبلوا ان يقزم احد كنيستكم بحصرها بشخصه او جماعته . لا تقزموا انتم المسيح في حياتكم بل جاهدوا باسيمرار للوصول الى ملء قامته. اعطوه قلوبكم فيرفعكم اليه, وبكم ومعكم ترتفع الكنيسة. واذا ضعفتم فاستندوا على بعضكم البعض و ابقوا على الرجاء لان ما هو غير مستطاع عند الناس هو مستطاع لدى الرب و"هو قادر ان يفعل اكثر بكثير مما نطلب" كما يقول الرسول الى اهل افسس (  3.21) . فله المجد الى الابد!

المسيح قام!

 

 

 

  


المشاركات الشائعة