مقدّمة كتيّب "كلّنا واحد، كلّنا إخوة" - الميناء

 ريمون رزق - 2015


ربّما سائل: لماذا هذا الكتاب؟ ما هي ضرورة تدوين كلّ هذه التفاصيل عن نشأة ونموّ مجموعة من الشباب في مدينة في شمال لبنان؟

مَن يريد أن يقرأ بين سطور هذه الصفحات سيجد الجواب على هذه التساؤلات. سيكتشف أنّ الكتاب لا ينقل فقط تفاصيل، بل يحمل رؤية ومشروع. كيف تحسّس شبابًا أنطاكيًّا بخطيئته وضعف كنيسته، وجنّد طاقاته لسلوك درب التوبة والنهضة الشخصيّة والجماعيّة. كلّ ذلك لأنّه وُجد مَن يقول له إنّه محبوب، وإنّ يسوع هو مَن أحبّه أوّلاً، وينتظر أن يبادله هذه المحبّة. كشفت لنا حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة أساسَا أن ننمّي علاقتنا بهذا اليسوع الإله الذي لا يزال ينزف بسبب معاصينا. كما علّمتنا أنّه صاحب النهضة في كنيسته، وإنجيله مرجعها الوحيد، والعالم بأسره مطرح الشهادة له. لا يتقوقع المسيحيّ ولا يهرب حتّى في صوم وصلاة. إن أراد أن يعطي قلبه ليسوع، لا يمكنه سوى أن يشارك في الثورة النهضويّة التي يطلقها المسيح باستمرار ويحيّيها روحه القدّوس. "يا بني أعطني قلبك". لا مبدأ يتّبعه الحركي قبل ذلك. عليه أن يكون في يقظة دائمة ليسمع ما يتمتمه له الروح، ويعي أنّ الربّ واقف أمام باب قلبه يقرع بخفر لأنّ مَن أحبّ لا يقتحم محبّيه بل يحترم حريّتهم. وهم إن فتحوا الباب يدعونه للسكنى فيهم، ويكرّسون أنفسهم له ولأحبّائه، ويطيعون. يفتحون ثمّ يلتزمون، لأنّ اتّباع يسوع والسكنى معه يقتضيان التزامًا لخدمته في إخوته هؤلاء الصغار.

لا يفهم الناس عادة هذه الحريّة المؤدّية إلى الالتزام. لا يفهمون هذا الإله الذي يرتضي وضع نفسه على مستوى مخلوقاته. يفضّلون الإله الباطش، القوّي، ربّ القوّات. في مكان ما لا يزال المسيحيّون متعلّقون بعقليّة العهد القديم. يتكلّمون على الحريّة الواجبة ولا يمارسونها. مهما يقولون، تبقى عقليّة العهد الجديد غريبة عن ممارساتهم. لا يفهمون أنّنا كلّنا إخوة على مختلف مواهبنا. في العالم، لا يريد الكبار اعتبارا الشباب أندادهم في العمق، وأنّهم يتكاملون، لأنّ يسوع أحبّهم جميعًا ولم يفرّق بينهم. المفروض أن يختلف الوضع في كنيسة المسيح، حيث كلّ شيء يكون في الشورى. "أمّا أنتم فلا يكن فيكم هذا يا تلاميذي". لكن الرؤساء فيها غالبًا ما يتحاشون الحوار، ويفضلّون الطاعة العمياء. الطاعة مقدّسة وتقدّس، لكنّها إن لم تكون اختياريّة، تلغي حريّة الآخر، وتقزّمه. عشنا في كنيستنا ولا نزال مشكلة حقيقيّة في علاقة السلطة والطاعة. لا سلطة ولا طاعة خارج المحبّة والأمانة ليسوع وتعاليمه.

