الحياة المسيحيّة قصّة حبّ

 ريمون رزق


يسوع يسألني: يا بنيّ أتحبّني؟ هو واقف أمام باب قلبنا يستعطي محبّتنا. هل نجاوب؟ أو نستحي أن نفتح له الباب لكثرة أوساخنا والاهتمامات العديدة التي تملىء قلبنا. يقول الأب ليف:

الخطوة الأولى أن أقول نعم كما قالت والدة الإلى فولدت المسيح. ونحن إن قلنا نعم تعالى، وسمعنا ما يريد أن يقوله لنا، وتبعناه حيث يدعونا، يمكننا أيضًا أن نولده للعالم، أن نجعل الناس يعترفوا بوجوده من خلالنا ويعرفوا من خلال تصرّفاتنا المحبّة أنّه أحبّهم حتّى الموت ومادد يده لهم.

إن قلنا نعم علينا أن نصبح كالعريس الذي يفتّش على حبيبته في كلّ مكان. فأين نجد يسوع؟ كيف نسمعه؟ أين نلتصق به؟ كيف نخدمه؟ كيف نصبح تلاميذ له؟

أين نجده؟ يقول أحد الآباء: الله ليس لا فوق ولا تحت، هو أمامك، هو فيك ينتظر ان تدخل بحوار معه.  فاللقاء الأوّل إذًا وهو الأسرع، الأقرب هو أن نعوّد ذواتنا للتذكر أنّه موجود دومًا معنا، وأن نسلّم عليه مرارًا أثناء النهار، ونختلي به، ونتحدّث معه. عليّ أن أعي في كلّ لحظة أنّني في حضرة الله، وأن نتّخذ الموقف والتصرّف اللائقين به. بقيت عندنا عادات مثل كلمات: يا ربّ، انشاء الله، التي نردّده بدون إعطائها حقيقة مضمونها. فالنحييها، ونتعوّد، أمام كلّ مشكلة وبدون مشكلة أن نقول طبيعيًّا: يا ربّ ارحم!، يا يسوعي ارحمنيّ! ويمكننا أن نردّد هذا الدعاء باستمرار: صلّوا بلا انقطاع يقول الرسول. إضافة إلى هذا الوعي، يجب أن نخصّص للحوار مع الربّ أوقاتًا معيّنه، تتلائم مع أشغالنا ومسؤوليّاتنا. وقفة في الصباح انشكره على هذا اليوم الجديد والتعهد أمامه بعدم نسيانه خلال اليوم، ونطلب منه أن يضىء عقولنا ونفوسنا ويفتح شفاهنا لكي ننطق بتسبيحه طوال النهار، وبذلك نكون رسلاً له أمام مَن سوف نلتقي. وقفة أخرى مساءً، قبل أن ننعس (لذلك لا بدّ من تخفيف التلفيزيون)، تتمحوّر حول أمور ثلاثة مهمّة: قراءة مقطع من الإنجيل أو الرسائل، مراجعة النهار المنتهي وفحص ضميرنا لمعرفة أين كانت تصرّفاتنا لا تلائم روح الربّ، وماذا علينا فعله في الغد اتفادي مثل هذه الانزلقات، وأخيراً حديثًا واعيًا مع الربّ، طارحين عليه مشاكلنا، مسبحينه لمحبّته، ومسلمين نفوسنا إليه في هذا الليل الذي هو نوعًا من الموت (فيجب أن نكون إذا مستعدّين): يا الله بين يديك استودع روحي. يقول الآباء إنّ ذكر الموت يجعلنا نتغلّب على مصاعب الحياة. مَن يموت قبل أن يموت لا يموت عندما يموت. ويكون اليوم المقبل الجديد بمثابة قيامة بعد موت الليل. يقول القديس أنطونيوس الكبير: فليكن كلّ يوم كأنّه اليوم الأوّل، فتجدّد فيه كلّ التزاماتك. ولا بدّ أيضًا من وقفة ثالثة، في منتصف النهار، أو في غروبه للتسبيح والتذكير بقراراتنا التي أخذناها الليلة السابقة، والسهر على تطبيقها خلال هذا النهار.

 

نجد يسوع أيضًا في كتابه المقدّس الذي يجب أن نقرأه يوميًّا، وأن نفتّش عن يسوع فيه ونسمع ما يقول. إذ كل ما يقول في الإنجيل موجّه لي شخصيًّا.

