ألبير لحّام - الذكرى التاسعة

 ريمون رزق

موقع الحركة الالكترونيّ - 9 أيلول 2022


لا يُنسى الآباء. وليس الأب، في مفهومنا، الذي يلدنا جسديًّا فقط، بل الذي يلدنا في المسيح، لا فرق إن كان إكليريكيًّا أو علمانيًّا. هو مَن تبتّل للربّ، واختفى ليُظهر وجهه تعالى. وألبير لحّام، الذي نقيم تذكار فراقه في هذا الأسبوع، كان من بين هؤلاء الآباء.

كان أبًّا مؤسسًا للحركة، وكيف لي ألّا أذكر قوله الذي دفعني أثناء أوّل لقائي بالحركة، شابًا متغرّبًا عن كنيستي ومتعثّرًا من أوهان أعضائها، إلى الارتماء في أحضان هذه الكنيسة، لأنّه قال لا نستطيع أن نترك أمّنا إذا مرضت، بل نتجنّد لخدمتها.

كان ألبير، مع انشغاله بأعماله المهنيّة الكثيرة وسموّ مركزه الاجتماعيّ، دائم الاطّلاع على أوضاع شباب الكنيسة، منتبهًا إلى تساؤلاتهم، مشجّعًا لمسعاهم، مريدًا ألّا يحيدوا عن الطريق الذي خطّه الرّوح في أنطاكية. كان يردّد علينا القول الذي سمعه مرارًا من أبيه الروحي، ليف جيله: "يا بني أعطني قلبك". وكان يجسّد القول بتواضعه وجهوزيّته وإصراره على الشورى مع شباب أصغر منه سنًّا وخبرة، لأنّه يؤمن أنّ روح الله يسكن فيهم، إذا أعطوه قلبهم.

كان مسؤولًا عادة في الأمانة العامّة عن "الشّؤون الكنسيّة". وكان يرجو ويجاهد، في حراكه لإيصال النّهضة إلى المؤسّسة في الكنيسة، ألًّا يُقدم على خدمتها، إلًا مَن كرّس قلبه حقًا لله، أكان أسقفًا، كاهنًا، راهبًا أو علمانيًّا. وقد لعب دورًا طليعيًّا في بعض الظّروف العصيبة التي مرّت بها كنيستنا، لأسباب خارجيّة أو بسبب تهاون أبنائها، وساهم في إحقاق الحقّ والدرء من الأخطار. وكان الرّعاة يستشيرونه ويقفون على رأيه، متجاهلين الشرخ المصطنع بين الإكليريكيّين والعلمانيّين، وانعدام الشورى المتزايد في أيّامنا.

شاءت الظّروف أن يُمضي ألبير معظم حياته خارج الوطن، لكنّه كان يطّلع على شؤون الكنيسة و"الشّباب" يوميًّا. قال لي مرّة: أريد أن أمضي آخر سنوات حياتي في عِشرة الشّباب أنقل إليهم ما أُعطي لي من خبرة في المسيح، وأتلقّى إشعاعات النّور التي يسكبها عليهم. وقد حقّق أمنيته، وكان يمضي ساعاتٍ متتاليةً مع الشّباب "ليعوّض، كما كان يقول، عن الوقت الذي قضاه بعيدًا عنهم".

سنفتقد دومًا لهذا الشيخ الذي لم يفقد أبدًا روح الشّباب وتوثّباته. ألا منّ الله على أنطاكية كثيرًا من أمثاله، وأعطاه ذكرًا مؤبّدًا.
المسيح قام!

 

المشاركات الشائعة