"المحبّة الأولى"

 ريمون رزق

النور- العدد الثالني 2001

 

أهلاً وسهلاً بكم. رؤيتكم بهذا العدد ومن كلّ الأبرشيّات التي تنتمون إليها يعزّي لأنّه يجسّد فعلاً الوحدة الأنطاكيّة، وهو علامة لمن يشكّ في أنّ شباب هذه الكنيسة – والحداثة ليست فقط بالعمر بل خصوصًا بطراوة القلب – ما زال مستعدًّا لأن يعطي قلبه ويكرّس من وقته وجهوده لاكتساب فكر المسيح واختبار حلاوة لقاء الأخوة والتدرّج معًا على التوبة والمحبّة والخدمة.

يذكّرني هذا اللقاء بلقاء مماثل التأم منذ ما يُقارب الـ35 سنة في مركز للمؤتمرات قريب في ضهور الشوير حيث انعقدت الحلقة الدراسيّة "الأولى" والتي كانت آنذاك حقيقة الأولى من ثلاث حلقات (بكفتين وحصرون) ساهمت في توحيد الرؤية النهضويّة والالتزام الكلّيّ لمجموعة من الشباب والصبايا مارسوا فيما بعد وإلى سنين طويلة قيادة العمل النهضويّ.

أنتم هنا – مثل هؤلاء – لاسترجاع مشعل المحبّة الأولى الذي أبرزه الروح القدس للأخوة المؤسّسين والذين نقلوه إلى الأجيال اللاحقة والذي لا بدّ من أن تتسلّموه أنتم الآن وتسهروا على استمراريّته لأنّه على الرغم من التدغدغ الدارج في الأوساط الكنسيّة بالإنجازات – ونشكر الربّ عليها – كنيسة أنطاكية اليوم هي أكثر من أيّ وقت مضى بحاجة إلى النهضة والنهضة لن تكون إذا لم تتبتّلوا لها وتعتبروها شغلكم الشاغل وتسلكوا الطرق التي تؤدّي إليها. وليس من طريق إلّا هذا الذي أعلن ذاته الطريق والحقّ والحياة.

أنتم هنا بالطبع للدرس والبحث. هذا صحيح وأرجو أن تكونوا جدّيين، ولكنكم لستم وراء اكتساب معلومات مهما سمت للحفظ أو للترداد. لا يوجد في المسيحيّة عقائد للترف الفكريّ. كلّ ما ستسمعونه يجب أن يترجَم حياة في المسيح ومناقب وخدمة.

أنتم إذًا هنا – إضافة إلى الدرس – لتختبروا العيش المشترك، للصلاة، للتوبة، لتبادل خبراتكم، لسماع بعضكم البعض باحترام ومحبّة، لمشاركة همّ الكنيسة واستنباط أساليب جديدة لنشر الكلمة والتبشير. الويل لنا إذا سهونا عن همّ السعي الدائم إلى القداسة، عن همّ التبشير، عن همّ السعي لإصلاح ما تسبّبه خطايانا من وسخ في الكنيسة وعن همّ خدمة البشر. لا تجعلوا أحد هذه الهموم يطغى على الآخر. لقد اشتريتم بثمن غال ومن يعرف أنّه محبوب كهذا لا يحاسب. لا تحاسبوا كما يفعل من يتقدّم في العمر، في السلطة أو في المال. الشباب لا يحاسب، المسيح – الذي لم يعرف الشيخوخة في حياته الأرضيّة ومات شابًّا – لم يحاسب بل أفرغ ذاته كلّيًّا حتّى الموت محبّةً بأخوته.

أنتم هنا أيضًا لتذكّرونا بمشاكل مراكزكم ورعاياكم والأصدقاء الكثر الذين لا يؤمّون لا هذه ولا تلك والذين ما عادوا ينظرون إلى الكنيسة كأمّ لهم أو لأنّهم يعتبرون أنّها تجاهلتهم أو لأنّهم ما عادوا يفهمون اللغة التي تخاطبهم بها. أنتم مسؤولون مع باقي الآباء والأخوة لجعل رعاياكم تستفيد وتسمع أنين الروح في هؤلاء لكي تصبح شهادتنا أقرب إلى قلب الله.

نحن كلّنا هنا لكي نعيش مع يسوع الذي سوف نلاقي في تأمّل كلمته، في تناول جسده ودمه، في ممارسة الصلاة وفي المحبّة للأخوة. هو المبتغى وليس المعلومات عنه مهما سمت وتنوّعت. هو وحده إذا التصقنا به وتبعناه سيدرّبنا أحسن تدريب. وإذا تخلّقنا بأخلاقه وأحببنا بعضنا بعضًا والبشر جميعًا سيعرف الأخوة في الكنيسة وفي العالم أنّنا تلاميذه وسيتّعظون. هذا لا يجب أن ينهينا عن المعرفة والتدريب العلميّ الذي يعطينا الأدوات واللغة والمضمون الذين إذا أحسن استعمالهم يسهّلوا نقل الربّ إلى الآخرين.

أريد أن أعتذر من الأخوة الذين كانوا مصمّمين على المجيء ولكن لم يتمكّنوا من ذلك عندما تغيّرت مواعيد انعقاد هذه الحلقة. هذا التغيّر حصل لأسباب نرجو أن تكون قاهرة. إنّ هذا التغيّر المفاجئ لمكان انعقاد الحلقة ذكّرنا بضرورة السعي الجدّيّ لإيجاد مركز أرثوذكسيّ للمؤتمرات يكون في خدمة أبناء هذه الكنيسة جميعًا. وسوف نعمل جادّين لإيجاد مثل هذا المكان.

وفي الختام أودّ أن أشكر القيّمين على هذا الدير الذين استقبلونا بالترحاب وكلّ الأخوة الذين سهروا وسيسهرون على راحتنا خلال الأسبوع.

ولعلّ وجودنا في هذا المكان مراد من الله لكيّ يذكّرنا بأنّ الصلاة والعمل من أجل وحدة المسيحيّين يجب أن يبقيا في صلب اهتماماتنا لأنّ هذه الوحدة يريدها يسوع حتمًا لكي يؤمن العالم بأنّه المخلّص. وشكرًا.

المشاركات الشائعة