هذا ما علّمتنا إيّاه الحركة، وهذا آتٍ من روح الله، وعليه باقون. وليست الشهادات التي قدّمها بعض أعضاء الحركة في الميناء، والموجود في فصل هذا الكتاب الأخير، سوى تأكيدات حياتيّة على هذا النوع من الالتزام. يقول الدكتور روجيه صايغ: "تعلمت بواسطة الحركة أنّ الربّ يسوع هو الكلّ بالكلّ، وأنّ محبّته لا متناهية لنا نحن الخطأة. ... وأنّ لا حدود تفصل المسيحيّ عن الآخر، لا قوميّات، لا لغات ولا مراكز. الربّ يسوع هو مركز الكلّ وكنيستنا واحدة تجمع الكلّ". ويقول الأخ جورج أروادي: " أمّا بشأن تأثير الحركة فألخّصّه في اكتشافي لدوري كفاعل في الكنيسة على حسب المواهب التي منحني إيّاها الله وما يفرضه عليّ من التزام وشهادة". ويذهب الأخ الياس فلاّح إلى التذكير بضرورة أن تكون الحركة في يقظة مستمرّة لتصحيح كلّ اعوجاج في مسيرتها، وقال: "أرجو من الله أن يمدّ شبابنا بالإيمان والمحبّة والقوّة والشجاعة والتواضع لتكون عندهم الصحوة والقدرة للمشاركة مع جميع المؤمنين في الكنيسة، والتي أصبح يلزمها الكثير من العمل المستمرّ والجادّ، وليس فقط الكلام في الاجتماعات أو التوصيات في المؤتمرات. ... لفتني ما كتبه سيادة المطران أفرام (كرياكوس): أن يتجرّأ الواحد أكان إكليريكيًّا أو علمانيًّا على أن يفضح ما هو كاذب في الكنيسة والعالم دون أن يفقد تواضعه". ويشير الأخ كريستو المرّ إلى جوّ الإخوّة والصداقة الملتزمة الذي يسود الفرق الحركيّة، فيقول: "في الحركة في الميناء لم أجد فقط يسوع في علّية غرفة الصلاة... ولكن عرفته أوّلاً في فرقتي الجميلة في وجوه الأصدقاء الذين قبلوني بينهم وأحبّوني على علاّتي ووثقوا بي". وتقول الأخت سيّدة أنطون: "تعلّمتُ أن العمل يجب أن يكون في خفر وأن تختفيَ أنت ليظهر المسيح، وأن تحبَّ وتسمع وترشد لتُظهرَ المسيح من خلالك... أكيد إنّ وجودي في الحركة كوّن شخصيّتي الحاليّة، فقد تعلّمتُ أنّ الرب يسوع هو المرتجى في كلّ ما نفعله، وأن أحبّه يعني أن يكون الآخر باختلافه هو المحبوب. حبّ الفقير يصبح في الداخل ومن الداخل". وتعود وتؤكّد الاخت كاترين سرور على جوّ التعاضد والأخوّة في الحركة، فتقول: "عندما يمرض أحد، الكلّ يسأل عنه ويزوره ويتحقّق عمّا إذا كان هذا الشخص بحاجة إلى أيّ أمر مادّيّ أو مساعدة معنويّة. أجمل شيء وأثمن إحساس هو أن يشعر الإنسان بأنّ له إخوةً يحبّونه وعلى استعداد للتضحية بوقتهم وبمالهم إن اقتضى الأمر من أجل مساعدته". وبعد أن ذكر بعض الوجوه التي أثّرت فيه خلال حياته الحركيّة، انتهى الأخ رامي حصني إلى القول: " كلّ هذه الوجوه تمرّ بذهني وأشكر الربّ على أنّ ذلك المشعل الذي رفعته شبيبة ملتهبة بعشق الربّ قبل سبعين عامًا لا يزال ينتقل من يد إلى يد ويلهب الأفئدة حبًّا وفرحاً وقداسة".

تعبّر مثل هذه الشهادات عن حقيقة الحياة الحركيّة. لا بدّ أنّه توجد خطايا وسوء تصرّف هنا وثمّة، التي تعطي فكرة مغلوطة عن هذه الحقيقة. ألا أعطانا الله جميعًا أن نصرّ على بقائنا في طريق التوبة والرأفة والتواضع والوداعة وطول الأناة، كي نتعلّم أن نخضع لبعضنا بعضًا (أفسس 5: 20)، ونحتمل ونسامح بعضنا بعضًا، ونلبس المحبّة التي "هي رباط الكم" (كولوسي 3: 12-15).

 

 

المشاركات الشائعة