نجد يسوع في بيت الكنيسة يوم الأحد في القدّاس الإلهيّ. لا نقول رايح اسمع القدّاس بل يجب القول إنّي رايح اشترك بالقدّاس. لماذا؟ لأنّ في القدّاس تتكوّن كنيسة المسيح. ألمطران والكاهن ونحن أفراد الشعب المؤمن نوّلّفها عندما نجتمع حول يسوع النازل إلينا في القرابين المقدّسة. ولا يمكن الاستغناء عن أحد منّا. كلّ واحد منتَظر في بيت العائلة، ليتجذّر بالمسيح ويصبح بالمناولة لحمًا من لحمه ودمًا من دمه. هل هناك اندماج أعظم من هذا الاندماج؟ هل هناك ملاقاة أفظع من هذه؟

نجده في سرّ المصالحة.  عندما نقترب من الشمس نشعر بحرارتها، وكم نحن غير مجهرين لاستقبال أشعّتها بدون نوعصا من الوقايو والدراية. وكذلك كلمّا اقتربنا من يسوع نشعر انّنا غير لائقين له. لن اقوا أن أشعّته تحرقنا كما تفعل أشعّة الشمس، بل نحن إن كنّا صادقين في محبّتنا له، نشعر أنّه يلزمنا شبئًا من التنظيف، أنّه علينا أن نصبح أنقى، مع العلم أنّنا لن نصبح أبدًا بالنقاوة التي توهّلنا له، لكنّه يقبلنا كما نحن ويدعونا إلى الاشتراك بمائدته. نحن إذا نشعر. لا يرغمنا، بل محبّته هي التي ترغمنا، إن كنّا نحبّه. نقول يا عيب الشوم عندما نشعر أنّنا قمنا في هذا العالم بشيء غير لائق تجاه أحد الأشخاص. هكذا يجب أن نقول بالنسبة إلى يسوع وننقي ضميرنا تجاهه وتجاه الكنيسة التي هي جسده، ونتصالح معهما، إن كنّا ابتعدنا عنهما. موتكون هذه المصالحة بالتوبة. والكلمة اليونانيّة لها هي متتانيا (ربّما تعرفوا كلمة مطّانيّة التي تعني سجدة أي انقلاب كلّي). فالتوبة هي قرار واستعداد لتغيير مجرى الحياة. ونتوجّه إلى وجه يسوع. وبما أنّ كلّ ابتعاد عنه هو ابتعاد عن عائلته التي هي الكنيسة، نتوب إليه وإاي إخوته. من هنا نعترف أمام الله والكاهن الذي يمثّل العائلة.

 

نجده في اجتماع الإخوة، ليس فقط في القدّاس، بل في كلّ اجتماع يُقام باسمه، كاجتماعنا اليوم، لأنّه قال أنّه يكون بين كا اثين أو ثلاثة يجتمعون باسمه. كل اجتماع من هذا النوع، وكلّ فرقة، هي إذًا مكان للقاء يسوع، وباختبارنا ضمن الجماعة، الإلفة والتآخي والتعاضد والهمّ المشترك والخدمة، نتعلّم من يسوع الحاضر أن يحوّل الصداقة بيننا إلى أخوّة حقيقيّة، إلى محبة. فمثل هذه الاجتماعات هي قبل كلّ شيء مختبرات لاختبار وممارسة المحبّة. وكما تعلمون ان الله هو محبّة. فباختبارنا المحبّة بين الإخوة نتذوّق الله ونختبر محبّته.

نجده أخيرًا وليس آخرًا في كلّ إنسان وخاصّة الفقير والمكسور الذي ارتضى أن يسكن فيهم. عنوان الحياة المسيحيّة المحبّة والرحمة . بهذا يعرفون أنّكم تلاميذي. أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم. أحبوا أعدائكم والذين يسيئون إليكم. اطعموني، اكسوني، زوروني، اشفقوا عليّ في كلّ واحد من إخوتي هؤلاء الضغار. بهذا يعرف الناس أنّكم تلاميذي. بقدر ما تغسلوا أرجل البشر، وتنبذوا العداوة والعنف، وتبشّروا بالمحبّة والعدل، تكون من تلاميذي، لأنّه ليس مَن يقول يا ربّ يا ربّ يدخل ملكوت السموات، بل الذي يمتثل بيي ويعطي حياته من أجل الآخرين.

فهل نحن حقًّا من تلاميذه، وهل نتجاسر ونقول لمَن يسألنا عن إيماننا والرجاء الذي فينا: تعالى وانظر؟

المشاركات الشائعة